أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - أبي و الشجرة قصة قصيرة















المزيد.....

أبي و الشجرة قصة قصيرة


ربيعة العربي

الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


ممطر كصبيب النبع،كعرق الكدح و مالح كزبد البحر دمعي... و حينما ألج صمتي يغتالني حزني و تأسرني اللحظة المطلقة.هي زمني...هي الآن... هي غدي.هي تمرد العمر على أعباء السنين هي زمني كله.زمني كله كان مرافيء للصبا و لغدي الممتد بين منعرجات الأيام...و حين تحاصرني هواجسي أمد يدي إلى داخلي أكمم فم ضعفي و أسير .كم أدمنت أوراقي و كتبت كلماتي فوق أجنحة الظلام أسير...كم رفرف سنوري الحزين و بنى عشه بين أغصان الفؤاد و المدينة.المدينة هجرتني بأبراجها.هجرتني بشوارعها المضيئة. هجرتني بأشجارها الممتدة في الطرقات. هجرتني بأضوائها المتلألأة.هجرت انتمائي إلى انتماء معاكس...و تركتني أتخبط في حيرتي و ذهولي انتابه الغثيان.ما أفقر دربي الذي ما أغناه إلا صمودي . و اليوم لا شيء يهم بعد أن غادرتنا لا شيء يهم بعد أن تمردت الروح و أعلنت انعتاقها و أعلنت رغبتها في الإسراء.مات أبي. وشح بياضا و تألق الجبين. و رتل القبر تسبيحة الموت-الخلد و آي من الذكر الحكيم. و غادرناه لنعود إليه مرة...مرتين...غادرناه لنعود إليه مرات . نسقيه بماء الزهر و دمعتين.هذه كلماتي تتفجر في دواخلي لتعانق غيمة تسقط مطرا من حنين و لحظة تسكن بعيد الغروب و قبيل الفجر . لحظة تعرج بي بعيدا إلى حدود اللاجدوى .تقربني من لهيب الشمس و تنثرني حبة في الحقل ما بين جذور الصنوبر و الرياحين. و حين يأتي الغيث يغسلني القطر فينبثق حنيني شجرة كشجرة الأركان و رائحة كرائحة الند و البخور و ملمسا كقبلة الأم... و حين يأتي الغيث تمتد جذوري ..أسافر تحت الأرض أبحث عن كفن كان لأبي. مات أبي. ماتت الشجرة.
كان أبي يسكن الفؤاد و غرفة في الطابق العلوي. كانت تسكن بجوار بيتنا شجرة تظللنا من فيض من القيض و طيف من هجير . كانت تزين حديقة منزلنا الصغيرة و.. أبي و الشجرة رفيقان. جمعهما الخطو و حديث الروح لحظة صفائها بين كثافة الظل و الشاي الحلو و مضغة أو مضغتين من خبز الشعير و زيت الزيتون. ... أبي و الشجرة رفيقان. يحنو عليها بسقيها كل يوم .تحنو عليه بظلها عند تربع الشمس عرش السماء في عنفوان الحر... كان أبي يمنعنا من قطف غلتها قبل الأوان كان يقول لنا :- حذار أغصان الشجرة كأبنائها .لا تكسروا أيا منها. إذا فعلتم ذلك ستحزن الشجرة و تذبل أوراقها. لا تقطفوا غلتها قبل الأوان. أحيانا كنت أباغت أبي يتحدث إلى الشجرة .يشكي إليها همومه متاعب الأبناء و ظلم رب العمل و أحيانا أباغثه يبتسم ابتسامة مشرقة و هو ينظر إلى الشجرة. أستغرب أمره و أسأله مازحة:
- أبي ما الذي يفرحك إلى هذا الحد؟
- تعالي ابنتي.اقتربي. أترين هذه الأوراق الصغيرة .لقد ظهرت منذ يومين و هي الآن ستكبر. أترين هذه البراعم ستغذو من ألذ الفواكه و ستهيء لك أمك منها كأس عصير بارد.
و يضحك أبي بفرح طفولي ...شجرته تزهر و بسمته تزهر و الفخر يملأ قلبه. يستأنف حديثه عن الشجرة التي كان يسميها"مباركة":
- ستعمر "مباركة" طويلا ، ستأتي أكلها كل عام.
- كم ستعيش أبي
يقول أبي متباهيا:
- سيشرب من عصير فاكهتها اللذيذة أحفاد أحفادي.
أقول متظاهرة بالاستغراب ليزيد سرور أبي:
- هل صحيح أنها ستعمر طويلا ...طويلا؟
تزداد ابتسامة أبي اتساعا و هو يقول:
- نعم...نعم. إنها لا تتطلب إلا القليل من العناية لتجود علينا بفاكهتها اللذيذة.
تقترب منا القطة فيقول أبي:
- حتى القطة تحب هذه الشجرة فهي لا يحلو لها النوم إلا تحت ظلها.
حين تقاعد أبي ازداد تمسكه بالشجرة .أصبح أنيسها و حارسها الأمين لا يفارقها إلا في مواعيد الطعام و في الليل حينما يغلبه النعاس. مرة نراه مبتسما و هو ينظر إلى الشجرة فيدعونا إلى رؤية الفاكهة التي نضجت و التي لم يكن يسمح لأحد غيره بقطفها خشية أن يكسر غصن من أغصان الشجرة و مرة نراه عابسا حينما يجد أن غصنا من أغصانها قد تكسر فيغضب و يصرخ:
- من الذي كسر غصن الشجرة؟ هذا الذي اعتدى على "مباركة" يستحق أن تكسر ضلوعه.
و يقترب أبي من الشجرة و يعتذر لها و يبثها شكواه و حينما توصلت بعقد عمل، نظر أبي إلى الشجرة و قال لها:
- ها قد توصلت ياسمينة بعقد عمل و ستغادرنا إلى مدينة أخرى.
ثم بعد ذلك نظر إلي و قال:
- متى ستغادرين ابنتي.
قلت له باسمة:
- بعد يومين بإذن الله و سآتي لزيارتكم في نهاية كل الأسبوع.
بعد يومين سافرت و قد دأبت على الاتصال بالهاتف يوميا للسؤال عن أبي و كانت أمي دائما تجيبني على الطرف الآخر من الهاتف:
- أبوك؟ ألا تعلمين أين هو؟ إنه بجانب الشجرة... مرة يشذب أغصانها و مرة يسقيها و حينما يأتي وقت القيلولة ينام في ظلها.
كنت كلما سألت عن أبي تقول لي أمي متذمرة نفس الكلام فأقول لها:
- دعيه أمي إنه يشغل وقته بعد أن تقاعد عن العمل و هذا أفضل من الجلوس في المقهى و التسلي بلعب "ضامة" كما يفعل كبار السن.
لبثت يومين لم أتصل بأمي، و في اليوم الموالي اتصلت بها فقالت لي و قد بدا القلق في صوتها:
- أبوك مريض، لقد أخذته عند الطبيب و هو الآن يتابع علاجه. لا تخشي شيئا.سيتماثل إلى الشفاء قريبا إن شاء الله.
رغم أن أمي قد جهدت في طمأنتي إلا أن قلبي لم يطمئن و ظل بالي مشغولا طوال النهار، فقررت السفر لرؤيته . في اليوم الموالي سافرت.لما وصلت إلى المنزل التفت إلى الشجرة.لم يكن أبي هناك بجوارها حيث تعودت رؤيته في كل مرة أعود فيها إلى منزلنا .أحسست بالأسى و بسرعة أدرت المفتاح و توجهت توا إلى غرفة أبي فوجدته مستلقيا على فراشه و قد أخذ منه الوهن.لما رآني أشرق وجهه بابتسامة وضاءة و بدأ يتكلم بصوت خافت ...أخذته نوبة من السعال و فجأة استجمع قواه و قال موجها حديثه إلى أمي :
- بما أن ابنتي ياسمينة قد حضرت فسنشرب جميعا الشاي تحت ظل الشجرة.
حاولت أمي ثنيه عن الأمر قائلة:
- لكن الطبيب قال إنك ينبغي أن تستريح و ألا تتحرك كثيرا.
- لن يستطيع الطبيب منعي من الجلوس قرب الشجرة.هاتي العكاز و ساعديني على النهوض.
فرشنا الحصير قرب الشجرة ووزعنا الوسائد فوقه للجلوس . بدأت أراقب الشجرة فلاحظت شيئا عجيبا،شيئا أثار استغرابي فالتفت إلى أمي قائلة بصوت مهموس:
- ألم تلاحظي أمي أن جذع الشجرة قد أصبح مائلا ؟
- نعم منذ أن مرض أبوك و جذع الشجرة يميل.
نظرت إلى وجه أبي الذي علته مسحة من الحزن و تابعت نظرته إلى الشجرة. كانت نظرة عميقة صامتة ناطقة بمعاني الأسى و نظرت إلى الشجرة فقرأت نفس التعبير فقلت:
- ستتعافى بسرعة يا أبي و ستعود إلى العناية بالشجرة.
كان لي أمل كبير في أن يتعافى أبي غير أن صحته كانت تتدهور فلازم الفراش، و الغريب في الأمر أنه كلما ازداد المرض استفحالا كلما ازدادت الشجرة ميلانا. كان هذا الأمر يحيرني و يخيفني في نفس الوقت و يسلب النوم من عيني.
ذات ليلة، بينما أنا مستلقية في فراشي أغالب الأرق فيغلبني. سمعت صرخة آتية من جوف الليل. قفزت من فراشي و صعدت جريا إلى الطابق العلوي وجدت أمي تبكي و تصرخ:
- مات أبوك...مات.
بعد يوم من موت أبي سقطت الشجرة على الأرض.
مات أبي ...ماتت الشجرة.أبي و الشجرة كانا رفيقين



#ربيعة_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحل الربيع قصة قصيرة
- زغرودة- قصة قصيرة
- قصة قصيرة
- الصورة النمطية للمرأة المسلمة في الغرب


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - أبي و الشجرة قصة قصيرة