|
رمزية الموت في الفكر اليهودي
فاطمة الفدادي
الحوار المتمدن-العدد: 3466 - 2011 / 8 / 24 - 07:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إن الموت من المواضيع التي شغلت الإنسان وأرقته، ووقف عند حدود أسوارها عاجزا عن تفسيرها، هذا الموت التي يعبر عن متخيل اجتماعي، فيختلط فيه ماهو طقوسي بما هو تعبدي وماهو شعائري بما هو رمزي.
وهذا ما يستدعي الوقوف عند الموت في بعده الرمزي في الحضارات القديمة، ومن ثمة التطرق لبعده الرمزي كذلك في الثقافة اليهودية.
لقد شكل الموت هاجسا يطارد الإنسان في كل زمان ومكان، وقد طرح العديد من الأسئلة حوله، لكنها لازالت معلقة لم يتم تقديم إجابات لها.
حاولت الحضارة القديمة أن تعكس قراءتها الكهنوتية والطوطمية على جملة مقوماتها ومن بينها ما بعد الموت وما أنجز عنه من تقاليد وطقوس غارقة في الرمزية لتحاول من موقعها فهم أهم المسائل الوجودية العالقة إلى الآن، جدلية الحياة والموت الوجود والاندثار. فجدلية الموت والحياة صاحبت الإنسان منذ صدامه الأول مع الفناء، وقد حاول الإنسان بكل الطرق التفاعل المعرفي مع معطى الموت وما بعد عالم الظلام والسكون.
ويذهب علماء الآثار بان الإنسان في الحضارات القديمة كان يدفن موتاه في القبور، حيث وضعت الجثث في وضعيات رمزية متقاربة صاحبها أثاث جنائزي تطور هو الآخر كما ونوعا كأشكال القبور وأنواعها من الحفر، الآبار، القبور، الأضرحة، الأهرامات وغيرها وسنحاول الوقوف عند أنموذج حضاري لها حضوره الوازن.
ونتخذ كأنموذج المقابر الفرعونية، التي تعبر عن كل ماهو رمزي وقد جاء في كتاب "الموتى الفرعوني " ( برت إم هرو)، « أن الفراعنة أولوا مكانة متميزة في حياتهم هذه، وقد خلدت لنا الأراضي المصرية التطور النوعي والكمي للمقابر، حيث كانت حفر بسيطة لا يتجاوز عمقها المترين وتكون إما مستديرة أو مستطيلة، على شاكلة أهرامات وغيرها المحفورة في المغارات أو المنحوتة في الجبال ذات الصور والرسوم الجنائزية المركبة المناظر المتنوعة لتقديم القرابين، كما احتوت على صور الميت وهو يرعى غنمه، وأخرى تذكر بصاحب القبر، وترمز إلى مراتبه السامية التي كان يتمتع بها في حياته »[1] وقد حاول الإنسان في كل الحضارات القديمة ابتكار وسائل وتقنيات تحاول المحافظة على هذه الجثة المرتبطة معرفيا بعالم آخر، وكما جاء في كتاب الموتى الفرعوني « فجاء التحنيط لا لمجرد الحفاظ المادي على الجثة، بل الاحتفاظ بها قصد مواصلة مسيرتها في عالم كهنوتي وما يحمله هذا الأمر من بعد رمزي »[2] وإذا كان ينظر للموت في الحضارات القديمة على أنها تعبر عن ماهو أسطوري وماهو رمزي، فكيف ينظر للموت في الثقافة اليهودية؟ وهل تعبر عن بنية رمزية فعلا؟
إن كلمة"موت" يقابلها في اللغة العبرية كلمة "مافت" والتي كانت تعني إله الموت، في العبادة الكنعانية القديمة، الذي كان دائما يصارع "بعل" إله المطر والخصب، ويعود "بعل" في شهر المطر مرة أخرى ...إذ ينظر إلى الموت باعتباره قوة مستقلة عن الإله، وله رسله[3].
وفي السياق نفسه فإن أسطورتي "دموزي" و"بعل" وكما جاء في كتاب روبير بيندكتي « تبينان، بواسطة رموز مشخصة وحدة الموت والقيامة، وحدة الحياة والفناء»[4].
إن الموت عند اليهود تختلط فيه مجموعة من الطقوس والمعتقدات والشعائر كما قال حاييم الزعفراني في كتابه يهود المغرب والأندلس:« الموت الذي يباغت المرء بسبب حادث أو على إثر مرض... وهو مناسبة لعديد من الطقوس والفرائض، إنه مظهر الخلاص اليهودي الطائفي والديني والشرعي. لهذه الشعيرة التي تتمثل شعائر أخرى تستقي من المتخيل الاجتماعي ومن معتقدات العامة ومطلق الناس، ومن الفلكلور المحلي والسحر»[5].
وهناك من اليهود من يرى أن الموت يرمز إلى العودة إلى الأهل والأسلاف والانضمام إليهم، وعلى هذا الأساس اهتم اليهود بدفن أمواتهم بجوار بعضهم البعض، فكان مثلا ينظر إلى الموت في (سفر أيوب)على أنه نهاية مطلقة وعدما كاملا ، وفناء لايرجى منه شفاء.
وتتخلل في الثقافة اليهودية مجموعة من الطقوس الرمزية، كما جاء في كتاب" يهود الأندلس والمغرب": « أن الولد البكر يغلق عيني أبيه المتوفى »، وهذا يرمز لما فعله يوسف بأبيه إذ جاء في سفر التكوين في الإصحاح السادس والأربعين « إنه يوسف الذي يضع يديه على عينيك» [6] كذلك من الطقوس التي يعرفها الموت أنه « يجرد الميت من ملابسه، ويوضع على الأرض، ثم يغطى بإزار ويحدث كذلك أن يعزل الميت بستار يعلق بين حائطين، فتغطى المرايا إذا كانت موجودة تقلب»[7] ويمكن القول إن هذه الطقوس ذات أبعاد رمزية، تدل على نوع من الحداد على الشخص المتوفى. ولا يفوتنا الحديث عن طقوس الدفن في الثقافة اليهودية التي تشترك نوعا ما مع الثقافة الإسلامية في أنه يجب دفن الميت في نفس اليوم من وفاته.
والمقبرة في الفكر اليهودي مكان مقدس وهي كما جاء في كتاب يهود المغرب والأندلس الجزء الثاني: تسمى تسمية تضاد تفاؤلية هي "بيت هاحاييم" بيت الأحياء ويطلق عليها في اللغة اليهودية المغربية عادة "الميعارة"، و هذا يذكر بأماكن وطريقة الدفن العتيقة التي كان الموتى يدفنون بمقتضاها في الأرض المقدسة وفي المغرب. يحفر القبر عميقا، وتغشى جوانبه بالعشب كما في الصويرة أو بالأجور كما في فاس، وتخصص مساحة للمنبوذين والمنتحرين والعاهرات، وفي هذه الحالة يلوح الحفار بمعوله فوق رأسه ويرمي به صدفة وحيث يسقط يدفن المنبوذ على عجل ودون أدنى احتفال ففي طقوس الدفن عند اليهود يتم التعامل مع الموتى وفق مراتبهم في المجتمع ورمزية المكانة الاجتماعية التي يحتلها كل واحد، وعلى حسب هذا التصنيف يتم الدفن[8].
إن اللباس أيضا يحمل دلالات رمزية في طقوس الموت، حيث يتم دفن شال الصلاة أو مايسمى بالعبرية "طاليت" مع الميت، ولكن قبل ذلك يجب قص أهدابه، هذا الشال الدي يرمز للشريعة الإلهية والسعي إلى القداسة. وهنا نتطرق لما جاء في كتاب"حياة اليهود بحسب التلمود" ،« أنه جرت العادة لدى بعض الطوائف اليهودية أن يدفن الرجال ملفوفين بشال الصلاة بعد نزع ( قص) الأهداب منه فتنزع الأهداب مما يجعل الشال كله لاغيا و هذا يشير إلى أن المتوفى، قد رفع عنه التزامه وخضوعه للشريعة الإلهية »[9].
وكخلاصة لما سبق فإن الحياة محايثة للموت، رغم أن الإنسان كما قلنا سابقا يقف عاجزا أمامها وخائفا، هذا الموت الذي لا يمر هكذا وإنما تتخلله مجموعة من الطقوس التي تعبر عن قدسيته ورمزيته، فالموت عند اليهود كما قال حاييم الزعفراني: « طقس لإظهار علائم الحزن وللتعبير في نفس الوقت عن الأمل في البعث ومجئ المخلص»[10]
برت إم هرو: الموتى الفرعوني، ص 48.[1]
نفسه ، ص 54.[2]
التوراة، سفر هوشع، الاصحاح 49/33.[3]
كارم محمود عزيز: التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى، ص 122.[4]
حاييم الزعفراني: يهود المغرب والأندلس، ص 472. [5]
التوراة، سفر التكوين، الإصحاح 46/4.[6]
حاييم الزعفراني: يهود المغرب والأندلس، ص 485.[7]
نفسه، ص 495.[8]
القمص روفائيل البرموسي: حياة اليهود بحسب التلمود، ص 118.[9]
حاييم الزعفراني: يهود المغرب والأندلس، ص 495.[10]
#فاطمة_الفدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاشوراء... الطقوس والعادات
-
الثقافة الشعبية المغربية ... عادات وتقاليد تقاوم النسيان
-
عندما تسقط الاقنعة
-
ضياع أمة
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|