أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - وائل طه محي الدين - في ذكرى اغتيال محمد عبد السلام - دماء الطلبة، وأشياء أخرى غير مفيدة















المزيد.....

في ذكرى اغتيال محمد عبد السلام - دماء الطلبة، وأشياء أخرى غير مفيدة


وائل طه محي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3446 - 2011 / 8 / 3 - 21:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



في الرابع من اغسطس 1998م، وفي مثل هذه اليوم اغتيل الطالب بكلية القانون – جامعة الخرطوم، محمد عبد السلام بابكر، تحت وطأة التعذيب ببيوت الاشباح التي أسسها وكان يشرف عليها مباشرة آنذاك المأفون حسن الترابي وزمرته.
انضم محمد الى الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم ابان سنواته الدراسية الاولى بالجامعة، وانتخب لقيادة مركزيتها، الى جانب نشاطه الدؤوب في العمل الإجتماعي، فقد انتخب سكرتيراً عاماً لرابطة مدني بجامعة الخرطوم، فضلاً عن نشاطه الشعبي وسط الطلاب كأحد قادة لجان السكن، وهي عبارة عن لجان نقابية كونها الطلاب لتحقيق مطالبهم الخدمية بالداخليات، اي لتوفير الحد الأدنى من الإحتياجات الإنسانية الملحة كالمراتب والأسرة والإضاء وغير ذلك من مطالب الشعوب في الدول النامية والمتخلفة كالسودان.
ولأجل تحقيق تلك المطالب البسيطة خاضت حركة الطلبة معارك ضارية ضد نظام الجبهة الإسلامية، اشتدت عقب الانقلاب العسكري في 1989م، حين صادر الإسلاميون حقوق السكن الإعاشة، مجانية ووفرة التعليم،...الخ، مما دفع بالطلاب للوقوف في وجه سياسات الترابي، فكان أن اغتيال الطالب بالسنة الرابعة بكلية الآداب بشير الطيب مساء الاثنين 4 ديسمبر 1989م بواسطة عضو الاتجاه الاسلامي (الجبهة الاسلامية) فيصل حسن عمر، في مشهد هز أركان الجامعة، بدورها اخفت الأجهزة الأمنية القاتل - على الرغم من اصدار القضاء قراراً بــ (ادانة فيصل واعدامه شنقاً حتى الموت) - ثم اعلن بعد فترة عن مقتله بالجنوب (شهيداً)، وما لبث أن شوهد (شهيد الجنوب) بعد فترة وجيزة من علان مقتله متجولاً في قلب الخرطوم بموقف جبره بالسوق العربي، وربما ينشط (فيصل) حالياً في الاجهزة الأمنية سيئة الصيت، او (مجاهداً) في صفوف العدل والمساواة او (مناضلاً) لا يشق له غبار في المؤتمر الشعبي (المعارض) !!!
نتيجة لمقتل بشير اصطف طلاب الجامعة في تظاهرات احتجاجية منقطعة النظير، مثلوا وقتها وحدة طلابية حقيقية ووعي متقدم يتسق والظروف المحيطة آنذاك، كانوا طلاباً عزل يحملون هموم جيلهم، وآمال جماهيرهم، سلاحهم الوعي وايمان مطلق بقاضايا شعبهم، وفي مواجهتهم اصطفت قوى القمع، قوى الإسلام السياسي، عصابة الترابي عماة البصيرة، وسيئي السيرة والسريرة، متخذين من البنادق سلاحاً، ومن خلف صفوف الأجهزة الأمنية والشرطة والعسكر درعاً لمواجهة الطلاب العزل، مسترشدين بأقاويل شيخهم بأن قتال طلاب وطالبات الجامعة المستضعفات فيه اجر وخير كبير، لا يقل ثواباً عن أجر (الجهاد) في الجنوب، فالقتيل هناك، شهيداً مصيره الجنة وموعود بالحور العين، وما لبث ان نفى الترابي ادعاءته بمجرد فقدانه السلطة، حيث معناً أن شهداء الجنوب (فطايس) !!!
تأسيساً عليه، ظلت تلك المليشيات الاسلامية تقاتل المستضعفين والعزل من الطلاب والنساء والشيوخ، فعقب اغتيال بشير الطيب تصاعدت كافة اشكال الاحتجاج، وفي 16 ديسمبر خرجت تظاهرة من مجمع الوسط – جامعة الخرطوم، تصدت لها الشرطة والأجهزة الأمنية ومليشيات الجبهة الإسلامية، اغتيلت على اثرها الطالبة بالسنة الأولى بكلية التربية التاية ابو عاقلة متأثرة بالرصاص، ولم تمض دقيقتين حتى اطلقت القوات (المجاهدة) رصاصة اخرى سقط على اثرها الطالب بالسنة الخامسة – كلية الآداب سليم محمد ابو بكر قتيلاً، ففاضت روحيهما الطاهرتان ظهيرة الاربعاء 6 ديسمبر 1989م.
وهكذا نمت حركة الطلبة في ظل سيطرة الجبهة الاسلامية على الحكم، فكلما اشتدت المطالب الطلابية، وتطورت اواصر التحالفات والتضامنات الطلابية، ازدادت حدة القمع السياسي.

اغتيال طارق محمد ابو بكر :

طارق محد ابو بكر، من ابناء مدينة كوستي، كان يدرس بالسنة الاولى الاعدادية، على اثر تفاقم احداث السكن والاعاشة، الى جانب اغتيال بشير وسليم والتاية تصاعدت الأحداث، وبحسب شهود عيان فقد خرجت تظاهرة من الجامعة متجهة بشارع النشاط، فظهرت عربة بوكس من الاتجاه المغاير ونزل منها مجموعة من عناصر الأمن مدججين بالسلاح، كان الطلاب يهتفون وسط تجمع وحشد طلابي كبير، ثم أطلقت العناصرالأمنية الرصاص في الفضاء، تقدم بعدها طارق نحو (ضهر التور) – حاجز حائطي مع مدخل بوابة النشاط غرب كلية القانون بمجمع الوسط – فصوب أحد افراد الأمن المسدس تجاهه فاحتمى طارق خلف (صهريج الماء) وتراجع قليلاً، عندها أطلق فرد الأمن الرصاص صوب طارق على بعد خمسة أمتار منه، فاخترق الرصاص الصهريج من الاتجاهين وانطلقت نحوه رصاصة ومكثت في قلبه.
حمل الطلاب الجثمان (بشارع النيل) فداهمتهم قوات امنية، في السلاح الطبي جاء تقرير الطبيب الشرعي : (الوفاة بعد 15 دقيقة من الاصابة، نزيف داخلي في القلب مع تحديد العيار الناري).
جيئ بالجثمان الى كوستي في الواحدة والنصف صباحاً، أمر جهز الأمن ذويه بدفن الجثة حالاً لكن الأسرة رفضت وتم طرد عناصر الأمن شر طردة، واذيع النبأ في كل مساجد كوستي (ياناس الحلة طارق ود ابرهيم وزهري باشا ... ناس الحكومة قتلوه في الجامعة ..... ياناس الحلة) ثم ودعت كوستي عن بكرة أبيها الجثمان في مشهد مهيب.
قبل الدفن جاء طلاب الجامعة لتقديم واجب العزاء فتم اعتقال واحتجاز البعض في مدخل المدينة، ذهب ذوي الشهيد لقسم الشرطة لجهة فتح بلاغ جنائي فتم الرفض بدعوى الاجراءات الامنية.
وفي مقابلة صحفية مع شقيقه اجرتها صحيفة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم KUSU في 2005م ذكرت أنه في احدى المرات جاء الزبير محمد صالح الي مدينة كوستي فذهبت اليه والدة طارق وهي تهتف بالمطالب العادلة بدم إبنها وماكان من السلطة الا أن وجهت بالتصديق لها بـ (كشك) لأسرة الشهيد طارق..في بلادي ثمن الدم (كشكاً لليمون)
وبعد مرور سنوات وفي 2001م أثناء مناسبة زواج حدثت مواجهة بين (عبد الله) شقيق طارق وأحد أفراد الأمن يدعى (عاصم أبو النجا)، وبحدة خطاب وإنفعال أنكر (عاصم ابو النجا) اطلاقه الرصاص يومها واقر بأنه كان (قائد المجموعة الامنية آنذاك) ورفض الكشف عن القاتل الحقيقي فحث شد وجذب، فتدخل الاجاويد ثم غادر عاصم، كان القاتل يرتدي بنطالاً رمادياً وقميصاً أخضر فاتح اللون، وأضاف شهود العيان بأن ملامحه (اسمر، طويل، قبيح الوجه)
موقف الإتجاه الاسلامي (الطلاب الاسلاميين) :
وبحسب افادات موثقة، (...كان موقف الاتجاه الاسلامي من تلك المجزرة الشماته والتشفي، ونقلوا للطلاب وعيد السلطة بأنها سوف تغرق الجامعة في المزيد من الدماء اذا اقدموا علي تسيير مظاهرة للمرة الثانية، ولكن جريدة (آخر لحظة) الناطقة بلسان الاتجاه الاسلامي كان لها رأي مختلف ، فقد زعمت أن الطالبة التاية أبو عاقلة قد اغتالها طالب جنوبي اسمه (مادوت دينق) والدليل علي ذلك أن مادوت عندما اعتقلته قوات الامن وجدت في حوزته سكين ومن المحتمل أن تكون هذه السكين هي سلاح الجريمة...
في الحقيقة مادوت دينق طالب من ابناء الاقليم الجنوبي وعضو في الجبهة الافريقية الوطنية ANF وهو كان أول دفعته في الشهادة التجارية وضليع باللغة العربية ويكتب الشعر والنثر، وكان وطنياً ونظم قصيدة رثاء في شهداء حركة 28 رمضان، وهو كان من القوى الوطنية النشطة بجامعة الخرطوم ، لقد كان الاتجاه الاسلامي يحمل ضغينة علي مادوت دينق وحاولوا اغتياله أكثر من مرة، وبعد اغتيال بشير الطيب كان مادوت يحمل مطواه صغيرة من أجل حماية نفسه اذا تعرض لهجوم، وبسبب وشاية الاتجاه الاسلامي قامت قوات الامن باعتقال مادوت دينق وعذبته حتي شارف علي الموت، وحاولت أيضا أن تصفي حساباتها معه بأن تلبسه جريمة قتل التاية أبو عاقلة، ولكن تقرير الطبيب الشرعي بمستشفي الخرطوم أكد موت التاية ابو عاقلة عن طريق تعرضها لطلق ناري سبب لها نزيفاً حاداً في الرأس، فتم اطلاق مادوت دينق من المعتقل.
غضب الطلاب لموقف الاتجاه الاسلامي وعمد أحدهم الى تمزيق مانشيت الخبر الذي نشرته جريدة (اخر لحظة) والخاص باغتيال الطالبة التاية أبو عاقلة، ولكن الاتجاه الاسلامي تمادي في غيه واستحضر كتائبه العسكرية وأحتل مظلة النشاط الطلابي بعد أن سلح كوادره بالسيخ والسكاكين، واصدر الطالب صديق محمد عثمان بياناً جاء فيه كما يلي (ان الاتجاه الاسلامي قرر قطع اليد التي مزقت الصحيفة)، هكذا كان حال الجبهة الاسلامية تصدر الاحكام وتنفذها وتدعي ان قضائها مستقل ويقتص للمظلومين، وهذه هي نفس المحكمة التي قضت بحكمها في الشهيد بشير الطيب عندما أصدرت أمر اغتياله وتسترت علي قاتله...)
وتضيف الوثائق (... في صباح ذلك اليوم دخل حرم الجامعة الاستاذ: محمد طه محمد أحمد وهو محاط بحرس من (كتيبة الخرساء) وزعم محمد طه أنه جاء من أجل أعطاء الطلاب درسا قيماً في ثقافة الانقاذ، وكان معه في تلك الندوة الاستاذ : صديق محمد عثمان وهو الآن يعارض النظام من الخارج، وأذكر عندها أن محمد طه بدأ حواره مع الطلاب بهذا الحديث (أسمعوا أن وزير الداخلية ليس سيد أحمد الحسين ولكن سوف نضربكم بيد من حديد حتي تقولوا أنج سعد فقد هلك سعيد وان ما يقيمه السلطان بسيفه أكثر مما يقيمه بحجته ولسانه...).
ومن بين اعضاء الاتجاه الاسلامي الذين شاركوا في تلك المجازر دكتور التيجاني المشرف، علي عبد الفتاح، ابراهيم الكناني، محمد أحمد حاج ماجد، حاج ماجد سوار ، صديق عثمان، وعبد الملك النعيم الذي يعمل مستشاراً اعلامياً – أمنياً – بسفارة السودان في مصر.
وبحسب الدكتور علي عبد الله عباس تجدر الاشارة نورد حقيقة هامة، وهي ان العمل السياسي بين الطلاب لم يعرف العنف المنظم الا في عام 1968، أي بعد أربعة أعوام من تولى الترابي زعامة الاخوان المسلمين في عام 1964 فالدفعة الجديدة من أعضاء الاتجاه الاسلامي التي تربت على ايدي الترابي والقيادة الجديدة للإخوان هي التي فجرَّت أحداث يوليو 1968 الدامية في جامعة الخرطوم التي أدت الي مقتل أحد الطلاب وجرج العشرات منهم
وكان هذا الحادث البشع اولى الثمارالسامية للتوجه الجديد للإخوان تحت قيادة الترابي الذي أعطى الأولوية للسياسة على حساب التربية وقاد لأول مواجهة حادة بين ممثلي التيارين في المؤتمر الذي عقده الاخوان في أبريل 1969 وانتصر فيه جناح الترابي بعد أن تبادل الطرفان الإتهامات القاسية ومنها إتهام دعاة التربية للترابي وتياره بالانتهازية السياسية
اغتيال الطالب محمد عبد السلام بابكر :
أدت الإشكالات الناتجة من قرارات التعليم العالي الى أحداث عنف تجلت فيها ظاهرة الإغتيال السياسي بصورة حديثة وواضحة، ولعل مفاصل ثورة التعليم العالي من تعريب، هجرة الأساتذة، السكن والإعاشة أدت الى إستحداث نقلة كيفية وكمية للظاهرة التي تجلت في جامعة الخرطوم إبان أحداث إغتيالات الطلاب بشير الطيب، سليم أبوبكر، التاية أبو عاقلة، وبإغتيال الطالب طارق محمد إبراهيم، كما هو لاحق تكون ملامح تلك الظاهرة قد بانت تماماً، وخرجت من إطار الأحداث المتكررة، الى الظاهرة العامة.

اغتيال محمد عبد السلام بابكر :
بعد مرور تسعة سنوات على مؤتمر السكن والعاشة الذي افضى عن التصفية، سار طلاب الجامعة في تقليد انتزاع حقوقهم، خاصة الخدمية، فكانوا يقتحمون المخازن المكدسة بما يفتقدون من اشياء بسيطة كالأسرَّة والمراتب لصالح توزيعها على المحتاجين من زملائهم الطلاب. وكانت الهيئة الطلابية التي تشرف على ذلك يطلق عليها (لجان السكن) والتي شكل غالبها رموز وشخصيات عامة وقائده في الوسط الطلابي الاجتماعي، كان محمد عبد السلام من بينهم في العام الدراسي 1998م – 1999م
في تمام العاشرة من صبيحة الاربعاء 29 يوليو قررت الجبهة الديمقراطية مواجهة السلطة، تلاها اعلان قوى التجمع الديمقراطي (الأمة – الاتحادي – البعث – الناصري - ANF).
في ظهر السبت 1 اغسطس سيَّر التجمع الديمقراطي الطلابي بالجامعة موكباً للصندوق حمل مذكرة تضمنت توفير مطالب عاجلة وبسيطة كالمراتب، وأمهل ادراة الصندوق يومين، وعادت الموكب صباح الاثنين 3 اغسطس، ولما فشل في ايجاد رد مقنع من الصندوق، قررت لجنة السكن خيار المواجهة، فاقتحكت المخازن المكدسة ووزعت الاحتياجات على الطلاب، وكان محمد عبد السلام أحد القادة المنظمين لذلك الفعل الجماهيري الكبير.
مليشيات الجبهة الاسلامية كانت تترصد حركة الطلاب، وترفع تقاريرها بواسطة المدسوسين للأجهزة الأمنية، فأقتحمت الشرطة والقوى الامنية داخايات الجامعة حوالي الثانية والنصف فجر الثلاثاء 4 اغسطس، واعتقلت اربعة من طلاب الجامعة بإشراف وارشاد كوادر الجبهة الاسلامية من الطلاب، وكان من بين المعتقلين محمد عبد السلام، الذي شوهد يجر من رجليه ورأسه ينزف دماً في سلم داخلية المناهل، من اعلى طوابقه.
اقيمت مخاطبة طلابية صباح الثلاثاء بالجامعة سلمت مذكرة لمديرها مطالبة اياه بإطلاق سراح محمد، وشوهد كادري جهاز الأمن فيصل عدلان وعبد الغفار الشريف في مبنى مكتب مدير الجامعة، مما افضح سوء التنسيق الامني والاداري، حري بالقول ان اوائك المذكورين من بين ابرز ضباط جهاز الأمن الذين تولوا مهام مباشره تعلقت بمكافحة نشاط تنظيم الجبهة الديمقراطية بالجامعة، حيث سبق واعتقلوا واشرفوا على تعذيب وتحقيق العشرات من أعضاء التنظيم.
لكن الأجهزة الأمنية لم تمهل وتدع لمحمد حق الحياة، فقد اغتالته، وسلمت جثمانه للطاقم الإداري للجامعة كي يقوم بدوره القذر، فوصل مدينة مدني مدير الجامعة الزبير بشير طه، ونائبه أ. د عبد الملك محمد عبد الرحمن، وعميد كلية العلوم د. عبد الله جمعة فروة فضلاً عن عميد الطلاب ابراهيم عبد السلام (العميد الحالي لكلية الانتاج الحيواني) واهدوا اسرته بحي الدباغة جثمان ابنهم.
اسرة محمد لم يرق لها ادعاءات مبعوثي الاجهزة الأمنية، فكان تقرير الطبيب الشرعي (...تهشم في الجمجمة، جروح متفرقة، اثار كسور...)، الشيء الذي كان له بالغ الاثر في نقل المعركة من اطارها الطلابي الى الشارع، وشهدت احياء مدني والعاصمة سلسلة تظاهرات واحتجاجات مثلت نقله نوعية في النشاط الطلابي.
هناك وجوه طلابية من اعضاء الحزب الحاكم شاركت في احداث الإغتيال، فضلاً عن القيادات الجماهيرية والخطابية لتنظيمهم، كما ان هناك آخرين من قادة العمل التنظيمي والخاص ممن اشرفوا على تلك المعركة، ينشط حالياً بعضهم في المؤتمر الوطني على ذات النهج الذي رباهم عليه الترابي، عليه فأن أمر فضحهم وصراعهم هيِّن، لا يخضع لدعاوى الموازنات الزائفة، على الأقل يمكن التمسك بشعار (المعركة مازالت مستمرة، والعدو لم يبارح مكانه بعد).
غير أن الآخرين في المؤتمر الشعبي عقب ان قتلوا القتيل، هاهم يسيرون في جنازته تحت دعاوى التحول السياسي والفكري وغيرها من الاعيب السياسة، و(فقه الضرورة). المدهش في المر أنهم يذكرون (بشير وسليم وتاية وطارق ومحمد) بشهداء جامعة الخرطوم، ويحيوهم على استحياء في بعض الاحايين، محالولة لركوب الموجة، والتنصل من المسئولية التاريخية، خائبين الظن بضعف ذاكرة السياسية السودانية، ومستغلين ضعف تحالفاتها التي جمعتها واليهام، ويالها من تحالفات القاتل والمقتول حيناً، والرهينة.
اياً كان أمر التحليل، لا تعفيهم مسئوليتهم الجنائية والأخلاقية لإرتكابهم جرائم القتل والتعذيب والارهاب عن المساءلة التاريخية، والتذكير دوماً بالعار الذي الحقوه بانفسهم جراء ذلك، وحجم الخراب الذي تسببوا فيه، خراب خرج من اطار الجامعة، وشمل ارجاء الوطن.
اي حركة سياسية ناضجة تلك التي تتخذ من الجلاد حليفاً ومن القاتل نصيراً سياسياً، فعلى الاقل وكأبسط مطلوب اخلاقي لم ينتقد اوائك (المشبعون شراباً للدم) تجربتهم انتقاداً حقيقياً وفقاً لأسس النقد والنقد الذاتي، ولم يفضحوا عن بعض من تلك الجرائم التي ارتكبوها، بل لم يكشفوا عن ما ظلوا يخفوها من اسرار، فكيف للحركة السياسية في الشارع ان تتحالف معهم عسكرياً أو سياسياً، أو قل مجرد حلقات تنسيق وجلوس معاً، دعنا من ذلك، او مجرد صمت عن ماجرى، وما يجري، اليس من الواجب تقديم المؤتمر الشعبي لمحاكمة اخلاقية في جرمه المتمثل في التخطيط والتنفيذ والاشراف على الانتهاكات المنظمة لحقوق الانسان خاصة وسط الشاب والطلاب؟
لقد اثبتت حركة الطلبة عامة، وبجامعة الخرطوم خاصة عمق تفكيرها الجمعي، وتقدم تجربتها السياسية عن الاحزاب في الشارع، لنأخذ مثالاً موضوع التحالفات الطلابية، فإنها – حتى الوقت الراهن – ترفض مبدأ التسيق ناهيك عن التحالف مع تنظيمات المؤتمر الشعبي، وهو وعي متقدم، وفيوفي اضعف الحلات الحفاظ على عماده واسسه، في المقابل يحاول البعض الهروب الى الامام وتسويق الأمر كونه من (المرارات التاريخية)، انطلاقاً من زاوية (المعركة مع المؤتمر الوطني مقدمة على اي شيء، كل شيء)، وعلى اسوأ تقدير وبطريقة نفعية تدعو لـ (الإستفادة من طاقة الشعبي لإستخدامها في الصراع مع الوطني) !!!
لكن طبيعة الأمر على غير ذلك لاحلم الوردي، فالمؤتمر الشعبي ينطلق من منطلقات ذاتية في صراعه مع الوطني، تصوير ما حدث لا يخرج عن دائرة الصراع على السلطة وقتها، مروراً بالسنوات السابقة، وحتى الوقت الراهن، ولا مجال لخلاف يذكر بينهما في نظرتهما للمشروع الكبير (مشروع الانقاذ)، فهما من نظَّرا له، وخططا لفرضه عبر الانقلاب، واجتهدا في امر تمكينه، الثابت في الأمر حرصهما المشترك على بقاء المشروع الاسلامي كما هو، ، فكلاهما - ان صحت فرضية الصراع- يريدان بقاء الدولة وهيكلتها كما هي، مع تغيير طفيف في الطاقم فقط، اي ان المسألة لا ترتبط بمفهوم الدولة وتغيير مؤسساتها وطبيعة النظام...الخ، بل ينظر المؤتمر الوطني للحفاظ على السلطة ودعم حلقات (التمكين)، الترابي او الشعبي ينطلق من جزئية الحفاظ على المشروع والاستيلاء عليه بـ (الوراثة)، أي وراثة اجهزة الدولة الأمنية، ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية والادارية، والناظر لغير ذلك يحتاج فعادة قراءة حلقات التاريخ.
عليه فمسألة التحالفات السياسية الطلابية أو القومية مسألة مبدأ لا تاكتيك انتهازي زائف، ولعل ذكرى محمد عبد السلام في هذا اليوم، بإعتبارنا كدأحد الشهود على الحادث، وعلى ذلك التاريخ والحاضر القريب منذ وقت غابر مروراً بتاريخ اعلان (المفاصلة) في العام 1999م - اي بعد عام قبل ان يجف دم محمد عبد السلام – نهاية بسلسلة سنوات في غمار الصراع السايسي الطلابي يحتم ذلك علينا تلخيص المسألة واختصارها في أن موضوع التحالف مع انصار الترابي كالمؤتمر الشعبي وغيرها من الاشكال، من الأشياء الأخرى غير المفيدة.
4 اغسطس 2011م



#وائل_طه_محي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة الطلبة والسلام في السودان
- المرتبة التي أبتلت بدم الشهيد محمد عبد السلام... المرتِبة ال ...


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - وائل طه محي الدين - في ذكرى اغتيال محمد عبد السلام - دماء الطلبة، وأشياء أخرى غير مفيدة