|
قصة قصيرة
ربيعة العربي
الحوار المتمدن-العدد: 3446 - 2011 / 8 / 3 - 11:11
المحور:
الادب والفن
حلو كالنسيان...كطائر ينقر زجاج نافذتي...كفراشة تداعب طفلة.حلو...كلحن جميل ...كابتسامة الرضيع...كقطرة ماء في فم ظمآن.حلو...كنسمة بعد الهجير...كعيد الفطر....كلذة العشق.حلو...كالغيث يأتي بعد اليأس و كاخضرار بعد فصل الخريف.حلو...رباه تعجز لغتي.يخرس بوحي.كان بمذاق البدر في ليلة صافية...و عوالمي نشوى بميلاد جديد.أتى الفجر باسما و قال لي: - ها..كتابيا.غادري الآن و اسكني في الغد . و أنا العجوز بدأت أصرخ بصوت طفولي: -سنرحل من هذا الزمن...سنسكن في ذاك الزمن. خرجت ابنتي ثورية.اجتمع الجيران.دنونا منه.تخطينا العتبة.نظرنا في عينيه بامتداد العمر.أنارت البسمة وجهه و هو يقول لنا: - رحل الطاغية. التفت إلى ابنتي و قلت لها: -افتحي الباب.أضيئي الشموع و دعي الفجر يدخل كوخنا.ثورية . أسمعت ما قاله؟ لقد رحل الطاغية. كنت أنا و ابنتي نسكن قرية صغيرة. لم نرث أرضا عن أجدادنا.لكننا ورثنا المعاول و السواعد.كنا نشتغل عند الحاج المعطي.الحاج المعطي ورث أراضي فلاحية شاسعة.و قطيعا من الأغنام و الأبقار يسد عين الشمس...و سمعت أنه يملك أيضا عمارات كثيرة في المدينة و أرصدة في بنوك سويسرا.الحاج المعطي كان متزوجا بأربع نساء لم يلد منهن إلا البنات. وجهه كصفحة بيضاء لم يسطر بها أي حرف، و قسماته خلت من أي تعبير. بارد كالصخر. لا يرد التحية. كنت أنا و ابنتي ثورية نشتغل في بيته الواسع مع بعض نسوة القرية الفقيرات،بينما الأخريات يشتغلن في الحقول.نبدأ يومنا بعمل شاق لا ينتهي إلا لكي نجده يتربص بسواعدنا في اليوم الموالي.طلبات الحاج و طلبات نسوته و بناته كانت كثيرة. لقد تعودوا على أخذ الكثير...الكثير و منح القليل...القليل.فقط ما نستطيع أن نجدد به قوة عملنا.كنت أحس بالقهر و أنا أرى بناته يرفلن في الثياب الحريرية الغالية و ابنتي ثورية لا تملك إلا ثوبا واحدا تغسله كل يوم أحد لتلبسه مع بداية الأسبوع... و يحز في نفسي و أنا أرى بناته يلهين و يرقصن و ابنتي ثورية تحمل إليهن كؤوس الشاي المنعنع بعد الوجبات الدسمة، و حين أقارن اكتناز أجسادهن بنحافة جسد ابنتي ينغرس سكين الحسرة في قلبي...لكن مهلا،ساداتي. هذا لم يكن ليمنعني من التفاني في عملي. لقد كنت أنا و ابنتي ثورية نشتغل بصمت و رضا بالنصيب. نشتغل و الحاج المعطي كلما ازداد غنى،ازداد عملنا و كلما فاض رزقه فاض منا التعب.. و كان للحاج المعطي فرس عربي أصيل يفخر به كثيرا. كان يفضله على بناته. و قد دأبت ابنتي ثورية منذ أن كانت طفلة صغيرة على كنس مربط الفرس و تنظيفه، غير أنها اليوم خرجت متثاقلة كأن حبلا يجرها إلى الخلف. قلت لها أحثها على الإسراع: - ما بك يا ابنتي. اذهبي سريعا لكنس المربط قبل أن يعود الحاج المعطي من جولته. - أمي . لا أرغب في الذهاب. - لماذا ؟ هل أنت مريضة؟ - لا.لست مريضة. لكن... - إذن .اذهبي...اذهبي.أما أنا فسأعود إلى بيت الحاج المعطي لأساعد رقية و فاطمة و خديجة في تهيئ طعام العشاء.إذا عدت إلى المنزل تناولي عشاءك . لا تنتظريني ، فأمامي عمل كثير. لما رأتني رقية ألج الباب استعجلتني و قالت لي: - هيا علينا أن ننهي عملنا. سيعود الحاج بعد قليل. و ينبغي أن يجد كل شئ على ما يرام. بدأ ساعدي يشتغل كآلة و عقلي كف عن التفكير. لما انتهينا قالت لي رقية: - لقد أتى الحاج .سنخرج لحمل الأغراض،أما أنت فاهتمي بغسل الصحون قبل أن تنصرفي. خرجن و بقيت وحدي أغسل الصحون و أجففها و أرتبها.و فجأة أحسست بسوط يلهب جسدي فالتفت فرأيت نظرة قاسية تكاد تفترسني . ارتبكت و قلت: - مساء الخير الحاج. هل بدر مني ما يغضبك؟ لم يرد علي و استمر السوط في الصعود و الهبوط. - أرجوك...أرجوك.أتوسل إليك. صرخ الحاج المعطي في وجهي: -اخرجي أيتها العجوز. اخرجي و لا تعودي أبدا. لا أريد أن أراك. خرجت أجري.ماذا وقع؟ فتحت باب منزلي بقوة و أنا ألهث.قابلني الظلام و صوت يئن.فزعت، و بيدين مرتجفتين أضأت شمعة. وجدت ابنتي ملقاة على الحصير ممزقة الثياب.هوى قلبي بين ضلوعي. - ماذا وقع ابنتي؟ من فعل بك هذا؟ قالت باكية: - إنه الحاج المعطي.قال لي بأن أنجب له ولدا ذكرا ثم بعد ذلك يتزوجني.ساومني فرفضت. قلت لها مفزوعة و قد قيد لساني كلماتي: - هل...هل... -لا .لا .أمي. كيف له ذلك و هو شيخ هرم، و أنا في عنفوان الشباب؟ له أن يستبيح رغيفي...له أن يستبيح عرق جبيني.لكن جسدي يأبى أن يكون جسرا لامتداده.اطمئني أمي.لن أكون ضحية كما كنت. يأبى جسدي أن يغتصب. فرح قلبي . تأملت عينيها.دنوت منها لأقبلها فقرأت كلمة بين رموشها: لن تغتصب أجساد النساء بعد الآن. اليوم رحل الطاغية.أضاءت شموعنا و رقصنا في الميدان.و...و حلو كالنسيان هذا اليوم...كطائر ينقر زجاج نافذتي...كفراشة تداعب طفلة.حلو...كلحن جميل ...كابتسامة طفل رضيع...كقطرة في فم ظمآن.حلو كنسمة بعد الهجير...كعيد الفطر...كلذة العشق...كالغيث يأتي بعد اليأس...كاخضرار يزهر بعد فصل الربيع...ك...
#ربيعة_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصورة النمطية للمرأة المسلمة في الغرب
المزيد.....
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|