طير النجر ينصاد من منكاره

عبد الله السكوتي

الحوار المتمدن-العدد: 3466 - 2011 / 8 / 24 - 11:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هواء في شبك
(طير النجر ينصاد من منكاره)

وهذا المثل كان شائعا بين عامة الاندلس في المئة السابعة للهجرة، وهو يضرب للنابه الحذر الذي يقع في محنة، ويحكى في هذا ان النبي سليمان عليه السلام مر بطير ، فشكا له وجود فخ نصب له ولغيره من الطير ، ثم قال له: انني سأكون حذرا من هذا الفخ ، فلا اتقرب اليه ، وذهب سليمان في طريق ما وعاد بعد مدة ، فوجد الفخ قد اطبق على نفس الطير ، فلما سأله عن سبب وقوعه في الفخ بعد مقالته السابقة عن شدة حذره ، اجابه : (طير النجر ينصاد من منكاره) ، وهذا ما حدث في الربيع العربي الجديد الذي ولد فجأة ، ليطيح بعروش راكزة وحديدية تربعت على جراح الملايين لسنين عديدة، ولم تقدم شيئا باتجاه تحرر الشعوب وتحريرها ، والامر الذي يدعو الى الريبة مما جرى في ليبيا مؤخرا هو تدخل قوات الناتو ، حتى وصمت الثورة ورجالها ، وهمشت الجهود الحقيقية للشعب الليبي ، ان قوات الناتو وطيرانه اعطى لكفة الثوار الرجحان منذ بداية تدخله في شؤون ليبيا الداخلية ، هذه الدول لم تكن حريصة في يوم ما على مصالح الشعب العربي ، واولى ويلاته ومعاناته جاءت من تحت رأس الناتو ومن لف لفه ، فلماذا اختار الناتو هذه المرة ان يكون بصف الشعب الليبي ، بعد ان تحولت الانتفاضة الى ثورة ومن ثم الى حرب اهليه ، وكان من الممكن ان تكون هذه الثورة نظيفة الايدي لولا تدخل الناتو فيها ، ان الربيع العربي الذي ابتدأ بتونس سيطول كل الانظمة العربية ، صامتة كانت ام مجاهرة بعدائها للغرب ، ولا استبعد شمول حتى الانظمة الصديقة للغرب واميركا في هذا ، شأنها شأن مصر وليبيا واليمن ، هذه الثورات شارك بها الشعب مكرها او مختارا ، هي تدخل ضمن التغييرات الجديدة التي دعت اليها الولايات المتحدة ، ومن الممكن ان تكون الوجوه قد احترقت وانتهى وقتها ، وها نحن نخرج من عهد النهضة والدعوة الى العروبة وغيرها من المصطلحات التي نشأت من معاطف ثورات الضباط الاحرار والثورات العسكرية والانقلابات التي جاءت بهؤلاء القادة ، وهم بعد هذا كانوا شهودا احياء على ارهاصات الوضع العربي وهم الزعماء الذين شهدوا حرب اميركا الباردة والحارة مع الاتحاد السوفيتي السابق ، ويعرفون من الاسرار الكثير ومطلعون على الكثير من اسرار اميركا وتعاملاتها غير النظيفة مع الشعوب والقيادات على حد سواء ، ان اوراق اللعب التي اسقطت في العراق عممت على الوطن العربي ليكون السقوط سريعا بثورات شعبية لكنها لا تمتلك هوية محددة ، هل هي هوية اسلامية ، علمانية ، تقدمية ، رجعية ، ما تزال الامور متشابكة ولم يظهر الا القليل القليل ، لقد بارك بعض الديناصورات ثورات الشعب العربي دون ان يعطي مجالا بسيطا لشعبه برفع الايدي استنكارا لفعل او قول ، ما يدعو الى الريبة في تغييراتها الجديدة ، لقد وصل ثوار ليبيا الى المرحلة النهائية من عمر حربهم الاهلية بالاستيلاء على الجزء الاكبر من طرابلس بابشع قصف جوي من قبل حلف الناتو لها ، ما مهد الطريق امام قوات الثوار لتدخل بلا مقاومة تذكر .
طالما كرهنا العملاء وتشاءمنا من الذين ينتصرون بمساعدة خارجية لنشكك بالتالي باهدافهم الوطنية ، فهل ستكون ليبيا استثناء من هذا ، ام ان الثورة الليبية جاءت بمباركة ناتوية ولم تكن اميركا ، حيث بقيت اميركا تلعب بالخيوط من بعيد ، كانوا طيورا (نجره) ولكنهم في النهاية كانوا عرضة للاصطياد ، بن علي ومبارك والقذافي وسيسقط بعدهم علي عبد الله صالح ومن ثم ستدور الدائرة على سوريا ، هذه المرة اميركا مستعجلة لم تصير كما صيرت في العراق وضعت الفخ من الداخل ولم تأت بقوات خارجية والطير النجر انصاد من منكاره ، هذا الربيع العربي خلف في ليبيا آلاف المعاقين والجثث المطروحة في الطرقات ، هذا الربيع الذي لم يخل من تدخل خريف الغرب واميركا ، لتسقط البيوت والمنشآت والبنى التحتية مع سقوط النظام ، ومن ثم ستتطور القضية الى حرق المنشآت الحيوية ، لكن الحرب الاهلية ستكون اوسع حين سيقتص الثوار من اعوان القذافي الذين يلقون السلاح ، ماسيؤدي بالنتيجة الى اذكاء النعرة العشائرية بحسب طبيعة المجتمع الليبي الذي تلعب القبائل فيه دورا كبيرا ، اضف الى ذلك قتامة وضع الثوار وعدم وجود قيادة واضحة المعالم تمسك بزمام الامور ، ليحظى الشعب الليبي بفرصة تغيير حقيقية غير مرتبطة باجندة خارجية ، او احتلالات من اي نوع ، كل التكهنات واردة بشأن الوضع في ليبيا ، لان الثورة الليبية اختلفت عن ثورات مصر وتونس ، لتدخل قوات خارجية فيها ماترك مآسي حقيقية تحمل وزرها الشعب الليبي .
عبد الله السكوتي

#عبد_الله_السكوتي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات