فائز ناصر الكنعاني
الحوار المتمدن-العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 09:14
المحور:
الادب والفن
بدء اقول . من لم يكتب عن ( ابو طبر ) خائن بحق الدراما العراقية . يجب ان نرى هذا العمل بعين تنتظر الانجاز الشامل في النص والاداء ( الممثل )| والاخراج ( حركة الكاميرا وزوايا اللقطات وايقاع المونتاج ), عين تنتظر ان تقفز القطة الدرامية العراقية الى اعلى الاسيجه العربية لتنتصر لصناع دراما حقيقيين , همهم همنا في ان تكون لدرامانا في السوق العربية قدم .
قبل عام من الان عندما علمت من الاخبار ان هناك اعداد لانتاج مسلسل عراقي اسمه ( ابو طبر ) , قلت في نفسي ان هذا العمل سيكون رقما يحرق فيه مرحلة مهمة من تاريخ العراق هباء . لما عانيناه من الحرائق التي يورثها المخرجون – المؤلفون لموضوعات كان يمكن ان تشتغل بشكل مؤثر لما تكتنزه من قيم جمالية وانسانية . نحو الحرائق التي اضرمتها نصوص صباح عطوان في الاهوار العراقية . وبالمناسبة : مصطلح حريق اكثر شيوعا بين عمال الدراما عندما نصف من يمر بموضوعة . بعنوان , بمشروع درامي ( ميزانية عالية – زمن من حياة وعمر العراقيين , زمن العاملين في المسلسل = زمن صنع المسلسل – التجربة الجمعية للعاملين بدء من الكاتب الى عامل الانتاج . ابتلينا بالجبال التي تتمخض فئران . حتى صارت القناعة ان الظرف العراقي ابلغ من الخطابات الدرامية التي تقابلها على الاقل في التلفزيون .ربما المسرح افلح في العشرات من الايماضات في سموات المهرجانات العربية . ربما السينما العراقية افلحت في عدد من التجارب . لكن التلفزيون العراقي بالصفة الابداعية وليس المؤسساتية . كان اقل مسؤولية في تحسس الواقع العرافي .. انني اضع مؤلفينا باختبارات بازاء ماتناولوه من حقب تاريخية مهمه من حياة العراقيين الذين هم شهود , وضحايا , وابطال لقصص مازالت تنظر اليها هوليود مثل احتياطي النفط العراقي . حيث يمكنني القول بالموازات ان اخر قصة تنضب في العالم عراقية . اقول ذلك لان الواقع العراقي اسقط لدى القاريء العراقي ماركيز . وبات القاريء للكلمة والصورة يجد في واقغه الخلاق بالموت والحياة . اكثر سحرية من خريف البطريارك , ومائة عام من العزلة .. العراقيون جميعا اعتزلوا قراءة الرواية , بعد ان وجدوا في ملحمتهم الكونية تسونامي روائية تضيع فيه حتى تجارب جويس التي يراهن عليها نقاد واكاديميو الادب الروائي . كذلك الامر بالنسبة للادب الروسي حيث كانت الوصفة ان ينصح المؤلف المبتديء بقراءة الحرب والسلام لكارامازوف او انا كارنينا لديستويفسكي ثلاث مرات بعد الاكل .
مشاهدتي الاولى لمسلسل ( ابو طبر ) كسرت ماكنت اتوقعه لهذا المشروع . كان العمل حقنة من النوع الاول في انعاش قلب الدراما العراقية , لما توفرت عليه اولا نص مدروس , نص كتب بعناية . نص تحسس الواقع بصدقية ووعي . نص اقترب من التجربة . ونعامل معها بتلك الحيادية التي تتطلبها الكتابة للتلفزيون . نعم المحك في الدراما العراقية ان يجد الانسان العراقي نفسه . المشاهد العراقي معيار . المشاهد العراقي معيار ليس فقط للعمل العراقي . المشاهد العراقي معيار للعمل العربي والعالمي ومن الشواهد ان اسامة انور عكاشة جمهوره الاكبر عراقي وليس مصري . جمهوره التحليلي وليس جمهوره الانطباعي . الجمهور العراقي حامل افضل مسلسل امريكي مترجم كتب بلغة غير بسيطة عام 1987 . هو مسلسل ( الحسناء والوحش ) حتى باتت بعض حوارات المسلسل يكتبها بعض العراقيين في الاماكن العامة , بمثابة حكم ومنطوقات فلسفية . لذلك الجمهور العراقي لايمر عليه نص هزيل لو بلغ انتاجه مليار دولار . ولو طبلت له كل محطات العالم . ( ابو طبر ) يمر بسلام من مرشحات وعي العراقيين سواء الذين عاصروه او الذين عاصروا كاظم القريشي . ( ابو طبر ) يعمل مرتكزا لقاعدة عمل عراقي حلم . وابدأ من التاسيس ( النص ) من حامد المالكي . الجريان الدرامي السلس الذي تمتع به نص حامد المالكي هذا جعلنا في قلب مرحلة تاريخية تعامل معها بصدق . البيئة السياسية . الاجتماعية . التاريخية . ابو طبر مسلسل عراقي وثائقي تعامل مع الوثيقة الاجتماعية العراقية بطزاجة لم تلوثها حذلقات الحوارات او الميولات السياسية . ابو طبر نص يصنع ممثل وهذه نقطة اشدد عليها جدا لان الممثل في ايما مكان من الممكن ان يكون ضحية لمؤلفين تسيدوا بفعل وضع سياسي ومهني . مؤلفين ( اسطوات ) كما في تعبير احد خبراء الدراما العراقية . اسطوات لايفقهون سوى طرز لا تتعدى ( غرف العكاده ) عند العراقيين . اسطوات يورثون عدوى الخطأ اكثر مما يورثون عدوى الصح . ابو طبر حامد المالكي اختزل عقود من عمر العراقيين . عندما كتب عملا انتظرناه / حملناه / طويلا . واقصد بالعمل هنا التجربة . ( ابو طبر ) مرحلة نفسية , شعورية , في حياة جميع العراقيين وليس البغادة حسب . العمل الدرامي ليس كما يعتقد عدد من ( كتاب الدراما في العراق ) بانه لعبة على الورق . العمل الدرامي خلق Create . اعادة انتاج واعي ومثقف لمرحلة كاملة من الوعي . المرحلة حتى وان كانت خارج البعد الوثائقي فهي بالمفهوم الانثربولوجي ( مركب وعي ) . لذلك انا كنت اراهن بعد 2003 على سقوط انظمة الكتابة القديمة في العراق . المحاباة لجهة الانتاج / نظام سياسي – رأسمال . انظمة كتابة تجري بغرف معزولة عن منظومة المتغيرات بمركب الوعي في الزمان والمكان . كتاب يتنطعون على التلفزيون وبعلنون عن غرورهم بانهم اباطرة لعب يعتقدون انها اسرار كهنة . لكن العابهم التي شهدناها لعقود طةيلة ليست الا مخلوقات كسيحة لاراس لها . كنا نقبل بهم . لان القناة العراقية الواحدة في ذلك الزمان لايتسع فضاؤها الا ل ( اباطرة ) عددهم , أفل من المبشرين بالجنة . حامد المالكي بهذه التجربة قطع سنوات ضوئية ليعطي للكتاب الهرمين المغرورين درسا مفاده ان كتابة مسلسل عراقي معناه تقديم قراءة امينة لواقع ( بلازما الخطوط الدرامية – العلاقات والتقاطعات ) هناك المام / تجميع بالمحيط الثقافي العام للحدث وليس حدث مقطوع تاريخيا ينتمي الى دائرة العلاقات حسب . والابلغ ما في المسلسل هو ما كنت اراهن عليه وهو ان لدينا ممثل عراقي عملاق . لم يعلن عن نفسه الان في هذا العمل المهم وسواه بعد 2003 . الممثل العراقي وزنه اكبر من وزن المؤلف العراقي واكبر بضعفين من وزن المخرج العراقي . احرص عامل في الدراما العراقية في توجيه العمل الى مستواه المطلوب هو الممثل , في عام 1994 , عندما كتبت مسلسل ( خطوات الالف ميل ) للمخرج د. طارق الجبوري . أهم ماثارني هو الممثل العراقي . لايوجد في قائمة الممثلين العراقيين ممثلا اقل من ان اصفه ب عملاق . حتى الممثل الذي يزج بنفسه لاول مرة في ادوار الكومبارس والادوار الصامته , يشق طريقه بعناية . بدراسة . يتعلم من الكبار . ستراتيجيته , ان الممثلين الكبار مدرسة له . في ذات الوقت يعين الممثلون بعضهم في تطوير الاقل موهبة . ومما اثارني في ذلك الوفت , عندما كنت في بداياتي في الكتابة ان اسمع من ممثلاتنا القديرات هناء محمد وعواطف نعيم مثل قاعدة جميع الممثلين العراقيين انهم يسعون وراء الادوار التي تختبر امكاناتهم في مايصطلحون عليه بالادوار المركبة . قاعدة الفشل والضعف اين تكمن ؟ تكمن في النص . في الاستسهال بالاخراج . لذلك كان الممثل العراقي متغيرا تبعا لجودة تقع خارج ادواته في نص يعطيه مساحة لل ( شغل ) لمخرج يمنحه الحرية لرسم شخصيته . ومما تذكره ايضا ان الممثل عبدالحكيم جاسم كان في بداياته . لم تكن له سوى سهرة تلفزيونية . وقد رشحته لاداء البطولة مع الممثل هيثم عبدالرزاق كان طلب مني ان انقل رسالة للمخرج . ان تتوافق حجوم اللقطات مع مناطق تعبير جسد الممثل . هذا الخرص كان قاعدة / ثقافة / عامة للممثل العراقي . لكن الخبز بفتح الخاء وظم الباء كان يجري في الامية الجمالية والفكرية في منطقتين متواطئتين هما الاخراج والتاليف . الممثل في ( ابو طبر ) اجتاز تلك المحنة ووجد نفسه بمرتكزات تتيح له التعبير عن طاقته بمنتهاها . واولها التشخيص . صناعة الشخصية . حامد المالكي صنع شخصيو من دم ولحم واعصاب وغرائز وثقافة وليس حدود افتراضية تمليها مزاجية مؤلف يحركها كما يريد . حامد المالكي وجد السر المفقود في ان الكاتب خالقا علويا وليس طرفا في الصراع . لذلك كان جزء من نجاح جميع ممثلي مسلسل ابو طبر هو جودة صناعة الشخوص . في هذا العمل كان الاختبار مفتوحا للممثل العراقي . فكان جميع ابطال هذا العمل في جميع الادوار الرئيسة وسواها كانت رئيسة بسبب من الرسمة الدقيقة التي كان طرفاها المؤلف والممثل . فكنا امام عمالقة كبار في التشخيص حيث غلب الممثلون شخصيات المسلسل على شخوصهم . وكان النجاح المحسوب للممثل او التشخيص في هذا المسلسل لم يكن التركيز على الفنان كاظم القريشي حسب وانما في حدود اخرى موازية من حيث الاهمية مثل الدكتور المبدع الدكتور خالد سعيد والفنان سعد محسن والفنان ذو الفقار خضر والفنان كريم محسن والفنانة سليمة خضير والفنان منهل عباس والفنانة جمانة فؤاد والفنان مناف طالب .والفنان حسين عجاج واحسان عجاج والفنانة القديرة ناهدة الرماح , ففي مشهد جمع بين الفنانين د. خالد سعيد وكاظم القريشي وسعد محسن وجد المشاهد نفسه انه امام ثلاث عمالقة كبار اداؤهم مذهل , والحق نقول . ليس هناك شخصية عوملت باستسهال في هذا العمل في التشخيص , لامن جهة المؤلف ولا من جهة الممثلين . المخرج اعتنى بالمقابل بزويا تصوير حرجة . بمستويات مختلفة من القطع . ببيئة عراقية مقنعة في طوبوغرافيا غير عراقية
. ومما يحتسب لهذا المسلسل ايضا بحسب معلوماتي من احد الممثلين ان ميزانية المسلسل متواضعة بالقياس الى اعمال ميزانياتها ضخمة احرقت ولم تحيي .
[email protected]
#فائز_ناصر_الكنعاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟