خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 01:44
المحور:
الادب والفن
إلى ناصر المزين ونعيم الخطيب
يخدعُني فمي ويقولُ كلاماً قاسياً: الجمالُ محنةٌ يا صاحبيْ، حينَ يفيقُ القلبُ من خدَرٍ نُرَبّيهِ فيهِ ببطءٍ، نفقدُ سلاحَنا السّرّيَّ، مُسْتَسْلِمَيْنِ لآتٍ لا يأتي.
من تعبِ الأملْ، ننهضُ، نتأمَّلُ الماءَ هابطاً من عليائهِ، نقيّاً بهيّاً، نحسُّ كثافةَ الهواءِ بعينٍ مُغْمَضَةٍ،
تأتي الآلةُ جائعةً، وتأكلُ نصفَنا السفليّْ، نبحثُ عن حجرٍ لننحتَ زوائدَ أحلامِنا فوقَهُ، ننحازُ لقلوبِنا في وقتٍ لا يذكرُ القلوبَ فيه أحدْ، نفقدُ صمتَنا من أجلِ صمتِ المكان، ويصرخُ الولدُ الذي ماتَ قبلَ أن يعرفَ اسمَهُ: إنّها الحربُ يا أبي، فتسكتُ الكُتُبُ عن كلماتِها، وتنزلُ عن الرفوفِ مثلَ طابورٍ من الرمادِ لم يعدْ يعني ما فيه.
في ساحةِ البيتِ الغارقِ في الرطوبةِ المشتهاة، ينزلُ دوريُّ هاربٌ من بردٍ حاصرَ ريشَهُ، غناؤهُ مكتومٌ كصوتِ ساعةٍ في عُلبةِ هدايا، ولونُهُ غُباريٌّ، مُهْمَلٌ كظرفِ طلقةٍ فارغةٍ في معركةٍ أخيرة، لا يصدِّقُ أنَّ العشبةَ في الفناءِ حقيقيّةٌ، أيامٌ كثيرةٌ مرّتْ ولم يرَ شجرةً أو وردةً أو حبَّةَ قمحٍ، أجَّلَ أولادَهُ في طقسٍ لا تعرِفُهُ العصافيرُ، وأخذَ حُلمَينِ من غيمةٍ زرقاءَ وحيدةٍ بقيَتْ في الأفقِ، وهاجَرَ بعينينِ مُغلَقَتين.
ربما أنا وأنتَ أعمَيانْ، وربما أنَّ البلادَ امرأةٌ بجمالٍ لا يُحتَمَلْ، لم يَلِدْها نهارٌ بِمُفرَدِهِ، تأخذُ حمّاماً من فجرٍ كلَّ فجرٍ، تصحو غريبةً في بلادٍ غريبةٍ، فنصحو غريبَينِ في بلادٍ غريبةْ، تلتقطُ الأفقَ بعينٍ ما زالَ النومُ يحرُسُها ويقرُصُها، تخنُقُها ملامحُ القتلى، البحرُ في مكانِه، الموجةُ في مكانِها، الهواءُ في مكانِهِ، ولا شيء يمشي في هذا المنام.
لا
شيء
يمشي
في
هذا
المنام
الثالث عشر من آب 2011
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟