مستقبل اوربا بين فكي النازي الجديد والاسلامي المتطرف ...

لؤي الخليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اثناء الاضطرابات الاخيرة التي شهدتها عدة مدن في بريطانيا , قالت احدى السيدات الانجليزيات في حديث تلفزيوني , ان من فقد حقا له او همش او تعرض الى ابتزاز او اعتداء بأمكانه اللجوء الى المنظمات المدنية او الدوائر الرسمية او المحاكم لاسترداد حقه , اما اللجوء الى اعمال عنف ونهب المتاجر وحرق المباني فهو امر مرفوض ولن نسمح به بتاتا ...
وعقب مجزرة النرويج الرهيبة الشهر الماضي , لفت انتباهي تصريح بين العديد منها يقول , ان فكرة المقارنة بين سنوات من ارهاب المتشددين الاسلاميين وحادثة وحيدة نفذها يميني متطرف خطأ كبير ومقلق , وانها لا تدل ابدا عن تزايد خطر اليمين والمهم ان نبحث عن الاسباب والدوافع الرئيسة التي تقف وراء ذلك ولم في هذا الوقت بالذات ؟ ... ودون شك فأن صاحب التصريح يشير الى الهجرة والتطرف الاسلامي بقوله _ البحث عن الدوافع الرئيسة _ , كما انها ليست الحادثة الوحيدة كما يصف بل كانت هناك غيرها خلال السنين الماضية .
شهدت اوربا خلال شهر واحد حادثتين كانتا اشبه بزلزال هز اركانها وفتحت عيونا كانت اشبه ما تكون بالنائمة , فأحداث بريطانيا سببها اناس ملونين غالبيتهم من المهاجرين , وجريمة النرويج هي الاخرى سببها , كما قال منفذها , هو كثرة اعداد المهاجرين في البلاد وخاصة من ذوي الاصول الاسلامية ... اذن نحن امام مشهد جديد بدأت احزاب اليمين المتطرف والاخرى المتعاطفة معها بكتابة سينوريوهاته وليس ببعيد ذلك اليوم الذي نشهد فصوله ... فأوربا اليوم هي ليست اوربا الغد في كل الاحوال .
لقد ساهمت اجواء العمليات الارهابية التي جرت خلال عقد من الزمان في حالة من الهستريا داخل المجتمعات الاوربية بدءا من احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر وحتى فاجعة النرويج واحداث بريطانيا , وقد زادت من حدة الكراهية والمعاداة والخوف من المهاجرين عموما والاسلاميين خصوصا , وكانت الجماعات الدينية والاحزاب اليمينية المتطرفة هي اول المستفيدين من ذلك وراحت تسعى الى تصعيد التوتر والخوف داخل مجتمعاتها من خلال التأكيد على ان المسلمين يتسللون الى اوربا بغية الهيمنة عليها ... وهذا كان دون شك له الدور الفاعل في زيادة وتصاعد نسبة المنتمين الى تيارات اليمين المتطرف , لتصل في هولندا الى 17% وفرنسا 15% وبلجيكا 10% والمانيا 5% وبنسب قريبة من ذلك في كل من السويد والنرويج والدانيمارك , وقد تمكن هؤلاء بالفعل من زيادة الشعور المعادي للهجرة وتنميته من خلال التركيز على الجانب الديني اولا , وهو السبب الرئيسي , ذلك ان عددا غير قليل من المهاجرين هم من ذوي اصول اسلامية يعتبرهم اليمين خطرا يهدد النهج الديمقراطي الاوربي ويؤثر على النسيج الاجتماعي الذي بدأإ يتأثر بهم فعلا وبالذات في الدول التي سبق وان اشرت اليها , يضيفون الى ذلك الجانب الاقتصادي سيما بعد الازمات المتكررة التي ضربت وتضرب اقتصادياتها منذ فترة واثرت بشكل سلبي على مستوى الدخل لدى الفرد الاوربي الذي بات يرى ان ما يدفعه من ضرائب يذهب قسم غير قليل منه الى المهاجرين كمساعدات انسانية او غير ذلك , في حين ان المهاجر الذي لا يستلم هذه المساعدات يستحوذ على فرصة عمل من مواطن ذلك البلد هو احق بها .
لقد عرف عن اوربا حرصها ومنذ عقود على انتهاج سياسة التسامح وقبول الاخر وضمان حرية الرأي , بل انها راحت ومن باب انساني بحت فتح ابوابها امام المهاجرين من شتى بقاع المعمورة , وتشير الاحصاءات الى ان عام 2010 فقط كانت نسبة الزيادة في اعداد المهاجرين في دول الاتحاد الاوربي اكثر من تسعمائة الف مهاجر , غير ان السلوك غير المتزن لبعض من اؤلئك حدى الى مواقف سلبية ليس من جانب اليمين المتطرف او الجماعات الدينية فقط بل من قبل العديد من الاوربيين غيرهم ممن كانوا ذات يوم يتعاطفون مع الوافدين الجدد , وافرزت هذه المعادلة على مر السنين نهجا متطرفا مستفيدة من التربة الخصبة التي توفرت لها لتورق وتثمر من جديد بعد ان كانت جذورها قد جفت عقب الحرب العالمية الثانية . فالفاشي النرويجي الذي سفك دماء ابناء جلدته متعمدا ليأتي الفعل اشد ايلاما على شعبه , ما هو الا صنيع للاتجاهات الدينية المتطرفة التي بدأت تجتاح اوربا خلال العقدين الاخيرين , وان سلوكه لا يختلف عن غيره من بقية الاديان حينما يبررون افعالهم الارهابية بمقولة (( القاتل في الجنة )) وهذا مؤشر بقدر ما هو مرفوض فأنه خطير ذلك انه يؤشر الى مستقبل التطرف المتصاعد والذي تشحذه عصابات عنصرية اوربية كرد فعل على تطرف عنصري وديني مقابل , ودون شك فأن اللوبي الصهيوني يلعب دورا كبيرا في تأجيج هذا الصراع والتصعيد من
حدة الخوف على مستقبل اوربا . وجل ما يخشاه المرء ان تكون اوربا , هذه القارة الوديعة , في قابل الايام ساحة صراع خطير بين اليمين المتطرف والاسلام المتطرف , فثمة اسلاميون متشددون يقابلهم يمينيون ونازيون جدد يسعون الى ذلك .

#لؤي_الخليفة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات