|
إسرائيل تتحدث
أحمد غريب
الحوار المتمدن-العدد: 3461 - 2011 / 8 / 19 - 08:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل من مصلحة إسرائيل إحياء الصراع العسكري مع مصر الآن؟ الإجابة نعم، قبل أن يشتد عود نظام سياسي جديد في مصر، يعكس رغبة الجماهير ويمثلها. ولأن البقاء في ظل حالة مواجهة مستمرة مع جيش نظامي هو ما تتمناه إسرائيل منذ فترة، ليس فقط لأن مواجهاتها مع مليشيات مقاومة تجهدها ولا تسفر عن نصر واضح، المسألة أن مشروع إسرائيل نفسها كدولة، ومشروع الإنسان الإسرائيلي الذي يهب نفسه لفكرة إنتحارية الطابع، فهو عندما يقرر اختيار وجوده على أرض فلسطين، أو يجدد هذا الاختيار، إنما يقتلع وجوده السابق والموروث، وهذا المشروع يحتاج لطاقة كبرى، ويومية، مشروع لا يمكن أن يعيش ويستمر دون صراع كبير. إسرائيل تقوى ويكتسب وجودها قوة طردية كلما عاشت حالة المواجهة الكبرى، ويضعف المعنى الوجودي لإنسانها ولمجتمعها ولمشروعها كلما وجدت نفسها في معترك إنساني حضاري متنوع المجالات. لا توجد قيمة إنسانية، ولا قبول، يمكن للإنسان الإسرائيلي أن يمنحها للمحيط الجغرافي الذي يعيش وسطه، هو فقط يتفاعل مع جواره من خلال علاقة الخوف، يتغذى عليه؛ بلا خوف لا وجود لإسرائيل. التنافس الإنساني -تنافس القيم- يكشف غربة الإسرائيلي أمام نفسه أولاً، وأمام الدول الغربية التي تحمي كيانه ثانياً، وأمام المحيط الذي يجب أن يظل خائفاً من تفوق القوة الإسرائيلية؛ بدون علاقة القوة والخوف ينكشف ضعف وخواء الإنسان الإسرائيلي. إسرائيل تريد مواجهة المصريين؟ نعم، لكن المواجهة لا تعني الحرب، بل تعني استمرار العمود الفقري الذي يشد مكونات المجتمع حول الدولة الإسرائيلية. أسوأ مواجهة بالنسبة لها هي التنافس الحضاري، تليها الحرب، كونها موعد لابد أن يأتي، وأن يعاود ويتجدد مع انبعاث رغبة الثأر، لكن المواجهة العسكرية الممتدة، أو الوقوف على حافة الخوف من التحول إلى حرب هو ما يشد مكونات المجتمع الإسرائيلي إلى الداخل فتتماسك؛ بدون ذلك سيتفاعل المجتمع ويختلط ويتأثر بالجوار من حوله، ألم تكن ثورة يناير ملهمة للمنطقة ومنها حركة المعارضة في إسرائيل؟ ألم يكن نجاح "إنسان" ثورة يناير مثيراً للإعجاب، ومدعاة للتقليد؟ حكومة إسرائيل في مأزق مواجهة غضب جماهيري، وهي كأي حكومة تلجأ إلى التوتر الخارجي كطوق نجاة من فقدان التأييد. أيضاً ميزان القوة الإنساني المختل بين إسرائيل ومصر عاد ليطل من جديد، بل إنه قد لا يكون فقط تأييداً شعبياً أثاره زعيم جماهيري مثل جمال عبدالناصر، إنه يطل بأخطر صوره: ديموقراطية تفقد الإسرائيليين جزءا من إنحياز الرأي العام الغربي وهو خزان الدعم الأول، إلى جانب أن نجاح الجماهير المصرية في تكوين نظام سياسي يعبر عنها سيحاصر إسرائيل بقوة هائلة، رأس الحربة فيها أنها قوة شرعية. لم تخش إسرائيل يوما نظام مبارك، أو أي عسكري يفرض شرعيته بالقوة في المنطقة كصدام حسين أو الأسد أبا وابنا، ولم تخف للمسئولين الغربيين الذين جسوا نبضها تجاه تحولات "الربيع العربي" بأن أي نظام يأتي في مصر على رأسه عسكري، أو أحد الأسماء المعروفة ضمن النظام القديم -عمرو موسى مثلاً- لا يستدعي تغييراً في معاملتها أو معاملة الغرب للمصريين، وهي تريد أن تسهم في الوصول إلى هذه النتيجة، ولن تتوقف محاولاتها. إسرائيل مستفيدة من الفراغ السكاني في سيناء، ومن إبقاء نظام مبارك تنمية سيناء حبيسة الأدراج، إبقاءها منتجعات سياحية موسمية، لا مجتمعات بشرية دائمة الاستقرار. إسرائيل هي الكاسب الأكبر من صورة سيناء غير المستقرة، وإذا كانت تستطيع إثارة قلاقل بواسطة عملاء لها، فالأخطر هو أن يتجاوب مع هذه الرقصة في يوم ما الجماعات التي تعرف بنزعتها الجهادية، فتهدي إسرائيل اعتداءا على سياح مثلاً، وقتها ستبتسم إسرائيل، حتى ولو بين قتلى الاعتداء حفنة إسرائيليين. إن عرقلة المشروع الديموقراطي، مشروع حكم الجماهير لأنفسها، يأخذ مكانه كجوهر محرك للسياسات الإسرائيلية في الفترة المقبلة، وفي ضوءه يجب فهم وتفسير تحركات إسرائيل السياسية، وأيضاً حركة عملائها وحلفائها (نظام زيناوي في إثيوبيا مثلاً)، والذين سيأخذون أدواراً أهم في هذا الملعب الآخذ في التشكل. القوى الثورية مدعوة لتكوين خطاب ومقاربة إعلامية لكشف وفضح الأساليب الإسرائيلية، خطاب ومقاربة لا تقل جودة وحبكة عن قوالب الإسرائيليين في توظيف مذابح الهولوكوست لصالح دعم مشروع دولتهم. ملحمة المصري في الطريق إلى حكم الجماهير والحرية والعدالة ملحمة مثيرة، لا يصح أن تتوقف فصولها عند تنحي ومحاكمة رئيس فاسد، بل تمتد عبر دورات إنتخابية متلاحقة تكتشف فيها الجماهير عن ثرائها الإنساني وطموحها نحو التقدم. أما سياسياً فالقوى السياسية المصرية جميعها بحاجة لآليات إجهاض لمشروع عرقلة طموح الجماهير نحو عدالة الحكم، أولها التمسك التام بالانتقال السلمي إلى سلطة مدنية منتخبة لا تغلق الباب أما تداول السلطة من بعد وصولها إلى الحكم. نشر الظلم في المنطقة أقوى درع يحمي إسرائيل، ونشر العدالة، ومدها لتغطي أرض فلسطين هي رحلة بناء للإنسان وللمجتمع، وليس عملية إنتحارية.
#أحمد_غريب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فن الجماهير: كلمة السر -منقول-
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|