|
سقط القناع
ربيعة العربي
الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 8 - 01:42
المحور:
الادب والفن
...تمتزج خلايا جسدي بسكون الليل.تأخذني ثوانيه في متاهات شتى. أهاجر إلى صحراء نائية. صحراء هجرها الظل و النخيل .تأخذني خطواتي على الرمل بعيدا.تتيه طريقي. و حين تشرق الشمس تظلم عيوني و...أعود.أجدني ساكنة في ركني المنزوي أراقب رحيلي.أجدني... أراني أبتعد أقفز أتخطى هذا الرصيف إلى الرصيف الآخر بدون أن ألتفت. يأبى هذا الجرح أن يلتفت. يسري . يجري . يلهث. يمر بقطارات شتى. تقذفه القطارات. يغادرها و يمشي حافي القدمين. أصيح: - لم هناء لماذا فعلت بي هذا؟ تمسك هناء يدي بقوة. تحاول البحث عن كلمات مجدية: - لم أكن أتوقع منك هذا. غدر الأحبة يدمي. - انتظري سأشرح لك.. إنه مجرد سوء فهم. اتنظري. حينما التقيت بهناء أول مرة شيء ما بداخلي قال لي: احذري... شيء ما ألجمته. انحنى بخجل و تركني أجادل منطق الأشياء. شمرت على وجهها ابتسامة عربضة عازمة على أن تبدي أسنانا ناصعة البياض و تخفي قلبا شديد السواد.احتلت الابتسامة الخدين و قفزت إلى العينين.أعلنت الحلول، فطردت هذا الشيء الذي غمز بداخلي و نهرته قائلة: - ما بك ألا ترى هذه الابتسامة المشرقة ؟ ألا تسمع هذا الكلام المعسول؟ - إذا رأيت أنياب الليث بارزة ، فلا تظنن أن الليث يبتسم. - دعك من سوء الظن. إن بعض الظن إثم. و أصبحت هناء صديقتي تسأل عني. تقلق لشأني. تتابع تفاصيل معيشي اليومي. تعاتبني إن أغفلت السؤال عنها يوما أو يومين. صديقتي...صديقتي خدعتني. إني أراها الآن و كأني أراها لأول مرة. سقط القناع و انكشفت أمامي تفاصيل الجسد: جلدها...بصماتها.. دمها ..عروقها. شرايين القلب. قذفني السيل إلى داخلها. لم تعد الكلمات توهمني. لم تعد الابتسامة العريضة تخدعني. سقط القناع. هل أواصل الحكي ؟ يكفي هذا العويل الصامت الذي يصرخ بداخلي و صوت زوجي: - عودي أريدك أن تعودي. يأبى قلبي الإياب . لا . أنا أريد أن أقفز على هذا الزمن...أن أعود إلى زمني... إلى شيء ما خلفته ورائي يوم التقيته. إلى شيء ما تركته يسقط في الطريق حينما مددت يدي لأقيل عثرته. تاه مني و تهت منه و لم يبق إلا الحنين... و اليوم علي أن أعود أدراجي. لم أكن أتوقع ذاك اليوم و أنا أعود إلى شقتي قبل انتهاء وقت العمل على غير عادتي أن أصدم مرتين. لاحظ رب العمل التعب الشديد الذي بدا علي و عدم تركيزي في العمل فسألني قائلا: - أراك متعبة هل اقترب يوم الوضع؟ - أنا في شهري الثامن و أحس بأنني مرهقة كثيرا. - فقط أنهي الملف الذي بيدك و اذهبي لتستريحي يمكن لعمر أن يوصلك إلى البيت. - شكرا ستوصلني هناء إذا سمحت. - هناء ليست موجودة لقد تلقت اتصالا هاتفيا و خرجت مسرعة. قالت لي إن أمها مريضة فسمحت لها بالذهاب. - غريب لم تقل لي أي شيء. اتصلت بهناء. الهاتف يرن لكنها لا تجيب. فحاولت الاتصال بأمها لأسأل عن صحتها فأخبرتني بأنها بخير. سألتها عن هناء فردت علي: - أليست معك لقد قالت لي إنها ستتأخر في العمل أليست هناك؟ - يبدو أنها تشتغل في المكتب المجاور و لم أنتبه للأمر. أنهيت المكالمة و أنا أستغرب. لاحظ عمر استغرابي فسألني: - هل أم هناء مريضة جدا. - لا...لا.أرجوك أنا متعبة و رأسي يؤلمني كثيرا. سأحاول الاتصال بزوجي لأطلب منه أن يأخذ علي من المدرسة. اتصلت بزوجي. مرة أخرى أسمع الهاتف يرن و لكن زوجي لا يرد هو الآخر. قلت لعمر: - أرجوك خذني إلى بيتي. ساعدني عمر على الوقوف و التفت إلى المدير و قلت له: - أنا ممتنة لك، سأحاول أن آتي غدا باكرا لأتمم بقية الملفات.شكرا جزيلا - على مهلك ابنتي. أوصلني عمر إلى شقتي و ألح علي في أن يساعدني على صعود السلالم، فهو يعلم أنني أقطن في الطابق الرابع في عمارة تخلو من مصعد. لما وصلت إلى شقتي و أنا ألهث. شكرته فحياني و أخذ يهبط السلالم بخفة حسدته عليها. وضعت يدي في حقيبتي لآخذ المفتاح فتناهت إلى سمعي ضحكة مألوفة: إنها ضحكة صديقتي.أرهفت السمع :الضحكة آتية من شقتي و هذه ضحكة أخرى أسمعها: إنها ضحكة زوجي. فتحت الباب، فسقط القناع.سقط القناع . انتفضت. ثرت على نفسي. سقط القناع فالتفت ورائي و أخذني الحنين إلى طفولتي ...إلى طفلة تهوى تسلق الأشجار و قطف البواكير و الجري في الحقول و مطاردة العصافير و قنص ابتسامات الرعاة. إلى طفلة لا تدري ما غدر الزمان و لا ما المكتوب على الجبين.
#ربيعة_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبي و الشجرة قصة قصيرة
-
رحل الربيع قصة قصيرة
-
زغرودة- قصة قصيرة
-
قصة قصيرة
-
الصورة النمطية للمرأة المسلمة في الغرب
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|