|
بدون الحكم ليست ثورة
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 3459 - 2011 / 8 / 17 - 11:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عندما أطلق على التحرك الشعبي الذي بدأ في مصر في الخامس و العشرين من يناير 2011 ثورة شعبية ، فإنني صراحة أطلق هذا الوصف - حتى الآن - من باب الأمل ، و ليس إستناداً على حقيقة صارمة . من باب الأمل أن تتطور الأحداث ، و تأخذ شكل أخر ، تستحق معه وصفها بالثورة الشعبية السلمية التي أملنا فيها ، و عملنا لها ، و أسهمنا فيها ، كل على قدر إمكاناته . مجموعة الأحداث المعنية بالحديث ، و التي حدثت حتى الآن ، تستحق - بالميزان المنصف - وصفها بالهبة الشعبية ، و ليست بالثورة الشعبية . لأستخدم الأمثلة التاريخية - المحلية ، و العالمية - لشرح الموقف الحالي الذي نقف فيه . الموقف الحالي لو طبقناه على ثورة مصر في 1805 فسيكون أشبه بمطالبة الثوار - و بعد إسقاطهم للوالي العثماني خورشيد - السلطان العثماني بإرسال والي جديد ، بدلاً من قيام الثورة بإختيار حاكم مصر ، مع ملاحظة التجاوز التاريخي الذي قمت به ، حيث أن ثورة 1805 بدأت بإختيار محمد علي أولاًً ثم قامت بعد ذلك بخلع خورشيد ، و لكني أتجاوز تاريخياً ليكون المثل أقرب - بعض الشيء - للوضع الحالي في مصر . أو أن تقوم جماهير ثورة 1919 بمطالبة المندوب السامي البريطاني بكتابة دستور لمصر ، و الإشراف على الإنتخابات البرلمانية ، بدلاً من العمل من أجل نيل الإستقلال ، و تأكيد إستقلالية الإرادة المصرية . أو أن تقوم جماهير الثورة الفرنسية - تلك الثورة التي تعد المثال الأشهر بين كل الثورات الشعبية في العالم - بعد إسقاط لويس السادس عشر عن العرش الفرنسي ، بتكليف كبار النبلاء بمحاكمة لويس السادس عشر ، من الألف إلى الياء ، و كذلك تكليفهم - أي هؤلاء النبلاء - بصياغة دستور جديد ، و وضع قانون الإنتخابات ، و الإشراف على الإنتخابات البرلمانية . أو أن يقوم الثوار الأمريكيون ، بعد تحقيق بعض الإنتصارات الأولية على الجيوش البريطانية بإرسال طلب إلى الملك في لندن ، ليرسل حكام جدد للولايات ، و إلى البرلمان البريطاني في لندن ليكتب لهم دستور ، و يشرع لهم قوانين . أو أن يكتفي الروس في 1917 بإسقاط القيصر ، و الموافقة على تولي مجلس عسكري من رجال الجيش و الأسطول مقاليد السلطة ، و أن يعهد إلى هؤلاء العسكريين بمحاكمة القيصر ، و غيره ، مع العلم أن هؤلاء الرجال العسكريين الذين أشرت إليهم ، هم من قادوا في حقيقة الأمر القوات ، و الجيوش ، التي حاولت وأد الثورة الروسية بقوة السلاح . فهل كان لمصر أن تحمي نفسها من إحتلال بريطاني مبكر في 1807 ، و تدخل العصر الحديث بكل معنى الكلمة ، لو كان أجدادنا ، ثوار 1805 ، فكروا بنفس العقلية المحدودة التي يتمتع بها بعض ثوريينا الآن ؟؟؟ هل كانت مصر ستعرف الإستقلال - المنقوص ، و لكنه كان خطوة للأمام - في 1922 ، ثم تعرف معاهدة 1936 ، التي قلصت الوجود العسكري البريطاني ، و هل كانت ستستطيع أن تقول كلمتها في أثناء الحرب العالمية الثانية ، فلا تتكرر السخرة ، و التجنيد الإجباري ، و خطف الناس من المساجد و الأسواق ، كما كان يحدث أثناء الحرب العالمية الأولى ، و هل كانت مصر ستعرف الحقبة الديمقراطية الأولى التي إمتدت من 1923 إلى 23 يوليو 1952 ، و بطولات معارك القناة ، و منها بطولة شرطة الإسماعيلية ، لو كان أجدادنا ثوار 1919 يفكرون بنفس الإسلوب الذي يفكر به بعض من يدعون الثورية الآن ؟؟؟ هل كانت فرنسا ستعرف الجمهورية ، و تترسخ في الوجدان الشعبي الفرنسي فكرة الجمهورية بدرجة لم يكن من الممكن إستئصالها حتى بعد عودة الملكية ، و تعرف البرلمان الشعبي ، و تعرف إعلان حقوق الإنسان و المواطن ، و حزمة قوانين نابوليون ، لو كان الثوار أسلموا زمام القيادة لكبار النبلاء ؟؟؟ هل كان سيكون هناك إعلان الإستقلال ، و الدستور ، الأمريكيين ، و تتحول الولايات المتحدة إلى قوة عالمية كبرى ، أسهمت في إنقاذ العالم من الخطر النازي ، و قدمت للعالم الكثير من المنجزات العلمية ، و الحضارية ، لو إكتفى الثوار الأمريكيون فقط ببعض الحقوق ، و تركوا لندن ترسم الخطوط العريضة لحياتهم السياسية ؟؟؟ ألم تكن الولايات المتحدة لتصبح مثل أستراليا ، و كندا ، لو إستمرت تابعة للتاج البريطاني ؟ و لو كان الروس في 1917 قبلوا بمجلس عسكري حاكم ، يشبه مجلسنا الحالي ، مجلس لا يجد غضاضة ، أو حرج ، في إستعمال كافة الوسائل للمحافظة على النظام القديم ، لما كان بمقدورهم ، هم و معظم شعوب الإتحاد السوفيتي ، مقاومة جيوش النازية ، و لتحقق حلم هتلر - الذي سطره في كتابه : كفاحي - في إقامة إمبراطورية ألمانية عنصرية كبرى في أوروبا الشرقية تقوم على إحتلال روسيا ، و أوكرانيا ، و بيلاروسيا ، و إستعباد أهلها ، و لإكتمل له إحتلال أوروبا بعد ذلك ، و الشرق الأوسط ، و شمال أفريقيا ، و لتغير التاريخ العالمي للأسوء . الثورة ، لكي تكون ثورة ، يجب أن تقوم بتغيير الواقع ، تغيير جذري ، إيجابي . كالتغيير الذي شهدته مصر بعد ثورتي 1805 ، و 1919 ، الشعبيتين ، و كالذي شهدته كل من فرنسا ، و الولايات المتحدة الأمريكية ، و روسيا ، بعد ثوراتهم المشار إليها سابقاً . الثورة لكي تكون ثورة يجب أن تمسك بالحكم ، لأن الحكم هو الأداة التي يمكن بها التغيير الجذري - و أشدد على كلمة الجذري - فبدون التغيير الجذري ليست هناك ثورة .
17-08-2011
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشير طنطاوي شيطان في كل الأحوال
-
لماذا تريد الإدارة الأمريكية تشويه الثورة المصرية ؟
-
حتى لا يقول أحد : أنا الجيش
-
جرائمه أكثر من أن تنسى و أكبر من أن تغتفر
-
الشعب سيحكم على المحاكمة
-
نعم للديمقراطية و لو فيها الإخوان ، و سحقاً للإستبداد أياً ك
...
-
حتى يصبح الخامس و العشرين من يناير 2011 العيد الوطني لمصر
-
المخابرات السليمانية إخترقت القيادة الإخوانية
-
الشعب يريد الحكم
-
درس من القرآن في ضرورة إستئصال النظام الظالم بالكامل
-
إستكمال الثورة أولاً
-
إنه نظام طنطاوي ، و الأدق نظام طنطاوي - سليمان
-
تسييس القضاء العسكري خيانة
-
جهاز المخابرات يجب أن يبتعد عن السياسة و أن يخضع للرقابة
-
في قضية التدخل الإسرائيلي ننتظر حكم القضاء المدني النزيه
-
إنها محاولة يائسة ، بائسة ، لإنقاذ مبارك من حبل المشنقة
-
التعاون مع آل سعود إهانة للثورة و شهدائها
-
نصف بالقائمة و نصف بالفردي ، لن نساوم
-
المجلس العسكري الحاكم دمر سمعته بنفسه
-
لماذا كل هذا الصبر على مجرمي جهاز الشرطة ؟
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|