أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - المدن كالنساء














المزيد.....

المدن كالنساء


حنين عمر

الحوار المتمدن-العدد: 3445 - 2011 / 8 / 2 - 23:57
المحور: الادب والفن
    


المــــــــدن كالنــــــــساء
لـ: حنين عمر

أحب المطارات التي تأخذني بعيدا....، لا اقصد هنا المطارات التي تأخذني لحضور احتفاليات أدبية، فأنا بصراحة لا أهتم كثيرا بمطارات تحملني نحو بهرجة الكتابة بقدر ما أهتم بالتي تحملني نحو نفسي وصدقي ورغبتي في البحث عني، إنما أقصد أنني أحب المطارات بمفهوم مطلق قد يبدو فلسفيا بعض الشيء، أحبها لأنها تشبه الحياة :لحظة فراق لماض...لحظة لقاء بآت....لحظة ألم... لحظة ضياع ... لحظة إثارة..إنها لحظة حقيقية بالمختصر. تلك اللحظة الحقيقية هي ما يهمني فعلا من كل القصة: غصتي على مقعد الطائرة، شعوري بالضياع الجميل، ارتفاعها أعلى وأعلى ... ثم أعلى ... علي أموتُ محلقةً!!!!

ثم لابد انني أبحث شيء ما في هذا العالي؟، شيء تركوازي الملامح يسمى انتماءً ربما و شيء يسمى أمانا، شيء يسمى ... لا أدري ماذا أسميه؟؟؟، وليس مهما أن أسميه على كل حال فأجمل الأشياء هي ما يبقى بلا أسماء. لكن هناك شيء آخر أحبهُ يأتي بعد المطار إسمه "المدن"....من منا ليس لديه مدينة في ذاكرته ؟؟؟
تلك المحطات التي تدهشني ، تحيّرني ، تأخذ مني وتعطيني، تمزجني بحالاتها وبعطرها وتجعلني أجفل كلما فرشت الخريطة وتأملتها، تتراءى لي فيها خيالات الناس العابرين في الشوارع، وشبابيك البيوت وواجهات المحلات، تتراءى لي ذاكرتها التي تشكل جزءً منّا ونشكل جزءً منها ولا نشعر بهذه العلاقة عميقا إلا حينما نتركها خلفنا أو تتركنا خلفها.

يقول التاريخ – بالمناسبة- أن أقدم مدينة على الأرض هي أريحا الكنعانية القديمة، ويعود تاريخها إلى العصر الحجري، وأصل اسمها هو مدينة القمر بالكنعانية - من كلمة اليرح بمعنى قمر- ومع أن القمر مذكرٌ إلا أنّي مصرة على أن المدينة امرأة ....امرأة تضع في شعرها وردة الليل ، وتتعطر بأنوثة الانتماء و بطيبة الاحتواء وتكتحل بالذاكرة، امرأة تحبل بآلاف النجوم الصغيرة وتمطر عشقا على خطى العابرين و تخيط بالأغنيات ثياب الشجر.
كل المدن التي دخلتها كانت امتدادا لأنوثتي وكنت امتدادا لأنوثتها، هناك مدن طيبة أصبحت صديقتي، وهناك مدن شريرة طردتني من بابها، هناك مدن علمتني كيف أجعل الريح يمشط شعري الطويل، وهناك مدن ركضت خلفي بمقص لتنتقم منه، هناك مدن أحببتها وأحبتني فمنحتني شوارعها لأمشيها طويلا واترك في هدأة ليلها رائحة عطري موسيقى كعبي، وهناك مدن أحببتها ولم تحبني فأقفلت في وجه قلبي بابها و أغلقت خلفه مزلاج العودة، وهناك مدن لا أنا أحببتها ولا هي أحبتني فعبرتها كأنما لم عبرها ونسيتني ونسيتها.

هناك مدن أصبحت صديقتي ...صرت أعرفها وتعرفني، أشتاق إليها وتشتاق إلي، نتواعد دائما بين الحين والحين ونشرب فنجان شاي بحميمة في مقاهيها البعيدة ونحن نثرثر عن الحياة وفلسفة المسافة، وهناك مدن رفضت الحوار معي فلم أحادثها ولم تحادثني ...حييتها ومررت، وهناك مدن لا مبالية لا هي اكترثت بزائرة غريبة ولا أنا اكترثت بتخفيف غربتي فيها.
هناك مدن عرفتني طفلة تبحث عن لعبة في محلاتها... ومدن عرفتني مجنونة تفلسف العابرين فيها على إيقاع التأمل والقصيدة... ومدن عرفتني حزينة أغسل مساءاتها بالدموع ...ومدن عرفتي سعيدة ألون جدرانها بضحكاتي وأرسم عصافير تخرج منها لتحلق في سماءات بعيدة.
هكذا أرى أن المدن كالنساء ...وكل مدينة بالنسبة لي هي كائن أنثوي علي أن اكتشفه بحزني أولا، أن أحدد ملامح علاقتي به منذ أول شهقة آخذها من هوائه مباشرة بعد فتح باب الطائرة.

هكذا أرى المدن المتناثرة على الخريطة الكونية ....ولكنني سأميّز بينها وبين مدننا العربية التي تتعدى كينونتها كونها من النساء إنما تصل لدرجة :الأمهات....
إنها مدن حنونة وطيبة ، تغمرنا بالحب والحميمة والخصوصية وتزرع فينا عرائش الياسمين وأشجار الزيتون وأزرق السماء وعظمة التاريخ و رائحة الزعتر و أغنيات الحنين...إنها مدنٌ "أمهاتٌ"....أما الانتماء فهو الرجل الذي يتزوج مدينة ما منها لـ "ينجبنا". .. ربما لهذا أبتسم الآن لولادةٍ جديدة أشعر بها فأرسم 22 قلبا على الخريطة.
حنين
سلسلة مقالات فانيليا - الصدى



#حنين_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الكعب العالي
- سحر أبيض وأسود
- المصفقون
- هيباتيا: شهيدة النور
- أبطال من ورق
- لازاريوس بروجكت
- فنجان قهوة
- أنتَ ؟ : أنتَ الذّاكرة
- نقطة...أول العطر!!!
- في مديح المنفى البعيد جدا
- كامل الشياع : ليس كل الموتِ موتا
- سيجارة إخبارية
- ست ُّالشناشيل
- سرطان
- فنجان شاي مع أدونيس والدلباني
- تغريبة النهرين
- سبورة سوداء
- أسوأ مهنة في التاريخ
- بين منفى الجسد ومنفى الروح
- أدباء... أم مهرجون ؟؟؟


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - المدن كالنساء