خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3439 - 2011 / 7 / 27 - 14:11
المحور:
القضية الفلسطينية
من ضمن اشكال التامر السياسي على النضال الفلسطيني, ابتدعت اجهزة مخابرات _ اشقائنا العرب_ تهمة بيع الفلسطينيون وطنهم للصهيونية, وكان القصد من وراء هذا الاتهام, تحجيم مسئوليتهم التامرية على المجتمع الفلسطيني, وتحجيم الواجب السياسي الذي تفرضه عليهم مقولة _ الوحدة القومية العربية_ وتبرير حصارهم للنضال الفلسطيني, وقمعهم له كشكل من اشكال ممارستهم السيادة في مجتمعاتهم. فاذا كان الفلسطينيون باعوا وطنهم, فلماذا تتحمل هذه الانظمة مسئولية تحريره؟
وللاسف فان بناء الوعي السياسي في الشارع, بخلوا من ادراك معنى الوطن والوطنية والمواطنة كمعطى ودلالة ثقافية لمسار تاريخي في التطور الحضاري بدأ مع استقرار الظاهرة الديموقراطية وانتهى الى الظاهرة القومية الحديثة, ويسهم في هذا الخلل الفكر العرقي الديني الذي ينفي وجود التعددية القومية في المنطقة, ويصر ببلادة غبية على وجود قومية عربية واحدة دون تمييز بين مقولة العرق ومقولة القومية, لان الاعتراف بالظاهرة القومية يتعارض مع التطلع لاستعادة حالة التوسع الاستعمارية القديمة التي يخفونها تحت مقولة _ استعادة امجاد الماضي_
وللاسف فان هذا الخلل في وعي هذه المقولات’ ينسحب ايضا على ابناء شعبنا الذين يسارعون الى الدفاع المرتبك عن ذاتهم, فيلجأون الى تقديم احصاء ال 5%, الشهير, الذي تمكن الصهاينة من تملكه من الارض الفلسطينية حتى عام 1948م, دون ان ينسوا ذكر ان الحجم الاكبر منه كان نتيجة بيع ملاك عرب لاملاكهم في فلسطين للحركة الصهيونية ومن ثم يعودون لذكر منهجية سياسة الانتداب البريطانية التي كانت تعمل على نقل ملكية الارض الفلسطينية للحركة الصهيونية.
في مقالنا السابق حول هذا الموضوع_ مناقشة جديدة لموضوع بيع الارض القديم_ بينا الفارق الاساسي والسياسي الذي يميز بين واقعة بيع الارض باعتبارها قضية تجارة عادية لا يترتب عليها حقوق مواطنة سياسية للمشتري اذا كان غير فلسطيني, او تجريد الفلسطيني من الحقوق السياسية لمواطنته لمجرد بيعه الارض, وقد وضحنا ان الاساس الذي يبنى عليه القيمة السياسية لتملك الارض هو موضوع المواطنة نفسه, مع الاشارة الى ان خصوصية الوضع الفلسطيني زادت من قيمة المسالة واعطتها بهمة التضخيم الرسمي العربي التامري المقصود لها وزنا سياسيا اعلى من حجمها الحقيقي كعملية بيع وشراء تجارية عادية, تمارس في كل المجتمعات حتى مجتمعات الاشقاء العرب الذين يعيبون على الفلسطيني بيع الارض, كما اننا اشرنا الى الاصل التاريخي لعملية تحريم نقل الملكية بين الظوائف والمذاهب كمخلفات لصراع تعدد الاصول العرقية في المجتمع القومي,
وقد طلب مني الاخ _ علاء كبها _ العودة للتوسع في الموضوع, وهو قطعا موضوع بحاجة لمعالجة علمية تسمح لكل فلسطيني برفع الحرج عنه اثناء حواره مع _ الاشقاء العرب_ الذين يوجهون لنا هذا الاتهام في صورة اهانة, لذلك ارجو من الاخوة المعلقين العرب على هذا الموضوع وخلال تكراره الكف عن محاولة اهانة الفلسطيني بالمزج بين بيع الارض وبيع الوطن والوطنية, فهذا خاطيء, كما انه يفتح باب نشر الغسيل القذر في حوار ثقافي المفترض انه رافع حضارية لا منزلق اخلاقي. فالغسيل القذر في كل بيت, فلا داعي لان نناقش على طريقة قذف غيرنا بالحجارة وبيوتنا من زجاج. الا اذا اعتمد الاخوة العرب على اننا مجبرون على الصمت تفاديا لضيافة اجهزة المخابرات, ولكن اذا كان لا بد من هذه الضيافة فاهلا وسهلا بها. فعلى الاقل الوضع الفلسطيني نتيجة تامر ولم يؤجر سياسيا _وطنه ومجتمعه_ للاجندات الاجنبية بموافقة شعبية ( ديموقراطية), وقبل ان ياخذ الاثم عزة احدهم الى رد نزق على ما نقول, انصحه بالتريث وقراءة تاريخ وراهن واقعه القومي الخاص.
ان الوطن ليس مجموع ملكيات ارضه, ومن يرى الوطن بهذه الصورة مخطيء, فالوطن ليس الارض وانما الارض وقيمها الثقافية, باعتبارها الحامل الجغرافي الذي حمل عملية التفاعل والانصهار القومي والتطور المجتمعي الحضاري على مسار التاريخ, وهي بذلك تركيبة الجغرافيا مع خصوصية الهوية القومية, فلفظ فلسطين هو هوية التجربة الحضارية التاريخية الفلسطينية في هذا الموقع,
ان عملية الانصهار القومي, لا تتم بعيدا عن ملكية الارض وتناسخاتها التاريخية لذلك واي يكن مالك ارض في الوطن, او حجم تملكه او تنقلها بين مالك واخر, فكل هذه العملية تبقى في اطار مفهوم ومنهجية الحيازة, اكانت الحيازة فردية او طبقية, او عرقية, وكلها اشكال تناسخت في التاريخ الفلسطيني, في حين بقيت _ ملكية لا حيازة _ فلسطيني للهوية القومية الفلسطينية اكانت هذه الهوية تعبر عن تحقق قومي من مستوى ما قبل الظاهرة الحديثة او حتى الان في ظل نزع ملكية اغلب الشعب الفلسطيني الذي تمارسه الصهيونية, وهذا معنى قول محمود درويش كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين في قصيدته الشهيرة على هذه الارض ما يستحق الحياة.
وكما اكتسبت الجغرافيا هويتنا الفلسطينية والذي لم تستطع بصدد الصهيونية حتى الان رغم جهودها المضنية ان تشطبه, لا في التعريف العالمي ولا في قرارات الشرعية الدولية, فنجد ان لفظ اسرائيل ملتصق _بمؤسسة الدولة_ الصهيونية اكثر مما تشير الى الارض, بل يحمل مناحي اغتراب اكثر مما يحمل مناحي تمثيل شرعي,
على العكس من لفظ فلسطين وفلسطيني, الذي لا يزال يؤشر لحالة التناغم والانسجام, بين الجغرافية في مفهومها كوطن وبين الانسان في مفهومه كهوية مواطنة
تبعا لما سبق لا نستغرب ان تصبح المواطنة الفلسطينية ذات قيمة سياسية منحها لها تاريخ هذا التواصل بين الانسان والارض دون انقطاع تاريخي, في حين ان انقطاع صلة التواصل والاستمرار والاستقرار بين اليهود وفلسطين افقدهم صفة المواطنة الا عن الذين استمروا تاريخيا بها وهؤلاء لم يكونوا يعرفوا انفسهم ا كفلسطينيين قبل عام 1948م, ونذكر جميعا احراج ياسر عرفات لاسحق رابين حين ذكره بان جواز سفره قبل عام 1948 كان فلسطينيا,
ان المواطنة هي المعطى التاريخي الطبيعي والموضوعي الذي ناله الفلسطيني نتيجة تواصل الصلة وهو الذي يمنح المواطنة الفلسطينية قيمها وشرعيتها السياسية, اكان مالكا لارض في فلسطين او لم يكن مالكا لها, ومن هنا يفقد كل عقد بيع لاجنبي شرعيته وقانونيته اذا فهم ان هذا البع يتضمن القيم السياسية للمواطنة فليس من حق حائز ارض منح اوسحب القيمة السياسية للمواطنة من خلال بيع وشراء الاراضي
ان استعادة الارض هو المفهوم الثانوي في القضية الفلسطينية لان الاساس هو الحفاظ على هوية المواطنة وقيمها السياسية وهذا من اخطر نقاط ضعف منهجية النضال الفلسطيني ومفاهيمه, وتجلياته المرتبطة بالحفاظ على الملكية لا بالحفاظ على الهوية القومية,
لناخذ مثلا قضي اللاجئين, والتي تطرح في اطار استعادة حق العودة, في حين يجب ان تطرح في سياق الحفاظ على المواطنة الفلسطيني بكامل قيمها السياسية اي بتحررها كاملة, اما العودة كمواطن من الدرجة الثانية مجردا من القيم السياسية فانها غير مجدية حتى لو استعاد معها ملكية الارض,
لذلك نجد ان اشكال التضييق الصهيوني تتركز على محاولة اسقاط المواطنة الفلسطينية, وهنا يتحدد معنى النزاع على ملكية الارض في كونه اداة من ادوات الصراع على بقاء المواطنة على الهوية الفلسطينية او _احلال_ المواطنة الاسرائيلية مكانها, وبذلك يتضح ان تجريد الفلسطينيين من كامل ارض الوطن, لا يسقط القضية الفلسطينية لان الهوية القومية الفلسطينية حافظة للقيم السياسية للمواطنة الفلسطينية اكانت مالكة او لم تكن او اكانت فوق فلسطين او لم تكن فوقها, لكن الخطير والمدمر هو نسخ الهوية الفلسطينية عن المواطنة الفلسطينية واستبدالها باي هوية قومية اخرى وحينها ينفك ترابط قيمها السياسية بالهوية القومية الخاصة الطبيعية التاريخية
اما الوطنية فهي في وعي وادراك هذه المضامين السياسية التي تربط الوطن والمواطنة بمنهجية تفاعل غير قابلة للتفكك, وحتى تتحقق هذه الوطنية فان على المواطن امتلاك الدلالة الثقافية القومية لمسار التطور الحضاري لمجتمعه في التاريخ في كافة المجالات, الى مستوى امتلاك المعرفة بخصوصيته القومية وسماتها وخصائصها واتجاه تطورها الحضاري ومعيقات هذا التطور وابداء الالتزام بتجاوز المعيقات بموقعه في كامل الكتلة القومية لا من خلال التفسخات العرقية والطبقية والدينية والفصائلية, اي وحد التوجه القومي, الذي يجب ان تعززه التعددية الديموقراطية لا ان تفسخه كما تقعل الان اتجاهات الانتاضات العربية, وكم فعلت قبلها فصائلنا
ان غياب حقيقة خصوصية ذاتنا القومية من وعينا المجتمعي هو سبب كل مصيبة تلم بنا, وهي الخلل الرئيسي في ميزان القوى مع _ مجموع الاعداء_ لذلك لم يكن سهلا على وفد فلسطيني ان يشرح للقيادة الصينية قضيتنا حتى اعرب الصينيون عن اسغرابهم كيف نفهمها نحن
في الاردن الان هناك تملك اسرائيلي لاراض اردنية, غير ان هذا التملك لا قيمة سياسية له لانه لا تبنى عليه مواطنة اردنية لهم وانفترض ان الاردن اعطى اي منهم الجنسية الاردنية فسنجده قفز فورا الى مستوى التفاعل السياسي حتى لو لم يمتلك ارضا فطالما ان له حق الانتخاب والترشح الرلماني فان له ايضا حق اشغال الموقع الاداري السياسي وله حق التمثيل السياسي اذا اوكل له النظام هذه المهمة,
ان شطب الهوية القومية الفلسطينية ومواطنتها هو الرئيسي في البرنامج الصهيوني, وكل ما عدا ذلك فهو ادوات ومجالات صراع ثانوية هدفها ايصالنا الى هذه الزاوية,
ارجو ان اكون وفقت في اضاءة الموضوع
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟