عبد الجبار منديل
الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 19:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما نجحت الجماهير المصرية بالاطاحة بالدكتاتورية مقلدة بذلك جماهير تونس كان المتوقع ان مصر ستدخل في عصر جديد من الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والثقافي والعلمي ولكن الجماهير التي اسكرتها نشوة النصر بسبب السهولة التي تمت بها عملية الاطاحة بالنظام رسخ في يقينها ان التظاهرات والمهرجانات والهتافات هي الاداة السحرية التي سوف تذلل بها كل المصاعب فتنتصر على التخلف الاقتصادي والركود الثقافي وانخفاض المستوى المعاشي وتردي الخدمات وصعوبات الحياة . باختصار سوف تحول مصر الى دولة متقدمة . ونسيت تلك الجماهير التي تندفع بدون وعي بان كل ذلك ياتي عن طريق العمل والكفاح المستند الى النظام الذي يحققه الاستقرار .
ان توقف الثورة المصرية عند المحطة الاولى التي وصلتها جعلتها تدور في نفس المدار منتقلة من عقدة الى اخرى متناسية القضايا الكبرى التي هي بالدرجة الاولى اقامة الاستقرار وتوفير الاسس العلمية لعملية التقدم وفصل الدين عن الدولة والانفتاح على العالم المتقدم وتجاوز العقدة الكبرى في عملية التصنيف التاريخية للدوله الى اعداء واصدقاء التي هيمنت على العقلية العربية طيلة القرن الاخير وعدم القدرة على النظر الى الموضوع الاقتصادي على انه حسابات مصالح وارباح وخسائر بعيدا عن العقدة التاريخية حيث يجب الفصل بين التاريخ السياسي المليء بالهزائم والانكسارات والواقع الاقتصادي الحالي الذي يبحث عن شركاء حقيقيين ممن لديهم روؤس الاموال والتكنلوجيا والمهارات اللازمة للتقدم كما قامت بذلك اليابان ثم تبعتها الصين وغيرهما من الدول .
ان قيادات الثورة المصرية التي هي اساسا قيادات شبابية مندفعة لم تلتفت فقط الى هذا الموضوع بل انها ايضا جعلت همها الاساسي هو السعي الى الانتقام واشباع الغرائز البدائية بالثأر والتشفي . ثم اخذت تتدخل في كل الشؤون العامة مما اربك الدولة وشكل عبئا على مسيرتها ولاسيما مع تعدد القيادات وكثرتها واندفاعها وحداثة السن لاغلبها كما ان بعضها تريد ان تحل محل القيادات التي اطاحت بها لتعيد تجربة ثورة23 يوليو عندما استولى العسكريون الشبان على مقاليد الحكم واخذوا يسوسون الامور بالمزاج وبتقلب الاهواء وليس بالحكمة والتعقل واعتماد الاساليب الديمقراطية .
لقد زاد من شدة المصاعب التي تواجهها مصر طبيعة الجو التنافسي بين الليبراليين والاصوليين حيث ان كل فئة تحاول ان تثبت للفئة الاخرى انها اكثر اندفاعا واكثر تطرفا في محاربة العهد السابق ولكن ذلك يجعلهم يتدخلون في كل شؤون الدولة بل وحتى في شؤون القضاء .
النتيجة التي ترتبت على كل ذلك هو ان مصر تعيش في جو من الفوضى السياسية والاقتصادية مما جعلها تعيش على مدخراتها مستنفذة احتياطي البنك المركزي بعد ان توقفت الانشطة الاقتصادية مثل الاستثمار والسياحة وغيرها من الانشطة المهمة كما توقف رجال الامن من القيام بواجباتهم مما زاد من الانفلات الامني الذي زاد بدوره من مخاوف المستثمرين والسواح مما فاقم وسوف يفاقم من الازمة الاقتصادية .
#عبد_الجبار_منديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟