|
الشخصية المغتربة
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 3459 - 2011 / 8 / 17 - 13:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كثير منا يسمع عن هذا المفهوم واستخداماته في حياتنا المعاصرة هذه الايام ،وإذا كانت الكلمة في ذاتها لها تاريخ قديم من الفكر الديني وبخاصة المسيحي والاسلامي والعصور الوسيطة تلك الاخيرة التي تعددت استخدامات الكلمة فيها ما بين قانونية ونفس – اجتماعية . اول من استخدم هذا المفهوم علميا ً ومنهجيا ً هو "هيجل" في كتابه الموسوم فينومينولوجيا الروح الذي صدر في العام 1807. اصل كلمة الاغتراب لاتيني Alienatio ويستمد هذا الاسم معناه من الفعل Alienaer بمعنى تحويل شيئ ما لملكية شخص آخر وهذا الفعل بدوره من فعل آخر هو Alienus اي ينتمي الى شخص آخر متعلق به ، وهذا الفعل الاخير مستمد بصفة نهائية من لفظ Alius الذي يعني الآخر سواء كأسم او كصفة "كما عرضه ريتشارد شاخت –الاغتراب " ان الشخصية المغتربة او التي تشعر بالاغتراب تعد مأساة الانسان المعاصر في عالمنا اليوم فهي تعيش صراع بين أكون ولا أكون في سياق هذا الازمة الانسانية المحتدمة في حق الوجود والعيش برضى وهدوء. تقوم جدلية هذا النمط من الشخصية على صراع يتمركز في : انا افكر .. اذن .. انا موجود انا أفكر .. إذن .. انا قلق انا قلق .. اذن ..انا موجود أفكر حيث لا أوجد ، أو أوجد حيث لا افكر معبرا عن أن الاحساس بالوجود لا يتحقق في الذاتية – انطلاقا من الذات أو التفكير – وانما يحصل الانسان على الاحساس بوجوده من خلال الآخر وفي الآخر وبالآخر كما تقول نيفين زيور . لا تجد الشخصية المغتربة في الواقع الذي تعيشه نفسها بل تجد نفسها غريبة في مجتمعها، غريبة عن ذاتها ، لم تجد الاخر الذي هو في وجوده انعكاسا انسانيا في علاقته بالآخر فيقول"مصطفى زيور" فوجودي وقد عثرت عليه مشوب بالغيرية أنه وجود واغتراب معا ً من حيث عثور على الوجود داخل الاغتراب في الغريب حقا ً انه ليس اغترابا ً شاملا من حيث إن الآخر إنما هو أنا . تعاني الشخصية المغتربة بالعزلة عن الاخرين لفقدان لغة التواصل والتفاهم معها ويقول "كيركجارد" قضية علاقة الفرد بالاخرين ضياع الانسان في الحشد ، هذا الحشد من البشر او كما يسميهم بهائم البشرية حينما تندمج هذه الشخصيات في اية قوة بدون العقل ، سواء قوة الحشد او الدين او النظام السياسي .. الخ ، انما تفقد إنسانيتها ويغترب الفرد ويضيع في الحشد وبين الوجود الزائف . عاش السيد المسيح "ع" مغتربا في مجتمعه الذي طلب اصلاحه لما يعيش فيه من فساد وتحوير لجميع القيم السماوية التي نادت بها الاديان من قبله فأنتزع نفسه من المجتمع او من الاخرين لا نتيجة بالاحساس بالضياع وأنما لكي يعيد مع شلة مؤمنة به صياغة مفاهيم الحياة الصحيحة ولكونه يقود ثورة مسالمة هادئة على القيم السائدة فلم يفض اغترابه الى التمرد وانما يتجاوز باغترابه الحب والارتباط الانساني التلقائي . اما الامام علي بن ابي طالب "رض" فقد عد من اكثر الشخصيات المغتربة عن/ "في" واقعها لما عاناه من عدم تفهم مجتمعه له ولِما يقول ويُبدي من افكار متقدمة عنه زمانيا ومكانيا فقوله : الفقر في الوطن غربة ، والمال في الغربة وطن . وهناك العديد من الشخصيات المغتربة في اوطانها أدت بها الحال الى الثورة على الواقع وان دفعت حياتها ثمنا لذلك منها الامام الحسين بن علي بن ابي طالب "ع" في ثورته الازلية ضد نظام الدولة الاموية السياسي بأسم الدين حينما رفض الاغتراب في وطنه بالاعتراض على السلطة الجائرة التي حاولت نزع انسانية الانسان بأسم الدين فرفض ان يضيع في الحشد حتى لايصبح ملكا ً لنفسه فقط وإنما انطلق بثورته التي ظلت باقية عبر القرون ليصبح ملكا ً لغيره ، انه لم يتخذ العزلة كعلاج لحل ازمة الاغتراب في المجتمع الاسلامي ، اغتراب في التعامل اليومي البعيد عن الفكر الديني السائد واغتراب في التطبيقات السياسية - الدينية السائدة آنذاك . ان "الامام الحسين –ع-" في ثورته على اغترابه بمجتمعه الذي استسلم بإسره للسلطة السياسية الزائفة والتدين المحور قادته ثورته الى ان تفنيه وتوجده في الآن نفسه على المستوى الرمزي الذي يجعله خالدا ً من قبيل أن يلاحظ كيف انه مات "استشهد" بما هو فرد وإن ظل خالدا ً بما هو رمز لإمة تحيي ذكرى اغترابه بالعلن بمآتم استشهاده كل عام وعبر اكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان وبمختلف الامكنة والاوقات . انه لم يسعى الى السلطة ولكنه سعى الى التغيير فسعوا الى موته وهو ما تحقق على ارض الواقع فقد قُتل وقُطِعت اوصاله – هذا الحدث بالنسبة له وللمسلمين الحياة ، وليس الفناء ، ففناءه بدنيا ً تتجلى في صورة الجسد الممزق المفتت وقوله ( ان كان اصلاح دين جدي لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني - إقتلوني ) فيصبح الانا مرهونا ً بهذا الخيال والواقع معا ً، اعني الجسد المتناثر الممزق ، معززا ً (أنا ) مثاليا ً يصبو الى تحقيقه في الآخر الكبير(الله) والدفاع عن الدين القويم والصحيح غير المحرف . الامام الحسين"ع" لم يسعَ الى الموت بل سعى الى الاصلاح جهارا ً ولكن الموت ادى الى إعادة الوعي الجمعي لأمة بأسرها فقدَتْ ميزان قياسها للاسلام الصحيح . ومن ابرز الشخصيات المغتربة في التاريخ الاسلامي هو (الحسن بن منصور الحلاج) المتصوف المغترب الذي دفع حياته ثمنا لاغترابه رغم شطحاته في الفكر والفلسفة وما يقول ، فهو صادق بقوله رغم مغالاته فأتهم بالكفر والزندقة والجنون وسعى نحو الموت وتحقق له. يقول علماء النفس ان الشخصية المغتربة تضيع بين جزئيات الحياة اليومية حتى تضيع الاسرة ، و يسرقون منها وجودها الانساني السوي ويسلبون ذاتها وحريتها . ترى ادبيات علم النفس ان الاغتراب هو قضية الانسان في كل زمان ومكان وليس قضية عصرنا الحالي فقط رغم ان ظاهرة الاغتراب والشخصيات البشرية التي تتسم بسماتها ربما تختلف من عصر الى آخر ومن مجتمع الى مجتمع ولابد ان نقول اننا نشعر بالغربة حينما يكون القهر ويكون مستمرا ويقول"اريك فروم" الاغتراب ليس نعمة او نقمة بل إنه يدخل في النسيج الوجودي للانسان وسيظل الاغتراب طالما يظل الانسان، ويضيف "تيلش" اكثربقوله على الرغم من الأغتراب يحاول الانسان أن يظل إنسانا ً فإننا نقول أن الانسان بغير الاغتراب ليس انسانا ً.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لاتجعل طفلك بين الحيرة والتشتت!!
-
أبناؤنا في تطرفهم واعتدالهم
-
الانسان والحرية والطريق الشاق لهما
-
العقل والهذيان !!
-
تعليم بلا فشل او رسوب دراسي!!
-
العراقيون .. والبناء النفسي
-
طفلي في مفترق طرق ..كيف الحل؟
-
هل الانسان يُعرَف ْ بلغة رغبته؟
-
النكتة والفكاهة ونمط الشخصية !!
-
البناء النفسي ..متى يهتز عند الانسان؟
-
تحوير الكلمات ..من الهزل الى الهذيان الجماعي
-
هل يعود الماضي ؟ رؤية نفسية
-
وساوسنا .. هل تعيق سلوكنا ؟
-
الانتخابات العراقية وكواشف الذات
-
الاحباط في الطفولة ..صراع في البلوغ
-
الغيرة والجنون !!
-
الاغتراب .. هل هو أزمة الإحساس بالوجود؟
-
العراقيون وفريضة التساؤل ..عن التدهور في كل شئ!!
-
النفس والصراع !! جدل الانسان
-
الاستعراضية والتباهي مؤشر للشعور بالنقص!!!
المزيد.....
-
راكبة تلتقط بالفيديو لحظة اشتعال النار في جناح طائرة على الم
...
-
مع حلول موعد التفاوض للمرحلة الثانية.. هل ينتهك نتنياهو اتفا
...
-
انفصال قطعة كبيرة من أكبر جبل جليدي في العالم!
-
15 قتيلاً على الأقل خلال انفجار سيارة في مدينة منبج في سوريا
...
-
روسيا تعلّق الطيران في عدة مطارات عقب هجوم أوكراني بالطائرات
...
-
عواقب وخيمة لوقف أمريكا المساعدات الخارجية.. فمن سيعوضها؟
-
الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي أكثر قدرة على الصمود
-
انتشال رفات 55 شخصا ضحايا اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية
...
-
لبنان .. تغيير أسماء شوارع وساحات تذكر بالنظام السوري السابق
...
-
الرئيس الجزائري: أبلغنا الأسد رفضنا للمجازر بحق السوريين
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|