مجدى الداغر
الحوار المتمدن-العدد: 3460 - 2011 / 8 / 18 - 17:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أفيقوا يرحمكم الله ،،
بقلم دكتور : مجدى الداغر
بعد 3200 عاماً على توحيدها
منظمات قبطية تطالب بتقسيم مصر إلى دولتين
البداية كانت من إعلان الأمم المتحدة انفصال جنوب السودان عن شماله فى يوليو الماضى ، ومن قبل ذلك بسنوات كان انفصال جزيرة تيمور الشرقية ذات الأغلبية المسيحية (800 ألف ) عن أكبر الجمهوريات الإسلامية سكاناً وهى اندونيسيا (250 مليون نسمة ) فى مايو 2002.
واليوم وبعد ثورة 25 يناير 2011 وسقوط النظام السياسي المصري الذي استمر على عرش مصر قرابة الثلاثين عاماً ، والذي تزامن مع انفصال جنوب السودان عن شماله الشهر الماضي ، تعالت أصوات أقباط المهجر فى الولايات المتحدة تطالب بفرض الحماية والوصاية على مصر باعتبار أنها دولة تعيش حالة من الفوضى ، فهى دولة بلا نظام أو رئيس أو حكومة مستقرة تمهيدا لتنفيذ مبدأ التقسيم إلى دولتين الأولى فى الشمال للمسلمين والثانية فى الجنوب للأقباط .
ومع أن مسألة التقسيم التي ينادى بها أقباط المهجر اليوم فى ظل حالة التردى والتراجع لهيبة الدولة المصرية منذ أن تنحى الرئيس حسنى مبارك ليست جديدة على الإعلام المصري ، بل لقد تعود عليها النظام كلما كانت هناك مطالب للأقباط كأحد أوراق الضغط على الدولة للحصول على ميزات بعينها ، أو حقوق تسعى إليها .
لكن الحالة الآن مختلفة في ظل عدم وجود رئيس للدولة أو نظام سياسي حاكم ، أو دستور تتوحد عليه كل التيارات والأطياف الدينية والسياسية مما يجعل من مسألة الوصاية والحماية من قبل منظمات وهيئات وتحالفات أقباط المهجر جد خطيرة ، وأن الحكومة والأزهر والتيارات الدينية التى تتصارع الآن لاختيار من ينوب عنها فى رئاسة الحكومة ، أو فى التشكيل الوزاري أو حتى رئاسة الجمهورية ينبغي أن تعي ما يدبر لهذا البلد فى أروقة البيت الأبيض ومن حوله .
وفيما يتعلق بالأقباط هناك بديهية شديدة الوضوح مفادها أن القبطية ليست ديناً، فالدين هو المسيحية ومعتنقي الدين هذا هم نصارى ، ومصطلح "الأقباط" يعنى المصريين جميعاً، وهو النطق العربي لكلمة GYPT، وهى مشتقة من اليونانية AIGYPTUS، وأخذ الفرنسيون اللفظ EGYPTE، وأخذ الإنجليز اللفظ EGYPT، وأخذ الألمان اللفظ AGYPTEN. والكلمة اليونانية AIGYPTUS ترجع في أصلها إلى الكلمة الفرعونية HAKAPTAH أي "بيت روح الإله بتاح" وهو إله الخلق .
ومع حذف الحرفين الأولين أصبحت الكلمة تنطق GYPT "جبط"، ولما كان الحرف "G" لا ينطق في اللغة العربية إلا معطشا، قرّبه العرب إلى حرف القاف، فصارت الكلمة تنطق "قبط"، ومنها أخذ الأجانب كلمةCOPT للدلالة على أقباط مصر .
وأيا كان الأمر فإن كلمة قبطي تسبق ظهور المسيحية وكانت الكلمة مستخدمة عند الفتح الإسلامي كاسم عام لأهل مصر والذين كانوا على الدين المسيحي، فأصبح المتداول بعد ذلك ، وأن من دخل الإسلام أصبح مسلما ومن ظل على المسيحية ظلت مرتبطة به كلمة القبطي ، وقبل الإسلام كانت تعنى جموع المصريين .
إن دعوة موريس صادق رئيس الجمعية القبطية الأمريكية اعتصامه أمام السفارة المصرية بواشنطن مع عدد من أتباعه ومن أعضاء جمعيته والمنظمات الصهيونية التي تدعم هذا التوجه والمطالبة بفرض الحماية الدولية على مصر والقضاء على أسطورة دولة مهيبة كانت في الماضي تدعى مصر أو أرض الكنانة ، كانت تصدر القمح لكل الدول التي خضعت للإمبراطورية الرومانية قديماً .
كما دعا موريس إلى حملة تستهدف تجميع مليون توقيع يشارك فيها الأقباط بكل طوائفهم وتفويض بابا الفاتيكان لفرض الحماية الدولية على مصر تحت زعم حماية حقوق الأقليات في مصر، يقابلها دعوات مماثلة لكل من وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتينى ، وأمين سر دولة الفاتيكان برتونى للتدخل لفرض الحماية الدولية على مصر .
بيد أن الملاحظ هذه المرة أن هناك تأييداً من منظمات حقوقية دولية لما يطالب به موريس صادق والذين معه من أقباط الداخل والخارج ، فى الوقت الذى تغفل فيه عيون وقلوب النخبة المثقفة والتيارات الدينية والسياسية التى تزايدت بعد الثورة عما يحدث فى هذا الشأن مؤكدين استحالة حدوث ذلك نظرا للوحدة الوطنية وقوة البناء الإجتماعى المتماسك بين المسلمين والأقباط .
وأتصور أن الصورة البعيدة لما يحدث اليوم مشوبة بالخطر ومحاطة بالغموض وأن التشدق من أن الشعب المصري لا يستطيع أحد أن يفرض الوصاية عليه ، ولا يقبل أى إملاءات خارجية كلام مردود عليه ، بل إن هذا الرد بالضبط ما كان يقوله النظام السياسي السابق عند طرح ذات الموضوع من أقباط المهجر، وكانت الحكومة تقوم إزاءه بمنح الأقباط جزء من حقوقهم كالسماح بترميم كنيسة أو ببناء كنيسة جديدة أو دعمها مادياً ، أو عودة فتاة مسيحية سبق وأن دخلت في الإسلام وتسليمها عن طريق جهاز أمن الدولة للكنيسة .
وعلى المستوى الإقليمي ما تزال العديد من الأنظمة العربية مشغولة بترتيب أوراقها حتى لا يحدث لها ما حدث في مصر وتونس ، أو ما جرى على الرئيس المصري السابق حسنى مبارك ونظامه الذي يقبع غالبيتة في السجون ، بينما رأس النظام نفسه داخل قفص من حديد على سرير طبى كالأسد الجريح ، يغيب عن الوعي حيناً ، ويفيق حيناً أخر بعد أن نحت المرض جسده ، وأنهك قواه ولم يعد يستطيع أن يتحمل سيل التهم الموجه إليه .
إن الولايات المتحدة وهى دولة كانت تؤمن بالوحدة وتنادى بها ، بل كانت تسعى للحفاظ عليها وضد تقسيم أى كيان متماسك ، هكذا كان موقفها من البوسنة والشيشان وكشمير وتركستان الشرقية وجنوب الفلبين وفلسطين وغيرها ، هى ذاتها اليوم تسعى وتخوض وتشارك وتدعم تيارات وجماعات وأنظمة أملا فى نجاح عملية التفتيت لكيانات ودول صغيرة سهل اصطيادها فى أى وقت .
ولعل النموذج العراقي كان أقرب الأمثلة على فشل عمليات التقسيم الأمريكية في المنطقة العربية ، وهى هذه المرة تقوم بتكرار التجربة في كل من الجزائر وسوريا وليبيا ولبنان ومصر بعد نجاح تقسيم السودان لدولة فى الشمال وأخرى فى الجنوب ، فهل من الممكن أن نرى مصر دولتين ؟؟ سؤال يجيب عنه الأقباط أنفسهم ؟؟ .
أفيقوا يرحمكم الله،،،،،،،،،،،
دكتور مجدى الداغر
#مجدى_الداغر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟