واثق الجلبي
الحوار المتمدن-العدد: 3467 - 2011 / 8 / 25 - 22:14
المحور:
الادب والفن
طائر الشيخ
عجلّ الشيخ باقتناص حباب المطر إلى فمه المشقوق خجلاً من ظمأ الصبا وراح يرطب شفتيه بيد بينما جمع في كفه الشاغرة بعضاً من قطرات المطر المتعفنة داساً إياها في فمه الكهفي الضيق .. ظلل عطشه وهو يمسح لحسته العنكبوتية بعكازاته العشر ، انقطع ظله عن اللحاق به وهو يستنجد حبات الرمل المطرية التي كست وجهه بقشور الصدف ، تناوب مع صداه في سعاله الخرافي وهو يمزق آخر غشاء يحجبه عن العالم .
وضع رأسه العنزي بين ركبتيه ليتذكر كيف قبلت قدماه صحراء الدنيا ولم تنجب قبلاته إلا رمالاً من رحم محزوم .. حلقت أفكاره مع ذلك الطائر الشيخ الذي رافق شهقاته وزفراته العقيمة نظر إليه .. فحط الطائر على جرحه فانكفأ الشيخ يسجل فصله الأخير بذاكرته المنحطة من جبل ، أطبق عينيه صارخاً بينما كان الطائر يبحث برجليه فإذا بطائر يخرج من الحفيرة .. توقف الشيخ عن الصراخ بعد أن داهمته صورة الولادة .. عادت حماه الذاهبة وتنفس قميصه الأسمنتي يسحب شيخاً .. ما ظن الشيخ أن الطير قادر على إحياء الموتى .. نظر الطير إلى الشيخ مستهزئاً .. تعانق الطائر مع زميله وراحا يرقصان وبعد برهة راح الشيخ يتشبه بهما .. رقص ناسياً ثوبه فوق الرمل وكأنه فتاة تهز رد فيها في عرس بصري قديم .. عاد الشيخ إلى رشده وقد انتهت مراسيم العرس فركض نحوهما فلم يمسك سوى بريشة على الأثر أدار وجهه ليجد أن ثوبه قد غطته الدماء .. أطارت الريح الريشة عالياً فجثا على سبابته و(همد) قليلاً وأسرع بحفر حفرة أوسع من أختها حفر بيد واستجار بالأخرى .. خرج العرق من مسام جلده المتكلس ما كان شعره والرمل الأحمر والعرق طيناً لازباً وصلصالاً مِنْ حمأ مستغيث .. حفر بمعاوله العشرين وهو يحلم بخروج عروس الرمل صرخ كالميتة وقد سرق التعب كل قوته .. تمدد في الحفرة وهو يرمق السماء جاءت الريح التي أخفت ثيابه لتستر عورتها .. أصبح تلاً سومرياً منفرداً أعادت الريح تلك الريشة لتنبت على ذلك التل بخارطة جداريه خرجت من الفن الفيدرالي .
#واثق_الجلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟