|
قاطع الطريق
عبدالنبي فرج
الحوار المتمدن-العدد: 3451 - 2011 / 8 / 9 - 09:18
المحور:
الادب والفن
قاطع الطريق عبدالنبي فرج فصل من رواية الحروب الاخيرة للعبيد قفز على المحارة ، وناولته حبل الجاموسة وسار أبى ينادينى كلما تلكأت حتى نسيني فانحرفت في طريق مهجور ، لا تستخدم للسير إلا خلال شهرى جمع التين ، سحبت سيجارة فرط وأشعلتها براخ رائق مع اختفاء شمس طوبة ، ولم يعد سوى صقيع يتدفق فى الكون ، لهب أحمد متجمد ملتصق بالسماء ، وسحب قاتمة موحشة أتجاهلها لكى تخفت الهلاوس التى داخلى والخيالات التى تؤرق وحدتى الطويلة ، الغليان خالية من البشر ، ومساحة خضراء والخلاء تبث فىَّ فرحا ما . أتذكر الكتابة . الزمن يمرُّ ولم يتغير شئ ولم أتقدم خطوة إلى الأمام ، لم أعد أحلم بكتابة مختلفة . تماماً . تليق بهزائمنا التى لم نعد قادرين إلى إخفائها . ترتيبها بهدوء وتأملها ... كيف نتأمل ؟ كل شئ يمر فى حياة البشر، المساء الجميل ، القدر ، الغناء ، الرقص ، الفرح ، الحزن ... هراء ، الجسد المسحوق تحت وطأة تحميل الجرار لا يمكن أن يترك العقل ليتأمل شيئاً ، أن ينصت لشيء لا يرى في الكون سوى استغراق في النوم ، لكى يرتاح حتى أنني سأستغل كل أوقات فراغي في النوم ، وأستغرق في الكسل ، الاستمتاع بدفء السرير، يجب أن أوقف كل ذلك لكيلا أشعر بالمرارة ، يجب أن أترك هراءات الماضي والمستقبل لكي أفرح بانسجامي مع الكون 0 واستغرقت حتى تنبهت لوجوده ، يمسك مقود الحمارة وبجواره أكوام البرسيم متناثرة ، ينظر في اتجاهات عده دون أن يراني . الحمارة تضرب في الأرض ، وأسمع صوت خالي موسى يرن في أذني . دا عمي . الوحدة تخلق خوفاً ما ، وأهل البلد نسجوا حوله الأساطير ، وينظرون إليه بنوع من الكره الممزوج بخوف دفين تراكم مع السنين ، ولم يقبض عليه مرة واحدة ، دائماً يعمل وحده . حاول البيه مراراً أن يضم إليه بعض اللصوص وقاطعي الطريق لم يقبل إلي بموسى الذي رفض ثم قال في مواجهة البيه . أنا مش من رجلتك أنا رجل وحدي ، أنا من عائله ولا أنت ناسي ،أنا لما أحب أعمل حاجه بعملها بمزاجي ، وسحب جدر الخيرزان وسار وسط الحقول . لف شبل سيجارة والبيه تنهد في نفاذ صبر، إلي أن قال شبل : - معلش الأيد إلي ما تقدرش تقطعها تبوسها وللا أيه؟ إحمر وجه البيه المقلبظ وهو يكتم غضباً وحقداً لا يرى مقداره سوى شبل!! - تعال سارا جوار بعضهما على الجسر . - يعني ما فيش حل ....؟ - الحل في أيد ربك . - سرح شبل في الفضاء وتساءل . هل أنا أحب موسي أم أكرهه ؟ ولماذا أدفع البيه لكي يقوم بقتله ؟ ولماذا أظهر له مودة وحبا ، لا أنكر أنني لا أدعيه ؟ ورغم ذلك يتسلل جزء مني للخلاص منه ! هو الوحيد الذي يشعرني أنني لا أساوي في الحياة سوى حياة كلب يسير وراء سيده ؛ قيمته الوحيدة في وجودي جواره ، في أن أكون يده التى تبطش، تقتل ، تحرق ! هو الوحيد الذي يسير جوار البيه كتفا بكتف ، فتوة عصاه لا تخطئ! أما أنا فعكس ذلك . كل شيء في الظلام . الليل ستر والنهار فضيحة. حتى لو شتمني أحد لا أرد عليه، أظل أتحايل حتى أمر من أمامه . أما هو فجدع يقف في عز النهار رافعاً عصاه ويقف وحده أمام بلد. تنبه علي صوت البيه ؟ - أنت بتحبه يا شبل؟ قال شبل : المحبة دى بتاعة ربنا . هو الذي جعل داخلي يغلي بنار من الممكن أن تحرق البلد كلها ، جعلتني أجرى علي الجسور أصرخ . أنا شبل الكرمي . يا بلد وسخة.. يا بلد مفطورة علي الجبن !! أحاول أن أخرج الغل الذي بداخلي دون جدوى، اندفعت إلي مكنة المية، وخلعت ملابسي وأصبحت عارياً تماماً. صببت زيتاً محروقاً من الماكينة علي رأسي، وسرت متوجهاً ناحية القصر الذي كان مغلقاً، نزلت تحت شجرة موز وسحبت الفأس الحديد ونزعت الشباك ودخلت غرفة البيه الذي ينام فيها، وأشعلت النور، فزع البيه، والست صرخت، ولم يستطع أن يقوم من مكانه إلي أن أشعلت النار في القصر وذبحت البهائم. قال لي بعد ذلك شبل: إنه بكي مرتان، المرة الأولي ، يوم أن وقفت كل البلدة في مواجهة البيه في انتخابات العمودية من أهل البلد وعندما فاز ذاب وسط الجموع، وهتف للمرشح الفائز، وبعد ذلك قال: أنا عملت كده ليه ؟ والمرة الثانية ، عندما رأى موسى الكومى مرمي في الصحراء والبلطة مغروسة في صدره ، وجسمه قد مزع ، ويده بها قلب أحد أعدائه. كان جسمي يرتعش وأنا أجري وسط الصحراء أنادي موسي الذي لا يجيبني حتى سقط من التعب وظللت أياماً غارقاً في الحمى، ثم توقف فجأة وكأنه ندم علي اعترافه لي: -أنت حساس إن الناس بتكرهك . -يأبني البلد دى عيزة كده، دى بلد تخاف ماتختشيش أنا مش قنطرة عشان الناس تدوس عليها. ثم أشار لي بنفاذ صبره بعد أن لسعت السجارة يده . - اسكت..اسكت اللي باع خير من إلى اشترى. ثم أغلق علي ذاته، وأخرج علبة الدخان وأخز يلف سيجارة ثم أشعلها ونسيني تمامً ٌ. أما أن فقد خبرته وعرفت أننى لو تكلمت سيزوم ويتركني ويذهب إلي أن عاود الكلام . البيه يكره الوحدة . ملول . يحب أن يجلس في عزوة كبيرة ، وناس غلابة موجودة برضه علشان يضحك عليهم . كنا قاعدين أنا وهو فقط وحاول أن يجر معي كلام وأنا ملتزم الصمت . قم يا شبل وأنتا قاعدتك ماتلذش . النهار طويل سرت وراءه بين أشجار الموز من غيظ إلى أخر بدون صوت نتصنت على الفلاحين فى الغيطان ، إلى أن سمعنا صوتاً . اقتربنا من الصوت . كان صوت عبد الفتاح أبو إسماعيل يورق الموز وبجواره ابن أخته . كان رجلاً ضخماً طويلاً وصوته عال . وجلس البيه على الأرض وأنا جواره . بيه أيه وزفت إيه . البلد دى وسخة وسكته على الضيم ، والرجل دة مش لاقى حد يقف قباله ، راجل شارب من لبن أمه بصحيح يقف قصاده ، أنا مش دافع المسنية على الطلاق ما أنا دافع المسنية ، يحرس زرعنا ليه . على الطلاق أضربه ميت طلقة أخرمه . كفاية أهالينا ماتت مقهورة . إنت ماتوعاش لحاجة ، شفت بعينى ، نزلوا عطية ابن سيد أحمد من على الحمارة وقتلوا الحمارة ورموه فى السلاحليك لحد ما اجن ومات بعد شهر . دول جبارين ! حرقوا بيوت وسرقوا مواشى وسموا بشر ! كان عبد الفتاح عصبى ويشد فى ياقة ابن أخته الذى رأى البيعة فأخذ يرد . لا عيب لا عيب بطريقة واحدة . لم يتوقف عبد الفتاح إلا ويد البيه تقبض على المكشط فبال على نفسه . أزحت البيه وضربت عبد الفتاح ست كفوف على وجهه . ظل فترة طويلة لا يرى . وأخر النهار كان باعت المسنية وخمس صبائط موز للبيه كمان . لما أرنى أشاح بنظرة عنى وأنا أتجاوز بتشفى . ثم توقفت وأنا أحس أن بداخلى كاتب أن هذه الصدفة دفتنى إليها الظروف . توقفت . ظهره تجاهى وأعلم أنه يرانى كشر صموت . أريد أن أهرب من هذا العالم المحدود المباشر . أريد عالماً ثرياً يتيح لى ترتيب المشهد بروية ، صناعة رواية كما أراها فى ذهنى . عالماً يختلط فيه الأسورى بالواقعى بالمتخيل ، عالماً غير محدود . ورغم ذلك أعلم أننى لن أستطيع القفز على ظروفى الحياتية ، والثقافية ، وأننى بهلوان فاشل . تجاوز السبعين ، قصير ، وجهه مدور كبيضة ، عيناه زرقاتان / وجهه يوحى بالطيبة حتى تنظر إلى عينيه . عين شرسة تجمع كل العنف والشرور كبئر تجمع وتنزح الذى بداخله . أتساءل بمرارة العاجز . لماذا أنا مدفوع نحو عالم مباشر سقط حضارياً وفى سبيله إلى التحول إلى نوع من الفلكلور ! حيرتى ككاتب . حيرتى كإنسان . أنا مدفوع فى طريق وعر ، بائس بلا أمل فى شيء أو مكسب ما ! وبعدين . إيه الحكاية ! يرتدى عمامة ملفوفة بإحكام حول رأسه ، والحف الذى يلبسه فى قدميه موضوع على الحد . قفزت المسقة وخضت فى الرعية إلى أن وصلت إليه . الكون بدأ يعوم فى بركة من العتامة . إيه يا عم شبل . الحمارة تعباك ؟ لم يلتفت إلى البرغوتة معفرتاها ، نتش الحمارة التى تتحرك فى عصبية وترفس فى وحشية ، أربكته فأخذ فيما يشبه الاعتزاز يضرب الحمارة بغل وقسوة ظهرت جلية فى عينيه اللتين يظهر منهما ما يشبه الجنون ، حتى كاد بطن الحمارة يلتصق بالأرض ، ثم لف الحبل على يديه ولجمها وأخذ يشد بالحبل حتى شلب الدم من شدقيها ثم بدأ ينهج والحمارة سيطرت على جسمها . أه أكل ومرعة . والله لأعدمك العافية . أخذت أناوله البرسيم حتى انتهى من رصه على الحمارة . ثم وقف سانداً البرسيم وأخرج سيجارة ملفوفة وناولنى واحدة ، رفضت فى حدة وتصميم لا .. لا يا عم شبل ! نظر إلى فى حدة والسيجارة فى يده فأخذتها راسماً على وجهى خجلاً ما ، ممثل سيظل يرقد داخلى يطل كل فترة . أعمل إيه ! أخرجت مشط الكبريت من جيبى وأشعلت سيجارة له ثم أشعلت لى . - ابن مين ؟ - ابن محمد الفلاح . محمد فاروق الفلاح . - خالك موسى الكومى ؟ - آه قتلها بتردد لا أعرف لماذا ! والله يرحمه كان رجل ، ثم مسك مقود الحمارة منه وأمسكنى من ياقة الجلابية وأخذ يهزنى حتى أننى خفت منه . وصوته يخرج ناعماً متواطئاً وخبيثاً . دا كان راجل رجالته قليلة . ألف رحمة ونور . ثم استند على كتفى وقفز على الحمارة وأنا أسنده حتى تخطى المسقة . إبقى تعالى خذ شوية لبن من أيد خالتك . وقول لأبوك هو مين اللى كان بيدور أميه وطحين . ثم أخذ يضحك ويزفر ، والحمارة تكاد ترميه من عليها وكأن عليها الشيطان ، وعندما قلت لأبى ما قاله شبل قال . إتلهى على أمك ! وأمى أخذت تضحك حتى إحمر وجهها وسقطت اللقمة فمها . وأبى يقرض أسنانه ويكتم غضبه قوية تحتاجه ! ترك اللقمة واستند على الحائط فى انكسار ! - فرحانة قوى ! - هو مش أبوك اللى كان بيدور أميه وطحين ؟ رد أبى بحدة . لا دا أبويا اللى زرع السردين فى حوش الأربعين ! وقفت أمى على ركبتها . - إحنا طول عمرنا أسياد البلد وأنت عارف كده ! - بلاش قنزحة ، وأشار بيده فى قرف ! - الله يرحمك يابا أنت وموسى الكومى ، ثم اندفعت فى البكاء . أدار أبى ظهره وأخذ يقلب فى القوالح حتى صفت ووضع أبى البراد على النار ، وأمى مسحت دموعها بالطرحة وفردت اللحاف على رجلها وأخذت تصطاد البراغيث وتسحقها بين أظافرها إلى أن قال أبى . الواد دا عامل زى الغراب ثم انتظر زاعقاً فى . - مين اللى قال الكلام ده يا له ! ضحكت أمى مرة أخرى فنظر أبى إليها مخففاً من حدة كلامه . ثم لأن ! - أنا فى موريستان ، أنت خالطة عبط على العيال كلهم هيعبطونى ، ويخلونى أمسك صاجات وألف حوالين البلد ! ثم سكت .
#عبدالنبي_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مريم
-
حوار مع القاص المصري سعيد الكفراوي
-
حوار مع د نبيل عبدالفتاح
-
حوار مع الروائي المصري ابراهيم اصلان
-
فصل من رواية مزرعة الجنرالات
-
جيل التسعينات وجنرالات الجيش الميت
-
وزارة الثقافة المصرية في ظل الثورة
-
رسالة الي الروائي المصري صنع الله ابراهيم
-
طفولة ضائعة
-
جسد في ظل
-
فصل من رواية ريح فبراير
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|