أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - أحلامٌ تذبلُ من شدّةِ الدّوي















المزيد.....



أحلامٌ تذبلُ من شدّةِ الدّوي


نصيف الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1032 - 2004 / 11 / 29 - 04:07
المحور: الادب والفن
    


ستَّ عشرةَ قصيدةً مهداة إلى كمال سبتي
عزيزي كمال.. إنني أعرفُ بالدقّة ما أنا مدينٌ به إليكَ وأعرفُ أنَّ المبادىءَ التي تعلمتُها منكَ خلالَ سنواتِ صداقتنا الطويلة هي التي مكنتني من أن أهدي إليكَ هذه القصائد ، وآمل أن تؤمنَ بحقّ أنَّ تتلمذي على يديكَ كان قضيةً جديةً في حياتي..


كما في قصيدةٍ لأحمد شوقي

[ إلى سماء عيسى ]

جنرالاتُ الحربِ وضعوا أسلحتَهم وخرائطَهم فوق المرحاضِ وذهبوا إلى النوم ،خططُ الحربِ تدورُ حول نصيف الناصري ، الشاعرِ السكرانِ في حانةٍ سويدية ، على الجانبِ الآخرِ من العالم ، أعيادٌ كبيرةٌ بوسعها أن تجعلَ الظهيرةَ المضطرمة أكثرَ نعومةً من القطنِ ، إنها الحربُ تحاول تدميرَ رغبتكَ وصحوك ،
فوقَ مآذن بغداد
تطيرُ حمامة
شقراءُ جداً
سوداءُ جدا
بيضاءُ جدا ،
أيتها الحرب
أيتها الحرب
قلبي انصدعْ
قلبي انصدعْ
حبيبتي الحمامة
حبيبتي الحمامة .

كما في قصيدةٍ لأحمد شوقي : [ شيعتُ أحلامي بقلبٍ باك ] ذهبتُ إلى الحانةِ مفلساً ، سكرتُ وعربدتُ وحين أمروني بدفع الحساب انسللتُ كاللصِّ من الشبّاك ، كانت الحانةُ مكتظةً بالبحّارة والأراملِ وحيواناتِ السيرك ، وفي الخارجِ يتعثر القمرُ في الثلوجِ ، وفوقَ أمواجِ البحرِ القريبِ تطفوساعاتُ الذينَ عبروا ولم يخلفوا ندوباً ، هل يمكننا إعطاءُ فكرةٍ ولو غامضة عن كوننا سنرحلُ نحن أيضا ؟ العالمُ صامتٌ في ظلمةِ الصقيع ، ونحن أنفسنا نلتحفُ الصمتَ ولا نرغبُ في أن نفتحَ جرحاً ، حتى بعدَ لقاءٍ في حلمٍ مع طاغية ، حتى بعدَ تذكِّرِ أطفالِنا الذين قتِلوا ؟

بعدَ سنوات ، التقيتكِ بمحاذاةِ شجرةِ الحنّاءِ في أرضِ الحلم ، كلماتكِ الغريبةُ التي اقتلعتْها أنهارُ القرونِ التي ذهبتْ لتنامَ ، تحطمتْ بلا ضوضاء ، وأغنيتكِ ذاتُ الأحراشِ الزمرديةِ ، يبستْ في الينبوعِ ،بين ذراعيْ نارِهِ الزرقاوين ، قلتُ لكِ سأموتُ تحتَ أعلى نجمةٍ في جبينكِ ، وبكيتُ طوالَ الصيفِ في [ الناصرية ] بكتْ معي الأشجارُ والأحلامُ حتى تبللتْ أهدابُها ، وها إنني الآن _ أتقدّمُ حافي القدمينِ صوبَ سهراتِ حدائقكِ المتألمة ، لا ينعسُ حبي في النسيم ولا في الحجر ،
الآن _ انتهى كلُّ شيءٍ والطيورُ رحلتْ وأضواءُ حبكِ أخفاها الغيابُ وأحاطتْ بي سياجاتُ الوحشة ، هذا القنديلُ المضمَّدُ والمعلقُ فوق الأسلاكِ الشائكةِ هو كلُّ ما تبقى من شفاعتكِ ، يسهرُ ويتململُ في سرير المنفى ، العاشقُ وضعَهُ هناكَ ، تائهاً بينَ عقيقِ الأيامِ ووميضِ أعمدتِها المتصدعة .

راكضاً صوبَ السهادِ ، يخضرُّ السأمُ ويُعينُ السطوةَ عليَّ ، أختبئُ في ساقِ نبتةٍ وأعدُّ براكينَ حياتي المشدودةَ إلى الطمأنينة ، في الحربِ أطلقتُ النارَ على طوابعِ البريدِ وأسرارِ الناسِ وملحِ الأغاني وكركراتِ الأطفالِ وقبلةِ العاشقةِ ومستشفياتِ الشمس ، وفي الحبِّ ، كنتُ أغارُ إذا انحرفت الأنهارُ باتجّاه الصحراء ، ولا أبكي إذا الأرضُ المزدوجةُ للألمِ صعدتْ صوبَ اليدِ أو الرقبة ، وفي الموتِ الذي يحفرُ في ليلِ العظم ، أضعتُ إلهي بين أغصانِ المدافعِ الرشاشة ، قمتُ برحلات. تتحركُ معي السنابلُ والعصافيرُ ، شعوبٌ كثيرةٌ أيضاً عبرت الجبالُ والبحارُ باتجّاه المنفى ، طبعتْ أسلحتها غبطةٌ وحيَّرَتْها مشاعل .

في حريرِ الفجرِ ، بمحاذاةِ عظايةٍ تنحني متمتمةً أمامَ رملِ أسرارها ، ونمورُ حياتي الماضيةِ
تقتسمُ صمتَ الليلِ وطرائدَ الحقدِ والضغينة ، سأترقبُ الملاكَ / القذيفةَ ثم أموتُ لأراهُ في انعكاساتِ اللاوعيِ المفعمةِ في تمدِّدها ، الأدغالُ الكثيفةُ لشاهدةِ الحبِّ / الحربِ ، منحوتةٌ في شقوقِ الزمانِ ومغطاةٌ بغبار الذكرى ،هل نموتُ بالقربِ من كوكبِ الأغلالِ أم نحيا في فضاءاتِ اللاعدالة ؟

كلما ماتتْ امرأةٌ أحببتَها ، تفتشُ عنها كلَّ كهوفِ العالم ، لكنكَ في ذروة لا يقينكَ ، تعودُ ومعكَ دولة ، وكصيادٍ متهرئ الأسمالِ ، تعبرُ النهرَ وتنسى الغنيمةَ ، لا شيء يطفئ رغبتكَ ويأسكَ ، ستظلُّ منبطحاً في صبّار الليلِ تنتظرُشرارةَ الهاوية ، تدفن الرغبةَ باندفاعاتِها العظيمةِ نفسِها في شوكِ نعاسكَ ، وتتنهدُ كشجرةٍ محمّلةٍ بالصخور ، في حديقةِ النجمةِ وإغماضةِ البركان ، ريحُ السمومِ فوق شفتيكَ تترقبُ انغلاقَ الأنغام ؟

16 / 7 / 2003 مالمو / السويد

أيقظيها أيتها الريحُ / أيقظْها أيها العندليب

باركْها يا إلهي
باركْها يا صباح
وليباركْها النجمُ والمطرُ والنيزكُ الكريم ،
لا الأقمارُ
لا الشموسُ
أنتِ التي ترفعينَ الليلَ من عذوبةِ السقطةِ ، فتفيضُ الأنهارُ وتمتلئُ قلوبُ أولئكَ الحزانى على تخومِ الفجر ، يدكِ أرقٌ من السهرِ تحتَ الأشجارِ ونبعُ شفتيكِ الوضّاءُ يُنّجي الأمواتَ من الموتِ ، حياتي بين يديكِ سنبلةُ حريرٍ تهتزُّ وتتأرجحُ في حقلِ الأحلامِ المشدودِ إلى الصخرةِ ، أناديكِ يا موجدةَ كلِّ التوهجاتِ التي تشعُّ أمامي ، أيتها الجميلةُ التي تدجّنُ البركانَ ، جسدكِ المتنهدُ والمثخنُ بالعطورِ اللافحةِ يصطادُ الفراشاتِ بجرأةٍ ، تبقينَ في سطوعٍ بمكركِ الإلهي ،
الذهبُ ، هذا الذهبُ الحارّ ، ذهبُ شفاعتكِ ، سوف يضيءُ الدروبَ والمسالكَ الغريبةَ للذينَ يتعثرونَ وسطَ سقوفِ الفراغِ ، أصغي إليكِ وأعرفُ إنك تحلقينَ هنا عائشة في اللامرئيّ منذ دهورٍ ، هل لي أن أسمعَ أغنياتكَ ؟ أيتها السيدة الشفيعةُ السيدة الجريحةُ ، أيتها الأميرةُ الغريبةُ والأسيرةُ ، يا عذراءَ الليلِ ، يا أميرةَ الرجاء ، أميرةَ الحديقةِ ، أميرةَ السلوانِ والإنشادِ الذي يحطّمُ الرخام ، هل تسمحينَ للغريبِ بالمكوثِ تحتَ نوركِ الوهّاج ؟ إِلقِ إلي بنجمةٍ لتضيءَ ليلي في طرقاتِ المنفى ، عاريةً تقفينَ على قبري ، شجرةً ضنينة ، أنظرُ إليكِ في ظلمةِ الريحِ تهبطينَ من سماءِ الأحلام في رداءٍ نسجتهُ القرونُ ، جمرُ الفيروزِ الذي يتوسدُ أنهارَ جبينِكَ العاليةَ ، سهرَ كثيراً تحتَ ليلِ الكحلِ ، أيتها الشفيعةُ ، يا من يُطلَبُ منها السلوان ، لا تسألي عن اسمي ، امنحيني إيماءةً فقط لأصعدَ من بينِ هذه العظام ، يلذّ لي أن أتوسدَ أحدَ ذراعيكِ ،
ذراعاكِ حديقتانِ ، يلذّ لي أن أعصرَ نهديكِ ، شفتاكِ نحلتانِ ، من عينيكِ يشربُ ويغتسلُ العاشقُ ولا يرى لطخاتٍ في مرايا الزمنِ ، نظرتكِ شرارةٌ من نيزكٍ يعطّرُ الأرضَ في زحفه المترنحِ صوبَ الهاوية ، أيتها السيدةُ الجريحةُ ، سيدةُ الأحلامِ والرغباتِ المستحيلةِ ، هل لي أن أرى طيفَكِ الأزرقَ ، رداءكَ الأخضرَ الذهبيَّ ، جسدَكَ المتثائبَ واللامعَ تحتَ أمطار
الخريف ؟ تنامُ في الخميلةِ ، سيدةُ الرؤى واللاهوت ، السيدةُ المتألمةُ ، السيدةُ الوحيدةُ ، أيقظيها أيتها الريحُ ، أيقظْها أيها العندليب ، لو أنني أستطيعُ أن أصعدَ الفضاءاتِ ، لصعدتُ فضاءَ الشفيعةِ ، حمامةٌ فوق رأسي وحربةٌ في جبيني ، لو إنني أستطيعُ أن أحفر قبراً ، لأحييتُ الشفيعة ، في حنينِ الشجرةِ المكتوبةِ في قنديلِ العتبة ، في ألمِ النسرِ المشدودِ إلى الأفقِ ، في عطرِ الأقحوانِ تحت برجِ الدلو ، في الآماد التي تنغلقُ على سواحل نومِنا في الصيفِ ، نُصغي من خلالِ شلالاتِ أشواقِنا إلى أنفاسِك التي هي ثمرُ سنواتنا وكشمشُ نذورنا ، رداؤكِ الجميلُ ملقىً على رمادِ الحديقة ، وعلى رخامةِ الضريحِ كتبتُ اسمكِ وبحتُ بالحقيقة ، ملاكٌ أزرقُ يحرسُ الينابيعَ البعيدةَ ، يحرسُ الغَمامَ فوقَ سنابلنا العنيدة ، الغمامُ الذي أحرقَ اورفيوس ، أيتها الظلمةُ بعد الغمامِ ، كنتُ مع اورفيوس ، سمعتُ الطقطقةَ ورأيتُ العظامَ ، في العالمِ الساكنِ رأيتُ العظامَ ، رأيتُ العدمَ ، وسمعتُ الحشرجاتِ ، ذكرياتٍ بلا أجراسٍ يهزهزُها الرمادُ والظلام ، رأيتها الصيفَ الماضي وقبلتُها حينَ جلسنا في الحديقة ، لكنها بصقتْ في وجهي ثم قالت : [ أين كنتَ كلَّ هذه الفترةِ الطويلة ، لماذا لم تبحثْ عني ، لماذا لم تخرجني من القبر ] ؟ قلتُ لها : [ كيف أخرجكِ وأنت ميتة ] ؟ فكشرتْ بحقد وقالت :
[ لستُ طيفَكَ ]، تحتَ مطر تشرينَ ، في الأرضِ التي خرجتْ للتوِّ من الزبدِ ، كانت رغباتنا تتنفسُ مثلَ نبيذِ الليل ، في الطريقِ إلى البيتِ حدثتني عن اغتصابِها من قِبَلِ البدوِ ، وعن مساكنِ أهلِها في سدوم ماثيلِ الآلهةِ المبعثرةِ في الصحراءِ ، من بعثرَها ولماذا ؟ إنها لا تدري ، قالت : [ هناك آلهةٌ عظيمةٌ في الصحراء ] كأني لا أدري ، وقالت : [ حرسُ الملكِ يلبسونَ دروعاً تحتَ ثيابِهم ] ، قلتُ لها : [ هل رأيتِ حديقةَ الملكةِ التي تموتُ في الربيع ثم تنهضُ في الشتاءِ صاعدةً إلى الناصرية ، أرضِ وطني ، هناكَ وددتُ أن أستحمَّ في الينابيعِ الصافية ] ، ثم حدثتها عن صحرائي ، وبعينينِ مرمدتينِ رأيتُ العظامَ تترنحُ تحتَ الشمس .

23 / 9 / 1989 أربيل / ديبه كه



أنخيدونا

العاشقُ الغجريُّ مريض
يقف حزيناً في بوابةِ الإفلاس وفي يده زهرة قرنفل /
شمسٌ لم تشرقْ في يوم الاحتفال /

في الحديقة / اللصُّ يدفن كنزاً
محصلُ الضرائب
جاء ليقطفَ وردة /

هؤلاء عشاقك الكهول
هل احتفظتِ بأسمائهم ؟
هل حنطتِ جثثهم ؟

كلّ شوارع العالم تدلني عليكِ /
ولكي أنظرَ إليك أو أهمسَ في أذنك
ينبغي أن أقتل 13 كلباً مسعوراً /
أنت النبعُ
أنا السمكة /
سجدَ لك سوادي
وآمنَ بكِ فؤادي /
أيتها الجميلةُ القبيحة انخيدونا
سيدةُ الشموسِ والغمام /
ها أنني أدفع حرابي علفاً للأوهام
سأغادر مطعوناً بعد أن تكونَ شجرةُ حبي قد اكتهلتْ
والمنافي التي أصلُ إليها حزيناً ونازفاً
ستهلكني هلاكَ جرذ /
هنا بردُ العزلة والنشيدُ الجنائزي
حين ساعة الموتِ تقترب /
طائرٌ محكومٌ عليه بالقتل /
هنا أنخيدونا كانت وعوداً /
هنا كومة من آلامي النبيلة دفينةٌ ومستترةٌ في جحيم امرأةٍ تنزف
جمالها بغزارة /
والرجاء / ذلك البخورُ الذي يشعُّ على الأقاليم الجافة /
الرجاءُ الذي أنتظره / أملي الوحيد الباقي /
يفرُّ من بين يدي ويتركني طريدةً معراة في البراري /
كن شفقاً أيها الجميل
هذا الغناءُ الذي يسمع في الريح
هذا العندليبُ الذي تمتد وتتقلص رقبته طبيعياً من دون سلك /
إنه السلوان /
الآن كل شيء يترك نفسه في الوراء ليمنحني ميثاقاً بأنني كنت مخدوعاً وخاسراً /
أريد هذه الليلة أن أكون حراً طليقاً كصقر /
يحلق في فضاء وجبال ويفتح القلاعَ التي شيدها أباطرةُ الرماد /
وأيضا لأسألَ لماذا يحل بي مثل هذا الألم ؟
ثم أبحثُ في السديم عن ظل انخيدونا /
أبحثُ في الخرائب العميقة عن الشفيعة /
آه / أيتها الأميرة القابلة للإقناع /
أيتها المعبودة /
والسيدة الفانية /
المعشوقة والمكروهة /

في أيِّ زمن سيجيئونَ بمن يماثلني ؟
وهل سيجيئون بملء إرادتهم ؟
وهل سيسيطرونَ على دموعهم ؟
وهل سيجيئون مبكرين ؟
ومن سيستطيع أن يعرفَ أسرار عنادهم ؟
1_ ليذهبوا إلى الجحيم أولئك الحشرات / سكان المستنقع /
إنني لا أخجلُ من أن أتعرى أمامهم /
إذا كان الله قد نفخ الحياةَ في التراب /
فأن نصيف الناصري يستطيع أن يعدَّ هؤلاء الناس الأحياء
مجردَ أملاك ترابية /
2_ أتعرفين / تباً لكِ ولأساليبك التسلقية
هل يتوجب علي أن أتعلم التهذيبَ منكِ /
التهذيب الدارج في إنكلترا مثلاً ؟
أتظنين أنَّ الشحرورَ المتقاعدَ من الخدمة / له رائحة أفضلُ مني ؟
لا أحدَ في العالم يجرؤ على تقديم شكوى ضد الأقوى /
والآن _ تستطيعين الهذيانَ عن العلاقات الإنسانية كيفما تشائين /
فذلك مجردُ غبارٍ على الجدران / إنك لن تغيري شيئا في هذا العالم /
أنا لا أنفي إنني كنتُ عاشقاً ومجرماً في بعض الأحيان /
مرحبا يا آنسة
لقد شحب وجهكِ
كيف أصلُ إليك من دون أن ألمس الخديعة ؟ /
3_ العشاق العجائز ذوو النظراتِ المشوهة إليك / تغنوا بشبابك
الذي كانوا يعتبرونه أسطورة فقط ممزوجة بالسكر والسحر لكنهم /
لا يستطيعونَ إدراكَ ذلك / فكلماتهم الناعمة الجائعة المفترسة الكاذبة /
ينقصها الإحساسُ والصراحة / وقد بقيت بعيدة وصعبة المنال لم تمسسك
المشاعر الحقيقية / وكنتِ كأنك أنثى طاووسٍ من خشب الأبنوس مقنعة /
أو أنثى شبقة
أو شيء غريب
أو وعاء فارغ
أو جنون
أو إغواء
أو قسوة
أو وحشية
أو سحر وغيرها من الكلمات الجوفاء /
وحسب كلماتهم المائعة المشوهة /
كنتِ مجردَ سلعة معروضة للمتعة /
وهذا جيد / فمن حسن الحظ إنهم بالنسبة لنا من نفس
اللحم والدم والإحساس ونفس الألم / وقد بقي لي نفس
الشرف العميق بأن أتغنى بك بكلمات حارة /
4 _ { لكن أين الماسة اللامعة في ليل المراثي ؟
هل غدت بخاراً وعصفاً ؟
هكذا كان الغجري يقول لنفسه /
5 _ أعرف أنك كاهنة المعبد الكبير العظمى
وتنحدرين من سلالةٍ سامية /
6 _ أيتها الريح
يا شمسَ الحب في صيف الوادي
يا طيورَ الليل
احملي إلى الشفيعة
سلامَ العاشق الأعزل /
7 _ آمل حين تسمعين زقزقةَ عصافير في المساء
أن تكتبي قصيدةً عن فراق الصراصير
أو تفكرين برحلةٍ إلى نفق مظلم /
سينتابكِ شوقٌ جياش
لرؤية المستنقعات والضفادع /
8 _ أريحي نفسك قليلاً فوق الهاوية /
عذبة نسمات ينابيعنا عذوبة أكاذيبكِ /


عشاقكِ الكهول
أصحابُ المناصبِ والثروات
سيبقون أكثر حباً للدحرجات /

صقرٌ في يدي
وفي يدي زوبعة .

7 / 1989 بغداد







أعلى من قمم الجبال

1

أعلى من قممِ الجبال كنا ندعو الموتَ الى الاحتفال لنمجدَّهُ في النار القويةِ / لكنَّ الموتَ لم يكن نهاية العالم / كان الموتُ في جوفِ الجبال / وكانت الجبالُ في جوفِ الموت / هل كنتُ أنا مع الموتى الذين يغنونَ المراثي تحتَ القناديلِ المخفيّة ؟ فوقَ أسوار قلعةِ آلامي / كان القمرُ يجلسُ مصاباً بالجدريّ / كانت البراغيثُ تزحفُ صوبَ جدرانِ البيوت / في الوسائدِ الطينية / في الخزائن / في صناديق الحُلِيّ / في أعشاشِ الطيور / في الثياب / في الشفاهِ الناشفة / .

2

تحت الشمسِ العراقية
فوق أعمدةِ بعلبك
في فحم جنائن بابل
في ينابيع أرضِ جاسان
عبرَ غناءِ الفرات ودبكاتِه
رأيتُ مجدَ الإنسان يصعدُ صوبَ الفضاءات الى الغاباتِ العذراء والأصقاع القصية حيثُ ظلال الله وحبُّ الإنسان لأخيه الإنسان وأنتِ يا قلعةَ آلامي / يا مدخنةُ / يا حديقةَ زفتٍ / أسلاك شائكة /حيوانات نافقة / أمراض/ نفايات / موت يتثاءب في أصص الزهور .

3

أيها العمرُ / ليسَ ثمة وقتٌ لأرثيك
أو أرممَ أيامكَ المحطمةَ الفقيرة
أو أنظرَ الى ماضيك
ولا أدغالكَ التي لطَّخها الرماد


ليس ثمة وقتٌ يا شبابي الدامي
يا فحماً يحترق /

فوقَ أسوارِ قلعةِ آلامي قلتُ للموت :
ارفعْ مكرَكَ
ارفعْ نذالاتِكَ
ارفعْ خياناتِكَ
ارفعِ اللامبالاة
ابتعدْ عني / ابتعدي أيتها الدودة / يا لزوجةُ وعفونات /
فوق سفوحِ جبلِ [ حصار وست ]
فوق جثثِ الجنودِ ورسائلهم
الجنودِ الذين يسهرون
على أشجار البلوطِ المحترقةِ في [ جومان ]
على آمالنا التي تهدَّمتْ
على شيخوختنا المبكّرة
تربضُ القشعريراتِ بانتظار موتِنا القسري .


4

وحدَنا عبرَ الجروحِ التي تقرَّحتْ
عبرَ البكاءِ الوحشيِّ / السهاد الدائم
وحدنا نصرخُ فوق الجبال / تحت القصفِ الكثيف :
كرده مند / بقدميهِ الكسيحتين والميتُ منذ عام 1983
كرده كو / الجاثي أمامَ الكتلِ النارية والذي يقيء كلَّ ليلةٍ قتلى وجرحى
كوردي / الميتُ وفروته المحترقة
زرار / وحافاتُه الغربيةُ التي تتضوَّر جوعاً ولا تشبعُ من القتل
كردي هلكان / المتشظي بسببِ تغريدِ بلابل المدافع المستمرّ منذ سنوات .


5

دمٌ يصرخُ في ليلِ حروبٍ غادرة /
تمزقاتٌ عميقة يصعبُ تضميدُها
الخديعةُ / الابتزازاتُ / الاعداماتُ التي تتجدَّدُ في كلِّ لحظة /
لهاثُ الشمسِ المحتضرةِ فوق دخانِ العراق /
نقالاتُ إخلاء القتلى الدبقة /
مجازرُ مرئيةٌ وغير مرئية / يسكتُ عنها الصديقُ والجارُ وابنُ العمِّ وابنُ الكلبِ / أولادِ القحبة
مجازرُ / جراثيمُ حروب تتكاثرُ في النار الدائمةِ السواد / لتحرقَ أرضَ الذهبِ / السواد .

13 / 5 / 1986 أربيل قصري



موتٌ يحلمُ بحرارةِ شمسِ الصيف



1

قذائفُ ثقيلة / صلياتُ رصاص / خنادقُ مقصوفة / دخانٌ /غبار ملاجئ
تحترق وتتناثر في الهواء / قمل يعشش في الأجساد / ثلوج / ثلوج /
حنينات متجمدة / موت متيقظ يتربص بنا ويطلق قذائفه باتجاهنا دائما /
خطوة / خطوة تتعثر حياتك فوق الجبال الكافرة
أيها الصعلوك
الشاعرُ الغجري
هاهي أحلامك تذبلُ من شدة الدوي / الأشجار الكثيفة الظلال
والصقور الأنيسة والطبيعة بثرواتها التي لا تنتهي
والآمال / ربيعها الأبدي يحطم القشعريرة .


2

بين قبر وآخر / تنوب النملة عن الفراشة
ينوبُ الغاز عن الهواء
ينوب الميتُ عن الحي
ينوب الليل عن النهار
ينوب النشيج عن الغناء
تنوب العقربُ عن القبلة
ينوب الثعلب عن الأسد
تنوب طقطقة العظام عن الموسيقى
ينوب الخفاش عن العندليب
تنوب الصفعة عن الحلم
ينوب العظم عن الشجرة .


3

وحشةُ الجبال المهيأة للموت / والراجماتُ / والمدافع / والصواريخ /
وقصفُ الطائرات الذي لا ينقطع / ومدافع الهاون الرجيمة /
والميتاتُ التي تموتها عدة مراتٍ في اليوم / والخوفُ الذي لا يوصف
وشماتاتُ الشعراءِ / الأبواقِ الذين يتوسدونَ أذرع أبقارهم
في أسرتهم الوثيرة تحت أضواء بغداد التي تنسانا في صراعنا
ضد الموت / الموتُ الذي أعده مغول القرى المنسية /
القملُ يأكل جلدة رأسك في الملاجئ التي تقصفُ دائما .


4

هنا أصابعُ بلا خواتم
سيقانٌ من خشب
هنا بردٌ يحفر العظم
والقبورُ جائعة /
المخاوف والثلوج رابضة على أعناقنا / على احساساتنا والأصابع
والحناجرُ والعيون / هنا موتٌ يؤجل موته /
موت يحلم بحرارة شمس الصيف وأنين الجذور/
هنا القلب الأكثر رقةً هو الأسبق لاستقبال الموت /
هنا نهر الموت الكبير يجرف الضوءَ والحديقة / يجرف الغصنَ والإيماءة .

5
يا ثلج / ابن الظلمة
يا دمُ / ابن الرماد
يا رماد / ابن الحرب
من يعيد لحياتنا عافيتها القديمة ؟
من يعيد للحب ربيعَه وللميت حنينَه ؟

كم ميتة أخطأتنا ونحن ننتحب حول جثة الشمس ؟
يا ليلُ / خذ الظلمة .



22 / 3 / 1987 أربيل سيده كان





صورٌ من معارك جبل { كرده مند }
1

لا الليالي الثلجيةُ الكافرة
لا الكلابُ الجائعة الشريدة
لا الكروم النائمةُ التي يقتلها الزمهرير
لا الجزماتُ العسكرية القديمة / وقودُ النار
لا الأكفّ العارية التي تلتهب بردا
لا دويّ القذائف
لا رائحة البارود
لا صورُ النساء المعلقة على جدران الملاجئ المتآكلة
لا الإجازات الدورية المؤجلة
لم يبقَ أيّ شيء
كل الصور انمحتْ يا كرده مند /
ما جئتك لأصطياف أو لألمسَ النجوم فوق قمتكَ التي تقصف ليلاً ونهاراً /
صخورك الكافرةُ تسلقتها صخرة / صخرة /
وفي سفوحكَ الحاضنة قبورَ الأكراد / رأيتُ موتي بقوادمه ال 26
رأيتُ أحلامي تنطحها الأوامر العسكرية /
الآن _ لم أعد أنتظر القصيدةَ / دفاتري ومصطلحاتي نثرتها القذائف /
فيما مضى كنت أكتبُ عن ليل رومنتيكي وأحلام /
أو أتنزهُ قرب شواطئ محملة بتغريد البلابل / وأتكلمُ مع أصدقاء في مقهى
أو بار / ما العمل الآن ؟
تحتَ هذا القصف المدفعي الرهيب /
لم يعد الموت غولاً شعرياً /
ولم يعد الشعر مانعاً طبيعياً /
هنا في هذه الملاجئ المقصوفة بصواريخ الراجمات والطائرات والدبابات /
يرقد آلافُ الجنود القتلى / بأعمار لا متجانسة ومن مدن لا يعرفها حتى الله /
2
ليلة البارحة / تحت قصف مدفعي كثيف /
حاولنا إخلاءَ جثة آمر الفوج الرائدِ الكرديِّ سردار أحمد هادي /
منذ عشرة أيام وجثته ملقاة فوق الصخور /
{ الأوامر تنص على عدم إخلاء الجرحى والشهداء أثناء الصولة } .
3
رياض كريم ،/ستار جبار / قاسم حمودي / إبراهيم عباس /
منير غريب / علي وهاب /
{ لم تُخلَ جثثهم لقربها من مواضع العدو } .
4
أستطيعُ الآن أن أبتر يدي /
أصرعَ ضابطاً في فرقة إعدامات الفيلق /
أو أصعدَ إلى الله في خمس دقائق على دراجةٍ شعرية /
لكنني لا أستطيعُ الآن أن أحضر مشهداً لقصيدتي الجديدة /
في بغداد يكتب السادة الطراطير /
قصائدَ عن حرب لا توجد إلا في موائد سكرهم /
وكتبهم القومية المصفرة .

5
أيتها المخيلة ، المجاز والاستعارة /
هل لي أن أرى وجهَ صديقي اليزيدي خديدة رشو /
أو وجه أمي الباكي ؟
في الموضع الدفاعي المكشوف / لا أفكر بأحد ما ، لا أتذكر أي شيء /
ربما أشتم نظامينَ في بغداد لم يتنفسوا دخان الحرب /
هذه الصواريخ الرخيمة
قنابرُ الهاون 120 ملم
أطلاقات ال BKC
أين تسقط { رماحُها } يا مناويكَ الشعر العمودي ؟
تعالوا انظروا الموتَ فوق كرده مند .

6
أيتها القذارات
العفونة
قمل الحرب
يا فراقنا القسريَّ عن الحياة الإنسانية
من الملوم ؟
يا إله / ربّ البولِ والبراز / خلّصْنا /
هل لنا حياةٌ فوق كوكب آخر ؟

1986 / أربيل










1988 ، الأنفالات ، بعض الهوامش


اتركِ الساعات
اتركِ الحديقة
اتركِ حبيبتك
اتركِ العطور
اترك الخزانة
اترك الأطفالَ في المحطات
تعال انظر إلى جثثِ الأكراد ، إلى أنهار دماء الأكراد
تعال انظرْ إلى الجثث المجهولة في القرى والوديان وفوق الجبال
في جيشه كه
وجمباره وك
ورايات
وديره لوك
وميركه سور
وماوه ليان
وطق طق
وكوي سنجق
تعال انظرْ إلى أجساد الأطفال والنساء والشيوخ الموشومة بالشظايا ومنظر فأر يجرجر نفسه بعيداً عن جثة جندي قاتل وقتل فوق جبل كرده مند ، والفأر مكظوم مهضوم حتى إنه لا يستطيع أن يرفع كرشه المنبعج عن الأرض ،
الآن _ يوجد هذا الرمادُ ، هذه الصرخاتُ التي تصعد إلى السماء ونجوم من الألم العميق تسطع فوق أغنيتي المتورمة ، متعباً ، جائعاً ، جريحاً ، أُجْبِرتُ على صعودِ جبال كافرة ، نزفت دمي وأيامَ شبابي ، ماذا جنيتُ سوى هذا الشقاء الرهيب وهذه الجروح التي لا تلتئم ؟
في إجازتي الدورية السابقة بعتُ معطفي العسكري في سوق [ الهرج ] بسبعة دنانير ، كنت مفلساً وجائعاً ، كنت غائباً على الإجازة ثلاثة أيام وأخشى الإعدامَ ، لم آكل شيئاً ولم أدخن سيكارة ،
صديقي الشاعر الذي يعمل في [ مجلة حراس الوطن ] ببغداد ، وينشرُ كلَّ يوم قصائدَ تمجِّد الحربَ قال لي : [ اشتريتُ هذا اليومَ زبدةً دانمركية وزجاجاتِ ويسكي فاخرة ] وقال : [ عشيقتي اتصلتْ هاتفياً ، أخبرتني إنها ستجلب لي ربطةَ عنق وبدلةً جديدة ] قلت له : [ أدخنُ روثَ الحمير وأغنياتي نهاقية ، أدخن روثَ البغال وحبيبتي سحاقية ] ،
[ أنا لا أقول شيئا عن سجوني ولا عن ملايين الفقراء
أجلس أياماً على حافة السماء وأحدقُ بلا انقطاع في دورة المياه ، و عندما أذهب إلى الجنة ، أسكرُ ولا أهدأ قطّ ، يظن الله إنني على ما يرام ، أما آمر الفوج فيظن إنني مصابٌ بالحساسية ، والحقيقة إنها عقابيلُ داء الجربِ الذي أصبتُ به عندما كنتُ نزيلَ سجن الموقع في أربيل ] ، إنني الآن متعبٌ وأحاولُ إراحة ضميري لكنني لا أستطيعُ التخلي عن هاجسي
أحلمُ بالحصول على خيمة
أو عربة قطار قديمة
أو زجاجة عرق أحتسي نصفها في المساء
أحلم بالحصول على نصف متر من أرض الوطن
أقف فوقه كاللقلق في نومه ،
مكتب المعلومات في مركز الشرطة يقول : [ حددْ مكان إقامتك ،
حدد مكان إقامتك ]
أحلم بماذا ؟
سركوت عبد الله أعدمه رجالُ الاستخبارات في مقر الفيلق
دلشاد كاميران اختطفته دورية الأمن العام في [ دهوك ] ومازال غائباً
الشاعرة انخيدونا هجرتني وتزوجتْ عقيداً متقاعداً من دائرة الأمن
جان دمو في حانة ولا أريده أن يصحو ،
صعدتُ جبالاً تحترق ، وصعدتُ السفوح ، جفَّ الدمُ وجفَّ الخوف
وما جفت الجروح ،
في [ كه لاله ] قبل العرض الصباحي للفوج كنت أمسحُ عيني وأمشط شعري بالمطر ، وألمعُ جزمتي العسكرية بزيتِ محركات السيارات وأتبولُ في برميل النفاية الموضوع في الملجأ ، لأنني أخشى الظلامَ في الخارج وفي البيت ، لا أنامُ تحت المروحة لئلا تسقط فوق رأسي ، ولا أتعرى في شلالات [ ديكه له ] ، خساراتُ العالم وأحزانها كلها في جيبي ،
أصرخُ أو أنهق وسطَ مقبرةٍ مهجورة في [ قصره وك ] غيرَ مكترثٍ لاحتجاجات الموتى ، مطروداً من الحياة على يدي الحياة ،أرسمُ في صراخي صورةً لحياتي ، أو وجهَ امرأة أحببتُها بعد خروجي من السجن الذي دخلته بسببِ الهروباتِ المتكررةِ من الخدمة العسكرية ، كانت جميلة وتتغنج في الشعر ، تركتني بسببِ حبها للمال والبحثِ عن الشهرة ، كانت تقول لي : [ أنت شاعرٌ مفلس ومغمور ، أنت صعلوك ، غجري متسكع ، حمارٌ أحمرُ ومحمور ] كنت أقول لها : [ أنا أبحث عن ذهب الأزمنة ] ،
لا مقدسات
لا غفران
يقول الجنرالاتُ [ الموتى حيوانات انقرضتْ وتعفنت تحت التراب ] أنت مدنس : [ يقول الجنرالاتُ ] ، عظام محطمة تحترق في أحلامي ، لمعان موت يخطف البصر ، وليل جرائم الطاغية ، أنفاق لا أبواب لها ، أعمى تقودني العفوناتُ من هاوية إلى هاوية
لا نبع لي
لا سراج
أحملُ جثتي منذ عشرةِ أعوام في بدلة عسكرية ، أحمل الخرابَ ويدي تقطر دماً ، أحمل الترهاتِ ، طموحي أن أكونَ رأسَ عر فاء سرية ، على الرغم من إنني شاعر ،
إنني الآن متعبٌ وأحاول إراحةَ ضميري ،
عام 1988 في الإنفالات المشؤومة كان الطاغية يطارد الأكراد ومواشيهم بالطائرات والمدافع الروسية وكان الجنود يدخنون تبغ [راوندوز ] ملفوفاً بمنشورات الحزب الشيوعيِّ المحظورة ،هل تغفر له القبورُ التي هدمها في وادي [ شه لغة ] ؟هل تغفر له الأكواخُ التي هدمها في [ قصره وك ] ؟هل تغفر له الأشجار التي أجتثها في [ كاني ماسي ] ؟
جرائم دبقة تسطعُ فوق شمس البلاد الجريحة
جرائم عفنة
نيرانها تميتُ النهرَ والحديقة .



25 / 12 / 1990
13 / 1 / 1991 أربيل ديكه له




حلمٌ في الزواج

1
فتاة مغربية تبلغُ من العمر 29 عاما ، حسنة الأخلاق ، مقبولة الشكل ، تعمل خياطة في إحدى
الشركات ، تقدس الحياة الزوجية وترغب في الزواج من شاب عربي ، يتراوح عمره بين 26 و30 سنة ، وضعه المادي متوسط ، حسن الأخلاق ويقدس الحياة الزوجية ، مستعدة للإقامة معه في أي بلد .
2
فتاة عراقية تبلغ من العمر 31 عاماً ، من عائلة تهتم بالفنون الجميلة ، شقراء طويلة ، معقدة شوية،تقدس الحياة الزوجية ، أنهت السنة الثانية من الدراسة في كلية الفنون الجميلة وتركتها ، ترغب في الزواج من شاب عراقي مثقف يحترم الحياة الزوجية .
3
فتاة مصرية تبلغ من العمر 28 عاماً ، بيضاء البشرة ، جميلة ، مثقفة ، تعمل مدرسة في أحد المعاهد ، تدرس الخياطة وتجيد الطبخ والأعمال المنزلية ، ترغب في الزواج من شاب عربي مثقف ، ميسور الحال ويقدس الحياة الزوجية .

الآن _ سأحدثكم عن الأفعال السرية
عن رجال الدين الذين يهمسونَ بشهواتٍ داعرة للفتيات المراهقات ، كم من زوجة متشوقة إلى أفعال الأرملة ، منحت زوجها عند ميعاد نومه ، الشراب الذي أتاح له نومه النهائي على صدرها ؟ كم من شاب يافع استعجل ميراث والديه ؟ كم من شابة جميلة ، لا تخجلن أيتها الجميلات ، حفرت قبراً في الحديقة داعية إياي أنا الضيف الوحيد ، لحضور جنازة رضيع ؟
سأدلكم على أماكن الجرائم كلها ، سواء كانت غرفة النوم أو المسجد أو الشارع أو المصنع أو الحقل ، وسوف تحزنون لمرأى الأرض كلها ،
والآن _ ها إنني أعود في إجازة من جبهة القتال ، محبطاً ودائخاً أحلم في الزواج ، لكنني لا أعرف أيةَ امرأةٍ ، هل أتزوجُ من امرأة من دون أن أعرفها أو أعرفَ ماضيها ؟ من يدري ؟ ربما تكون عاهرةً ، وحتى لو كانت عذراء فمن المؤكد إنها أجرت عمليةً جراحية لخياطة ثقبِ فرجِها ، هذا عدا مؤخرتها التي وُلِجتْ فيها أعضاءُ مصابةٌ بالسيلان ، هل أهرب من الخندق وأذهب أفتشُ عن فتاة تصلح أن تكون زوجة ؟ ربما أجد فتاة جميلة تعمل بائعة في مخزن ، لكن هل سأعجبها ؟ هل ستوافقُ أن تتزوجني ؟ ستوافقُ بلا شك ، ستوافق ، لأنها دائخة ومحبطة مثلي، والرجال الآنَ في الحرب ، سنتفق على تهيئة مستلزمات الخطوبة وكل شيء ، سأرتدي ملابسَ جديدةً أرسلها لي سليم بركات من قبرص ، وسأذهبُ برفقة أصدقاء أجلاء :
حسن النواب بعد أن يستحمَّ ويزيلَ القملَ من فروة رأسه
وكزار حنتوش الذي سيصلح حذاءه الأثريّ ويقص شعره الشبيه بعش اللقلق
وجان دمو الذي سيكون مخموراً كعادته ويحيي أهل الفتاة هكذا :
[ ها ، أولاد المراحيض ، ستزوجون بقرتكم لهذا الحمار ] ؟
سنتفقُ على حفل الزفاف وشهر العسل ودعوة الأقارب وبقية الصعاليك الأعزاء، سأشتريها مثلما أشتري أيةَ سلعة من السوق ، وستتغير حياتي بعد أن أصبحَ زوجاً
لا خمر
لا صعلكة
لا تسول
سأجد في البداية صعوباتٍ في البحث عن بيت للإيجار وشراء الخبز والباذنجان والحاجات المنزلية الأخرى ، سأعودُ من جبهة الحرب يائساً ومنهكاً ، وأجد زوجتي عند النافذة تلقن الأولاد الآدابَ الاجتماعية ، ستنظر إلي وانظر إليها من دون أن أحييها وستسألني عما إذا كنت قد نمت في غابة وحلمت بكابوس عن زواج السحرة ، هل كان أبي وثيق العلاقة بعائلته ؟هل كانت أمي ترفع وجهها إلى السماء وتقول له : [ أيها الرجل ، تماسكْ ضد الشيطان ] ؟ لكن أبي الشبيه بإعصار ، كان يأتي كلَّ مساء بحزمة حطب ، وبعد الصلاة يحرق الربَّ وستة من ملائكته ، هل أتخذُ من رصيف بعيد مقعداً لي ، رافضاً العودة إلى البيت ؟ ربما أسمع هناك صوتاً بعيداً ، صوتَ زوجةٍ شابة تعلن نواحها ولكن بحزن غير أكيد ، طالبة صدقة ما ، لربما يحزنها أن تحصل عليها ، في حين أن الجمعَ غير المرئيِّ من ملائكة وشياطين يدفعونها للتقدم ، سأصرخ مقهقهاً : [ ضاعت زوجتي ، لا سلام على الأرض ، والخطيئة ما هي إلا اسم ، تعال أيها الشيطان ، إليك يسلم العالم ] ، وسيصرخ الشيطان بصوت تردد أصداءَه جميعُ الأرصفة : [ آتوني بالذي تحول إلي ] ، سأتقدم إلى الأمام ،حيث التجمع الطقسي المعتاد ، ربما أشعر اتجاهه في البداية بأخوة كريهة مصدره كل ما هو طيب في قلبي ، في يوم ما عدتُ بعد هجوم على وحدتي العسكرية ، نازفاً ومدمى ، فرأيت رجالاً متزوجينَ وابتعدتُ عنهم كمن يتجنبُ لعنة ، رأيت زوجتي البلهاءَ تلقن الأطفالَ محاسنَ الأخلاق كما تقول ، تلقنهم أن لا يشعروا بالخوفِ من رؤية الحيوانات الزوجية ، كان أبي وأمي قد ماتا منذ عدة أعوام ، وجاء رجل في الليل يعتقد إنهما ما زالا أحياء يا إلهي ، من يكون هذا البغل ؟
تكلمَ بصوتٍ عميق واضح ونادى : [أبو نصيف ]، أجبته وأنا أنهض : [ دقيقة يا بغل ]،عندما فتحت البابَ ، كان هناك رجل واقف ، لم أستطع أن أتبين الحدود الخارجية لقامته ولا ملامحه ، كان الظلام يحجبه تماماً ، : [ هل أبوك وأمك هنا ] ؟ [ لا ، لقد ماتا منذ زمن طويل ، أنا نصيف ابنهما ] ، وضع البغلُ على عيني سحابة ثقيلة وولى هارباً ،
ما كنت أبغي الزواج
ما كنت أبغي الزواج
والآن _ وداعا أيتها السكرتيرة من لبنان ، يا من أرسلت إليَّ صورك وأنت تقولين : [ أحبُّ الرجل الذي يقدس الحياة الزوجية ] وداعا أيتها الممرضة من تونس يا [ من وضعت مع رسالتك الأخيرة مظاريف فارغة لكي أعيد إليك فيها أغنياتك المستوحاة من العيادة ] وداعا يا خياطة ملابس السيدات من مصر ، يا من تقدم دروسكِ للأطفال أفضلَ علاجٍ لموضوع الأثداء المترهلة وداعا يا فاطمة ، يا من كنتِ تبزين أساليبَ المدرسة السريالية في فن الرسم.







الشعلة

الشعلة : الشعلة : الشعلة : الشعلة : الشعلة :
الشعلة : الشعلة : الشعلة : الشعلة :
الشعلة : الشعلة : الشعلة :
الشعلة : الشعلة :
الشعلة :
شعلةُ حياتي انطفأتْ وظلَّ الفتيل /هذه ليست آثار معركة مع حيوان مفترس /هل حدقتَ أنت في المرآة ؟ أنا حدقتُ فجرحتني ذكرياتُ موت جاثم على أيامي / جئتُ إليك فباركني لأن السديمَ يغطي حياتي / ارفعني من طوفانات تغرقني / خلصني من أصدقاء يكسرون قناديلي /اطرد الجرادَ عن حقولي / حلني من معصيتي / واجعلني الشفيعَ لآلامي / لم أزرعْ نذالاتٍ ولم أفتحْ ماءَ الحقد على أحد ولم أعص الآلهة ولم آخذ عطية من أحد / برماد جئتُ إلى العالم : برماد : برماد : برماد :
مخترعُ المرحاضِ الدفاق ليس أعظمَ مني وأنا لست أعظم منه /[ بدر شاكر السياب نصفه جاهلي بدوي ونصفه الآخر انكلوسكسوني
ـ كيف كان نشيدُ هذا الخرافي ؟
ـ حشرجاتِ بريطانيا المطحونة في الحرب العالمية الثانية
ممتزجةً بحروبنا التحررية والعاطفية ]

بالعظمة يرفع الله الشاعرَ إليه من غير أن يرى الموت /



الليلةَ ستتزوجُ المدينةُ واحداً من الجنرالات / يا لحياة الجنديِّ من حياة شاقة /ساعدني يا إلهي لئلا يرفعني ملاكٌ مسلح من فراشي /

……………….
……………….

كانت هناك قناديلُ من المياه البنفسجية وأيائلُ كلامٍ تحاور الظلامَ وقلعتُه العالييةُ الضخمة التي هجرتْ قبورَنا الكثيرة الضروع /
والآن ـ علي أن أعترفَ يا انخيدونا إنَّ تلك الليالي الظالمة لم ترمدْ عيني ولم أحصد في رمادها سوى فضة الإنشاد / ورغم انك ميتةٌ منذ أعوام / عليَّ أن أقولَ أن الأشجار لاتزالُ حبلى والزهور مشعةً كما كان شأنها منذ الأزل /

لا سماء الناصرية
ولا بغداد
ولا أية مدينة أخرى / فيها من اللمعانات مثلَ ما رأيتُ في لمعاناتك يا صعلكاتي / ماذا تكون الفراديسُ والأنهارُ والمدنُ العظيمة المتوهجة / بل كلّ أشياء العالم / إن لم تكن قصائدَ ورموزاً من إبداع الشاعر ؟ / هذا الراهب العجوز تراءى له أن يرى ملاكاً يقولُ إنه المسيح
فلما أعاد النظرَ وجده جندياً يهبط بمظلة
حروب : حروب : حروب :
حروب : حروب :
حروب : حروب :
حروبُ الدم السعيد بمصابيحِه التي تسطعُ دائماً / أسرابُ طائراتٍ وجنودٌ يهبطون بمظلاتٍ ويشعلون العار في حقولنا المهيأة للحصاد / وثمة عطورُ بارودٍ لافحة ودمٌ ، أشجارٌ يتيمة في الأقاليم المحمومة لهذا المساء /
الغجري/ أنا الشاعرُ الغجري
الراهبُ / أجلْ
الغجريّ / كتبتُ قصائدي في الحاناتِ والحدائق والخنادق
الراهب / أجلْ
الغجريّ / أنا الغجريّ / الشاعر الغجريّ / كانت الثكنات التي هربت منها جحيماتٍ مرعبة / وسررتُ كثيراً لأنني قلتُ وداعاً / وداعاً لتلك الجحيمات /
يا إلهي
بغدادُ الآن كئيبة وموحشة
لا شعراء
لا عشاق .


19 / 5 / 1992 بغداد

لا فجر عندي لا شعلة

لا فجرَ عندي / لا شعلةٌ / لا نسمة
لا نجمةٌ تضيء سديمي
أندم لأنني لم أفِ بوعدي حيالَ أكثر من تسعين يوما لم أحيها عام 1986 / لقد أحببتُ الملابس الرثة كثيراً / غرفَ الفنادق الرخيصة / الخمورَ المصنوعة في البيوت / النومَ في حدائق بغداد حيث نمورُ الشرطة توقظني برفق في الفجر / أحببتُ كلَّ الأشياء البوهيمية والمنفلتة / [ كل شيء مألوف لدي / الجميع يخصني / لست مديناً لأحد / لقد دفعتُ أكثرَ مما يتوجب عليَّ دفعه من ديون للذين ينسون / لدرجة نفذت فيها المدية الى العظم / غير إنني بقيت وفياً للتقاليد / انظروا إلي فسوف ترون بسهولة إنني لا أشبهُ أيَّ شخص وأنا صورة الجميع ]
لا فجر عندي / لا شعلة
يسورني الموت / البردُ / وتنمو فوق وجهي البثور / وأمنح للضوء نظراتي الأسيرة / لكنني أحمل حباً عميقاً /عميقاً / عميقاً /أبحث عنك في النوم / في الخمرة / في القصائد / فوق جبال العراق المحفرة / في الملاجئ العذراء المهدمة / في قبور شوارع بغدادَ وحاناتها ومنعطفاتها/ في نحيب ذهبِ دجلة / أبحث عنك يا حبيبتي دائماً /آه / من مطر المدفعية / السماء تزربُ فوق رأسي
آه / من مكر الحب وأكاذيبه حين تهدي قصيدتكَ الى حبيبتك الشاعرة فتهجرك وتتزوجُ جنرالاً متقاعداً من أجل المال وخزن النفايات / ينبغي أن أحيي حسنة ملص ومارلين مونرو وكيم باسنجر وهن يرتبنَ أسرة العزاب كلَّ صباح / ينبغي أن أحيي ستار كاو وش وهو في غرفته المليئة بالسيارات ورجال المرور يرسم [ بورتريت ] لجان دمو/ ينبغي أن أحييكَ يا كزار حنتوش وأنت تقرأ قصائدك للصعاليك والسكارى والأطفال والأشجار المثمرة/ ينبغي أن أحييكَ يا حسين الصعلوك وأنت تبتعدُ عن القطعان الغبية/ ينبغي أن أحيي اللصوصَ وهم يطعمون الحمام فوق جدارية فائق حسن/ ينبغي أن أحييكَ يا حسب الشيخ جعفر وأنت تصرعُ أسداً هصوراً عند منعطف في شارع السعدون/ ينبغي أن أحييكِ يا دنيا ميخائيل وأنتَ تتعرضين لصليات متقطعة من رشاشة احترامي
ينبغي أن أحييكَ يا ماجد السامرائي وأنت لم تنشر لي قصيدة في صحيفة [ الجمهورية ] من عام 1980 حتى عام 1993 بحجة إنني حمار ولستُ شاعراً / ينبغي أن أحييكَ يا كزار حنتوش مرة أخرى لأن قلاماتِ أظافرك أكثر بريقاً من شعراء الحرب
ينبغي أن أحيي جان دمو لأنه يلجأ الى المحارمِ دائماً /

لا فجرَ عندي / لا شعلة
ثلجٌ في القلب والإيمان
عذابٌ في الحياة والإيمان /
انهدامات

في العالم المخسوف / فوق سفوحه المفتوحة على صحراء واسعة /
في الينابيع المطمورة بظروفِ قذائف المدفعية /
أهلا بك أيتها اللوعة /
أمواجٌ كئيبة
من العواء .


14 / 2 / 1992 بغداد




ظلالي، ظلالي الحزينة

1
أنامُ تحت غيمة
وأحلمُ بالبذور
يمشطُ شعري نهر
وتدغدغني الجسور
لا حاجة لي في النور وفي الشمعة /
تحت الشمس الخضراء
أكتب قصائدَ موتي
وإن صعدت الجذور
عارياً سأرفع صوتي
أعلن حبي للريح
وللأمطار
وللعصافير في بطن الحوت .
2
تحت أدراج الصيف والسفوح
أرقب الظلالَ والظهيرة
والحجرَ الحزين
والتماعة الجروح /
أنظر بعيداً صوب الجبال /
تهبُّ نحوي نسماتٌ جافة لذكريات عميقة /
وأصواتث رفاق قتلى /
هناك تحتَ شجر البلوط
والمنحدرات الغريبة
دفنت سنة من شبابي وقصيدة .
3
على السرو في { بيخال }
أرختُ آلامي
مرت طيور سود
ومزقتْ قمصاني
لا عرسَ لي
لا جريمة /
هذه الظلال الحارة
والقناديلُ المطفأة
من يواسيها ؟
من يشعلُ النيرانَ فيها ؟
الصمت / صمت العزلة
والحزن في الأعماق
والجهشات الطويلة
أطبقتْ على الشمس والباقي .

1986 / أربيل


بيلادونا

1
أيةُ عطور ، أية أحلام ؟
أيتها الجيفة / أيتها المستنقعُ تعالي معي /
إن لم تحلمي بالألوهية
لن تعطركِ القصيدة /
سنمضي معاً عبر المروج الخضر /
ربما يرطب النسيمُ وجهكِ الشبيه بحذاء عسكري لم يصبغْ منذ 117 يوما /
ربما يهب صوبك دفء الجذور الربيعية /
أية عطور ، أية أحلام
تلك التي تبحثين عنها في المتاجر / وأحمر الشفاه والثياب المزركشة وأقراص
مانع الحمل والأساور المهداة من زناة هامشيين وعلك النايلون وحب الظهور ؟
هل خبأتِ الجمرَ تحت أهدابك ؟
هل حملتِ الموتَ في حلكِ وترحالك ؟
تعالي معي سنشم عطرَ السوسن في الصحراء /
عطرَ الشعير في روث الحصان /
عطرَ الموت فوق الجبال /
عطرَ العنق في المقصلة /
عطرَ الله في المنفى .
2
سأدلكِ على أحلام وروائح أشد ضراوة من العهر /
سأدلكِ على الترانيم /
وآلهة الماضي العظيمة /
والقلاع والبوابات /
والمجازر الكبيرة /
وخبل الملوك /
وانحرافات الصيف /
وحنان العصور /
والذهب في المناجم /
والأسلحة والغنائم /
وستعطركِ رغم الجفاف واللهب ، البراثن والضغينة /
يعطرك النيزكُ والغمام /
اتركي حقيبتكِ المليئة بالدود وباروكتك وعلكتك والبريق المزيف /
هل تبغين كتابة قصيدة ؟
لنتأمل الصحراءَ والغابة /
الدمَ والأبخرة /
الأدراجَ والأضرحة /
الموت وخميرته /
أية عطور / أية أحلام أعمق من هذه تريدين ؟
أضرمي النار من حولك ليعطرك السهاد في الغروب
وانصبي شعرك خيمة للنجم والرياح .
3
أية عطور ، أية أحلام
أية قصيدة ؟
أيتها الخنزيرةُ / يا مرحاضَ القردة
لن يلهمك الشيطانُ كلمة واحدة
ستبقين دائما تحلمين بالعلفِ والمياهِ الراكدة .

1989 / بغداد






موت رياض إبراهيم

[ في بدايته نهايته
في نهايته بدايته
الشاعر الحيّ والشاعر الميت
عائشان كلاهما / ربما في الشاعر المقبل
والشاعر المقبل يحتويه الشاعر الميت ]
يا رياض إبراهيم / الميت الحي
سلام عليك يوم ولدتَ ويوم انقتلتَ ويوم تُبعثُ طفلا /
ها أنني أرتعش محموماً أمام غيابك وكتبك المقدسة وأقرأ
تنهداتك وصرخاتك رغيفا رغيفا /
في أية أرض تنام الآن ؟ أواه / لماذا انكسرتَ كما الرمح ومتَّ غريباً ؟
لماذا ذهبتَ الى الهاوية مبكراً / راكضاً بين أحراشها /
هل يموتُ الشاعر مغمضَ العينين ضحية حيلة / أم انه يموتُ لينشد الخلاص ؟
أعِنا على ضعفنا يا رياض / ومن خرابنا احمِنا / نجِّنا من العفونة /
ومن ليل الهاوية خلّصْنا / استمعْ يا رياض لنشيجنا في القصائد /
رباه / كتبك يا رياض / ما الذي أستطيع أن أفعله لكتبكَ حتى
تكفَّ عن لمعانها ؟
ليس لي الآن إلا الرغبة العميقة بإحضار تقدمتي من أجل مجيئك
من سنبلة الأبدية / هل يمكنني أن أضعَ شمساً فوق رأسك ؟
في صراخي إليك أمرضني الفقد وسقطتُ فوق الصخرة المسننة
لا أندبكَ / ليس هذا زمن الندب / بل زمن الجدب /
[ تذكر يا رياض / انك لستَ وحيداً
لا شجرة ولا حجارة /
التمستُ شعلة فأرشدني الصيفُ الى جمرتك العالية
كانت كلماتي متكسرةً ورايتي منكسةً ممزقة ومنهكة ] اطرد الظلامَ
دع الظلمةَ اللزجة تصارع ذاتها / انهضْ من أجلنا نحن الفقراءَ لقمحك /
الرؤيا غابت عن طرقنا / وطرقنا تحتضرُ فيها الطيورُ والبروق /
العفن والرمادُ دفنا أنهارَ قصائدنا/
تتثاءب الحياةُ في حديقتكَ المتنفسة والمفتوحة صوبَ شمس الأبدية
وفي موج عينيك لا يزالُ الحزن العراقيّ يضيء ليلَ العالم /
أنت دليلنا الى الجمرة المرتعشة / وكلّ الطغاة ذيولٌ نهش بهم الذباب /
ما أشدّ حرارة الصمتِ في عطرك العاصف .
1997 / عمان



النفخُ العالي



لستُ موظفاً إلهياً برقةِ اللص أنقّبُ عن أنقاض كاليغولا ، صعبٌ عراكُ العالم ،هناك في أقصى المدينة امرأة متزوجة تمسح زجاج الأحذية فلنرقصْ رقصنا مرةً واحدة ، ثانية وطلع القمرُ أعرجَ من كيس النفاية
ما العمل يا كاليغولا حشدٌ يمتدحُ تقاومُكم أيامٌ لم تكتب
حروبٌ عائلية لم تؤرخْ أنا آخرُ السلالة
أنا طفلُ السومريين والبابليين والآشوريين والأكديين والعموريين والفينيقيين
والآراميين والجعزيين والفرثيين والكنعانيين والأثيوبيين والسبئيين والإغريق
والبراهمة والهيبيين والسرياليين والهوهويين والولوليين
تلك وديعتي ودراجتي معطوبة ، لكن حين استنزلُ غيمةً من رفَّ السماوات
تتسعُ مقاعدُ كثيرة للناجينَ من الطوفان ، أنا شمعة
الأريكة تصطادُ الطاغيةَ من الفراشة [ الأيام وشيعة ] أزرارُ الفيلسوف تسطعُ في خزانة الطباعة
لا تستمعوا الى الغبطة مندهشاً أصرخُ خلف البيطريِّ المجنون :
المجدُ للرنين الغلبة للغلبة
البهائم اللولبية تناسلتْ في غرفة الجغرافيا التابوتُ الفقري على الوسادة
اهبطي من نجمة أمريكا ـ عندي ـ منطاداً رائحتك إسفنج
الفيل بطة
انفخي سأبكي البوق يعلفُ خصري من أجل الإباحة أعضدُ ملوكيتك
أيها الحزنُ بمسدس عاطل الرقصُ وسره يعلنان غموضي
الملعون أعطاني كوباً ليظهرني العطب لا الأنوال لا الألقاب الحظائر عالية
درج طويل لبست نقاباً اقتنيتُ موسوعةَ الضحك وقهقهت عالياً
قافية العبء عضتْ ركبة الأريكة
من أجل بلاغة أنفك حشدتُ روائحَ في ممرات الصحراء
أيتها المليئةُ اربطي خصري اصهلي لحصان يشمُّ الزفرَ فوق الركبةِ ويصهل .


3/ 2 / 1984 بغداد


قصيدةٌ عن عبقريةِ حسن النواب وحياتِه
المقدسة والشجية

1

الكتبُ لا تصنع الشاعر
والكلماتُ دائخةٌ ومستوحشة دائماً ،
يتقدس الشاعرُ كلما تقدم في الإثم ،

كانت لحسن النواب في عام 1983 لحيةٌ ذهبية طولها 3 أمتار لكنه حلقها في بغداد عام 1992 قرباناً لامرأة أحبها ،
لماذا يلامُ الشاعرُ على تمجيده للرموز ؟
أحييكَ يا نمري الفاسقَ ، أحيي وأشيد بزئيرك يا حيواني المقدسَ الجميل
الليالي المتألمةُ والدموع التي ذرفتها على من قُتِلوا ،والجبالُ التي تسلقتها في الحروب ،
ما الذي تبقى منها الآن ؟هل البصرُ أرقى الحواس ؟هل كان موتك بلا عطرٍ أو حنينات ؟
أنت صانعُ خزفٍ ومخترعُ أرضٍ من خيباتك ،سائقُ دبابة وفارسُ أحلام المعلمات
شظايا قذائفَ في جيوبك ، وفي جيوبكَ موتٌ يخيمُ على أيامنا ،
أواه ، يا حسن النواب ، أواه ، أنتَ في الفندق تنامُ معلقاً في غرفة النمور ، وأنا في البيتِ أتوسدُ أشجارَ قصائدك وشظاياها ،
أواه ، [ رسائلكُ الفلسفيةُ أوقعتني في شراكِ التصوف ]
تعالَ ، تعال يا نمري الفاسقَ المقدس ، يا أكثر سطوعاً من أحقاد أعدائي ، تعال برقصكَ الهنديِّ لتصعد أمواجَ دموعي جروحُكَ العميقة ترتعش فوق رايات خيباتنا الدائمة ، هل أنتَ قصيدة مهشمة ؟ روحكَ المتنهدة والمتوترة تصعد آهاتها بعنف صوب آهاتي لتصنعَ قصيدتك حلماً يؤوي عسلنا المر ، ليولد حلمك من يأسه ، هل أنت مرثية شجية ؟ هل أنت نابُ صيف أحمر ؟
موتك المرتقبُ يترنحُ على أنقاض قصائدنا واشراقاتنا ،

2

دعهم ، دعهم ينبحونَ ، هذه ليست طريقة ثمانينية في الكلام ، دعهم ينعمونَ في بحبوحة المناصب والرواتب ، أولاد البحبوحات
أواه ، يا نمري ، [ لقد تركتَ لي ما يكفي لأن أحيا ، قرنفلاتك السود وعسلك في دمي [
هنا [ الحيدرخانة ] التي تخدعنا وتصلبنا وتعذبنا ، لا تفكر إلا بمتعتها ،كل ما أعرفه أن الزمن هنا قد مات وأفترض أن [ رجاء ] ترقد في قبرها الآنَ ، وانخيدونا لم تكن شفيعة قطَّ ولا كتاب كزار حنتوش [ الغابة الحمراء ]
أحب رامبو لأنه يمنحني انفلاتاتك ، ولأنه يزين قبرَه بقذائفك وصورك
أحبُّ سركون بولص لأنه شاعر أكثر من البقية المتبجحة
أحب جان دمو لأنه يعتقد أن [ ما لا تاريخ له يمكن تعريفه ] ويقول /
سيجيء الخبزُ والكساء / لا سوط / لا سجن / لا رصاص / لقمع الشاعر ،
أنت تعلمُ يا نمري أن مقهى [ حسن عجمي ] شديد القرب من جامع [ الحيدرخانة ] وفي كل يوم يأتي رجالُ المخابرات الملتحون ، فيرونَ الصعاليك منهمكين بأداءِ صلواتهم الشعرية،



3

ليكن سلامُ الله ملحوظاً في الأرض ولتكن أسلحتي موجهةَ لقهر حبك وتمجيده ، ليكن بيني وبينك عهدٌ من البكاء والرايات البيض ، ليكن بيني وبينك رماد ماء ومتاريس ليلية، ليكن بيني وبينك سلامُ دمٍ وقرابين ، لماذا تسطعُ على وجهك آلاف الأقمار ؟
أنت طاهرٌ مثل حوض استحمام مليء بطلقات ،نظراتك البروقية ، أصابعُكَ ، أزندة بنادقك ،تجعل الشوارع آهلة بالكتب والأطفال ، عندما تتحركُ يزهر الهواء أمامك بأهداف الرمي وتتركُ وراءك أثراً بطولياً من الخراب ،من قناني البيرةِ المذبوحةِ بجانب الطريق وجماجمِ الطيرالحائل لونها في غروب الشمس ،إيه ، يا نمري الفاسقَ والرحيم ، ذا الوثباتِ المجنونة المشردَ في دروب ليل الأشجان ومنعطفاته ، لماذا كلما أتذكر لحيتك تثغو في حقيبتي شياهُ الناصرية ؟ أسمعك الآن في منفاكَ الذي من غير صقور ، تصرخُ وتبصقُ على الحرياتِ الفردية ، ومثلك أنا أصرخُ ، لكن من شدة لمعاناتِ قداستك والعناد ،آلافُ الشعراء يا نمري يسيرونَ الى جنبي ، كلهم ظرفاءُ وكلهم يملكونَ عقاراتٍ لكنني حين أبدأ بإحصائهم ، لا أجد أحداً معي سواكَ ،
تعال نسهمْ بإحراز نصر كبير ، لنتحرر من ثقافتنا المقيتة والمستسلمة ، تعال نبصقْ على تمثال الحرية وجمال العجوز مارلين مونرو ، ونياشين الجنرالات الشبيهة بكلباتٍ مومسات وصلعة غورباتشوف التي تقرحتْ تحتَ ليل ثلوج الشيوعية ،
ماذا عن أجدادك القساة
إقبالِ الدولة
معينِ الدولة
حرامي الدولة
ماذا عني ؟
ماذا عن كزارِ الدولة ؟
نحن البلورَ الذي تأتي إليه راكضاً
نحن المقدسَ الذي تدنسه كلما تمر من خلاله ،

4
يدي الحمراء
يدي الموشومةُ بجروح حروب ، فوق رأسكَ ، من أجل أن تسمو فوق رماد الهاوية ، من أجل أن تبقى أكثرَ حباً لشمس الأبدية ،كتبٌ في لحيتكَ أم في لحيتك معابدُ ومعسكرات ؟ يهبُّ الرمادُ عليك فلا يصل ، لأن بياضَكَ أكثرَ قوة ، لأنَّ وميضَ قصيدتك أشدَّ لمعاناً من قنبلتهم النووية ، [كربلاء ] بحيرةٌ تغرق روحك ، نيزكٌ لجهشاتك وجنون صديق ،

5
من أمواجِ نهر [ الغراف]
بين حقولِ نفط [ بابا كركر ]
تتقدم صوبي أسلحة كلامية وأرى شعراءَ براميلَ يسحلونَ أحلامهم النافقة ، مصابيح نافقة تنحدر في الرمل ،إنها القشعريرة التألمية / لا النشوةُ
إنها الشفيعة الجريحة ولا الجريحة ،
أواه ، يا نمري ، أواه ، صافحتك بالدم فصرتَ أبيضَ مثل عاطلٍ عن العمل وأنزلتُكَ ماءَ الحزن فصرتَ أكثر طهراً
وأنشدتك العزاءَ وعقدتَ ميثاقاً في الشمس مع دموعك ، لا أحلامي انتهتْ لا التلمسات ،هنا ، خيباتٌ لي وتنهداتٌ عميقة بسبب اليأس ، بسبب النهارات البيض وذهبها الميت ،
أواه ، يا نمري ، أيها المربوط كشعلة متنهدة ، يا من عشتَ آلاماً طويلة قبلي ، لدي الآن مشاعلُ خبيئة وهي أكثرُ لمعاناً من صاعقة
لدي سنابلُ حارة تمزق ظلامَ جوعك ، سأنهضُ يا نمري ، سأنهض وتنهض معي من ليل النكبة ،

دمعكُ البنفسجيّ يمزقُ أحشاء الوحشة .


9 / 3 / 1992 بغداد


من أجلِ أحلامٍ بألوان قوسِ قزح



1
هنا رجلٌ لا تستطيعُ حقيقةُ مظهره الخارجي أن تخفي روحاً حساسة ، وخلال خدمته الطويلةِ
في الخنادق ، شاهَدَ مرة فأراً في موضعه يبعد ثلاثةَ أقدامٍ عن وجهه حيث قال : [ لايزالُ هناك بصيصٌ من النجوم ] وكان الضوءُ الضئيل يسطع خافتاً على جلده الأملس ، وبحركة مفاجئة اختفى الفأرُ ، ومازلتُ أتذكر وبشعورٍ بارد ، أن الفأرَ كان سميناً ، وأعرفُ لماذا هو سمين ، فوق جبال [ حاج عمران ] وفي العراء حيث يتعرض الإنسانُ للموت ، لا يتناقضُ هذا مع قذارة التعايش تحت الأرض وبالإكراه مع الجرذان التي تفترس الإنسان ، في الوقت الذي يفترسُ هو فيه ابنَ جنسه ، هنا أنفٌ مدمى بسبب إصابته بشظايا انفجار معارك يومية مع القمل والبراغيث والجرب والبعوض ، هنا رائحة الجثث المتعفنةِ ، ومشهدُ جُثةِ جنديٍّ سائقِ عجلةِ [ إيفا ] ماتَ بفعلِ رفسات البغال المرتعبة من شدة القصف المدفعيِّ الكثيف ، وصراخِ الجرحى الذين يموتون من الألم .
2

اهدئي يا روحي المضطربةَ ، لقد امتلأتْ مثانتي ، أنفاسٌ غير نقية ، ضميرٌ غير نقي ، أنا كتلة من القذارةِ والنفايةُ التي أجيء منها مجدبةٌ ، إلى درجة لا ينمو فيها حتى الصبار ، نعم يا جان دمو ، لقد هبط الظلامُ الآن ، طابت ليلتك ، غدا سنستيقظ إما على صوتِ شخصٍ أستردَّ حريته ، أو على أنين إنسانٍ محطم أغلقتْ عيناهُ بقضبانٍ من حديد وقيدتْ روحُه في سراديب تصلحُ للصراصير العناكب ، وأنا هنا جالسٌ ، أفكر ، أوه ، يا إلهي ، هل جئتُ إلى كوكب تحيط به الدماءُ وتكبله ضمائرُ ميتة ؟
هل جئتُ عبثاً عن دعم من فلاسفتهم وعن سطور نبيلة بين أوامرهم التافهة ؟
لماذا تنطفئ نارُ الضميرِ الملتهبة ؟ جئتُ من التراب وفي التراب أتدحرجُ ، هل ينبغي أن أموتَ في حروبهم الشيطانية ؟ أن أموتَ ، تعني تجنبَ الموت ، آه ، يا جان ، الموتُ يعني قطعَ الصلة مع الموت قبل أن يأتي ليلفنا في ثنايا ردائه الصامت المعبد للأبدية ، هل ينبغي أن أموت ؟ أن أكون جباناً ، أو أحيا في السخف ، هل أنام ؟ هل أضعُ خدي على وسادة ناعمة وأصلي من أجل أحلام بألوان قوس قزح . ولأي ثمن تدورُ رحى هذه الحياة ؟ أي فجرٍ يجب أن أفرضَ بالقوة حتى أمزقَ ظلامَ ليلي ؟ أنتظر وميضَ البرق كبطلٍ مستعدٍّ لكي يموت ولا يستسلمَ راضياً ، متى يتحققُ هذا الإيمان بأن الآلافَ الصامتةَ ، سترفع إصبعاً عندما أشيرُإليها ؟ ماذا لو تحوّلَ صوتي إلى لغةٍ كريهة ؟ هناك دوماً فريقٌ من المداحينَ مستعد لنصب مشنقة لي بارتفاع عددِ عيون أفراده ، يا إلهي كم أنا محطم ، أنا مصيدةٌ لقتل الذباب ، هكذا يعتقد قائدُ الفيلق وقائد الفرقة وآمرُ الفوج ، فليحفظِ اللهُ هذه الصلياتِ ، لنحيِ احتفالَ النار الذي يمزقُ أحشاءَ الدهر في ليل العراق ،الخوفُ ، الخوفُ وحده يضفي على البشرية الواسطة التي من خلالها تستطيع أن تتوالد ، تعال يا جان لنصلِّ لإله الخوف لأنه وحده ملاذنا ، أيها الخوف فكَّ وثاقي من هذا الظلام ، أشعرُ بخدر تام في إحساسي ، آه ، يا جان ، كم أنت تعيس مثلي ، أن طعامك الآن خالٍ من التوابل ، طبول في كل مكان ، قمامة معلبة ، هذا كل ما هناك ، هل أكتب عن مدى شعوري بالأسى من أجلكم أيها الأصدقاء الموتى ؟
الجنرالاتُ هشموا عظامَكم ووضعوا أسلاكاً شائكة في أغصان أحلامكم ، آه ، يا إلهي ، أصدقائي ماتوا في العشرينات من أعمارهم ، كلهم فقراءُ وعشاقٌ وحلوونَ مثلَ حلاوة فصول السنة في العراق ، اللعنة ، أيها الجنرالاتُ ، تعالوا احرقوا جسدي ، احشروا مدفعاً في طيزي ، أر فسوني بجزماتكم ، افعلوا ما تشاءونَ ، لن أخبركم عن أحلامي ، وبماذا تهمكم ، فأنا لم أشاهدْ أية أشجارٍ أو أيةَ طيور أو أيةَ نساء أو أيةَ أقمار منذ أن ابتدأت حربُكم ، الموتُ يسطع في الظلمة كعينيْ حمارٍ ، الموت يغرق في الينابيع كالشمس ، الموتُ يتنزهُ في البيوت والسجون ، تعبت لأرفعه ، اختاروني لأجربه ، والآن ، تحررتُ لأقتله ،

3

أنا شاعرٌ غجري
إذا ربطوني يوماً بعمود الإعدام لـ [ جرائمي الغجرية ] سأتمنى أن ألتهمَ نعجةً مشوية وأحتسي زجاجةَ جنٍّ قبل أن أموت ، إنَّ بيوتَ أصحاب النياشين والأوسمة الأسطورية تضايقني وتجعلني أشعر بالاضطهاد ، أحبُّ الأرصفةَ في ساحة [ التحرير ] كما أحبُّ اللصوصَ والصعاليكَ والعاهراتِ في منطقةِ [ الحيدر خانة ] وعندما أرى أحدَ المطاعم يبيعُ الفلافلَ بعد الثالثة فجراً ، أشعر بالاطمئنان حتى لو كنتُ غيرَ جائع ،المصريون سرقوا كبابَنا ودجاجَنا وخلفوا لنا فلافلهم ، أنا مجنونُ أغاني سعدي الحلي كلها حتى ما هو تافه منها ، لا أتكلمُ سوى لغةٍ واحدة : العربية ، وأحبُّ النهيقَ والعواءَ وأستطيعُ أن أقذفَ من فمي مليونَ كلمةٍ في دقيقة واحدة ، عام 1980 دخلتُ دورةً في النحو العربي ، وكان ترتيبي الأولَ ، من نهاية القائمة ، كان تعلمي بطيئاً ، بطيئاً ،لا أعرفُ الأوزانَ الشعرية ، ولا أفهمُ في السياسة ، أفضلُ نوبةَ حراسةٍ ليلية فوق جبل بسبعة آلاف ساعة على اجتماعٍ حزبيٍّ يدوم ساعة واحدة ،
لقد تخليتُ عن قسم كبير من أصدقائي القدامى لسبب بسيط وهو إنهم باتجاههم نحو [ جماعة الوضوح ] قد اتجهوا نحو السياسة ، وكنت وما زلت أعتبر هذا الإجراءَ مناقضاً لجوهر الشعر ووظيفتهِ كما عرفته منذ البداية ، بالنسبة لي _ كانت الصعلكةُ تحرراً والسياسةُ نوعاً من العبوديةِ بسببِ شعاراتها والخط الذي يجبُ اتباعه ، حتى الآن _ ما زلت سعيداً وقانعاً بخساراتي ، لأنني في الواقع لم أرتكبْ عملاً دنيئاً ولم أكنْ محطَّ شبهات ، ويداي على كل حالٍ نظيفتانِ من عطايا السلطان ، وهذا شيء يبعث على المواساة في الأقلَّ لمن كان في مثل وضعي ، لقد بقيتُ ومازلتُ رجلاً حراً ، وكلفتني استقلاليتي هذه الشيءَ الكثيرَ ، إنني أزدري الأمجادَ الزائفة والعطايا وكلّ ما من شأنه أن يقيد حريتي ،لا أخفي القولَ ، بأنه كان ممكناً أن أهجر الشعر والكتابة وألا أواصلَ كلَّ هذه التجارب التي مارستها طوال حياتي ، لأنني كنت وما زلت أحتقر صناعَ الأدب المتنطعين ، احتقاراً ما بعده احتقار ، لقد ساقوني إلى جبهات الحرب وأعدّتْ لي ألفُ ميتةٍ بالمدافع والدبابات بسبب عدم تقديمي التنازلاتِ الأدبية المطلوبة ، وهكذا حرمتُ من تأديةِ خدمتي العسكرية في ثكناتِ بغداد حتى نهايتها، وطبعِ كتبي ، دخلتُ الجيش مجنداً في 5 / 5 / 1979 وتسرحت في 5 / 5 / 1991 ، كنت جثةً في كيس عسكري ،بعد تسريحي من الجيش محبطاً ومحطماً ، عانيتُ صعوباتٍ كبيرة بسبب عدم تمكني من نسيان المشية العسكرية وإعطاء الأوامر ، مرة جاءَ إلي شحاذ يطلب قطعة نقد فكدت أرسله إلى ساحة التدريب ، آملُ أن تتولى البلديةُ بعد موتي ، دفنَ جثتي في مقبرتها ،في بداياتي تأثرتُ بالشعر السريالي المترجم إلى العربية ، كما تأثرتُ برامبو وخصوصاً في سيرته الحياتية ، عندما كنت مراهقاً هربت من البيت العائلي لأصبح رامبو ، أحببت شاعرة في بغداد وكنت مجنوناً بحبها ، كنت عاشقاً ومجنوناً ، تشردتُ وتعذبتُ وتلوعتُ ، وماذا حدثَ لي أيضا ؟ بشرفي لست أدري ، في الحرب كان همي دائماً هو الهروب من الموت ، ولكنني لم أكن أهرب منه حتى ألتقيه مرة أخرى ،
بم ، بم
بوسعي الآن ، بضربة واحدة أن أحطم عصا أي جنرال إلى قطعتين وأكثر ، لقد حافظت على علاقاتي بالمهمشين والصعاليك ولم أندم على ذلك ،إن رزم المال الآن تأتيني دائماً من خزانات التجار والعاهرات والمهربين والقوادين الآن أود أن آكل شواء ،جميعُ القمل الذي يتم اصطياده في رأس حسنِ النواب يعود لي ، لأن لي عقداً معه ،بإمكاني العيش مع حسن النواب دائماً لأنه عبقري ، لماذا يتوجب علي أن أقوم بدور البطل وأموتَ فوق خندق ؟هناك أشياء أجدرُ بالجروح البليغة ، في حفلةٍ موسيقية أقيمتْ العام الماضي ، نهضتُ من بين الجمهور الذي كان ينصتُ للموسيقى وقلت لجنرال يحمل مسدساً عيار 16 / ملم :
[ أنا معجب جداً بملابسك يا ضفدع ، سأشتري بدلة خضراء مرقطة حالما تقوم حربٌ أخرى ، ويتم استدعائي لأداء خدمة الاحتياط ]
كم أودّ في هذه اللحظة أن ألتقطَ هذا الضفدعَ الغبيَّ من ساقه وأرميه في بركة آسنة ،أحلم بالشعر والحب والسفر وبكل ما يحلمُ به الإنسان من جنون وحرية ،الآن أسيرُ ولا أدري إلى أين ، في السنة العاشرة من خدمتي العسكرية عام 1989 كان لديَّ شاربٌ ضخمٌ شبيهٌ بشعر عانتي ، وكنت عندما أود أن أنامَ ، أسند رأسي بمظروف قذيفة مدفع ، وكنتُ أقول لأمي عندما أجيء في إجازة : [ آخر كوكب لهذا الغجري سيكون أن ينتن بين نتانات الجنة الموعودة بالاهتداء القريب والمؤكد للطير المنتظر : شفاعتَكِ ] ،وكنت أقول لها [ إنني مقتول ، الدم يجري من عيني وأنفي وفمي ، لا تتخلي عني ، دافعي عني ] ، لكن أمي كانت تجبرني على التنكر للذات ، وكانت تقول لي : [ يا ولد ، الاستمناء يجلب الجنونَ ويصيب من يمارسه بالدمامل ] ، وكانت تعلمني أن الجماع فعلٌ سيئ ، وإنه لا أخلاقيّ ، وكنت في حيرة ، لا أستمني ولا أجامع ، والآن _ أنا بطل العالم في العادة العلنية ، بشرفي ، الله وحده يعلم كم مرة نكتُ جودي فوستر وبروك شيلدز وصوفي مارسو والمرحومة مارلين مونرو ،وبصفتي عسكرياً سابقاً ، ليست لدي أية وظيفة الآن ، أقول لنفسي دائما :
[ يا نصيف ، لا تقلق ، اذهب إلى مقهى حسن عجمي وشاهد التلفاز ، وسوف تكون أعظمَ مستمنٍ في التاريخ ] ، بعد ذلك قضيت وقتي ، ليلاً ونهاراً في شوارع بغداد ، أجامع كل النساء اللائى يمرقن أمامي ،مرةً قال لي أبي : [ يا نصيف ، أنت شاعر مبجل وإمكانياتك الجلقية هائلة ، اذهبْ إلى الحمام يا ولدي وقصَّ شعرَ عانتك الطويل الذي يجعلك مثيراً للسخرية ، لن تحملكَ العاهراتُ على محمل الجد وأنت بهذا الشكل ] ، فأجبته بسرعة : [ كلا يا أبي ، أن جميع العاهرات يحملنني على محمل الجد وذلك بفضل طول شعر عانتي بالذات ، إن شعر عانتي يعبر عن آرائي دائماً في الدين والسياسة والحب والحرب والقومية ، وهو يعبر يا أبي عن شعور حقيقيٍّ ] ، قال أبي بحماسة : [ حقاً يا ولدي ، فنحنُ من سلالة قرود وهذا موضع فخر بالنسبة لنا ] .

4 / 11 / 1992 بغداد



#نصيف_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ضوء السنبلة المعدة للقربان
- ولاء إلى جان دمو
- قصيدة عن عبقرية وحياة حسن النواب المقدسة والشجية


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - أحلامٌ تذبلُ من شدّةِ الدّوي