نضال الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 3466 - 2011 / 8 / 24 - 21:57
المحور:
كتابات ساخرة
عاتبني على صمتي، فرددت عليه بالصمت. قال معاتبا: ما بالك تبخل علينا بالكلمات، فتقبع خلف جدار الصمت، تحلم بملاك ينزل من عند الرب ، كي يزرع في الأرض الجنات. أنظر حولك كيف يطوف القوم برايات مسطورة بحروف القهر وأنين الآهات؟ قم أنفض عنك غبار الصمت وارفع رايات الحرف، لتطوف في أرصفة الميادين وعرصات الساحات!
نظرت إليه والدمع يسيل على الوجنات، قلت: لا تقسو علي يا صاحبي، فصمتي كصراخ القلب المثلوم من وطئ الطعنات. ما عادت الكلمة تنفع في زمن عم فيه صراخ الطرشان، وصياح الغربان ودوي الرعد في وسط الغابلت، فبالأمس مسكت الورقة لكي أكتب عليها بعض الكلمات، فصفعتني الورقة على وجهي عدة صفعات، وصاحت بي :
إبعد عني، فلست منك ولست مني، فلقد أتعبتني وما عدت أطيق جمر كلماتك، ولا أنين آهاتك، ولا ثورة الغضب التي تلهب أنفاسك، فأنا ورقة رقيقة من لحاء الشجر، صنعت لكي يرسم على وجهي لحن الوتر. فتركتها وابتعدت، ورحت أرسم الكلمات في الهواء، فتطير على أجنحة الريح، لعلها تسقط في أذن تسمع أو في حضن عقل يفهم.
عادت الكلمات خائبة، كطير مكسور الجنحان. ترتجف خوفا، ترتعد رعبا، حروفها تتساقط كورق الشجر، أسقطه الريح، وبعثره فوق الكثبان. صاحت واحدة منهن وهي تسقط منهكة: ما بالك ترسلنا إلى بيت الغول وتقذف بنا في يم الطرشان ؟ ما عادت أذن تسمع أو عقل يفهم مضمون الكلمات، وما عاد للأحرف معنى ولا للكلمة مغزى، فهذا وقت عواء الذئب ونباح القطعان.
صاحت أخرى والدمع يسيل على الوجنات:ما بالك تصر على نحر الكلمات، فتبعثها لحوانيت الأموات. أبواب الآذان، ياسيدنا، موصدة في وجه الكلمات. طرقنا الباب فما سمعنا إلا أزيز رصاص ممزوج بصراخ الحقد وعويل اللعنات. صدوا الأبواب وصاحوا: عودوا من حيث أتيتن، وأخبرن المرسل بأن هذا ليس زمن الكلمات، بل زمن السيف المغموس بدم الآهات، تخرج من عنق منحور على عتبة معبد، تصلي فيه ذئاب الغابات، ويؤم فيهم ثعبان، أغوى حواء فأخرجت أبانا آدم من الجنات.
لملمت الأحرف وخبأت الكلمات في جيب القلب، وحلفت يمينا، أن لا أطلقها إلا بعد أن يخلو المعبد من كل ذئاب الغاب، ويسحق رأس الأفعى وتطهر جدران المحراب، وأن تفتح كل الأبواب، لبذور الحب وغناء الأحباب.
د. نضال الصالح / فلسطين
#نضال_الصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟