حمادي بلخشين
الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 14:56
المحور:
الادب والفن
علكة
كنت بصدد فتح الثلاجة لتناول كأس ماء بارد، حين هزني صراخ حماسيّ :
" الله أكبر. سيكون الله معنا.. سنبذل العرق و الدم حتى النصر. حتى النصر حتى النصر" و بصوت أعلى:" حتى نؤكد للجميع أن في تونس رجال".
تساءلت بأمل:" هل هي فاتحة ثورة؟ ".
و أنا أغادر المطبخ، كنت أتوقع ثيابا مرقطة. لكنني حين القيت نظرة على التلفزيون صفعت بلاعب كرة!
.. لعنت الرياضة ـ الأفيون ثلاثا، .. دخلت غرفتي ثم أستغرقت في مطالعة كتاب من التراث.
بعد أقل من دقيقة سمعت جدي يتنحنح.. حين مررت به منذ قليل كان السأم الإعلامي قد نقله الى عالم الكرى، يبدو أن لعناتي قد أيقظته .. بلغتني لهجات خليجية ثم عراقية ثم جزائرية تنبعث من التلفزيون.
بعد دقائق وصلني صوت جدّي:
ــ سامي.. سامي
صحت من فوري
ــ لبيك يا جداه!
سألني بوهن:
ــ ماذا تصنع يا ولداه؟
ــ أقرا كتابا.
ــ و أنا أصلى عذبا و أعاني إكتئابا و أشكو اغترابا.
كنت اعتزم إكمال الصفحة قبل الإلتحاق به غير انه طلبني ثانية :
ــ تعال هنا و أدركني بأي طرفة أو حسن مقال فقد غمرني الإبتذال.
بعد أن جلست الى جواره قرأت عليه ما يأتي:
ــ قالت إعرابية وقد دفعت إليها علكة. ما فيها إلاّ تعب الأضراس و خيبة الحنجرة!
أغلق جدي التلفزيون ثم قال:
ــ و هذا ليس فيه الا كثرة الذنوب، و وجع القلب، و تعب العينين و خيبة الأمل!
بعد جلسة جمعت الإمتاع و المؤانسة و حين هممت بمغادرته أمسك بي جدي ثم سألني:
ــ هل بقيت عندك قطعة مما أعطيتـنيها أمس؟
ـــ ...؟
ـــ أعني علكة بسكر صناعيّ!
ـــ ....!؟
قال جدي مبررا:
ـــ في التعب أيضا كما "في الهمّ عندك ما تختار!"(1).
كنت أتحسس جيبي حين أضاف مستطردا:
ــ فقد نما إلى علم جدّك، أن مضغ علكة بشكل يوميّ يستنفذ من المرء سعرات حرارية كفيلة بتخليصه من عشرة أرطال شحوم سنويا!
قلت لجدي و أنا أناوله علكة وحيدة :
ــ أنت جد محظوظ فهي الأخيرة.
قال وهو يدسها في فمه:
ـــ و في هذه تعب مضمون لا يوفّـّره التلفزيون!.
أوسلو 26 ماي 2010
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الهم عندك ما تختار": مثل تونسي يعني أن الهموم و المصائب متفاوتة القسوة، و أن في إمكان المرء ــ هذا لو خيّر ــ اختيار بعضها دون البعض الآخر. .ولعل المثل مشتق من المثل العربي" ان في الشرّ خيارا".
#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟