أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - الشيخ والدكتور ورأس ماركس















المزيد.....


الشيخ والدكتور ورأس ماركس


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 01:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



عن المبادئ التي أرساها الإسلام حول العدل الاجتماعي ( وهي مبادئ لا نزاع عليها ) كتب الدكتور محمد عمارة مقالا بجريدة الأهرام بتاريخ 10/8/2011 يحمد له الشيخ محمد الغزالي تمسكه بتلك المبادئ السديدة التي أرساها الإسلام بغية تحقيق العدل في المجتمع الإنساني ، وهذا أيضا ً غير مختلف عليه . لكن الخلاف يظل قائماً بين أصحاب النزعة العلمية وبين حاملي الأيديولوجيا . وآية ذلك أن الأيديولوجيين يحملون معهم أينما ولوا أفكارا ً جاهزة ومسبقة تدفعهم إلى تلوين الواقع بما ليس فيه ، وهم مستعدون لبتر أقدام الواقع أو حز رأسه ليطابق سريرا ً أعدوه لنومه ما دام السرير قد ُفصّل على مقاس مبادئهم الصحيحة ! أما العلوم الإنسانية فمهمتها تحويل المبادئ إلى نظريات تفسر الأفعال وتتنبأ بالمستقبل، وفي الحالين فهي تحتمل التصويب وتقبل بالتخطئة, ولا غرو أن تغدو هذه النظريات في مجال التطبيق سياسات وبرامج قابلة للتغيير والحذف والإضافة .. خذ مثلا النظرية الكلاسيكية في الاقتصاد التي مهد لها فلاسفة القرن 17 هوبز ولوك وستيوارت ميل على أساس مبدأ " طبيعي " يرى أن المجتمع هو مجموع أفراده ، وعليه فإن الخير العام يتحقق تلقائيا ً من خلال تحقيق خير الفرد ، وإذ يسعى هذا الفرد لتوفير أقصى قدر من المنفعة لنفسه فإن على الدولة ألا تقف في وجهه بل تشجعه حين يقيم المصانع ويستثمر الأموال كيف يشاء دون أي تدخل منها، أما من يعجزون عن الادخار ومن ثم الاستثمار في المجالات الاقتصادية فلهم أن يعملوا أجراء عند القادرين Laissez Fair ومن بعد هؤلاء أرسى دعائم النظرية الاقتصادية الفيلسوف الانجليزي آدم سميث( ت 1790) الذي بفضل نظريته اللبرالية تجاوز نشاط الرأسماليين حالة العشوائية إلى الاندماج في "نظام" رأسمالي معترف به ذي قواعد وأصول. ومع ذلك فإن "ريكاردو"( ت 1823)الذي قرأ في شبابه كتاب سميث " ثروة الأمم " ما لبث حتى أصلح بعضا ً من مثالب تلك النظرية بإضافته تحليلات مسألة الريع الناتج عن امتلاك مورد طبيعي للثروة ، بحسبانه سلوكا ً يؤدي إلى استيلاء من لا يعمل على معظم فائض القيمة الاجتماعي وبذلك يضار الرأسماليون والعمال معا ً. وجراء تنظيرات ريكاردو هذه انتفت حجج القائلين بعدم مشروعية تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي. وفيما بعد سيطور كارل ماركس نظريتي سميث ( القيمة أساسها العمل) وريكاردو ( رأس المال نفسه هو عمل سابق متراكم ) مؤسسا ً عليهما نظريته الاشتراكية والتي يعرف الداني والقاصي سماتها وخصائصها.
ذلك فيما يتعلق بالنظريات ، أما السياسات فيكفي الإشارة إلى تعددها ما بين لبرالية كلاسيكية : ترك الأسواق لقانون العرض والطلب ، إلى توجيهات لورد كينز( ت1946 ) بضرورة تدخل الدولة سياسيا ً وماليا ً للتحكم في العملية الاقتصادية من خلال سياسة الضرائب المتصاعدة والتخلص من الفائض السلعي ولو بتدميره لضمان استمرار التشغيل الكامل للعمالة ( ما مهد لتدخل الدولة كشريك رأسمالي لعقود تالية) ثم إلى سياسات اللبرالية الجديدة والتي بموجبها ترفع الدولة يدها عن معظم الخدمات المقدمة للمواطنين ( التاتشرية والريجانية ) وواضح أن تعددية السياسات هذه إنما تبين عقم الوقوف عند حدود المبادئ العامة ، فالحياة أشد تعقيدا ً وأكثر ثراء من أن تختزل في عبارات براقة ولكن ليس لها مضمون.
شعبوية المفكر الإسلامي
إن المتأمل في تاريخ الفكر الإسلامي سوف يدرك – بخلاف بعض الإشارات الضنينة عند ابن خلدون وابن قتيبة والمسعودي – أنه لا يوجد ما يعرف بالنظرية الإسلامية في الاقتصاد اللهم الاجتهادات النيئة لمصطفي السباعي القائمة على منهج التلفيق بين الماركسية واللبرالية، وعلى هامش تلك الاجتهادات اقترح الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله - عددا ً من رؤوس الموضوعات دون تأسيس نظري ولكن بشعبوية " تضرب بحذائها ماركس " بحد تعبير الدكتور محمد عمارة !! هذا التعبير الذي ضمن به تصفيق الذين لم يسمعوا ( بله قرءوا ) كتاب رأس المال أو كتاب "بؤس الفلسفة " أو حتى " مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي " التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بعدُ. وما من شك في أن الدكتور عمارة قد قرأ هذه الكتب وقت تأليفه لكتابه الرائع " " المادية والمثالية في فلسفة ابن رشد" والذي قام بعده بتحقيق " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال " ما ألمع بظهور مفكر إسلامي حداثي من الطراز الأول. فكيف وقد أمسى اليوم يشار له بالبنان، يتقاعس عن انتقاد فكر ماركس ( أو غيره )بأسلوب علمي رصين مستبدلا بهذا الأسلوب ضربَ رؤوس المفكرين بالأحذية؟!
البرنامج الاقتصادي للشيخ محمد الغزالي
يقدم لنا الدكتور عمارة بسعادة من وجد كنزا مقترحات الشيخ محمد الغزالي لحل المشكلة الاقتصادية مطلقا ً عليها اسم " البرنامج" حيث تتمثل في نقاط ست هي :
1 ـ- تأميم المرافق العامة, وجعل الأمة هي الحاكمة الأولي لموارد الاستغلال, وإقصاء الشركات المحتكرة لخيرات الوطن, أجنبية أو غير أجنبية, وعدم إعطاء أي امتياز فردي من هذا القبيل 2- تحديد الملكيات الزراعية الكبرى, وتكوين طبقة من صغار الملاك تؤخذ نواتها من العمال الزراعيين.3 - فرض ضرائب علي رؤوس الأموال الكبرى, يقصد بها تحديد الملكية غير الزراعية.ـ 4- استرداد الأملاك التي أخذها الأجانب وإعادتها لأبناء البلاد, وتحريم تملك الأرض المصرية علي الأجانب تحريما مجرما.ـ 5-ربط أجور العمال بأرباح المؤسسات الاقتصادية التي يعملون بها, بحيث تكون لهم أسهم معينة مع أصحابها في الأرباح. ـ 6 - فرض ضرائب تصاعدية علي التركات تنفق في أوجه الخير علي النحو الذي أشار إليه القرآن.
هكذا تكلم الشيخ فماذا كان تعليق الدكتور؟ قال: هذا برنامج يتضاءل بجانبه برنامج الحزب الشيوعي. وبغض النظر عن جدارة أو خيبة الحزب الشيوعي أو الحزب الاشتراكي أو غيرهما من الأحزاب السياسية؛ لا بد من إدراك أن برامج الأحزاب لا تكتب في غرف التأمل الفردي المغلقة، فتلك غرف لا تخرج منها سوى أمنيات أو "مطالب" هي في الغالب الأعم تعبير عن رؤى يناقض بعضها بعضاً. ومثال ذلك أن المطلب الخامس الذي يرجى به مشاركة العمال في أرباح الشركات لا يمكن تحقيقه في ظل النظام الرأسمالي العالمي في مرحلة لبراليته الجديدة التي أشرنا إليها آنفا ً، فضلا عن تناقضه مع مبدأ إقصاء الشركات الأجنبية الوارد في المطلب رقم (1) من حيث أن الدولة وهي تضع في اعتبارها شروط التنمية الاقتصادية تكاد تتسول الاستثمارات الأجنبية والمحلية بل وتقدم لها من الحوافز والإغراءات الشئ الكثير.
وظيفة الحزب السياسي
في المجتمع الرأسمالي لا يمكن الحديث عن مصالح عامة بل عن مصالح طبقية متناقضة، ومن ثم تنشأ الأحزاب السياسية معبرة عن هذا التناقض خاصة بين الطبقة المستغلـِة والطبقات المستغلـَـة، ومع ذلك فقد يعبر عن الطبقة الواحدة أكثر من حزب حسب التوجهات الأيديولوجية لهذه الشريحة من الطبقة أو تلك بما يؤدي لصراعات ثانوية فيما بينها( مثال ذلك الحزب الوطني والحزب الناصري والأخوان المسلمون وغيرها ) ويعتبر الحزب قويا بمقدار نجاحه في ترجمة المبادئ المرضية لأعضائه إلى تأريخ يفسر وقوع الأحداث الماضية ( = الخط السياسي ) ونجاحه ثانيا ً في السير على هدي تلك المبادئ إلى غاية يحددها ( = الإستراتيجية ) وثالثاً بقدر ما يتمكن من العمل على توجيه دفة الأحداث لبلوغ تلك الغاية ( وهو ما يسمى بالتكتيك ) وأخيرا ً تتمفصل هذه العناصر الثلاثة في هيئة برنامج توكل صياغته إلى المتخصصين داخل الحزب، بعد مناقشات مستفيضة من الكوادر الحزبية، وربما التشكيلات القاعدية في بعض الأحيان.
فأين هذا العمل الجمعي الدءوب من مجانية التفاخر بآراء أوردها شيخ ، دون شك هو جليل مبجل، إنما لا شأن له بالعمل الحزبي ولا تربطه علاقة بتعقيدات العالم المعاصر في تناقضاته وتداخلاته وشركاته عابرة القارات، ومنظماته السياسية و"بورصاته" المالية ومؤسساته النقدية وآلياته الاقتصادية الحاكمة؟
والحق أنه لا تثريب على كائن من كان فيما يقترح أو يتصور من حلول للمشكلات، أما أن توصف هذه المقترحات بأنها تعبر عن الفكر الإسلامي ( الذي هو في نظر البعض قادر على هزيمة أي فكر آخر) فهو ما لا يمكن قبوله سيما حين يصدر عن مفكر بقامة الدكتور عمارة يعرف أن أفكارا ً كهذه لا تصمد للنقد، ولا تصلح للتطبيق بل تصلح حسبُ لتهليل العامة ، وطمأنة المتأدلجين ، وتسكين آلام المتوجعين.
والنتيجة العملية لهذا كله أن تبقى المجتمعات الإسلامية راكعة عند أطراف النظام الرأسمالي العالمي تتحسر على مبادئ العدل بينا ُيمارس الظلمُ فعلياً على أرض الواقع.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية تتحقق بالإرادة الشعبية بينما الشعبوية تخنقها في ...
- دين النبوة ودين الدولة
- المصريون الجدد يطاردون وحوش الفاشية
- سكبت في التراب دواءك
- كيف نؤرخ لثورة يناير
- اللبرالية .. الهمجية .. الفاشية .. مصطلحات
- قصيدة : رؤوس القبائل ملقية في السلال
- حرية الإرادة بين ألغاز الخطاب الديني وحلول الفيزياء الحديثة
- دليل الشباب الذكي إلى مصطلحات الفكر الثوري
- قصيدة : الذي لا يجئ
- قصيدة : يعوي لها ذئب صديق في الفلاة
- قراءة نقدية لمنجزات الخامس والعشرين من يناير
- قصيدة : من وصايا غيلان الدمشقي
- الفاشيون قادمون ..لبنان نموذجا والتطبيق في مصر
- هل يتمكن الشعب المصري من تعديل المصطلح الكلاسيكي لمفهوم الثو ...
- سقوط النمط الآسيوي للإنتاج وانتصار شباب الثورة الثالثة
- سالة من مواطن مصري إلى رئيس وزراء بريطتنيا
- قصيدة : تحولات يناير المعظم
- بين رمضاء العسكرتاريا ونار الجماعة الإخوانية
- القضاء على الإرهاب مشروط بحذف المادة الثانية من الدستور المص ...


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - الشيخ والدكتور ورأس ماركس