أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم نعمة الفريجي - دراسة موسعة للجناس في الابوذية















المزيد.....



دراسة موسعة للجناس في الابوذية


هاشم نعمة الفريجي

الحوار المتمدن-العدد: 3442 - 2011 / 7 / 30 - 01:02
المحور: الادب والفن
    



لا يعرف بالضبط الوازع الذي دفع شعراء العامية إلى الاتجاه صوب الجناس في الإبوذية والموال وغيرها من الفنون؛ ونحن رغم اعترافنا بان الأدب الشعبي ما هو إلا امتداد للأدب الفصيح لكن كتب الأدب لا تطالعنا بشيء يشبه الإبوذية والموال في موضوع جناساته، إلا أنَّ فن المواليا الذي يعتقد بان الإبوذية قد نشا منه كان قد بدا فصيحا ثم استقر شعبيا على أربعة مصاريع مصرّعة او ناقصة التصريع، مع ميل إلى استعمال الجناس فيه وهو الأمر الذي التصق بهذا الفن ولم يغادره أبدا.
وقد أبدعت تلك الصفوة الرائعة من شعراء الإبوذية في إرفادنا بالمئات من الأبيات الخالدة ذات المعاني الرائعة والبلاغة الراقية والتأثير الأخاذ. وإذا كانت الغاية حسب ما اعتقد هي شد السامع وجلب انتباهه وسهولة حفظ البيت ووسمه بطابع الجناس لكي يبقى معروفا باسم صاحبه؛ في وقت لا يتوفر فيه التوثيق والكتابة، فإنَّ الجناس لم يكن ولا يفضل أنْ يكون إحجية يحار الناس في فك رموزها. كما يفضل أنْ يكون جناسا تاما واضحا لا يعتمد على حروف محذوفة او مغيرة، وأنْ تكون جناسات الشاعر من كلمات يتم تداولها في لهجتنا العامية كما هي دون تغيير قدر المستطاع.
والجناس المستخدم في الشعر العامي يمتزج فيه المفرد والمركب وإنَّ الكثير من الجناسات العامية غير تامة ( ناقصة) بسبب اختلاف حروفها او حركاتها حيث يلجأ عدد من الشعراء إلى التلاعب بحروف العلة وإبدالها ببعضها او إضافتها مرة وحذفها مرة أخرى في نفس الكلمة لصياغة جناسات جديدة، مما يؤدي إلى تغيير لفظ الكلمات بشكل واضح. وفي كثير من أبيات الإبوذية تخرج الكلمات عن شروط الجناس وتلفظ بشكل مغاير لطريقة لفظها في العامية العادية. وأحسن الجناس ما كان تاما او ناقصا بسبب بعض الحركات، فإذا تعدى ذلك ذهب رونقه وقل تأثيره.
إنَّ من أهم الدعامات التي تسند بيت الإبوذية هو صحة جناساته فبدونها يخرج من تعريف الإبوذية. إضافة إلى أمور عامة أخرى تسري على كل أنواع الشعر نذكر منها:
1- ضبطه بالوزن كما بينا سابقا.
2- أنْ تكون أشطره الأربعة مترابطة يتبع بعضها بعضا وتتحدث عن موضوع واحد وليس عن مواضيع عديدة غير مترابطة.
3- إنَّ خير الشعر ما كان حكمة وخير الحكمة ما كانت شعرا.


الجناس المفرد وأقسامه

الجناس المفرد التام
وهو جناس مكون من كلمة واحدة وقد تشابهت حروفه وحركاته. مثل هذا البيت للشاعر الخسران:
مُضَت نَاس التِعِف ابْيُوْم تَالِي
وانَا ابْتَارِيْخ عِزْهُمُ صِرِت تَالِي
رِدْتَك عُوْن الْي يَا خُوْي تَالِي
إطْلَعِت فَرَعُوْن وَنْكَرِت الخَوِيَّه
فالجناسات الثلاثة لها نفس الحروف والحركات. فالأول من ( الوِلْيةْ) أي التمكن والثاني ( صرت متأخرا) والثالث ( فإذا بك) او وأخيرا.
وفي هذا البيت للشاعر الملا عبد الباقي العماري:
الذِّوَاْيِبْ چَلْچِلَنْ چَاليَّلْ فِيْهَا
چَنْ مَخْزَنْ الْلِيْلُوْ اتْگوْلْ فِيْهَا
آنَاْ ابْچِيْ وَمِشّ الدَّمِعْ فِيْهَا
وِهِيْ تِبْچِيْ اوْ تِمِشّ الدَّمِعْ بِيَّهْ
فالأول ( فيْهَا) يعني ظلها؛ والثاني ( فيْهَا) أي فمها، ؛ والثالث ( فيْهَا) أي فيها الفصيحة. باعتبار الضمير ( ها) جزء من الكلمة.
وكذلك البيت التالي للشاعر أبو معيشي:
زَمَانِي جَرَّد إسْيُوْفَه وَسَنْهَا
عَلَيَّه إوْ حَرِّمَتْ عَيْنِي وَسَنْهَا
وَحَگّ ِالْلِيْ فَرَضْ خَمْسَه وَسَـنْها
بَعَد هَيْهَات عَيْش ايْطِيْبِ الِيَّه
فالأول ( وَسَنْهَا) أي جعلها حادة، والثاني نومها، والثالث سنّها من السُنَّة ويقصد فرض الصلاة. وجناسه الحقيقي هو ( وَسَنْ). وهذا البيت للشيخ محمد صالح السماوي أو حسين العبادي أو الشيخ عبد الحسين الحياوي:
گلِّي إشْبَلِّلَك يَا جِفِن وَنْدَاك
غِدَوْا مَا يِسْمَعُوْن ابْچاك وَنْـدَاك
لَوَن وَنّي ابْجِبَل چا صَاخ وَنْــدَاك
تِشَظَّى إوْ كِل كِتِر صَار ابْنِوِيَّه
وجناساته مفردة تامة فالأول ( وَنْدَاك) جعلك نديا من الدموع، والثاني ( وَنْدَاك) وَنِدَاءَك من النداء او المناداة، والثالث ( وَنْدَك) تَهَدّم وصار دكّا أي تساوى بالأرض. وتلاحظ زيادة حرف الألف في جناسه الأخير لإتمام المجانسة وهي طريقة يعمد لها الشعراء دائما كما سنلاحظ.
فالشاعر السيد محمد البطاط يقول:
سِرَت كِل البْلام إوْ شِدَه بَلْمَاي
إوْ كَنْزِ الْنَذِل صَار إعْدَاد بَلْمَاي
إشْلُوْن الْبُصِر لُو غَصَّيْت بَلْمَاي
لا يِمْرِك وَلا دِفْعَه بِدَيَّه
فالجناس الأول ( بَلْمَاي) فيه ألف زائدة وأصله ( بَلْمَي)القارب المعروف، والثاني ( بَلْمَاي) بالمئات من الدنانير او غيرها من الأموال، والأخير ( بَلْمَاي) هو الماء، وجناساته مفردة تامة.
وهذا البيت للشاعر حسين الكربلائي جناساته مفردة تامة:
الغَيْرَك مَا سِهَر طَرْفِي وَلا حَـي
وَلا لَذْلِي ابْعَرَب مَعْشَر وَلا حَـي
لانِي مَيِّت ابْشُوْگك وَلا حَي
نَحِيْل إصْبَحِت بَس النِّفَس بِيَّه
وجناسات هذا البيت من حرفين هي ( حَيْ) لأنَّ ( وَلا) أتت متشابهة في كل الأشطر ومكونة من حرف العطف ( الواو) وكلمة ( لا) للنفي. وجناسه الأول ( حَيْ) وقد قلب الجيم ياء لأنَّ أصل الكلمة ( حَج) والذي ( يحج) هو الذي يبقى ساهرا إلى الفجر، والثاني ( حَي) من أحياء العرب، والثالث ( حي) من الحياة.
وللشاعر عبد الرضا بن مطشر:
إجْرُوْحِي الدَّهَر آلَمْهِن وَدَاهِن
إوْ صِرِت أتْطَلَّب الحِكْمَه وَدَاهِن
أبَد مَا أخْضَع الدُّوْنِي وَدَاهِن
وَگل لإبْنِ الچلِب أمَّك زِچيَّه
وفي الجناس الأول اضطر الشاعر إلى تخفيف الشدّة في ( وَدَاهِنْ) خضوعا للوزن والتجنيس وهو أسلوب آخر إتَّبَعَهُ الشعراء، وكان الواجب أنْ يقول ( وَدّاهِنْ) جعلَهُن ( يِدَّن) أي تسيل منهُن الجَرَاحَةُ. وجناسه الثاني ( وَدَاهِنْ) أقوم ( بِدَهِنِ) تلك الجراح على أمل الشفاء، والثالث ( وَدَاهِنْ) بمعنى ( أداهِنُ) أجامل على حساب الحق.

الجناس المفرد التام اللفظي

ومن الجناس المفرد ما يبدو تاما عند ( لفظه) وقراءته، لكن بعض معانيه لا تتضح إلا بلفظ الجناس بطريقة أخرى غير التي كُتِب بها وبذلك يخرج من كونه جناسا تاما، وهذا ما أسميته الجناس ( المفرد التام اللفظي) تفريقا له عن ( الحقيقي) الذي مرت بنا أمثلته السابقة ولا وجود له في الجناسات الفصيحة. ففي هذا البيت المنسوب للشيخ عبد الرضا السوداني اوالحاج عبد الرسول شريف النجفي:
إشْتِظِن يِبْرَى الجَرِح عُگبَك وَيِلْــتَم
جِفَيْت إوْ بِالحَشَا مِنَّك وَيِلْـتَم
الثَّرَيَّا الْهَا شَمِل سَبْعَه وَيِلْــتَم
وَنَا وَاحِد حَبِيْبِي إوْ شَح عَلَيَّه

وفي الجناس الثاني ( وَيِل تَمْ) يريد به ( وَيْل تَمْ) أي تم الوَيْل بسبب جفاء حبيبه, فاضطر إلى كسر حرف الياء للمحافظة على لفظ الجناس والوزن دون الإلتفات إلى اضطراب المعنى لأنَّ ( وَيِلْ) ليست ( وَيْل) كما هو واضح. فهذا الجناس تام لفظي لا حقيقي ومثله كثير.
ويقول حميد ملا سلمان الشكرچي:
رَاسِي إمْنِ الْهَضُم صَارَت وَشِـيْبِي
رَيْت ابْعَار عَيْرَتْنِي وَشِيْبِي
أبْشَعَر رَاسِي تِعَيِّرْنِي وَشِيْبِي
إوْ وِقَار الشَّيْب بِيْه مَا دِرت هِيَّه

والشاعر في جناسه الأول ( وَشِيْبِيْ) يقصد ( وَشَّه بِيْهْ) أي أصبحت في رأسه ( وَشَّهْ) من ( الهضم) كما يقول. وإذا كان الشاعر السابق قد اختلف جناسه ( بحركة) حرف الياء فقط فإنَّ الشاعر هنا أتى بجناس بعيد عن المعنى المقصود باختلاف ( الحروف والحركات)، لأنَّ ( وَشِيْ) ليس ( وَشَّه) و ( بِيْ) ليس ( بِهْ). فجناسه الأول مشابه لفظا لجناسه الثاني ( وَشِيْبَيْ) الذي يقصد منه ( وشيءٍ بي) حيث يقول عيرتني ( بشيء بي) يمكن أنْ يكون عارا غير الشيب. وقد جاء صحيحا كما جاء جناسه الثالث صحيحا أيضا. فجناسه مفرد تام لفظي لا حقيقي أي أنَّ الجناس الأول لا معنى له على الحقيقة لأنَّ اللهجة العامية لا تحتوي مفردة او مقطعا لفظه ( وَشِيْبَيْ) بمعنى ( وَشَّة بِيْهْ).
ويقول الشاعر عبد الكريم العلاف:
النَاس إنْجُوْم وَآنَا دُوْم جَدِّي
إوْ صُفَى لِلْغَيْر يَا مَخْلُوْگ جَـدِّي
زِرَعْت الْمَجِد آنَا ابْوَطَن جَـدِّي
جِنَى غِيْرِي الْثَمَر غَصْبَن عَلَيَّه

ونقاشنا ينصب على جناسه الأول ( جَدِّيْ) وهو يقصد نجم ( الجَدِيْ) ولولا ذكر النجوم في الشطر لما أمكن الاهتداء إلى المعنى، ورغم ذلك فإنَّ معناه بعيد عن لفظه. فترك الشاعر حرف الجيم مشددا رغم عدم صحته حفاظا على التجنيس والوزن. ولو قال: ( النَاس ابْهَزَل وَآنَا دُوْم جِدِّيْ) فيكون جناسه صحيحا ( جدّي) من الجد عكس الهزل.
ويطول بنا البحث في تقصي الأمثلة المشابهة التي يخرج فيها الشعراء عن أصول الألفاظ العامية والتي لم يسمع بها أحد ولا يتداولها الناس في حديثهم اليومي من اجل الإتيان بجناسات جديدة.
وعند مقارنتنا الجناسات التامة ( الحقيقية) مع هذه الجناسات ( اللفظية) نرى الفرق شاسعا بين الاثنين، فالجناس الحقيقي تأتي كلماته جميلة منسابة يفهمها العراقي لأنها كلماته العامية التي يقولها كل يوم. والجناس اللفظي يخل ببيت الشاعر ويغيّر من معانيه ويجعل جناساته أحاجي وكأنّها كلمات من لغة أخرى.
وكثيرا ما ينظم الشعراء الجناس اللفظي عندما يحاولون مجاراة القريض او توليد أبياتهم منه. وفي استعراضي لهذه الأبيات الثلاثة الأخيرة وجدت أنَّ الشاعر الشيخ عبد الرضا السوداني قد جارى وولد بيته من بيت الوزير المهلبي:
خَلِيلَيَّ إنّي لِلثُّرَيَا لَحَاسِدُ
وَإنّي عَلَى رَيْبِ الزّمانِ لَوَاجِدُ
أيَجْمَعُ مِنْهَا شَمْلَهَا وَهْيَ سَبْعَةٌ
وَافْقِدُ مَن أحْبَبْتُهُ وَهْوَ وَاحِدُ

والشاعر حميد ملا سلمان الشكرچي قد جارى وولد بيته من بيت الفصيح:
عَيَّرَتْنِي بِالشَّيْبِ وَهْوَ وِقَارُ
لَيْتَهَا عَيَّرَت بِمَا هو عَارُ
والشاعر عبد الكريم العلاف جارى في بيته البيت الفصيح التالي:
زَرَعْتُ الْمَجْدَ في وَطَنِي
وَغَيْري قد جَنَى الثَّمَرَا

وهذا يدفعنا للقول: إنَّ كثيرا من الأبيات المولدة والمجارية للفصيح تأتي متكَلَّفة وعسيرة الولادة. حيث يحاول الشاعر إقحام المعاني وحتى الكلمات الفصيحة في بيته فيأتي البيت في كثير من الأحيان مشوَّها، على عكس الأبيات المُطْلَقة التي ينظمها الشاعر من معاناته بعيدا عن تأثيرات الآخرين وبعباراته العامية التي يتعامل بها يوميا.
أضف إلى ذلك أنَّ الشاعر حين يجاري او يضمن بيته شيئا من الفصيح يكون مُطالَبا بنقل الصورة في الفصيح إلى الشعبي بما في ذلك محاولة معايشة واقع شاعر الفصيح الذي يبعد عنه زمانا ومكانا ومشاعرا، الأمر الذي يثقل كاهله ويضعه أمام مسؤولية أخرى تعرضه إلى النقد واللوم إنْ هو أخَل بذلك. كما يجعله مقلِّدا لا مبدعا حتى لو نجح في مهمته. وسوف نمر في بحثنا هذا بأبيات أخرى نضربها دليلا على صدق هذا الاستنتاج.
لكن ذلك لا ينطبق على كل الأبيات المجارية والمولدة من الفصيح، إنما يعتمد الحال على ذكاء الشاعر وحسه وبديهته. فهناك الكثير من الأبيات المولدة التي تتمتع بصور رائعة ربما تفوق حتى صور الشعر الفصيح التي وُلِّدَت منه.
يقول الشاعر عبد السادة العلي العماري مجاريا ومولدا بيته من قول الشاعر:
دَع عَنْكَ ذا السَّيْفَ الذي جَرَّدْتَهُ
عَيناكَ أمْضَى مِن مَضَارِبِ حَدِّهِ
كُلّ ُالسّيوف قَواطِعٌ إنْ جُرِّدَت
وَحُسَام لحظِكَ قاطِعٌ فِي غِمْدَهَ
فيقول في هذا البيت:
إصْبَي عَيْنِي ابْصِدُوْدَك فِگد وَمْضَه
إوْ جِفَى بِجْفَاك طَيْر السَّعَد وَمْضَه
أحَدّ لَحْظَك إمْنِ الصِّمْصَام وَمْضَه
وَلا حَاجَه تِجِر سَيْفَك عَلَيَّه
فقد أصاب المعنى وأجاد الجناس المفرد التام الذي لا يحتاج إلى شرح ولا تعليق لفهم معانيه. وهذا هو الذي يجعلنا نُقِر بالفضل وقَصَب السَّبْق لهؤلاء المبدعين ونعاتب غيرَهم او ننتقد جناساتِهم التي يخرجون فيها عن أصول اللفظ العامي الدارج. البيت التالي بجناس مفرد لفظي رغم انه من مقطعين:

إلْهَوَىْ ايْفَرْهِدْ ابْعَگْلِيْ وَانَا حَـامِيْ
تِشِـبْ نِيْــرَاْنْ هَجْـرَكْ وَانَا حَـامِيْ
بِيَّـهْ الخَيْـلْ تِطْـرِدْ وَانَا حَـامِيْ
طِلَبْتِ المَنِعْ لاگَتْنِيْ السَّرِيَّهْ

لأن ( وَانَا) أتت بنفس المعنى في كل الجناسات وتعني وأنا. وفي الشطر الأول يستولي الهوى على عقله ويأخذه عنوة ( ايْفَرْهِدْ) دون أنْ يتمكن من منعه. فيبقى يحوم مثل الطير التائه لا يجد مستقرا أو مكانا يأوي إليه ( وَانَا حَـامِيْ)، وهو يقصد ( وَانَا أحَـومِيْ) فيقلب واو الفعل ألفا. وفي الشطر الثاني تصف نيران الهجر التي تشب فيه فتتركه حاميا أي ملتهبا بنار الشوق. وفي الشطر الثالث تطارده الخيل وهو يدافع وأراد منع نفسه من الأسر أو القتل فلاقته سرية من خيول المقاتلين. وهو يكني بذلك عن صراعه مع الحب الذي لم يتمكن من الصمود بوجهه.

الجناس المفرد الناقص

وهو جناس مكون من مقطع واحد وقد اختلفت بعض حركاته أو حروفه.
لاحظ جناسات هذا البيت للشاعر السيد إبراهيم وفي:
حَكَّم سَيْفَك الغَدّار حَكْمَه
ابْگلْبي إوْ لا بَقَت للصَبُر حِكْمَـه
كِل الْلِّي تِولَّى جَار حُكْمَـه
وانَا العَاشِچ إوْ حكْمَك جَار بيَّه

فالأول ( حَكِّمْهُ) أي اجعله حكما والثاني ( حِكْمَة) أي رأيا حكيما والثالث ( حُكْمُهُ) أي قرارُهُ. والشاعر استخرج جناساته جميعا من الفعل حَكّم فاتت كأنما لها معنى واحد ( مكرر). وتلاحظ اختلاف حركة جناساته باختلاف حركة حرف الحاء التي جاءت في الأول مفتوحة وفي الثاني مكسورة وفي الثالث مضمومة. ولو كانت جناساته تامة لامكن وضع أحدها مكان الآخر. فكلمة حِـكمة ليست مثل حُـكمَه ولا مثل حَـكْمَهْ، وهذا هو الجناس الناقص بسبب الحركات. أمَّا في البيت التالي للشاعر ملا صنكور الفلاحي:
هَويْنَه الْلَّي سِبَى عَگْلِي هَويْنَـه ابْتِشَرْنَا إوْ كلِّنَا ابْشَوْگَه هِويْنَه بَرِض گفْرَه ابْجِليْب اظْلَم هُويْنَـه إلْخُروْج إشْلون يَهْل البُصِر بِيَّه
وينسب أيضا لحسين الكربلائي وهو يجاري قول الشاعر:
دُخوُلُ الْمَرءِ في الشَبَكاتِ سَهْلٌ
ولكنَّ الصُعُوْبَةَ في الخروجِ
فلاحظ هنا انك لا تستطيع وضع جناس مكان آخر فكلمة ( هَوَيْنَه) الأولى بفتح الهاء تعني ( هذا هو) والثانية بكسر الهاء ( هِوَيْنَه) تعني أحببنا، والثالثة بضم الهاء ( هُوَيْنَه) تعني سقطنا. وللشاعر حسين الكربلائي:
يَنَاهِي الْحِسِن كِلَّه مَالِك إنْتَه
إوْ گلْبِي فَوْگ حِسْنَك مَالَـك إنْتَه
إتِجبْجب مِن خَيَالِي مَالَك إنْتَه
وَلا چن مِن گبُل چَاسِر عَلَيَّه

والجناس هنا مفرد لأنَّ الكلمة الأخيرة ( انْتَهْ) أتت متماثلة في كل الجناسات وتعني أنت. وجناسه الحقيقي هو ( مالِكْ) الذي يسبق كلمة ( انْتَهْ) وبذلك يكون جناس البيت ليس في ( نهايته) كما هو واضح. أمَّا معانيه فهي: ( مالِكْ) من المُلْك في الشطر الأول هو مُلْكُك، وفي الشطر الثاني ( مالَكْ) هو لك وحدك، والأخير ( ما لَكْ) ماذا دهاك. وتلاحظ أنَّ الجناس ناقص لأنَّ حرف اللام في الأول جاء مكسورا وفي الآخرين جاء مفتوحا.
وكثير من الجناس يبدو من نوع التام ( لفظيا) أي أننا نلفظها كما هي مكتوبة في البيت ولكن لفظها في العامية ( خارج الشعر) يختلف، إذ نجد فيها حرفا زائدا او ناقصا او مشددا او بحاجة إلى تشديد او أنَّ أحد حروف الكلمة يسبق الآخر وهي بذلك ليست جناسا تاما إضافة إلى اختلاف حركات أحرفها. إنَّ استعمال حرف الهاء مخففا مثل الفتحة تارة ومثل الألف تارة أخرى وكحرف الهاء التام هو الذي يخرج بعضا من الجناسات من كونها تامة، كذلك إدخال حروف العلة زيادة على المفردات وخصوصا الألف والياء. وهذا البيت الرائع:
أهَلْ هَلْ وَكِتْ بَاْلَكْ تِمِّنْ ابْهُمْ
إدْنَانْ إوْ عَيْبْ يِحْصَلْ تَمَّنْ ابْهُمْ
ثَلاثَهْ امْنِ الخِصَايِلْ تَمَّنْ ابْهُمْ
الچِذِبْ وِالفِتَنْ وِالشُّوْفَهْ الرِّدِيَّهْ

وجناسه مفرد ناقص رغم كونه من مقطعين ( تِمِّنْ ابْهُمْ) لأن المقطع الثاني له نفس المعنى في الجناسات الثلاثة ويعني ( بهم). وفي الشطر الأول يحذرك ( بَاْلَكْ) من أنْ تأمن بأهل هذا الزمان. فهم ( إدنَانْ) وهي حبوب صغيرة عديمة النفع تنبت مع الرز فإذا طغت عليه يكون محصول الرز قليلا عند الحصاد، فيصفهم الشاعر بأنهم ( إدنْانْ) عديمو النفع. وقد تمت بهم ثلاثة من الخصال هي الكذب والفتن وطلعتهم الرديئة ( وِالشُّوْفَهْ الرِّدِيَّهْ). وهو مفرد ناقص بسبب اختلاف حركة التاء في الجناس الأول حيث جاءت مكسورة بينما هي مفتوحة في الأخيرين.


الجناس المركب وأقسامه


الجناس المركب التام
وهو جناس مكون من مقطعين أو أكثر في الكلمة الواحدة وقد تشابهت حركاته وحروفه كقول الشيخ راضي علي بيج النجفي:

إلْحِسْن خَصِّ الجنابَك وِنْتَمَالَك
إوْ تِظِن انْشُوْف شَخْصَك وِنْتَمَالَـك
آنََا ابْحَث ابْوَصْلَك وِنْتَمَالَك
تِدَوَّس بالجِفَا وِالگَطِع ليَّه

فالأول ( انْتَمَى لَكَ)، والثاني ( ونْتَمَالَـكْ) وَنَتَمَالَك انْفُسَنَا، والثالثُ ( ونْتَ مَالَكْ) وأنت ماذا دهاك. وبيت الشاعر السيد حسين الكربلائي:

إشْحَلاتَك يَا تَرِف عِدِّي وَشَـبْهَاك
صِرِت بِالحُوْر أوَصْفَنَّك وَشَـبْهَاك
دِوَى چانُوْنَك ابْگلْبِي وَشَبْهَاك
جِس نَبْضِي تِجِد نَارِي سِرِيَّه

فجناسه الأول ( وَشَــبْهَاكْ) مكون من وأي شِيء أبْهَاك، وهي صيغة تعجب المقصود منها ما أبهاكَ، والثاني ( وَشَــبْهَكْ) اشبِّهُك وقد أضاف لها الشاعر حرف الألف لإتمام جناسه ووزنه، أمَّا الثالث ( وَشَــبْهَاكْ) فمكون من مقطعين هما ( وَشَب هَاكْ) ويعني أنَّ موقد نار الغرام الذي استعاره الشاعر قد شَب في قلبه، ثم يقول ( هاك) وهو اسم فعل أمر خُذ بيدي وجُس نبضي لتعرف النار التي تسري في جسدي كما يعرف الطبيب الحمى عند جس نبض المريض. والشطر هذا مدور مع الشطر الذي يليه ( هاك-جس نبضي).
وهذا البيت للشاعر الملا عوده الحمدي بجناس مركب تام:

إشْهَل غَيْظَه يَنَاهِي مِنْكَرَاهَا
إبْزَعَل لُو تِصِد عَنِّي مِنْكَرَاهَـا
إجْفُوْن الْعَيْن عَيَّت مِنْكَرَاهَا
إوْ حَيَاتَك مَا تِضُوْگ الْنُّوْم هِيَّه

وجناسه الأول ( منْكَ رَاهَا) يعني مِنْكَ أراها وهو يعاتب حبيبه ( الناهي) الذي هو في منتهى الحسن عن الغيظ الذي يراه منه. وفي الشطر الثاني يسأله إنْ كان ذلك بسبب الغيظ أو ( من كَرَاهَه) أي من كراهة. وفي الشطر الثالث يشكو من أنَّ جفنيه ( إجْفُوْن الْعَيْن عَيَّت مِنْكَرَاهَا) قد أصابها الإعياء من نعاسها. ولاحظ أسلوب العتاب المشوب بالشكوى والمفعم بالمعاناة التي حرمت عينيه النوم في صورة رائعة استعارها لجفنيه وما يعانيه من سهر. و ( عَيَّت) تعني تَعِبَتْ. ولكن البيت التالي للشاعر الحاج زاير الدويج له جناس مفرد تام رغم انه مكون من كلمتين:

جَلَوني جَلْيَة الْگَهْوَه عَليْمَار
نَحيْل إوْ صَار مَشْرُوبي عَليْمَـار
يُومَن سَار مَظْعونَه عَليْمَار
غِدَت شَمْس الضَحَى ظَلمَه عَليَّه

وذلك لكون جزئِه الأول وهو ( عَلَيْ) متشابه في جميع الجناسات فالأول: ( عَلَى ايْمَار) وأيْمَار جيمه مقلوب ياء وأصله ( أجمار) وهو جمع جمرة فيشبه حاله بحال حبات القهوة التي تقلى على الجمر.والثاني: ( عَلَي مَارْ) عَلَي مُرٌ، والثالث ( عَلَيَ مَرَّ) عَلَي مَرَّ. فعلى الرغم من تشابه الجناس هنا لفظا وكتابة إلا أنَّ المعنى الحقيقي لها ليس كذلك؛ وهذا ما أسميناه ( الجناسَ التامَ اللفظي) وذلك للأسباب التالية: فالأول هو ( على أيمار) وهي جمع ( يَمُرْ) أي جمر وجمعه أجمار، والثاني ( علي مَار) وهو يقصد ( عَلَيَ مُرٌ) وترى الميم مفتوحة والألف زائدةً، والثالث ( علي مار) وهو يقصد ( عَلَي مرَّ) وترى الميم مفتوحة والألف زائدة أيضا. فنحن لا نلفظ هذه الكلمات مثلما يقولُها الشاعر في جناساته، فظاهره تام في حين أنَّ معانيه تدل على كونه ناقصا.

الجناس المركب التام اللفظي

وهو شبيه بالجناس المفرد اللفظي إلا انه مكون من مقطعين أو أكثر مثل بيت الشيخ راضي علي بيج التالي:

بَسَّكْ يَاْ گَلُبْ هَاْكِثِرْ وَنْبِيْكْ
تَرَاْنِيْ اَذْكِرْ جِفَاْ الخُوَّاْنْ وَنْبِيْكْ
يِصَاْدِفْ يُوْمْ بِيكْ اخْتِصِرْ وَنْبِيْكْ
يَبُوْ طَبْعَهْ هَواكْ اشْعِمَلْ بِيَّهْ

فجناسه الأول مكون من مقطعين ( وَنْ بِيْكْ) أي أنين فيك، والثاني مكون من مقطع واحد هما ( وَنْبِيْكْ) وتعني ( وَنَابِيْكْ) أي أحادثك. وهو فعل مضارع وينقصه حرف الألف، وهو مشابه ( لفظا) للجناس الثالث الذي يعني ( وأنْبِيئُك) أي أخبرك. ولذلك فهو جناس لفظي لأن ( وَنْبِيْكْ) لا تعني ( وَنَابِيْكْ) تماما.
ومثله هذا البيت أيضا بجناس مركب تام لفظي:
لَيَالْي الْوَصِل چَا يَمْتَه تَجنِّي
سَقيْم إوْ مِن تِصِد عَنِّي تَجَنّيِ
دَلال اهْجَرِت لَو هَجْرَك تَجَنِّي
تَگِلِّي ابْيَا ذَنِب مِحْرِب عَلَيَّه

فالجناس الأول ( تَجنِّي) خطاب لليالي الوصل ومعناه تأتين إليّ, والثاني تَجعلُني مجنونا، والثالث تجنِّي كما هي في الفصيح. ونلاحظ أنَّ الجناس فيه حرف مشدد هو النون, وتوضع الشدة على الحرف لتعني أنَّ الحرف الأول ساكن والثاني متحرك ( تَجنْنِي). وفي الحقيقة أنَّ الجناس الثاني يحتوي على ثلاثة نونات حذف الشاعر واحدة منها. فاصله ( تِجَنْنِنْيْ) ويجب أنْ يكتب ( تِجَنِّنْيْ) أي تجعلني مجنونا بالضبط مثلما نقول ( تِحَنِّنْيْ) أي تجعلني حنينا. ولهذا هو جناس مركب تام ( لفظي).
والبيت التالي بجناس مركب تام لفظي أيضا:

سَهَرْنَا ابْلَيْل ذِچرَك وَنْتَلاهَه
نِعِد آيَات حِسْنَك وَنْتَلاهَه
يَنَاهِي الحِسِن عَبْدَك وَنْتَلاهَه
إمْنِيْدَك تِطْلُب الْحُوْر الْحِذِيَّه

فجناسه الأول ( وَنْتَلاهَهْ) وَنَتَلاها بذكرك، أمَّا الثاني فهو ونتلوها وهو مكون من حرف العطف ( الواو) والفعل المضارع ( انتلا) والضمير ( ها) العائد على آيات حسنك, أي نتلو آيات حسنك. ونلاحظ أنَّ الفعل ( انْتَلا) في ( وَنْتَلا هَا) لا يعني ( نِتْلا) العامية بسكون النون والتي تعني ( نتلو) في الفصيح. وبذلك يكون الجناس تاما لفظيا وليس حقيقيا. أمَّا جناسه الثالث فيعني وأنت إله الحسن الذي تطلب منه الحور أنْ يجود عليها بالحسن كما يقول في رباط البيت.
أمَّا الشاعر جابر النداوي فيقول:
يَهَل سَارِي ابْذِلولَك وَنْتَبيْهَا
أغِط ابْنَار هَجْرَك وَنْتَبيْهَا
عَليْش اتْدوْس روحِي وَنْتَبيْهَـا
إوْ تِمُوْت اوْيَاي مُوْتَه ابْغيَر دِيَّه

فالأول: ( وَيَن تَبِيْهَا) أين تريد بها، والثاني: ( أنتبه) والثالث: ( أنْتَ فيها) وهذا جناس مركب يبدو تاما لتشابه حركاته وحروفه. لكنه تام لفظي لكونه يحتوي على حروف خارجة على أصل الكلمة في الجناس الثاني وهي الياء والألف. فكلمة ( ونْتَبيْهَا) لا تعني وأنتبه. ولا نقولها في حديثنا اليومي.


الجناس المركب الناقص
وهو الجناس المكون من مقطعين أو أكثر وقد اختلفت بعض حركاته أو حروفه. كما في هذا البيت للشاعر الحاج زاير:
سِرَى ظَعْنِ ألأوِدَّه مَا تِوَ نَّه
إوْ رُبِع وَنِّي الخَنْسَا مَا تِـوِ نَّـه
چثِيْرِيْن امْنَ أهَلْنَا مَا تَو نَّـه
مِثِل فَژْتَك فَلا فَژَّوْا عَلَيَّه
وجناسه الأول ( مَا تِوَ نَّهْ) مكسور التاء مفتوح الواو وهو مكون من مقطعين ( مَا تِوَ نَّهْ) هما ما النافية والفعل المضارع تَأنّى. وهو يصف مسير ظعن الأحبة الذي سرى دون أنْ يتأنى ليلحق به. وفي الشطر الثاني يقول: إنَّ الخنساء المشهورة ببكائها لا تستطيع أنْ تئن ( مَا تِوِ نَّـهْ) على أخيها رُبْع ما أنَّ الشاعر على أحبته وهذا الجناس مكسور التاء والواو. أمَّا الثالث فهو ( مَاتَوْا انَّـهْ) حل بهم الموت، وتاؤه مفتوحة وواوه ساكن. وبذلك اختلفت الجناسات بحركات حروفها كما بينا فجاء الجناس مركبا ناقصا. ولاحظ أنَّ الهاء الساكنة في نهاية الجناس تلفظ ألفا في الجناسين الأول والثالث بينما تلفظ هاء في الجناس الثاني وهو ضمير متصل يعود على كلمة ( وَنِّيْ) في نفس الشطر. ودليلك على الجناس الناقص هو انك لا تستطيع استبدال جناساته ببعضها كما ( تلفظ) وليس كما تكتب ( إذا كانت مكتوبة بدون حركات). فإذا نقلت الجناس الثاني وواوه مكسورة، إلى الشطر الأول لاصبح ( سِرَى ظَعْنِ الاوِدَّه مَاتِوِنَّهْ) لاختلف المعنى.و ( فَژْتَك) بالزاي المثلثة تعني الفراغ الذي تركْتَه.
والكثير من الجناسات المفردة والمركبة الناقصة جميلة وتفي بالمعنى الذي يريده الشاعر ولا بأس باستخدامها إلا إنها ليست بقوة وتأثير الجناسات التامة وما تتركه في أذن السامع من تأثير بسبب استواء موسيقاها وإعجابه بقدرة الشاعر في اختيارها. ومن المسميات المتبعة في الجناس، فإنَّ التام يدل على الكمال والناقص يدل على النقص.
والبيت التالي للسيد عبد الرزاق السامرائي:

إشْتِبْغِي ابْمَبْسَمَك يَدْعَي مِنَظُّم
سْطِر لِيْلُو ابْعَقِيْق أحْمَر مَـنَظَّم
رِشْف إشْفَاك يِبْريْنِي مِنَظَّم
يِرَيْعِ إحْشَاي مِن حَر الْمِنِيَّه

وجناسه الأول أصله ( مِنَ تْظُمْ) وقد مزجت التاء الساكنة مع الظاد المضمومة ووضعت بدلها شدة فأصبحت ( مِنَظُّمْ) أي عندما ( تضم) أي تخفي سطر اللؤلؤ وهو وصف لأسنانه البيض، بعقيق أحمر وهو تشبيه عن لثته كما يشرحه في الشطر الثاني لأنَّ الجناس الأول مدور. وفيه حرف الميم مكسور والظاء مضموم. أمَّا جناسه الثاني فيعني منظوما وهو يشير إلى سطر اللؤلؤ وقد جاءت ميمه مفتوحة وظاؤه كذلك. أمَّا جناسه الثالث ( مِنَ الظَّمْ) فيعني من الضيم. وقد حُذفت ياؤه فهو بذلك جناس مركب ناقص بحركاته وحروفه.
وهذا البيت للشاعر الملا عبد الباقي العماري:

يَهَل مَخْلوْگ ولْفِي مِنْهـُـلَحْلَه
شَبيْه الْحُوْر حِسْنَه مِنْهَــلَحْلَه
وَلا مِن مَنْهَل إلا مَنْهَلَـحْلَه
إوْ غَزالَه إوْ لَيْل جَامِعْهِن سِويَّه

فالأول ( مِنْهُو لاح لَهْ) مَن لاحَ لَهُ، ويقصد من شاهده، والثاني ( مِنْهَا لأحْلَى) انّه منها لأجمل، والثالث ( مَنْهَلَه أحلى) ويقصد بها فمه او رضابه أحلى. وتلاحظ اختلاف حركة حرف الهاء، ففي الجناس الأول يجب أنْ يكون مضموما ( منهُو) وفي والثاني ( منهَا) مفتوحا كذلك لاحظ حركة حرف الميم المختلفة.
لاحظ الفرق بينه وبين البيت التالي بالجناس المركب التام:

يَحَادِي الْعِيْس بَالْلَه أعْليْك وَنْبِيْه
لَمَن يَلْحَگ شِرِيْچ الْرُّوْح وَنْبِيْه
وِنِيْنِي مُوْش كِلْمَن گام وَنْبِيْه
يِوِن بِيْه الْحَدِر ضِلْعَه شِچيَّه

فالأول ( وَن بِيْه) تأنَّ بِه في سيرك والثاني ( وَنْبِيْهْ) وأخبِرُه والثالث ( وَن بِيْهْ) أنَّ بِه من الأنين. ففي هذا البيت تتجلى روعة الجناس التام الحقيقي والبيت الإنسيابي بلهجة عراقية خالصة لا تشوبها الإضافة او الحذف الذي يشوِّه الكلمات ويخرجها عن معناها الحقيقي.

ويقول الشاعر حسين العبادي:

إهْلا يَبْنِي تِلَگَّاهِن حَيِلْهِن
چماَ النَّاقُوْس يِتْرَنَّم حِيِلْهِن
الشِّرِيْعَه إتْبَسِّمَت وِالْشَّط حِـيَلْهِن
طِغَى إوْ زَاد إوْ طُفَح وِنْچلَت مَيَّه

والجناس الأول ( حَيِلْهِنْ) مكون من مقطعين هما ( حَي الْهِنْ) ويعني حيي لهنَّ أي تلاقَّهُن بالتحية. وجناسه الثاني ( حِيِلْهِنْ) مكون من مقطعين أيضا هما ( حِيِل هِنْ) والأول ( حِجِل) والثاني ضمير النسوة. وهو يصف أصوات خلاخيلهن التي تصدر أصواتا جميلة ( چمَا) أي كما يترنم الناقوس. والجناس الثالث ( حِيَ الْهِنْ) صار حَيَّا لهنَّ بعد أنْ كان جافا فامتلأ بالماء كما يصفه الشاعر في رباط البيت. وتلاحظ اختلاف حركات الجناس بشكل واضح.
ومن الجناس المركب الناقص المرفوء قول الشاعر ناجي الصايغ الحلي:

أسُوْم الله عَلِيْك اوْيَاي دِمْهَل
مَوَدَّه وِالدَّمِع بِجْفَاك دَمْهَل
يِعَجِّل مِن يِخَاف الْمُوْت دَمْهِـل
أرَاك إوْ نَفِّذ الْمَحْتُوْم بِيَّه

فالجناس الأول ( دِمْهَلْ) مكون من ( دِم هَلْ) ودِم فعل أمر بمعنى أدم من الديمومة و( هَلْ) المكون من اسم الإشارة وألف ولام التعريف، ويعني ( هذهِ ال) وهو مرفوء مع كلمة ( مَوَدّة) في الشطر الثاني، أي استمر ب ( هل موَدَّه) ( بهذه المودة) بيننا. وهو يستحلفه بالله تعالى ( أسوم الله عليك) أنْ يفعل ذلك. ونرى أنَّ حرف الدال في بداية الجناس الأول مكسور بينما جاء الجناسان الآخران مفتوحين، فالجناس الثاني ( دَم هَلْ) يعني أنَّ دمعه يجري دما لفراقه، والثالث يعني تَمَهَّل في سيرك حتى أمتع ناظري برؤيتك. كذلك بالنسبة لحرف الهاء الذي جاء مفتوحا في الجناسين الأولين ومكسورا في الثالث.


أنواع أخرى من الجناس

الجناس المرفوء
وهذا النوع من الجناس مَر ذكره ويسمى المرفوء وهو إضافة مقطع او كلمة إلى الجناس من الكلمات التي تليه كما نشاهد في هذا البيت:

رُمَانِي إهْوَاك يَامَدْلُوْل بِالسِّـل
إوْ دَمْعِي فَيَّض الْوِدْيَان بِالسِّـل
أخِبْرَنَّك تَرَى ظَلَّيْت بَالسِّل
نِفَس يِصَعَد إوْ يِنْزِل غَصُب بيَّه

والجناس الثالث ( بَالسِّلْ) الذي يعني ( بَس ال)، المكون من كلمة ( بس) التي تعني فقط وألف ولام التعريف، ونلاحظ أنَّ الشاعر أضافه إلى كلمة ( نِفَسْ) التي في بداية الرباط فأصبح الجناس ( بَس النِفَسْ). ومثله:

نِسِد عَلْخَصُم يَوْم الْحَرُب بابِــل
هَزيْمَه إوْ حِنَّا بيْهَا اطْيور بابِــل
السَدَّه والرُميْثَه وَارِض بابِل
إشْهِدَت بافْعالْنَا والْفيْصَليَّه

وجناس البيت الأول ( بابِلْ) مركب من ( بَاب ال)، وهو مكون من كلمة ( باب) وألف ولام التعريف فأضافه الشاعر إلى كلمة ( هزيمة) في بداية الشطر الثاني فأصبح ( باب الهزيمة) لإكمال الجناس. ويختلف عن المدور الذي يكون جناسه تاما أي كاملا بكل حروفه لكن لا يتم معناه إلا بالكلمة الأولى من الشطر الذي يليه.



جناس التورية
أمَّا جناس التورية فلم أعثر على بيت إبوذية يحتويه في جناسه أي في نهاية الشطر كما هي العادة المتبعة في الجناس، ولكن في هذا البيت استخدم الشاعر جناس التورية في حشو الشطر الثالث:
گَلْبِي غَيَّم إوْ لا ظِنِّتِي إيْصِح
إوْ مِن وَجْدَه يِنَادِي الْغُوْث وِيْصِـح
لُو گالَوا جَوَاد إيْحَصَل وِيْصِح
أگِلْهُم لِلْرِچِب لا لِلْعِطِيَّه

فكلمة جواد في الشطر الثالث هنا لها معنيان: فالأول هو الرجل الكريم الذي يجود بماله على الآخرين، والمعنى الثاني هو الحصان الذي يستخدم للركوب. وقد بينهما الشاعر في رباط البيت. فهو يستبعد وجود الرجال الكرماء حتى لو قيل له هناك جواد فإنَّه يعتقد انه الحصان وليس الرجل الكريم. وقد جاءت جناساته ناقصة لفظية فالأول بدون حرف الواو الذي يسبق الجناسين الباقيين. والثاني يصيح ولكنه بدون ياء ولذلك كلاهما جناس لفظي. أمَّا الثالث فهو يَصِح أي يوجد. وفي هذا البيت ذي المقاصير:
مُهْرَه إوْ لِلِمْچَبِّشْ خُوْشْ لاگَاتْ
إوْ دَعَتْ گَلْبِيْ يَخُوْتِيْ اثْنَعَشْ لاگَـاتْ
بِتْ ارْشُوْدْ شَاْلَتْ جُودْ
حَمْرَهْ اخْدُودْ بَيْضَهْ ازْنُودْ
گَبَّهْ انْهُودْ صَبَّنْ سُودْ
تِرْمِيْ افْرُودْ يا مَگْرُودْ
رِدِّ ارْدُودْ
إلبْنَيَّهْ ابْعاْلِيْ الزُّوْدْ لاگَاتْ
إمْنَوِّشْ وِالخِطَاْهَاْ اعْيُوْنْ إبَيَّهْ
فعبارة ( رِدِّ ارْدُودْ) جناس توريه: فهو يعني ( يا مَگْرُودْ) أي يا مسكين ارجع رجوعا لأن هذه الجميلة ترمي ( افْرُودْ)، الشاعر ربما يريد أيضا ارجع رجوعا الآن لإكمال بيت الإبوذية بعد هذه المقاصير.




#هاشم_نعمة_الفريجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما لا يصح دخوله على تفعيلات الإبوذية
- دراسة موسعة لأنواع الأبوذية
- لمحة تأريخية عن الإبوذية في العراق


المزيد.....




- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
- مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
- الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا ...
- -الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم نعمة الفريجي - دراسة موسعة للجناس في الابوذية