|
كتاب تركوا أثرهم وانقطعوا عن الكتابة
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3461 - 2011 / 8 / 19 - 22:11
المحور:
الادب والفن
إن من يدقق في الأسماء الإبداعية التي كتبت إماراتياً، في مجال الشعر، والرواية والقصة، في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، من القرن الماضي، فإنه يجد أن كثيراً من تلك الأسماء قد توارى عن الساحة الثقافية، بعد أن ترك أثره، وبصماته الواضحة، بل إن إبداعات" بعض" هؤلاء، تعد استثنائية، قياساً إلى طبيعة مرحلتها، بعد أن شقت طريقها على نحو حثيث، وكتبت ولا تزال تكتب حولها الدراسات النقدية التي تشي رإلى رياديتها، مقابل أسماء أخرى، لا تزال تواظب السير، بروح الحماس نفسها التي بدأت بها الكتابة، ومن دون أي استرخاء، أو تردد، لتحافظ على تفاعلها الإبداعي، مع ظروفها، وسيرورتها التاريخية. وبعيداً عن التشخيص المكاني، الذي أشرنا إليه، في استهلالة المقال، فإنه يمكن الإشارة إلى أن هذه الظاهرة، ليست محلية، ومعاصرة، فحسب، بل هي عالمية، وقديمة، وثمة من يقول: إن الموهبة الإبداعية، في أي حقل، تبدأ في مرحلة الشباب، حيث الحماس الهائل، ونضوج الموهبة، والحساسية، وغيرها من العوامل الكثيرة التي تشكل-عادة- أرضية لابد منها للإبداع، وإن هذه الروح، قد تخبو تدريجياً، بعد أن يخوض صاحب الموهبة غمار الحياة اليومية التي تقصيه عن مواصلة الإبداع.
وربَّ قائل: إن الكتابة الإبداعية، قد تتأتى نتيجة المثاقفة، وهيمنة الجو الإبداعي الذي يكون محفِّزاً لبعض المبدعين، ضمن مرحلة زمانية، حيث يقدم هؤلاء أعمالاً إبداعية لافتة، إلا أنه سرعان مايخبو حماسهم، نتيجة ظروف جديدة يعيشونها، في مابعد، ما يدفعهم لأن يبتعدوا عن عوالم الكتابة.
كما أننا نجد من يرى أن هذا القسم من المبدعين، في أيِّ زمان ومكان، إنما يصابون باليأس من إنتاج الإبداع، بعد أن يكرسوا بدايات حيواتهم مهجوسين بهذه العوالم الأثيرة، إلا أن بريق هذا الحماس، يتبدد، يوماً وراء آخر، ونجد إن من كانت عوالم الإبداع محوراً لأرواحهم، إنما ينفرون منها، تبعاً لظروفهم الجديدة.
وفي تشريح أسباب مثل هذا اليأس، من الإبداع، هو ما سيشهده هذا المبدع من تطور كبير في طبيعة الحياة، والعلاقات العامة، والإحساس-فجأة- أن الإبداع غير مجد، مادام أنه لا يجيب عن بعض الأسئلة المهمة، الراهنة، من حوله: سواء أكان هذا السؤال متعلقاً بالرغيف، أو ناتجاً من الوصول إلى قناعات راسخة، بعدم مقدرة الخطاب الإبداعي على التأثير، في ما يخص القضايا الكبرى من مجاعات، وهجرات، وحروب، وفساد، وانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وهو ما كان وراء إعلان بعض الكتاب الكبار في العالم، إزاء حوادث معينة عن أنهم يضربون عن الكتابة، أو يستقيلون منها، هكذا..!، أجل، أو أن هناك من راح يفعل ذلك بصمت، وبعيداً عن الضجيج وبريق الإعلام والصحافة، بل وبعيداً عن الآخرين، وهذا ما جعلنا نجد حالة" اعتكاف" أو" عزلة" لدى بعضهم، قد تستغرق لأشهر، أو سنوات، بل إنها قد تستغرق بقية عمر هذا الكاتب، حتى ساعة رحيله، وغيابه الفيزيولوجي، حيث تشير بعض الدراسات عن أدباء العالم، إلى أن هناك من استغرق عزوفه عن الكتابة عقوداً زمنية، بعد أن تركوا آثاراً جدَّ مهمة، في كل مجالات الإبداع.
وثمة من يكون الوضع الاقتصادي للكاتب، سبباً في نأيه عن الكتابة، إلا أن الانهماك في أعمال محددة، من قبله، تتطلب التفرغ الكامل، للعمل، وهو ما سيدفعه مع مرور الأيام إلى الابتعاد عن حمل" جمر الإبداع" الكاوي، بل رميه، لما يسببه له، من حرق أعصاب ومتاعب.
وفي المقابل، نجد من يتحدث عن أدباء وكتاب ومبدعين، قد يعزفون عن الكتابة، بسبب انغماسهم، في ترف الحياة، على اعتبار أن الإبداع يتطلب المعاناة، وثمَّة من يرى المعاناة شرطاً من شروط الإبداع، وإن في غياب هذه المعاناة، ما يفتر همَّة المبدع، ونشاطه، ويذوي موهبته. إلا أن من يبحث في تاريخ الإبداع، ويتوقف عند سير المبدعين، فإنه سيجد كذلك، أن هناك مبدعين، جد أثرياء، بيد أن ثراءهم الكبير لم يحل دون الاستمرار في الكتابة الإبداعية، بل استمروا يقدمون الإبداع الإنساني الأصيل، ويتحدثون عن عوالم المعوزين، والفقراء وكأنهم يعيشونها حقاً. طبيعي أن المؤسسة الثقافية، أية كانت، عليها أن تعنى بأحوال المبدعين، وتهيء ظروف التفريغ الكامل، أو الجزئي، لهم، بالإضافة إلى توفير سبل المعيشة، دون أن يتعرضوا وأسرهم للحاجة،والفاقة، والحرمان، وهذا ما سينعكس-بكل تأكيد- على حيوات هؤلاء المبدعين، في كل مكان وزمان. وفي دولة الإمارات، حيث بات الخط البياني للإبداع يصعد، منذ عقود، وفي تفاعل واضح، مع النقلة الجديدة في حياة البلد، بعد الثورة النفطية الهائلة، وانعكاسها على مجالات الحياة كاملة، بما في ذلك الثقافة والإعلام. وقد يكون الحائل، بين استمرار الكاتب في عطائه الإبداعي، هو تعرضه لمرض مؤقت، أو دائم، وهذا ما قد يسبب الانقطاع الاضطراري عن الإبداع، وإن كنا أنموذجاً من طراز سعد الله ونوس، لم يقعده المرض العضال عن إنتاج أعظم أعماله الإبداعية، مصارعاً الموت في كل لحظة، من دون أن تثبط إرادته، أو يستسلم، حتى آخر نبضة في خافقه.
وإذا تتبعنا خريطة الإبداع الإماراتي، في مجال الأدب، فحسب، فإننا لنجد أن هناك أسماء كثيرة تركت بصماتها الإبداعية، إلا أنها توارت، وانزوت، بعد أن أسهمت في تشكيل ملامح الأدب الإماراتي، خلال فترة ظهورها، ومن هذه الأسماء التي بات غيابها يثير الأسئلة : عارف الخاجة في مجال الشعر، ومريم جمعة فرج، والأسماء تكثر، فما هما إلا مثالان، فحسب،إلى جانب الكثير من الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها، وتناولها، في سياق العزوف عن الكتابة.
وللحقيقة، فإن غياب أي اسم فاعل، ذي حضور لافت، في مجال الكتابة الإبداعية، يشكل فراغاً كبيراً، ولابد من دراسة مثل هذه الحالات، والبحث في سبل إعادتها إلى مدراتها الإبداعية، للإسهام في أداء الدور المنوط بها، لاسيما وأن أكثر هذه الأسماء، لا تزال تحتفظ بهواجسها الإبداعية، وطاقاتها، وهي لا تحتاج إلا إلى تهيئة الأجواء المناسبة لعودتها، وهو سؤال مهم لابد من طرحه أمام المعنيين وأولي الأمر في ميادين الثقافة.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاذقية
-
إمبراطورية الحفيد الأكبر
-
من يكسر شرنقة الصمت؟
-
محمود درويش بعد ثلاث سنوات على غيابه:لايريد لحياته ولقصيدته
...
-
بهلوانيَّات جاهلية :ردَّاً على ترَّهات رشاد أبي شاور
-
رئيس منظمة حقوق الإنسان في سوريا – ماف (إبراهيم اليوسف): الج
...
-
عبود سلمان يعمد عرائسه في نهر الفرات
-
دموع -السيد الرئيس-
-
في عيده السادسة والستين: الجيش السوري- على مفترق الطرق-
-
بين جمعتين: جامعة وجامع ودماء-5-
-
زمكانية الكلمة
-
مالم يقله الشاعر
-
طاحونة الاستبداد:وفيصل القاسم: من نصف الحقيقة إلى تزويرها:
-
هجاءُ الخطابِ الأنويِّ
-
الحوار تحت -درجة الصفر-:رداً على تخرُّصات رشاد أبي شاور وآخر
...
-
-دفاعاً عن الجنون-
-
دراجة الجنرال:في رثاء هوارو
-
بوصلة الرؤى
-
بين جمعتين: جامعة وجامع ودماء4
-
صلاة دمشقية:إلى قاسيون وبردى وكواكب صديقي-ع-
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|