أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم قعدوني - جدّي وجدَّتي....ذاكرة شتاءاتٍ مضت .














المزيد.....

جدّي وجدَّتي....ذاكرة شتاءاتٍ مضت .


إبراهيم قعدوني

الحوار المتمدن-العدد: 1031 - 2004 / 11 / 28 - 05:50
المحور: الادب والفن
    


جدّي وجدَّتي....ذاكرة شتاءاتٍ مضت .

عندما كنت أصاب بالقرف من كل شيء، وأهرب من الحب والشعر والأغنيات ،كنت أبحث عن أشياء أكثر هدوء ً وصدقا ..كنت في سنتي الجامعية الأولى ، صغيراً ومراهقاً وربما ما أزال !
المهم كنت أقصد بيت جدِّي حاملاً ذاكرة أمي وطفولتها التي اعتادت أن ترويها لنا عن تلك العصافير التي غادرت عشها واتخذت لها سماءات جديدة ، ومعبَّأً أيضا برغبتي بعناق جدتي ، تلك العجوز التي لا تلتفت للأيام ، القوية كشجرة البلوط ، تقاوم الريح والزمن وتسخر من جدي حين يذكرها بصلواتها المؤجلة!.
كانت تداهمني بعناقها الحار وتقبلني كحبيب طال غيابه ، ثم تبدأ بسؤالي عن بنات الجامعة السافرات وأحوالي معهن ، بعد أن تقمع جدي وتحاول إقناعي بأن هذا العجوز قد خرّف ولم يعد يتحكم بكلامه ومثانته أيضاً . كانا يتنافسان في بيع الحكايات، وكنت أتقن إثارة الفتن بينهما.
كنت أصِرُّ دائماً على زيارتهما في الشتاء أكثر من أي وقت آخر ، ربما هو الخيال الذي تمنحه المدفأة للأحاديث وربما هو البرد الذي كان للتو يتسرب إلى روحي .
المهم ؛ كنا نجلس ونفرش الأحاديث ، كانت الغلبة دائماً لجدتي القوية ، بينما جدي ينهمك في قراءة قرآنه بعين واحدة منهكة وأخرى مفتوحة /مع وقف التنفيذ /، ونظارته التي اعتاد أن يدوسها كلما هم بالذهاب إلى الوضوء، كنت أخفي تعاطفي معه ، طمعاً بأقراص الحلوى التي تبادرني بها جدتي بعد أن يبدأ الملل بالتسلل إلى مفاصلي ورأسي.
تسير الأمور في هذا الاتجاه إلة أن أقفل معدتي على أقراص الجدة الماكرة وأبدأ انحيازي الواضح إلى جدي المغلوب والمهمل أمام قرآنه وتلفازه ، حيث أنعشه بسرعة فورَ طَرقي لذاكرته الممتلئة بأيام الحصاد والصبايا ومهارته كبائع ، فيبدأ بسرد حكاياته الممتعة والمغيظة لتلك المرأة التي ستبدأ بالضحك تارة والبكاء تارة أخرى ، كنت أستغرب، بل لا أفهم هذه العلاقة المربكة بين الذاكرة والدموع ، أراقب عينيهما وقد طفحت بالدمع ،ينتابني شعور غريب يمكنني وصفه مجازاً بالخوف، ثم أغلق جهاز التلفاز المهمل في زاوية الغرفة والذي لا ينتبه له أحد كالعادة وأقودهما بهدوء إلى سريريهما القديمين ، جدِّي كعادته سيقول بينما أغطيه :( يابو الله يرضى عليك لا تطول الغيبة ..ستك بتحبك كتير وبتنبسط لمّا بتجي لعنَّا ) أما جدتي فتطلق ضحكة تليق بوداعي ثم تقول : تعال غداً في الصباح بينما يكون جدك راقداً لنكمل حديثنا عن تلك الصبية الحلوة التي تمنيتها لك .
أما أنا ...فأخرج ابيضاً وسعيداً ، اشقُّ الهواء بسيجارة أنيقة وافتح صدري للشوارع والليل .
* *
توالت الكوارث على ذلك العش الصغير ، وعربد الغياب فيه ، في غضون عشر سنوات ، فقدَ هاذان العجوزان ثلاثة من أولادهم ؛ البكر والذي يصغره وأصغر البنات.
صرت أخشى زيارتهما رغم اشتياقي ، أنا أيضاً كان لي ما بدأت افتقده !.
بعد غيابي لمدة سنة خارج البلاد ، عدت لأجد فيلاّ من الطراز الفخم مكان البيت الذي أعرفه ، لقد قام خالي المغترب بهدم البيت القديم وإعادة بنائه على الطريقة العصرية ..ليرتاح العجوزان وهما على حافة الرحيل!
جدَّتي القوية لم تعد تستطيع الكلام ! وجدِّي بدأ يتجنب الضحك لنكاتي القوية ! لأن ذلك قد يكلفه الكثير ! .
مع بداية هذا الشتاء ، قصدت تلك الفيلا الكئيبة للاطمئنان على الأحوال ...لم يعد هناك مدفأة مع وجود التدفئة المركزية !
جدِّي صار ينام باكراً ! وجدتي لم تعد تملك أقراص الحلوى ولم تعد تسبُّ الكَنَّات* ! ، ونسِيَت أن تكمل لي حكاية الصبية الجميلة التي ذبحها أخوها ، وتلك التي تتمناها لي....هي الآن تجلس أمام رزمة من مفاتيحها القديمة ، مفاتيح الأبواب التي نهبتها الريح .



* الكنّة : زوجة الابن



#إبراهيم_قعدوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا شيء أفعله هذا الصباح
- مكابداتٌ لا يحيط بها الكلام
- ما نقشه العامري فوق منديل اضاعته ليلى -
- - كنت أمحو جانبي من سبورة الجهات-


المزيد.....




- افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
- “مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم قعدوني - جدّي وجدَّتي....ذاكرة شتاءاتٍ مضت .