|
انتخابات رئاسة السلطة : ودعوى الطهارة السياسية
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1027 - 2004 / 11 / 24 - 09:53
المحور:
القضية الفلسطينية
بات ضروريا بعد أن خفت حدة الصدمة التي ألقت بثقلها على الواقع الفلسطيني ، من أن يفكر الجميع في كيفية استمرار الحياة بكافة جوانبها بشكل يليق بهذا الشعب ، ليأتي ملء الفراغ الذي تركه غياب الرئيس عرفات ، الذي كان يمسك بيده كل المسؤوليات ، بدءا من رئاسة الدولة الفلسطينية مرورا برئاسة السلطة وليس انتهاء باعتباره القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية ، ليشكل الاستحقاق الأول والأكثر إلحاحا الذي يواجه مجموع الشعب الفلسطيني وقواه السياسية .
وفي خضم الجدل والحوار القائم بين القوى السياسية حول كيفية مواجهة هذا الاستحقاق ، على اعتبار أنها المرة الأولى التي يجد فيها الشعب الفلسطيني ونخبه السياسية أنفسهم أمام قسرية الحقيقة ، التي تقول أن عليهم بدء مرحلة جديدة ، تؤسس لكيان سياسي قانوني ، يقوم على محورية المؤسسة لديمومتها النسبية بالطبع ‘ باعتبارها الناظم للفعل القانوني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي المجتمعي ، بديلا عن " الفرد المؤسسة " كونه حالة مؤقتة مهما عظم شأن هذا الفرد .
غير أن قسوة اللحظة ، يجب أن لا تغيّب القراءة العلمية التي من شأن الإمساك بها وضع أولى الخطوات باتجاه التأسيس للغد على أسس من وعي أن الغد ، هو ما نصنعه اليوم ، بعيدا عن ضغط العواطف والانفعالات ، ، حيث لا مجال عندئذ لمواجهة هذا الواقع إلا من خلال العقل الواعي الذي يأخذ من التجربة الماضية كل مالها ويتجنب ما عليها وهو كثير ، ويطال كل أطراف المشهد السياسي الفلسطيني دون استثناء .
ولعل الاختبار الأول الذي يواجه الشعب الفلسطيني وقواه السياسية جميعها سواء داخل الوطن أو خارجه ، ينحصر راهنا في استحقاق انتخاب رئيس للسلطة الوطنية ، وبالتالي كيف يمكن لهذه القوى في مجموعها جعل هذا الاستحقاق مهمة وطنية تتجاوز الحالة الحزبية الفئوية الضيقة إلى فضاء الوطن كله ، كخطوة مفصلية باتجاه بناء المؤسسة ، التي تستوجب وجوب وحيوية مشاركة الجميع دون استثناء في الحياة السياسية بكل محطاتها بشكل مباشر سواء عبر مرشحيهم أو عبر دعمهم لمرشحين آخرين .
لأنه لا يجوز في ظل وجود الاحتلال الذي يستهدف كل الحالة الفلسطينية ، وبعد أن أكدت تجربة الانتخابات السابقة ، سواء كانت الرئاسية منها أو التشريعية ، أن باستطاعة تلك المؤسسات أن تلعب دورا أساسيا كمؤسسة ، في لجم أي اتجاه يسعى للتساوق مع الأفكار والطروحات التي تستهدف التنازل أو التفريط في الثوابت الوطنية ، بصرف النظر عن أي أفكار أو وجهات نظر لهذا النفر أو ذاك ممن يحسبون على تلك المؤسسات .
وتعزيز دور هذه المؤسسات يأتي من اتساع المشاركة من قبل كل القوى ، مع حق تلك القوى السياسية الاحتفاظ بقناعاتها من أن أوسلو لم يكن خيارا سياسيا صحيحا ، غير أن الواقع الراهن الذي أفرزته الانتفاضة وغياب الرئيس عرفات بات يفرض على الجميع العمل على ترسيخ دور هذه المؤسسات في الحياة الفلسطينية بدءا من مؤسسة الرئاسة ومرورا بمؤسسة المجلس التشريعي وصولا إلى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، بعد أن تم تغييبها لفترة طويلة من الزمن .
الأمر الذي يفرض شرط عدم ترك تلك المؤسسات للون سياسي واحد أيا كان ، أولا لحماية المشروع الوطني ، وثانيا لتكون المشاركة صمّام أمان تحول دون مكنة الخضوع لأي ابتزاز أو ضغط من قبل الإدارة الأمريكية أو الكيان الصهيوني ، ولتشكل رافعة حقيقية جماعية من أجل الصمود المشترك على طريق إحقاق الحقوق الثابتة لمجموع الشعب الفلسطيني .
والضرورة هنا تقتضي أن يجري التنافس في كل الاستحقاقات القادمة سواء كانت الرئاسية منها أو التشريعية أو المحلية ، ومن بعدها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بين جميع القوى على قاعدة البرامج مع ضرورة توفر ضوابط الوطنية والنزاهة والكفاءة للمرشحين ، كمعيار أساسي من قبل الجميع ، لأنه من سوء الرأي والقراءة أن يجري الترشيح بعد ذلك وفقا لاعتبارات تتعلق بالبعد القبلي أو العشائري أو الجغرافي ، ولعل أسوأ معيار هو ما جرى تداوله مؤخرا من ضرورة توفر صفة اللاجئ في مرشح الرئاسة .
لأن هذا المعيار خطر وضار جدا على لحمة الشعب الفلسطيني راهنا ومستقبلا ، وهو أيضا يتنافى مع مفهوم العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية ، كقاعدة وناظم يجب أن يعامل الجميع على أساسه ، لأن ذلك المعيار من شأنه خلق تصنيف سياسي واجتماعي مغاير لما يجب أن يكون عليه الشعب من وحدة الهم والفكرة والهدف والنسيج الاجتماعي والسياسي .
ووفقا للمبدأ القانوني القائل بمفهوم المخالفة ، فإن هذا التوصيف ، يعني اتهاما ضمنيا لغير اللاجئ ، بأنه غير مؤتمن ، وهو بالضرورة يملك الاستعداد للتنازل عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ، وتحديدا حق العودة والتعويض بالنسبة للاجئين الفلسطينيين ، وهو ما يجافي الواقع الذي أكدته خبرة السنوات الماضية .
هنا تصبح للمشاركة الفعالة والحقيقية من جميع القوى السياسية بكل منابعها الفكرية في الاستحقاقات القادمة ، أهمية استثنائية ، حتى تشكل تلك المشاركة بداية لتأسيس وطن الجميع على قاعدة التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وعلى أساس البرامج والوجود الفعلي في الواقع ، ولقطع الطريق حول ما يكاد يرقى إلى الإجماع من قبل القوى السياسية عن التفرد والهيمنة والفساد والمفسدين .
لذلك يجب أن يغادر البعض مواقع النقد من الخارج ، بدعوى الزهد والطهارة السياسية ، وليباشر فعل النقد والصراع دفاعا عن الفكرة والموقف السياسي والاقتصادي والكفاحي والاجتماعي ، من داخل المؤسسة ووفق ضوابط وقوانين وقواعد اللعبة الديمقراطية ، وبالطبع لمن يوصله صندوق الاقتراع إلى ذلك .
إنه اختبار الديمقراطية للشعب الفلسطيني ولقواه السياسية المختلفة ، وهو ما يوجب من الجميع العمل من أجل أن تنجح الديمقراطية وأن ينجح الشعب ، ذلك هو تحدي الأيام القليلة القادمة .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثابت والمتغير بعد عرفات
-
فتح : الصراع المكتوم إلى متى ؟
-
حذار ...حذار من الفتنة
-
عاش الإصلاح ... يسقط الفساد
-
عندما يكذب الرئيس ...!!
-
أمريكا ـ الكيان الصهيوني : حدود التماهي
-
الانتفاضة شمعة أخرى : عزم أقوى ... صمود أشد
-
الإرهاب : أشكال مختلف ومسمى واحد
-
عمليات الاختطاف في العراق : استعداء مجاني لشعوب العالم
-
الإدارة الأمريكية: والتباكي على الدستور اللبناني
-
شعث من لقاء شالوم إلى خيمة الاعتصام : اللى استحوا ....!!!!
-
القدس تصلي وحدها
-
حمى السوبر ستار وتغييب الوعي
-
حق العودة والتعويض : في ميزان القانون الدولي
-
الوطن : بين القسمة على واحد والقسمة على الجميع
-
رأي محكمة العدل الدولية في جدار الفصل العنصري: انتصار للشرعي
...
-
أحياء ...أموات
-
الفجر يأتي... ولومتأحراً
-
الفجر يأتي ... ولو متأخراَ
-
الدم الغض ... وأضعف الإيمان
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|