|
مبادرة أيلول
عايدة توما سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 02:42
المحور:
القضية الفلسطينية
// كان من المفروض حسب الجدول الزمني الذي وُضع للمبادرة التقدم بطلب العضوية في نهاية تموز هذا العام، حتى يمر بالمسار الاجرائي المتّبع ويُطرح للبحث في اجتماع الهيئة العامة للامم المتحدة المنعقد في أيلول القادم. من الواضح أن الزمن المحدد قد مرّ دون أن تقدم القيادة الفلسطينية الطلب رسميا. لكنها، مع ذلك، وهي في طور الإعداد، حققت انجازات لا يستهان بها // أوساط سياسية وجماهيرية واعلامية وثقافية انشغلت بموضوع التحركات الاحتجاجية وتراجعت التحركات الداعمة لمبادرة أيلول بين الجمهور الاسرائيلي اليهودي. لكن هذه الأوساط لم تغيّر موقفها. ولا يمكن لهذا الانشغال المؤقت أن يؤدي الى الاستنتاج القائل بأن الاجندة الاجتماعية والاقتصادية تغلّبت على السياسية. أصلاً، هي كلها تدخل في باب السياسة
1 في أي مرحلة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني منذ عقود، لم تحظَ فكرة حل الدولتين في اطار القضية الفلسطينية بمثل هذا الدعم الدولي الذي تحظى به في هذه الايام. لقد وصل عدد الدول التي تؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتوافق على ضمها عضوا كامل الحقوق للامم المتحدة الى 122 دولة، الامر الذي يعني الموافقة على: 1. أن الحل الامثل لانهاء الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية هو بالاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واقامة دولته المستقلة الى جانب دولة اسرائيل . 2. أن حدود الدولة الفلسطينية هي حدود الرابع من حزيران من العام 67. 3. ان القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين المستقلة . هذه الركائز الثلاث مجتمعة هي محصلة نضال طويل خاضه الشعب الفلسطيني ودفع ثمنه غاليا من دم شهدائه وسنين عمر أسرى وأسيرات الحرية ومعاناة من الآلة العسكرية الاسرائيلية . أن احجام 26 دولة عن الاعلان عن دعمها للمبادرة الفلسطينية في أيلول ينبع اساسا من موقف متخاذل يخضع لارتباطات هذه الدول ومصالحها الضيقة بالامبريالية الامريكية وربيبتها الصهيونية. ورغم ذلك فان هذه الدول لا تنطلق من موقف رافض لحل الدولتين وأنما تجمع على ان الحل هو في قيام الدولة الفلسطينية. ويعللون عدم ابقاء الموقف الداعم، تارة بأن المبادرة تحمل طابع الحل الاحادي الجانب كونها لا تأتي نتاج اتفاقية سلام مع اسرائيل، أو تارة اخرى يدور النقاش على حيثيات حدود الدولة الفلسطينية . هذه المبادرة الفلسطينية، التي لم تكتمل حتى الآن، وتنتظر ايلول ليحسم في أمرها، قد حققت، وهي في طور الاعداد، انجازا لا يستهان به، باعادة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال الاسرائيلي الى جدول الاعمال الدولي وجعلتها مرة أخرى محط الانظار والتجاذبات السياسية، وأعادت عملية اتخاذ القرار بشأنها الى هيئة الامم المتحدة . قلنا من البداية بأن أهم ما تحمله هذه المبادرة الشجاعة هو التحدي الكامن في طياتها للوصاية الامريكية المفروضة على عملية التفاوض الفلسطينية – الاسرائيلية. ولا نبالغ عندما نقول أن المسار الذي قطعه الشعب الفلسطيني في الأشهر الاخيرة قاد الى عملية فرز واضحة على الساحة الدولية بين الشعوب والدول المناصرة للقضية الفلسطينية، والتي تقف موقفا مبدئيا الى جانب تحرر الشعوب وحقها باقرار مصيرها، وبين تلك الدول التي تدور في فلك الامبريالية الامريكية وتخضع لتوازن القوى المشوّه ومصالح الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها وأولها ربيبتها المدللة، الصهيونية العالمية . هناك من يناقش حول عدم جدوى هذه المبادرة كونها فعليا وعلى أرض الواقع، حتى في حال نجاحها واقرار الامم المتحدة بقبول عضوية دولة فلسطين، لن تنهي الاحتلال الاسرائيلي ولن تفكك المستوطنات ولن تضمن السيادة والاستقلال للشعب الفلسطيني . وكل عاقل يعي بأن هذا الادعاء فيه من الصدق المرحلي الكثير، ونقول المرحلي كونه بالفعل، وعلى مدى الأثر المباشر، لن يصل بالقضية الفلسطينية الى الحل المنشود فورا. لكن من المهم الالتفات الى الواقع الجديد الذي سيفرزه قرار من هذا النوع: الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها عضوا في الامم المتحدة سيضع الاطار القانوني الدولي والقاعدة التي سترتكز اليها أية مفاوضات مستقبلية بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، وسيحدد ما ناشدنا به دوما أن أي مفاوضات يجب أن ترتكز الى حدود 67. بمعنى أن هذه الحدود للدولة الفلسطينية تصبح أمرا ناجزا غير خاضع للتفاوض أو المساومة . كما أنها تؤكد مجددا على مبدأ الدولتين وتضمن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، أمرا غير قابل للنقض الاسرائيلي أو الامريكي مستقبلا. وتعتبر مجمل الخروقات التي يمارسها ومارسها الاحتلال الاسرائيلي من استيطان وجدار ومصادرة اراض اعتداء على سيادة دولة مدانة حسب القانون الدولي، مرفوضة وغير خاضعة للتفاوض أو المساومة.
2 تردد فلسطيني وضغوطات امريكية جميع المؤشرات تدل حتى اليوم بأن الولايات المتحدة ستستغل حق النقض (الفيتو) الممنوح لها في مجلس الامن لعرقلة المبادرة الفلسطينية كون البحث في الهيئة العامة يعتمد بشكل عام على توصية مجلس الامن بشأن اقرار عضوية الدول التي تتقدم بالطلب . استعمال أمريكا لحق النقض يرتكز الى اعتبارات سياسية محضة ويتناقض مع المبدأ العام والانظمة الداخلية للامم المتحدة والتي تؤكد ضرورة اعتماد معايير مثبتة في توصية لجنة مجلس الامن حول قبول العضوية، وهي اعتبارات تفحص جاهزية الدولة ومدى التزامها بمباديء السلام العالمي وقدرتها على القيام بواجباتها تجاه الاسرة الدولية. ورغم ذلك فالولايات المتحدة ستقف بالمرصاد. ومن الواضح أنها لن تسمح باتخاذ قرار يوصي بقبول عضوية فلسطين. وتشن الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية حربا شديدة على المبادرة الفلسطينية تستغل فيها كل امكانيات اغراء الدول أو ترهيبها من أجل اقتناص موقف غير داعم للطلب الفلسطيني. وتقوم من ناحية أخرى بممارسة الضغوط والانذارات تجاه القيادة الفلسطينية لثنيها عن قرارها. فالرسالة التي نقلها وفد أعضاء الكونغرس الذي يزور اسرائيل وفلسطين، والتي بجوهرها تهدد بقطع المعونات الاقتصادية عن السلطة الوطنية الفلسطينية في حال استمرارها بالمبادرة، تأتي ضمن هذه الضغوطات. ويبقى الخيار أمام الشعب الفلسطيني، اما الاصرار على المبادرة والتقدم بطلب العضوية رغم الوعي بالنتيجة الحتمية، والاستمرار بتقديم الطلب، مرة تلو الاخرى بعد كل رفض، حتى ولو يوميا كما فعلت اليابان في الماضي، وإما بالتقدم عمليا بطلب لهيئة الامم المتحدة بالاعتراف بـ "دولة غير عضو"، الامر الذي لا يحتاج لتوصية من مجلس الامن، ولكنه لا يحمل البعد القانوني والسياسي لقبول العضوية. كان من المفروض حسب الجدول الزمني الذي وُضع للمبادرة التقدم بطلب العضوية في نهاية تموز هذا العام، حتى يمر بالمسار الاجرائي المتّبع ويُطرح للبحث في اجتماع الهيئة العامة للامم المتحدة المنعقد في أيلول القادم. من الواضح أن الزمن المحدد قد مرّ دون أن تقدم القيادة الفلسطينية الطلب رسميا. وعلى الاغلب أن الامر متعلق بالتردد بين الخيارين المذكورين أعلاه وبسبب الضغوطات الممارسة من طرف الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية في محاولة لاحباط المبادرة. من الاهمية بمكان الاستمرار بالمبادرة بسقفها العالي والمطالبة بقبول عضوية فلسطين وعدم الانصياع للضغوطات الامريكية من أجل تعميق عملية الفرز في المواقف على الصعيد الدولي وفضح زيف المواقف الامريكية والاوروبية والاسرائيلية واحراج الولايات المتحدة. والاهم من ذلك تثبيت وتعميق مبدأ الخروج من سيطرة الوصاية الامريكية المفروضة على مسار المفاوضات. وفي ذلك أنجاز هام. ولكن الامر يستدعي ايضا الحيطة والحذر في ظل تنامي الاستفزازات الاسرائيلية وممارسات الاحتلال في قطاع غزة في محاولة بائسة لاشعال فتيل مواجهات أو اشتباكات من شأنها أن تعيق المبادرة أو تحرف سيرها، خاصة وأن حكومة نتنياهو في مأزق واضح على الجبهتين الفلسطينية والداخلية الاسرائيلية ومن المحتمل أن يكون اشعال فتيل من هذا النوع مخرجها من الازمتين .
3 اسرائيل منشغلة بوضعها الداخلي في الشهر الاخير وخلال امتداد واتساع حركة الاحتجاج الشعبية على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، جرى دحر النقاش السياسي في اسرائيل حول مبادرة أيلول الى قاع سلم الاولويات. وشاهدنا كيف انشغلت أوساط سياسية وجماهيرية ومثقفين وكتاب واعلاميين بموضوع التحركات الاحتجاجية وتراجعت المبادرات الداعمة لمبادرة أيلول بين الجمهور الاسرائيلي . هذا التراجع لا ينبئ عن تراجع في الموقف. فالفئات التي دعمت المبادرة وخرجت للتظاهر في تل أبيب، في المظاهرة الكبرى في ذكرى النكسة دعما للاعتراف بالدولة الفلسطينية لم تغيّر موقفها، ولكن لا شك حوّلت مجمل طاقاتها وجهودها على الغالب للدعم والمشاركة في حركة الاحتجاج الآخذة بالتبلور في مختلف المدن الاسرائيلية . هذه الملاحظة لا يمكن أن تؤدي الى الاستنتاج القائل بأن الاجندة الاجتماعية والاقتصادية تغلّبت على السياسية، أو انه لم يعد مكان لرفع شعار دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ظل هذه الاجواء . على العكس تماما أن الازمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تعاني منها الطبقات الوسطى والعاملة في اسرائيل مردها، أصلا، أزمة استمرار الاحتلال والاستيطان والتنكّر لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة. وعندما نربط القضيتين ونرى جدلية العلاقة بينهما لا نقوم بذلك اقحاما ولا اعتباطا انما هي عملية التحليل الاكثر عمقا في كل ما طُرح حتى اليوم من تحليلات للوضع الاسرائيلي . كي تنجح القيادة الفلسطينية في الصمود أمام الضغوطات، وحتى يقتنع العالم بأهمية دعم مبادرة أيلول ، كان الصوت الاسرائيلي الواضح هاما قبل أشهر وأصبح أكثر أهمية اليوم . من قلب تل أبيب ومن قلب الخيام الاحتجاجية يجب الاستمرار بمبادرات جمع التواقيع لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية واطلاق المبادرات المختلفة، كما جرى في مبادرة حملة جائزة اسرائيل ومبادرة المثقفين والفنانين لاعلان استقلال فلسطين، لضمان تحرر شعبي هذه البلاد من الاحتلال ومن العسكرة ومن السياسة الاقتصادية النيوليبرالية .
#عايدة_توما_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البعد الشعبي المفتقد
-
الخيار الثالث وارد، وان بهظ الثمن
-
حل الدولتين وحلم الدولة
-
نضال العمال الاجتماعيين والدرس المُستفاد
-
اشكالية نسبة الفتيات العالية في -الخدمة المدنية-: إستغلال سل
...
-
التمثيل النسائي في العمل البلدي الجبهوي
-
غادرتنا ابتهاج خوري، العلم والمشهد العكي النابض بالحيوية وال
...
-
ليكن هذا القرن قرن النهوض المتجدد للاشتراكية الثورية في كل ا
...
-
نحيي الثامن من آذار يوما نضاليا لانه يزرع فينا قيما تنتفض ضد
...
-
ضد -ملكوت الجمال-، ولكن!
-
نحو حوار مجتمعي يعالج العنف ضد النساء
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|