|
شاعر في جامعة بغداد السبعينات ! ...
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 3453 - 2011 / 8 / 11 - 23:21
المحور:
الادب والفن
قرأت قبل أيام ، في موقع الحوار المتمدن، مقالة ً بعنوان " في بغداد شوارعٌ ومقاهٍ يرتادها الاُدباء " وهي تحكي عن أيام زمان حيث الزوايا الهادئة وروعة اللقاءات والمشتركات في الهَم الثقافي والوطني والمستجدات في الحركة الأدبية والشعر وعن قيل وقال تلك الأيام . إنها مقطع روائي أكثر منها مقالة وهي للشاعر والكاتب جواد كاظم غلوم . كانت مقالته ملفتة للنظر لأنها تعزف على الجرح القديم . وجرحنا نحن سبايا المنافي ليس مثل سجناء وجوعى ومعذبي الأوطان . جرحنا أقل ألما وإن كان الحنين يذبح !. الحنين الى الاخوة . الى الوالدين الذين غادرا الحياة والشهداء من الأهل والأصدقاء . وجانب من ذلك الحنين هو شوقنا لأصدقائنا في الجامعة ، وفي الحارة ، وفي العمل . بعضهم عانقنا بدموع عبر الهاتف وبعضهم التقينا بهم في الخارج وفي العراق بعد 2003 أي بعد 25 عاما ونصف من الغياب ـ هذا بالنسبة لي ـ . والبعض للأسف أنكرَنا وهم نـُتفة ! من قليلات وقليلي الوفاء والحياء . كنت أتذكر جواد الفارع الطول الشاعر الأديب الحزين والضاحك الذي كنت أقف الى جانبه بمواجهة حديقة كبيرة وأمام كيوسك الشاي قرب باب قاعة ساطع الحصري ـ كلية التربية في الوزيرية ببغداد ، وحيث يدرس جواد هناك . كنت أترك كلية اللغات الملغاة حيث أدرس في قسم اللغة الإنجليزية ،وآتي الى أفضل أحبتي أصدقاء الشعر . نقف نتشمس في الأيام الباردة بعد أن نتناول الشاي " الكسكين! " مع سيجارة على جوع ! وفي فرصة بين المحاضرات وحيث يتجمع الركب هنالك أصدقاءا وزملاءا . كان هناك الشعراء عبد الاله الياسري ويحيى السماوي وهاتف الجنابي وصادق السماوي وعدنان علي وعدنان المولى وقحطان محبوب صبر ، وجاسم الياس والصديق شبه الموسوعي غانم نوري الخياط " من شهربان "، ـ الكلام عن أعوام 1969ـ 1973 . كان هناك زملاء وشعراء معروفون يدرسون الماجستير يتواجدون هناك أيضا منهم الشاعر يوسف الصائغ والشاعر خالد علي مصطفى وغالب المطلبي والشاعر علي الياسري . أما نحن فكنا كثيري اللقاء . توطدت علاقتي بجواد الدمث الدافيء الطفولي الدخيلة التلقائي النقي غير المغرض الذي يذكرني بشوبنهاور القائل أن هناك أشخاصا مهما كبروا وتقدموا في العمر فإنهم يبقون رومانسيي القلب طفوليي الروح . الاّ أني فقدت هذا الصديق الشاعر الرقيق مع جملة من فقدت . لكن وبعد 38 عاما أطل هذا الشيخ ذو الأبناء والأحفاد أطل عليّ برسالة بعد أن صادف وكتبتُ عن الشاعر محمد علي الخفاجي مقالة نشرتها في الحوار المتمدن والمواقع الألكترونية ،أطل ليحييني قائلا : لقد عرفتك ... أنت خلدون الموالي 1، بل راح يُذكّرني بمن لا ولن أنساه حتى ... " اُفارق مهجتي ويُشق رمسي " على حد بيت شعر للخنساء . " قل للزمان إرجع يازمان " لا بل استحال أن يعود ولو لوهلة مشاهدة ... كنت في 4 زيارات أو أكثر قد درت وحمت حول مدخل كلية التربية الاّ أن المكان قد أصبح دائرة أو مؤسسة . لقد ظل بنفسي أن أرى الحديقة المثلثة التي تقع أمام القسم العربي وحيث يبدأ قسم الفيزياء والكيمياء من الجهة الاخرى ... وبعدها يأتي النادي . كنت أتمنى أن أمر من هناك بأتجاه نفق تحت سدة يمر عليها القطار ، يؤدي الى مكتبة الكلية التي كنا نلتقي فيها أحيانا . أتذكر صادق السماوي وهو يجحجح على كتب لشعراء كبار ويتغزل بالمفردات، كان يعكف حقا على كتابه كراهب على إنجيل ! ويذكرني بالبيت الشعري " نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنوّ المرضعات على الفطيم ِ " . أتذكر غانم الذي كان يقرأ أحيانا 300 صفحة يوميا . وهو الذي دعانا ودلنا الى قراءة هذا الكتاب أو ذاك . أتذكر اسلوبه الباهي وهو يكتب في احدى المجلات عن سونيا وراسكولينيكوف في كتاب الجريمة والعقاب الذي قرأته وهو بحدود 1000 صفحة وكان ذلك بتأثير من الصديق المثقف غانم . أتذكر أبياتا شعرية للأديب طه الراوي كلما تذكرت غانما فالأبيات تنطبق عليه بل على أغلبنا في مسار حياتنا اللآحق :
قضى الشباب َ اُناس ٌ كان دأبُهُمُ أن يرتعوا في رياض اللهو واللعِب ِ أما شبابي فقد أبليتُ جـِدّته بين المحابر والأقلام والكتب ِ
وجواد كان أحد هؤلاء وهو سلس الاسلوب كما هو واضح في مقالته الموفقة والشيقة التي أحسده عليها . " انظر الموقع الفرعي لجواد كاظم غلوم ، في الحوار المتمدن " . وأسلوبه هو ملكه وملك الناس كما هي روايات نجيب محفوظ على سبيل المثال ملك الناس أيضا . أخبرني جواد أنه مزق روايتين له وفي لحظة غضب أو تبرّم . إنه وبكل محبة مطالب بأن لايبخل على ناسه بروائع عمله . جواد كاظم غلوم روائي ! وإن كان بلا رواية ! وهذا ما سأراهن عليه ! . كتبت قبل أيام عن حزني في زيارتي الاولى لبغداد نوفمبر 2003 وحيث رأيت مقهى البلدية قد اُلغيت وكذلك مقهى خليل و مقهى جميلة في شارع الأمين وواحدة نسيت اسمها تتوسط ساحة تمثال الرصافي واخرى اسمها ربما شط العرب مقهى خاص بالطلبة تقع على يمين جسر الأحرار وأنت قادم من الصالحية الى شارع الرشيد . كتب جواد بأن الغبار يرين على هذا الموضع وذاك ، والإهمال والنتانة . فاتني أن أقول أني دونت الكثير من مشاهداتي عن بغداد هنا وهناك لكن ما أوجعني حقا أنني لما عبرت جسر مود أي جسر الأحرار وفي بدايته ، رأيت غبارا على طول سياج الجسر . طبقات من غبار ، بعد حين رأيت آثار أصابع ... عندما وقفت عندها لأتأملها وأتأمل الكآبة التي ترين على منظر دجلة قال لي أخي ستار جاويد ، لاتقف إمش ِ .. لما استفسرت قال لي إمش يانور عيني أهل بغداد أدرى بشعابها . كان الرصاص قد ترك مخالبه على الجدران القديمة .. كانت بعض طابوقات الجسر مخربة أو مائلة ... تطلعت في الأرضية طويلا ... قلت في دخيلتي من هنا مر ّ الزمن الجميل من هنا مررت يوما ومعي أجمل غزالة في تاريخ العراق .
" كل شيء راح وانقضى ...... ....... خلاص مضى "
الف تحية وتحية اليك يا جواد وأنت تكتب الحقيقة كما هي عن بغدادك الكليمة بالإرهاب والتخلف والنهب والإهمال . طوبى لك ولأدبك الصادق ، أيها التلميذ البار لأؤلئك الأساتذة الأجلاء ابراهيم الوائلي وفاضل السامرائي وبهيجة الحسني وعبد الجبار المطلبي وعاتكة وهبي الخزرجي وجلال الخياط وعناد غزوان والعملاق علي جواد الطاهر والكثيرين الكثيرين من أعمدة العراق فكرا وخلقا وأصالة . لا أتمنى لجواد كاظم غلوم الكاتب السلس القلم أن يعود ويتوارى في بيته تمردا أو يمزق رواياته أو دفاتره !... لا ... تذكر ياأيها المنيف أن مكسيم غوركي كان قد مشى روسيا جميعها على الأقدام . إن آلام البشرية لها عمالقة وطنيون غيورون يستجلون الأعماق الإجتماعية ويعبرون عنها ويصنعون منها درسا وعبرة لجيل يناضل بكلمات جواد كاظم وسلام عبود وفؤآد التكرلي وغائب طعمة فرمان وعشرات الروائيين وكتاب القصة العراقيين وكل منتجي الفن والثقافة وفدائيي الصحافة ، من أجل سعادة أبناء العراق . ******* 1 ـ أنا سعيد للغاية بالإسم " خلدون الموالي " لقد جلب لي أصدقائي بعد 30 ـ 40 عاما وأكثر من الفراق : محمد رشيد من أسكان غربي بغداد . الشاعر رحيم الغالبي والقاص محمود يعقوب من أيام الجامعة . الشاعر عبد الإله الياسري الذي راسلني قبل أعوام . الشاعر يحيى السماوي . الشاعر جواد كاظم غلوم . مازن من أيام دمشق . وأصدقاء آخرون ، ومابين يوم وآخر يقشعر البدن وتدمع العين لذكرى صديق حرمني الدهر منه وحرمه مني .
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لن أختار الاّ قحطان العطّار ! ...
-
أسلمة بيوت الدعارة ...
-
إكسرْ المحيط وحرر المُحاط ...
-
نشيد موطني موطني بالمقلوب ِ ...
-
نشيد موطني بالمقلوب ِ ! ...
-
يسلمُ النخلُ ويحيا الأشرسي ! ...
-
يوميّاتي 4 ...
-
مَنْ يتذكر أبا كاترين حسين جابر ؟ ...
-
نص محاكمة الشاعر الخطير حسين مردان !
-
رسالة من خلدون جاويد إليه !...
-
مَهرا ً لعينيها ومحمد علي الخفاجي ...
-
الكأس ممنوع ياحسين مردان ! ...
-
إحذروا معاداة الشاعر ! ...
-
بك َ من عناق الغانيات ِ جراحُ ! ...
-
يومياتي 3 ...
-
تطبيقات شِعرية على حياة الشبيبة العاطفية ...
-
الشاعر حسين مردان يصرخ بوجه الله ...
-
تعالوا نشتم الشعب والوطن ! ...
-
هل من فتوى لتحريم خلوة الإبن باُمهِ ؟
-
- إن النساء َ بذيئآتٌ حقيرات ُ - للشاعر حسين مردان !.
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|