فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3467 - 2011 / 8 / 25 - 09:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإخوان المسلمون فى مصر هم يعلنون أنهم"جماعة من المسلمين" تدعو وتطالب بتحكيم شرع الله، والعيش في ظلال الإسلام, وهى جزء من تيار الإخوان المسلمين العالمي والفرع المؤسس لها. نشأت هذه الجماعة في الإسماعيلية برئاسة الشيخ حسن البنا عام 1928م كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته. وفى عام 1932م انتقل نشاط الجماعة إلى القاهرة, ولم يبدأ نشاط الجماعة السياسى إلا في عام 1938م. اتفقت مع مصر الفتاة في رفض الدستور والنظام النيابى على أساس أن دستور الأمة هو القران كما أبرزت مفهوم القومية الإسلامية كبديل للقومية المصرية. حددت أهدافها السياسية في أن يتحرر الوطن الإسلامي من الاستعمار الأجنبى, وأن تقوم في هذا الوطن دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعى وتعلن دعوته الحكيمة للناس (عودة الخلافة). وقد أعلن البنا عدائه للأحزاب السياسية إذ اعتبرها نتاج أنظمة مستوردة لا تتلاءم مع البيئة المصرية ووصفها بأنها أحزاب الشيطان مؤكِدا ألا حزبية في الإسلام, وأعلن ولاءه وأمله في "مَلِك مصر المسلم", ونجح علي ماهر باشا والشيخ المراغي في توطيد العلاقة بين القصر والجماعة التي استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية, بعدها بدأت خشية الملك من سطوة هذه الجماعة نتيجة الأعداد الكبيرة التي انضمت إليها, وقوة الأسلحة التي استخدمتها أثناء حرب النكبة, لذا أيد سياسة النقراشى بحل الجماعة. وتعود الجماعة إلى مزاولة نشاطها عام 1951م نتيجة صدور قرار من مجلس الدولة بعدم مشروعية قرار حل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها. وساند الإخوان حركة الضباط ( 23 يوليو 1952), وكانت الجماعة هى الهيئة المدنية الوحيدة التي تعلم بموعد قيام الحركة, وهى القوة الشعبية التي كان يعتمد عليها ضباط الجيش لتأمين الدولة ومواجهة الإنجليز, وكان التنظيم يضم عدد كبير من الضباط المنتمين للإخوان. أصدر مجلس قيادة الحركة قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية في البلاد مستثنياً جماعة الإخوان لكونها جماعة دينية دعوية ولا تعمل بالسياسة كما كانت تدعى. وفي يناير 1953 طالب الأخوان بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها, ورفض عبد الناصر الأمر. وبعد فترة هدوء اصطدم عبد الناصر بالإخوان صداما شديدا بعد محاولة أحد المنتمين إلى الجماعة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية 26 أكتوبر 1954. وتعتبر الجماعة محظورة منذ ذاك التاريخ, إلا أن السلطات كانت تتسامح مع نشاطاتها"في حدود". وفي 1964، قام عبدالناصر باعتقال من تم الافراج عنهم من الإخوان مرة أخرى وبالأخص سيد قطب وغيرهم من قيادات الإخوان بعد اكتشاف مؤامرة أخرى لاغتياله, وأُعدم سيد قطب في عام 1966 ومعه خمسة من قيادات الإخوان. وفى عهد السادات الذى تبني سياسة مصالحة مع القوى السياسية المصرية وتم إغلاق السجون والمعتقلات التي اُنشٍئت في عهد عبد الناصر واجراء إصلاحات سياسية, حدثت طمأنينة في نفوس الاخوان تعززت بعد حرب أكتوبر 1973 حيث أعطي السادات لهم مساحة من الحرية لم تستمر طويلاً ولاسيما بعد تبنيه سياسات الانفتاح الاقتصادي, وبعد إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1977، شهدت مصر حركات معارضة شديدة لسياسات السادات تم على إثرها اعتقال عدد كبير من الإخوان والقوى السياسية الآخرى فيما سمي بإجراءات التحفظ في سبتمبر 1981, وانتهى بهم الأمر باغتياله فى حادثة المنصة. وفى عهد اللا مبارك الذي اتبع في البداية سياسة المصالحة والمهادنة معهم, خاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2005, وحصلوا علي 88 مقعد بالبرلمان فى صفقة مع النظام. وبأسلوب التقية التى يجيدونها صرح عصام العريان أحد قادتهم أنه في حال حكم الإخوان مصر سيتم الحرص على تقوية ما سماها "الوحدة الوطنية ونزع فتيل التوترات الطبقية والحفاظ على المُساواة الكاملة وتكافؤ الفرص بين الجميع على قاعدة المواطنة الكاملة والوقوف بكل قوة ضد ماوصفها الليبرالية المتوحشة" كما أشار إلى حماية من سماهم "الضعفاء اجتماعياً" خاصة المرأة والأقباط والأطفال وغيرهم على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون, متناسيا إلى حين أدبيات الجماعة بعدم تولى حكم مصر مسيحى أو إمرأة. وكأحد صور المشاركة السياسية اللاحزبية إكتسح الأخوان تحت شعار الإسلام هو الحل نقابات المحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة والعلميين إلا أن الدولة جمدت معظم أنشطة هذه النقابات ووضعتها تحت الحراسة. وفي 28 فبراير 2008 قال قياديون في الجماعة أنهم لن يخوضوا الانتخابات الرئاسية المصرية في عام 2011 حتى لو حصلوا على الشروط القانونية وفى عام 2010 جدد الإخوان رفض تولي المرأة والأقباط للرئاسة, ثم عادو بعد ثورة 25 يناير يؤكدون عدم اعتراضهم على تولى حكم مصر قبطى أو إمرأة..!!
وللأخوان فى مصر تاريخ أجرامى طويل يقوم به الجهاز السرى للجماعة, بدأ في يناير 1948 م عند اكتشاف بمحض الصدفة مجموعة من الشبان تتدرب سراً على السلاح في منطقة جبل المقطم، وبمداهمة المجموعة ضبط البوليس 165 قنبلة ومجموعات من الأسلحة. في 22 مارس 1948 إغتال الإخوان المستشار أحمد بك الخازندار وذلك بسبب إصداره حكماً قاسياً على أحد أعضاء الجماعة. في 20 يونيو 1948 اشعلوا النيران في بعض منازل حارة اليهود، وفي 19 يوليو فجروا محلّي شيكوريل وأركو. وكان الأسبوع الأخير من يوليو والأول من أغسطس هما أسبوعي الرعب بالقاهرة حيث توالت الانفجارات في ممتلكات اليهود وتوالت التفجيرات بشوارع قلب العاصمة راح ضحيتها الكثيرون, وخلال أسبوعين دمرت محلات بنـزايون وجاتينيو وشركة الدلتا التجارية ومحطة ماركوني للتلغراف اللاسلكي . وفي 22 سبتمبر دمروا عدة منازل في حارة اليهود ثم وقع انفجار عنيف في مبنى شركة الإعلانات الشرقية، وفي 15 نوفمبر ضُبطت سيارة جيب وضعت يد البوليس على اثنين وثلاثين من أهم كوادر الجهاز السري, وعلى وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله بما فيها خططه وتشكيلاته وأسماء الكثيرين من قادته وأعضائه, وكان البنا فى هذه الفترة يؤدي فريضة الحج وليبتعد عن إحتمال القبض عليه, ولكن تم القبض عليه فور عودته لوجود دليل ضده في سيارة الجيب المضبوطة ولمسؤوليته المباشرة عن حادث نسف شركة الإعلانات قبل مغادرته مصر. ونتيجة لهذه الأعمال الإجرامية وفي الساعة العاشرة من مساء يوم 8 ديسمبر 1948 أُذيع قرار مجلس الوزراء بحل الجماعة ومصادرة أموالها وممتلكاتها. وفي 28 ديسمبرقام الأخوان باغتيل النقراشى باشا, وأتى إبراهيم عبد الهادي لتتسع دائرة الاعتقالات في صفوف الإخوان فتشمل 4000 معتقل. ولكى ينقذ نفسه استنكر البنا هذه الأعمال الإرهابية والتي أمرهم بتنفيذها مرارا وتكرارا, واتهم القائمين بها بأنهم "ليسوا أخواناً وليسوا مسلمين"! ووقّع بياناً بعنوان "بيان للناس" يستنكر فيه أعمال رجاله ورفاق طريقه ويدمغها بالإرهاب والخروج على تعاليم الإسلام. وبعد يومين من صدور "بيان للناس" قبض على أحد قادة الجهاز السري وهو يحاول نسف محكمة استئناف مصر, فيضطر البنا إلى كتابة بيان أو مقال يتبرأ فيه من القائمين بهذا الفعل بعد مفاوضات مع الحكومة, كان تنيجته تأكُد الجهاز السري للإخوان من خيانة حسن البنا لهم ووقوعه في أحضان البوليس السياسي وأجهزة الداخلية للملك ولهذا قرروا تصفية هذا الخائن وقتله عقاباً له على بيعه لهم بثمن رخيص وتم اغتياله فى 12 فبراير 1942. وفى 24 فبراير 1945 قام محمود العيسوى المنتمى للجماعة باغتيال أحمد ماهر باشا أثناء خروجه من البرلمان. وأصابع الاتهام تتجه للجماعة فى حادثة حريق القاهرة فى 26 يناير 1952. ومعلوم لكم محاولاتهم إغتيال عبد الناصر, واغتيال السادات فى حادث المنصة. ومحاولة اغتيال مبارك بالخرطوم فى يونيو 1995.
ما أريد أن أقوله بعد هذه المقدمة الطويلة أن الأخوان جماعة لا خلاق لها ولا يمكن الوثوق بأقوالها, وتصريحاتهم الآنية ـ أنهم لا يمانعون من تولى المسيحيين المناصب العليا فى البلاد حتى منصب رئيس الجمهورية ـ هو نوع من أنواع التقية التى طالما لجأوا إليها عند اضرورة والتنكر لها عندما تتغير الظروف. وللأسف انخدع بتصريحاتهم الكثير من المسيحيين ضعاف النفوس وهرولوا إلى منتدياتهم واجتماعاتهم. كنا نظن أن من اندفع للترحيب بتلبية دعواتهم بعض مسيحى السلطة والإمعات وطلاب الشهرة فقط ولكن المؤسف حقا أن يشمل ذلك بعض الكهنة الأفاضل. والأخوان بهرولة المسيحيين لمنتدياتهم يوجهون رسائل مقنعة لللبراليين ومطالبى مدنية الدولة والمدافعين عن الأقليات وعلى رأسهم أقباطها المسيحيين, مفادها لقد خاب رجاءكم ها هم أقباط مصر المسيحيين ينضمون إلينا ويخزلونكم. وحقيقة الأمر الأخوان لا يعبأون ولا يرحبون بمن يأتى إليهم, وخير دليل على ذلك ما حدث للكاهن الموقر أبونا القمص بولس عويضة. دُعى القمص بولس من أحد قادة الأخوان على إفطار المغفور لها الوحدة الوطنية التى تنيحت على يديهم الكريمة. ولأن قدسه مسالم وطيب القلب لبى الدعوة وتوجه فى الميعاد إلى فندق جراند حياة, وعند عبوره البوابة الإلكترونية انطلقت صافرة الإنذار, فتعرض لمعاملة غير لائقة وتعنت غير مفهوم من موظف الأمن الذى لم يرد أن يفهم معنى " إسورة علاجية ممغنطة" ولأن القمص بولس رجل طيب لدرجة السذاجة فقد ارتضى أن يستجيب لتعليمات موظف الفندق غير اللائقة وأن يخلع الرداء الكهنوتى, ظنا منه أنه يؤكد على ضرورة احترام النظام. واستمر بدون ملابسه فى حوار غير معلن لمدة عشر دقائق. وبدلا من اعتذار إدارة الفندق عن موقفها المشين أجبرت أحد موظفيها المسيحيين ليتقدم بشكوى إلى الكنيسة مدافعا فيها عن إدارة الفندق ومؤكدا أن إدارته لم تجبر القمص على خلع ملابسه للعبور من البوابة وأنها حاولت استرضاءه أكثر من مرة بعد خلع ملابسه إلا أنه أصرّ على تصعيد الموقف, كما تقدم الفندق ببلاغ للنائب العام يتهم فيه القمص بالتشهير بالفندق.
شاهدت الفيديو الذى عرض على وسائل الميديا وذكرتنى مشاهدته بموقف مماثل فى مسرحية مدرسة المشاغبين, حيث تعرض مدرس طيب القلب لعبث صبيانى من طلبته فخلع ملابسه حتى وصل للقطعة الأخيرة فامتنع قائلا: آخد برد.! وهو نفس موقف قدس ابونا الطيب الذى تعرض لعبث إدارة الفندق وعدم اكتراث الجماعة الداعية ولكن لم يكن عبثا صبيانيا ولكنه عمل خبيث قذر يحاسب عليه القانون ويصنف تحت جريمة هتك عرض فى مكان عام. وبناء عليه إضطر الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة على إيقاف القمص بولس حتى انتهاء التحقيق على أساس أنه خلع رداء الكهنوت, وخلع الرداء يعتبر شقا للكهنوت. مع تقديرى واحترامى للقمص بولس أرى أنه أخطأ فى حق نفسه وحق كهنوته وشعب كنيسته, فكان من الأجدى ألا يلبى الدعوة من البداية حتى لا يعطيهم الفرصة للمناورة, ولكنه للأسف لبى الدعوة وحدثت الواقعة وكان عليه حين طلب منه خلع ردائه أن يمتنع بل ويرفض الدخول ويترك المكان فورا خاصة وأن الداعى لم يوقره ويكون فى انتظار حضوره, بل وهناك إجماع من المسيحيين بعدم إقامة إفطارات الوحدة الوطنية والامتناع عن تلبية دعاواهم لهذا العام.
انفعل السيد رئيس الوزراء وأمر بإجراء تحقيق فورى وقدم اعتذاره للقمص بولس. وبعد إجراء التحقيقات تمخض الجبل فولد فأرا, فلم نسمع عن عقاب أى فرد من أفراد الأمن بهذا الفندق ولم تلام إدارته على موقفها المشين, وانتهى الأمر بما تعودنا عليه بتبويس اللحى والاجتماع على وليمة إفطار على ضفاف النيل حضرها وزير السياحة والقمص بولس وأحد أئمة الأوقاف ورئيس مجلس إدارة الفندق ومدرائه وتناول الجميع الإفطار معاً فى جو من الألفة والمودة وتبادل الضحكات. وفضل أطراف المصالحة الاكتفاء بالصورة كتعبير على انتهاء المشكلة بعد قبول القمص بولس عويضه اعتذار إدارة الفندق فى وجود وزير السياحة.! ومرة أخرى أرى أن قدسه قد أخطأ فى تلبية هذه الدعوة وكان على المعتذرين أن يزحفوا باعتذارهم إلى منزله أو كنيسته بعد توقيع جزاءات رادعة لمن تسببوا فى هذه المهزلة, ولا ينساق مرة أخرى لإفطارهم خاصة أن الإفطار قرديحى ..!!
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟