محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 01:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إحساس متزايد بغياب الحكومة وضعفها وتردد السلطة وانحيازها، وترجمة وهابية للمشهد السياسي يتبناها بعض الجنرالات ويتماهون ربما بحسن النوايا مع أهدافها، ثم سيناريوهات الفوضي دولياً وإقليمياً وتبعاتها، أخطار ثلاثة تتهدد مصر الثورة والدولة والكيان.
هذه هي العناصر الثلاثة التي ينبغي التركيز عليها والتحسب لتداعياتها وليس القلق فحسب من رفع الشعارات السلفية والإخوانية طلباً للدولة الدينية ورفض المبادئ الدستورية ورفع الأعلام السعودية والمطالبة بإمارة إسلامية عسكرية في العريش في معركة مسلحة رفعت فيها رايات الجماعات الاسلامية والتكفير والهجرة في استدعاء ملحوظ لمفاهيم العنف الإرهابي في الثمانينيات والتسعينيات وكأنها رسالة للسلطة المصرية التي بدت غائبة عن إمكان إعادة استخدام العنف ضد الدولة ومؤسساتها لفرض طلبات تيار الإسلام السياسي كما بدت في جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة.
المدهش في الأمر هو أن يتم تحدي سلطة الدولة وإهانتها في العريش فيجئ رد الفعل الطائش والمكلف في غير موضعه في ميدان التحرير، إنه نفس الحول السياسي المقيم الذي عاني منه نظام مبارك الذي نتمني استكمال خلعه ونهايته. وهنا يمكننا تفهم نفاد صبر الجنرالات ورغبتهم في فرض الأمن والاستقرار ولكن ذلك ينبغي أن يتم في إطار رؤية شاملة متكاملة لاتستثني فريقاً دون آخر أو تحابي فصيلاً علي حساب بقية الجموع خصوصاً مع تنامي إحساس عام بأن هناك من يسهل للبعض من أعداء الثورة أو الذين أحترفوا مبايعة الاستبداد وتحريم الخروج علي الحاكم سرقة الثورة والتصرف وكيلاً عنها في غيبة أصحابها الحقيقيين والذين اكتووا بنارها وتحملوا عبء بدايتها وتحقيق أولي انتصاراتها.
لاينبغي أن نسمح للمتلاعبين بالعقول ومحركي الدمي الكبار سواء من القوي الدولية والإقليمية أو من عملائهم في الداخل أن يستدرجونا إلي أحابيل الاحتراب التقليدي والثأر التاريخي بين قوي الاستنارة والمدنية والقوي الوطنية وبين غلاة الوهابية والتطرف وبما تمثله من أفق محدود وأفكار بدائية مختزلة مسطحة لايمكن أن تكون عنوانا إلا علي دولة لم يؤذن لها أن تغادر القرون الوسطي بعد. لاتوجهوا سهامكم نحو تيارات الاسلام السياسي فهي لاتزال تعيش أعراض انسحاب الإدمان وعذاباته، ذلك أن الضحية إذا ما أفتقدت الجلاد الذي انسحقت في أعطافه وعاشت أسيرة إهانته وطاعته ومبايعته وإذلاله، فإنها تعمد لاختراعه واجتراحه ومحاولة استعادة ظروفه وأحواله. وهذا يفسر محاولاتهم المستميتة في استمالة المجلس العسكري والتودد إلي قيادته وكما يقولون في مأثورنا العامي "تعمل خدها مداس للسلطة" بينما هي تستعرض القوة وتلمح بالاستقواء بالخارج وتهين الدولة برفع أعلام السعودية وكأنهم افتقدوا الدولة الحامية والحارسة والقاهرة فاستحضروا من أذهانهم أقرب نموذج للدولة التي يعرفونها ويرتبطون بأفكارها وعطائها وسخائها معهم فرفعوا أعلامها بديلاً لأعلام دولة أجهز الدكتور عصام شرف علي ماتبقي لها في أذهان الناس من هيبة واحترام. أنا لاألوم هذا التيار الذي دلس علي كل البسطاء في مصر واستغل تدينهم وصور لهم أن المبادئ الدستورية رجس وهرطقة وضلال وأن الشريعة هي سفينة نوح للنجاة وخزائن قارون للرفاة وعرش بلقيس للحياة ونسوا أو تناسوا أن الشريعة التي يطلبونها هي كتالوج الأخلاق القويمة ومنظومة القيم وأننا نحتاج مع الشريعة للعلوم والتكنولوجيا والآداب والفنون والقانون لترتقي الأمة وتتقدم الدولة وينهض الوطن. أنا ألوم المثقفين والمفكرين والنشطاء والعارفين كيف فرطوا في دورهم في الثقفيف والتنوير والتعليم وفتح آفاق المعرفة أمام الناس، هؤلاء هم من أعاتبهم أما فورة حماس السلفيين والمتأسلمين فسرعان ماتعود إلي حجمها مع بعض من التنبه لروافد الخارج في الحركة وأصابعها الخفية.
أما أن يري بعض الجنرالات أن شرعية المجلس العسكري تستمد من الاستفتاء فتلك مغالطة لاتقل غرابة عن مغالطة التقول بأن الاستفتاء هو تعبير عن رغبة الشعب في الانتخابات أولاً. إن تماهي مواقف بعض الجنرالات وتصريحاتهم مع تيارات الإسلام السياسي تخصم من مصداقية المجلس العسكري وتخلق انطباعاً بعدم الحياد والشفافية هم في غني وترفع عنه وعليهم سد الذرائع، ثم لماذا يتحمل المجلس تبعات حكومة ضعيفة تائهة غائبة طوال الوقت، وأين الدكتور شرف الذي لم نسمع له تعليقاً علي أحداث التحرير الأخيرة ولا سبت العباسية الدامي ولاقبلها، اللهم إلا تصريح فيه من الغرابة أكثر مما فيه من العلمية والموضوعية ذلك أن آخر اختراعات الحكومة هو تعيين السفراء الدبلوماسيين محافظين!!!! رجال الدبلوماسية والبروتوكول محافظين، وياسيادة المجلس العسكري لماذا تبقون علي حكومات القص واللصق حكومات "بوجي وطمطم" وتدفع وحدك الثمن فيجترؤ علي مقامك وقدرك البعض سواء بمحاولة التطاول وبالهتاف ضدك أو الهتاف لك فأنت أكبر من الجميع لتمثيلك للجيش الوطني الباسل وهيبة الدولة، وبصراحة أكثر " يامجلس ياعسكري يامحترم لماذا تدفع أكثر لما ممكن تدفع أقل" تكلفة إبقاء شرف وحكومته الضعيفة تدفعها مصر من كيانها واستقرارها ومستقبلها قبل أن تدفعها بالتطاول علي الجيش وقياداته.
ياسادة فكروا مرة بشكل علمي غير تقليدي وأبدءوا في وضع أسس مشروع علمي للنهضة هذا هو المحك وهذا هو الخيار الوحيد، إشغلونا بما يفيد الوطن باستحقاقات الثورة وضرورات نجاحها لا بإجراءات وشكليات تستنفد كل الجهد وكل الطاقات وتكون سبباً مباشراً لامتداد أصابع الفتنة والفوضي من الخارج لتلعب في داخل مأزوم بأفكار مبتسرة عن ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وسيد قطب وأبو الأعلي المودودي وجمع من القتلة المتقاعدين، ذلك أو يتفاقم الخطر بسبب حكومة غائبة وجنرالات حائرون.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟