|
تطرُّفٌ يغذيه تهالك
علي جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 3452 - 2011 / 8 / 10 - 13:06
المحور:
القضية الفلسطينية
كما بيغن وشامير، وقبلهما معلمهما جابوتنسكي، انتهج شارون التطرف، بل، وكان كوزير للدفاع في حكومة بيغن، قد أملى توسيع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حدَّ محاصرة بيروت وتدميرها، وارتكاب جرائم حرب موصوفة، لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة سوى أبشعها. لكن خسائر الجيش الإسرائيلي كانت فادحة، وأخرجت تظاهرة إسرائيلية احتجاجية، (بمئات الآلاف)، ذاع صيتها، ما أدى إلى اكتئاب بيغن واعتكافه واعتزاله للسياسة، وإلى تشكيل لجنة تحقيق، (كاهان)، أدانت شارون وعزلته. عليه، فقد كان اعتلاء شارون لرأس السلطة عام 2001، إيذانا بتصعيد التطرف الإسرائيلي، إلى أعلى مستوياته، حدَّ أن يشن الجيش الإسرائيلي، خلال سبع سنوات، ثلاثة حروب: اجتياح الضفة، نهاية آذار 2002، والعدوان على لبنان في تموز 2006، والعدوان على غزة، نهاية العام 2008، هذا ناهيك عما شهدته عمليات الاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال والجرح والحصار والعزل وتقطيع الأوصال، من تنامٍ بكتيري. وعلى طريقة شارون، واصلت حكومة نتنياهو ليبرمان، إنما بعنجهية أعلى، انتهاج سياسة يمينية "فوق متطرفة"، إلى درجة أن يحذر من عواقب مغامرات شقها السياسي الخارجي، علناً، قادة عسكريون وامنيون إسرائيليون كبار، اشتهروا بدمويتهم، بل، وإلى درجة أن يفجِّر توحش شقها الاقتصادي الاجتماعي الداخلي، حركة احتجاج اجتماعية شعبية، ما زالت مستمرة، وشارك فيها يوم السبت الماضي، زهاء 400 ألف متظاهر. وعلى الرغم من ذلك، ورغم ما تواجهه سياسة حكومة نتنياهو ليبرمان من عزلة دولية وإقليمية، رسمية وشعبية، ما إنفك أقطاب هذه الحكومة يديرون، بدعم أمريكي، ظهرهم للعالم، ويستمرون في تنفيذ سياستهم اليمينية "فوق المتطرفة"، التي يعتبر التنامي المطِّرد لترسيم العنصرية، بل، والفاشية أحياناً، في قوانين وتشريعات، أحد أبرز أوجهها. ويعد مشروع القانون الأساس، المُقّدَّم للكنيست، من آفي ديختر،("كاديما")، وزئيف اليكن، (ليكود)، ودافيد روتم، (إسرائيل بيتنا)، وبتوقيع 40 عضو كنيست، هو الأخطر على هذا الصعيد. فالمشروع يعيد صياغة مسلمات أساسية بشأن طابع النظام السياسي في إسرائيل، ويحوِّلها من "دولة يهودية ديموقراطية"، بحسب وثيقة "الاستقلال"، إلى دولة يكون نظامها الديمقراطي متماشياً مع كونها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، التي "تعمل على تجميع الشتات اليهودي، والاستيطان اليهودي فيها، وتخصص الموارد لهذه الأهداف"، بل، و"تكون اللغة العبرية لغتها الرسمية الوحيدة"، (بدل العبرية والعربية والانجليزية سابقاً)، و"يكون القضاء العبري مصدراً للمُشرِّع والمحاكم فيها". بهذا المشروع تقف دولة إسرائيل، وجها لوجه، (وخالية من تزويقات بن غوريون الشكلية)، أمام أقبح أشكال الترسيم والقنونة والتشريع والمأسسة للعنصرية. وقد كان لافتا، وذا مغزى، جواب أحد مقترحي هذا المشروع، (زئيف اليكن الليكودي)، على سؤال: ألا تخشى على صورة إسرائيل من سن هذا القانون، بالقول: "إذا كنا نتحدث عن العالم الذي شبهت فيه هيئة الأمم الصهيونية بالعنصرية، ربما تكون مشكلة، أما اليوم فإن العالم مستعد لقبول ذلك". ما يعني أن التواطؤ الدولي عموما، والدعم الأمريكي خصوصاً، هي ما يتيح لغلاة التطرف الصهيوني، بقيادة نتنياهو ليبرمان، انتهاج سياسة يمينية عنصرية "فوق متطرفة"، وتنفيذها من دون رادع. لكن، هل كان يمكن لذلك أن يكون، لولا ما شهده النظام الرسمي العربي، على مدار ثلاثين عام خلت، من عجز عن المواجهة، بالمعنى الشامل للكلمة؟؟ أظن، بل، أجزم، أن لا، ذلك، أنه بينما كانت إسرائيل تعيش أسوأ ظروفها، من جراء انتكاستها العسكرية المدوية في حرب 1973. وبينما لم يجد ناخبو السلطة فيها، المتماهين، من الرأس حتى الكعب مع أكثر قادتها تطرفاً، سبيلاً لتجاوز تلك الانتكاسة، سوى سبيل تسليم السلطة للحزب المعارض، والأكثر تشدداً، تكتل الليكود، بقيادة بيغن آنذاك، أي بينما كان الميل نحو التطرف هو ردُّ الناخب في إسرائيل، الخاسرة، بالمعنى النسبي لحرب عام 1973، أقدَمَ رئيس أكبر دولة عربية، السادات، ونيابة عن شعب مصر، بل، وعن الشعوب العربية كافة، الرابحة، لتلك الحرب، على مفاجأة العالم بزيارة إسرائيل، وإلقاء خطابه الشهير من على منصة "الكنيست"، عام 1977، معلناً مطالعة نهجه الجديد لحل الصراع، الذي، (على رأيه)، يشكِّل "كسر حاجزه النفسي" أكبر تحديات حله، الذي تمتلك أمريكا، الحليف الإستراتيجي الاستثنائي لإسرائيل، 99% من أورقه. انطوى تطرف "خاسر" حرب العام 1973، مقابل تهالك "رابحها"، على مفارقة، تحيل، شئنا أم أبينا، إلى فارقٍ جوهري بين نظامين سياسيين لإدارة الصراع: نظام إسرائيلي، هو، برغم، (وربما بفعل)، طابعه الاستعماري الاستيطاني، وسيطرة الأيدلوجي فيه على السياسي، وسيطرة الأخير، وذراعه العسكرية الأمنية تحديداً، على مجتمع، تماهى معها، فإن القائمين عليه، قد استعملوا ببراعة، صندوق الاقتراع، كآلية ديمقراطية داخلية، تتيح تغيير المسؤولين ومحاسبتهم، مهما علا شأنهم، على التقصير والفشل، مهما كان طفيفاً. ونظام رسمي عربي، استعمل الحاكم الفرد فيه، الشعار التبريري:"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، لإخفاء تحويل الوطن إلى إقطاعية، يحكمها بسلطة أبوية مستبدة، من دون مساءلة شعبية أو مرجعية دستورية وقانونية فعلية، ما جعل يده مطلقة في هدر المنجزات الوطنية والقومية، تبعاً لهواه وميوله ونزواته. بهذه المفارقة، التي انطوت عليها خطوة السادات، بعد أربع سنوات على نصر مشهود، أحرزته، وتحملت أعباءه، جيوش العرب وشعوبها، (ودعك من تسجيله بإسم الأفراد الطغاة من حكامها)، وقعت انعطافة نوعية في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي، أفرزت نهجاً سياسياً رسمياً عربياً في إدارة الصراع، جوهره: "ليخلِّع كل طرف عربي، شوك صراعه مع إسرائيل بيده، عبر التفاوض الثنائي، تحت الرعاية الأمريكية" المعادية، كنظام سياسي، (كما برهنت التجربة)، للشعوب العربية عموماً، وللشعب العربي الفلسطيني، وحقوقه وقضيته الوطنية، جوهر الصراع، خصوصاً. إن هذا النهج ألاستجدائي المتهالك والعاجز للنظام الرسمي العربي في إدارة الصراع، هو المسؤول الأول والأخير، عن ما بلغه التطرف الإسرائيلي من غلوٍ، بكونه النهج الذي، وإن كان نظام السادات، فمبارك، من دشنه، ورسم معالمه، قبل ثلاثين عاماً، فإن باقي أطراف النظام الرسمي العربي، وبضمنها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كانت قد عادت وتبنته في مؤتمر مدريد عام 1991، بعد عقد ويزيد من "الممانعة" السياسية ناقصة الاستعداد الفعلي لخوض المعارك، التي يبقى التخلي عن نُظم حكم الأفراد والعائلات، شرطاً لازماً، من شروط الإقدام عليها، وتفجير طاقات الشعوب لتحقيق النصر فيها. ولعل في الحراك الشعبي العربي فسحة أمل في نقل الأمة العربية المستباحة، في السياسة والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع، من حال إلى حال.
#علي_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل: احتجاجات ضمن النظام السائد
-
حول القبول الإسرائيلي الأمريكي بمبدأ الدولة الفلسطينية
-
القضية الفلسطينية بين -تدويلين-
-
الهجمة على الأسرى الفلسطينيين سياسية بامتياز
-
إلى متى يتواصل تجريب المجرَّب؟؟!!
-
هل ولَّى زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة؟؟!!
-
-فذكِّر، إن نفعت الذكرى-
-
وتتواصل المجازر الإسرائيلية
-
إسرائيل -الدولة القلعة- إلى أين؟؟!!
-
استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما
-
أحلام شبيبة بلا حدود
-
اضاءات على إنهاء الانقسام
-
ابن لادن: صنعوه فاستعملوه فقتلوه
-
الحراك العربي: تخصيب للمجتمع السياسي والمدني
-
محاكمة مبارك سابقة عربية تاريخية
-
الأسرى الفلسطينيون في يومهم: ما أضيق السجن لولا فسحة الأمل
-
نعم، وسوريا بحاجة للديموقراطية والحريات
-
الأرض في يومها الفلسطيني
-
خصوصية فلسطين في الوطن العربي
-
ديمومة الحالة الانتقالية
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|