بدرالدين احمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 7 - 01:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
كما ان للمغنطيس قطبين شمالي و جنوبي و من المستحيل ان تجد مغنطيس بقطب واحد, كذلك
نجد ان مفهوم الدولة العلمانية و التي تقوم على ضرورة فصل الدولة عن الدين, لا يمكن
ان توجد ,على الاقل نظريا , بلا قطبيها. فلكي تقيم نظاما يفصل الدين و الدولة يجب
ان تقيم هيكلا وكائنا دينيا ليهتم بالجانب الروحي للمواطنين, و في مقابلها دولة
علمانية تقوم بالجانب الدنيوي من شئون الناس
في عالمينا العربي و الاسلامي يعتقد بعض الناس بان العلمانية هي الحل الوحيد و
المثل للدولة. و يطرح السؤال الاتي نفسه هل حسب دعاة العلمانية بانهم في سعيهم
لاقامة الدولة العلمانية, يتعين عليهم خلق مقابلها و قطبها الاخر, و هو سلطة دينية
منفصلة و لها صلاحيات للقيام بما تخلت عنه الدولة من مهام
? و بسعيهم ذلك هل ينتهون لاقامة "كنيسة اسلامية" ترعي شئون المؤمنين كما يرعي
الفاتيكان شئون الكاثوليك?
هل سيضطر علمانيو الدول الاسلامية لخلق كنيسة لتتم عناصر صراعهم?!!
هذا السؤال ليس عن فراغ, فقد فعلها العلماني الايطالي بنيتو موسوليني سنة 1929
عندما كان رئيسا للوزراء, فقد انشا مدينة الفاتيكان لتكون كيانا-رمزا لدولة الكنيسة
المسيحية ليتسنى له اقامة دولة علمانية في ايطاليا. كلنا يعلم ما هو مصيرها
تزداد حمى الصراع بين الاسلاميين و العلمانيين في المنطقة العربية هذه الايام لورثة
الانظمة الديكتاتورية التي حكمت المنطقة لعقود, وانهارت مؤخرا.
سوءات الدولة الدينية عاشتها شعوب المنطقة و تعرف مرارتها منذ العهد التركي, و
التجربة ماثلة في السودان, وايران, و عنجهيتها في الذاكرة من تجربة طالبان
افغانستان. وعليه من الخطل محاولة تسويق شعارات الشريعة و خلافه والتي عرفت الشعوب
انها مجرد شعارات للتضليل و الابتزاز.
لكن المحير ان يطلع علينا من يسمون انفسهم بمستنيرين بالاصرار المطلق على شعار
علمانية الدولة , حتى دون ان يتعبوا انفسهم في استقصاء اصول المفهوم او مدلولاته. و
متناسين مالات الدول التي تبنته في السابق, والتي عملت على اقصاء قطاعات واسعة من
المواطنين في في تلك الاقطار, ودفعت بهم للتحالف مع اعداء شعوبهم اتخذوا نصرة
المظلومين حصان طروادة للنيل من تلك الدول فوفروا لهم المال و العتاد و الدعاية
السياسية لتدمير دولهم. فضحى من تم اقصائهم بالوطنية من اجل الدين و من الصعب
لومهم.
اقامة دول تتبنى العلمانية في المنطقة العربية و الاسلامية ستنتهي اما; بتكريس
طائفية تمزق تلك البلاد, او خلق منظمة دينية هائلة القوة تماثل الكنيسة المسيحية في
عصور اوروبا الوسطي وينتهي الامر بالعلمانيين كما بالعلامة الشقي في رواية ميري
شيلي, فرانكنستاين!
في الرواية فان فرانكنستاين الذي تفتحت امامه مغاليق العلوم تمكن من خلق كائن في
منتهى القبح, و منتهي القوة ,ومنتهى الحقد على "خالقه" . اتخذ المسخ الذي, خلقه
العلامة, هدفا و احدا لحياته وهي تدمير حياة خالقة! فذبح اخيه, و زرع الفتنة في
بيته, و ادى الي اعدام اكثر خدم العائلة اخلاصا بتهمة قتل الصبي, ثم قتل زوجة
فرانكنستاين ,و عقب بقتل صديقه خنقا ,و اخيرا مات فرانكنشتاين نفسه بائسا مريضا في
مجاهل القطب المتجمد و بقى المسخ ليحي.
الواقع في منطقتنا الاسلامية و العربية لم تكن للاسلام تاريخيا سلطة دينية منفردة و
منفصلة تتسلط على الناس كما كان للكنيسة المسيحية في اوروبا, وذلك لظروف نشاة
الدينين. فالمسيح عليه السلام لم يعش على الارض ليرى دينه الجديد يتطور في شكل
مجتمع تنشا فيه الحاجة لقوانين و شرائع. تشتت اتباعه في الامبراطورية الرومانية الي
ان اعتنق الامبراطور كونستاتين المسيحية, وتلك كانت بداية تذوق المسيحية لسلطة
الدولة. و عبر ملابسات يطول شرحها انتهى الامر بانفراد البابا بالسلطة في تعيين
ملوك اوروبا, و اقتطاع مساحات دول باكملها ليعود ريعها للكنيسة التي فرضت ضرائب على
الناس, و تدخلت في اخص شئونهم, مما اجج الثورات ضدها ومطالبة المسيحين بفصل الدين
عن الدولة. و رفضهم دفع ضرائب للكنيسة و تلك الثورات في مجموعها تم تسميتها بالحركة
الدنيوية في مقابل الدين و تم ترجمة ذلك في اللغة العربية للعلمانية.
تطور المجتمع المسلم في حياة سيدنا محمد, و تطورت قوانينه و شرائعه, و بعد وفاته
قامت دولة الخلافة ثم الاموية و العباسية انتهاءا بالتركية, ولم تقم سلطة دينية
منفصلة عن الدولة. و بذلك فتجربة المنطقة الاسلامية مختلفة, والمناداة بفصل الدين
عن الدولة يعني ان نخلق واقع لم يكن اساسا موجودا في المنطقة و اعطاء سلطة لمؤسسات
او افراد باسم الدين تاريخيا لم يمتلكوها.
فاذا اعطينا زعماء المذاهب الدينية الحق في السلطة الدينية على اتباعهم, و قد يتضمن
ذلك الحق جمع اموال الزكاة و تبرعات او ضرائب اخرى للقيام بمهام بناء المساجد و
المدارس الدينية او تقديم الخدمات الاجتماعية و الروحية و خلافه, فاننا نعطيهم
مصادر للقوة ليكونوا كما كان الاقطاعيون في اوروبا في القرون الوسطى لهم راياتهم و
ربما حتى جيوشهم. و ينتهي الامر باقامة انظمة طائفية اقطاعية داخل دولنا.
او في المقابل الاخر, ان يتم اعطاء السلطة الدينية لمراكز في المحيط العربي و
الاسلامي مثل الازهر او الحرم الشريف في مكة,او قم في ايران.
طبعا المصريون سيكونون سعداء بتولي مثل تلك المهمة وطالما راودتهم, و قد حاولوا فرض
مرجعية الازهر كواقع على المسلمين دونما جدوى, لكن الان ستسقط في سلتهم ثمرة ناضجة
بفعل دعاة العلمانية! و لا ارى سبب يجعل السعودية تمانع اذا جمعت كل تلك السلطة
المعنوية و الروحية مع الحق في فرض ضرائب على كل المسلمين و تم اهدائه لهم.اما
ايران فلعابها يسيل لمجرد تخيل الفكرة!
هناك خيار ثالث, وهو ان يتولى تلك السلطة تنظيم فوق الجنسيات, يقوم بانشاء مركز
بارادته. و طبعا لا يخفى على احد ان تلك امنية تنظيم الاخوان المسلمين والذي انشا
تنطيما عالميا يعرفه الجميع انه شرع في السطو على السلطة السياسية في عدد من
البلدان و نجح في السودان, و سوف يكونون مسرورين ليتولوا السلطة الروحية على كافة
المسلمين. وايضا هناك تنطيم القاعدة وله ماله من مال و كوادر و يصبو للعب دور
الممثل الروحي للمسلمين.
اعلاه نرى خطر و خطل الدعوة لاقامة سلطة دينية منفصلة في العالمين العربي و
الاسلامي. فان ذلك اما ان يمزق الدول لطوائف و يعيد الاقطاع, او ينشئ مراكز
روحية لم تكن موجودة, او يرهن القوة الروحية للمسلمين في يد تنظيمات قد تقود لاقامة
"كنيسة اسلامية". كل تلك الخيارات نتيجتها هي مصير فرانكنستاين.
فاقامة "كنيسة اسلامية" هو في الحقيقة عكس منطق التاريخ, في حين قضت العلمانية في
اوروبا على سلطة الكنيسة, نجد ان العلمانية في المنطقة العربية و الاسلامية تسعى
لاقامة "كنيسة اسلامية"
--
#بدرالدين_احمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟