|
منزل الأشباح
علي سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 23:57
المحور:
الادب والفن
The Spook House Ambrose Bierce منزل الأشباح أمبروس بيرس ترجمة علي سالم على الطريق المؤدية الى الشمال من مدينة مانشستر في ولاية كنتاكي الشرقية ، مسافة عشرون ميلاً من بونفيل، ، في عام 1862 ، كان ينتصب منزلاً ريفياً من الخشب كان يبدو أفضل حالاً نوعا ما من معظم المساكن المجاورة له في تلك المنطقة. وبعد مرور عام تعرض هذا المنزل الى الدمار عندما شب فيه حريق مفاجيء ، أشعلته ، على الأرجح ، بعض فلول قوات الجنرال مورغن دبليو المندحرة ، التي أجبرها الجنرال كيربي سميث على الإنسحاب من كمبرلاند كاب إلى نهر أوهايو. في ذلك الوقت الذي تم فيه حرق المنزل ، كان قد مضى عليه مدة أربع أو خمس سنوات تقريباً ظل فيها شاغرا من السكان ومحاطاً بحقول مهجورة أمست هي أيضاً ضحية للدغل والأشواك . كانت أسيجة المنزل قد تهدمت ، ولم تكتف أصابع النسيان والخراب بذلك بل طالت جزئياً حتى مساكن الزنوج ، والمنازل الخارجية عموما ، بسبب الإهمال والنهب ، لأن الزنوج والفقراء البيض الساكنين في الجوار كانوا قد وجدوا في المبنى وأسيجته امدادات وفيرة من الوقود ،إستفادوا منها دون اي تردد ، وبشكل علني وفي وضح النهار. كانو يرتادون المنزل في ضوء النهار وحده ، ويتجنبونه في الليل إذ بعد حلول الظلام لم يكن بوسع أي إنسان المرور بالقرب من المنزل ، اللهم الا بعض الغرباء العابرين . كان المنزل يُعرف باسم منزل الأشباح"، أي أن ارواحاً شريرة كانت تسكنه ، مرئية ، مسموعة ونشطة ، ولم يعد أحد في تلك المنطقة برمتها يشك أكثر من شكه في ما قيل له أيام الآحاد بواسطة الواعظ الجوال. أما رأي أصحاب المنزل في هذه المسألة فقد كان غير معروفاً ، لأنهم إختفوا جميعاً في ليلة واحدة ، ولم يُعثر لهم على اثر. لقد تركوا كل شيء خلفهم .. أغراض المنزل والثياب والمؤن والخيول في الإسطبل ، والأبقار في الحقل ، وعبيدهم الزنوج في أكواخهم .. وبقي كل شيء في المنزل على حاله دون تغيير ، ودون أن تمسسه يد أنسان .. باستثناء شيء واحد فقط وهو إختفاء ساكنيه المؤلفين من رجل وامرأة ، وثلاث فتيات ، وصبي ، وطفل صغير! لم يكن من المستغرب أن يختفي تماماً من مزرعة سبعة من البشر في وقت واحد ولا تساور ذهن رجل عاقل واحد بعض الشكوك . وفي ليلة من ليالي حزيران عام 1859 ، جاء الى البيت مواطنان من منطقة فرانكفورت كانا مسافران على فرسيهما من بونفيل الى مانشيستر وهما الكولونيل جاي سي مكاردل ، وكان يعمل محامياً ، ورفيقه القاضي ميرون في، الذي كان يعمل مع القوة الشعبية التابعة للولاية . كانا بصدد القيام بمهمة ذات أهمية قصوى ذلك المساء ولم يكن ممكناً لهما التخلي عنها ، رغم سوء الاحوال الجوية ورداءة الطقس والظلام الدامس وهمهمات العاصفة التي كانت على وشك الإنفجار . بعد حين داهمتهما العاصفة فعلاً وهما في منتصف الطريق ، وكان ذلك عندما أصبحا على مقربة من منزل الأشباح . أخذ البرق يهدر بقوة مما أجبرهما على الإحتماء بذلك المنزل . ولم يجدا اي صعوبة في الدخول اليه عبر بوابته المهجورة التي قادتهما الى سقيفة دخلا اليها هرباً من هزيم الرعد وهدير العاصفة التي إنفلتت من عقالها للتو . ترجلا من على فرسيهما وربطاهما هناك داخل حماء السقيفة . هرعا إلى داخل المنزل ، عبر المطر المنهمر، وأخذا يطرقان على جميع الأبواب ، لكن طرقاتهما لم تجد لها آذاناً صاغية ، إذ لم يأتي أحد ليفتح الباب لهما. وفسرا ذلك بأن ساكني المنزل كانوا غير قادرين على سماع صوتيهما أو سماع قرعهما المتواصل على جميع الأبواب بسبب هدير الرعد المتواصل ودمدمة العاصفة الهادرة ؛ فدفعا أحد الأبواب ودخلا . أنفتح الباب بسهولة . وفي تلك اللحظة وجدا نفسيهما داخل نسيج كثيف من الظلام والصمت . كان الظلام كثيفاً جداً وصلداً بحيث لم تستطع حتى أشد خيوط البرق لمعاناً وإشتعالاً من تسريب شبه بصيص من النور عبر شقوق المنزل ونوافذه الى جوف المنزل الدامس . حتى همسة واحدة من همسات المعمعة الهادرة في الخارج فشلت في الوصول الى أسماعهما . وشعرا بأنهما قد تعرضا لصاعقة أتلفت منهما السمع والبصر . فيما بعد قال مكاردل بانه شعر للحظة وكأن هزيم الرعد قد ارداه قتيلاً حالما خطت قدماه عتبة ذلك المنزل المهجور . والآن لنترك هذا المحامي القادم من فرانكفورت يسرد لنا وقائع مغامرته التي دارت احداثها في السادس من آب عام 1876 :
" عندما تمكنت بطريقة ما من السيطرة على شعوري العابر بالإنتقال من دوي العاصفة الهادرة في الخارج الى الصمت المطبق داخل المنزل ، تركز دافعي الأول في إعادة فتح الباب الخارجي الذي كنت قد دخلت منه الى المنزل وأغلقته خلفي، والذي لم أشعر بأني رفعت يدي عن إكرته بعد ؛ إذ كنت أشعر بوضوح أن أكرة الباب كانت لاتزال في قبضتي . كنت أنوي فتح الباب ثانية للخروج الى العاصفة لكي أتأكد من أنها لم تستلب مني سمعي وبصري . لكني عندما فتحت الباب وجدت نفسي أدلف الى غرفة أخرى ! " كانت الغرفة مظاءة بنور أخضر خافت ، لاأدري من أي مكان كان ينبعث ، لكنه كان يجعل كل شيءء بادياً للعيان بوضوح ، رغم أن ذلك الوضوح لم يكن كافياً لتبيان جميع التفاصيل بدقة متناهية . يجب أن استدرك هنا بأن عبارة " كل شيء " فضفاضة نوعاً ما ، لأن محتويات الغرفة كانت تقتصر على جثث آدمية فقط ممتزجة بالجدران الحجرية الملساء لتلك الغرفة . كان عدد الجثث يتراوح مابين الثمانية والعشرة .. لكن ينبغي للقاريء ان يفهم بأني لم أقف في مكاني وأقوم هكذا ببساطة بعدها. كانت أعمار أو قل أحجام أصحاب تلك الجثث مختلفة، من الطفل الى الشيخ الكبير ، ومن كلا الجنسين . جميع الجثث كانت منكبة على وجوهها على الأرض ، عدا واحدة، بدت أنها جثة لفتاة في مقتبل العمر ، كانت جالسة ، وقد إتكئت على زاوية من زوايا الجدار . وكان ثمة طفل صغير يرقد في أحضان امراة أخرى بدت أكبر سناً من الأولى . صبي في مقتبل العمر كان منبطحاً فوق ساقي رجل ملتح . إثنان أو ثلاثة أخرين كانوا شبه عراة ، وفتاة أخرى كانت تمسك بيدها خرقة من القماش منتزعة من ثوبها الذي مزقته من الجانب الذي يغطي ثدييها. كانت الاجساد الميتة قد بلغت مراحل مختلفة من التحلل ، وكانت وجوهها وأجسادها جميعاً قد تبعجت وفقدت معالمها . البعض منها لم يبق منها غير هياكلها العظمية . " بينما كنت واقفاً أنظر الى ذلك المشهد المخيف بعيون جمدها الرعب ويدي لاتزال على أكرة الباب المفتوح ، زاغ بصري وإهتمامي بطريقة لايسعني وصفها من هذه الصورة المروعة وأخذ يحوم حول تفاصيل وتفاهات لاقيمة لها . لعلها كانت حيلة ما إفتعلها عقلي بشكل غريزي لكي ينجيني من خطر صدمة قاتلة . من بين تلك التفاصيل التي شدت إنتباهي كانت صفائح الباب الذي كنت لاأزال ممسكا به مفتوحاً . لقد لاحظت بأن ذلك الباب كان مصنوعاً من صفائح حديدية ثقيلة ، مثبتة في أماكنها بالمسامير . على أبعاد متساوية من بعضها البعض ومن الأعلى الى الأسفل برزت ثلاثة مزاليج قوية عند حافة الباب المائلة . أدرت أكرة الباب فتراجعت متساوية مع الحافة؛ وعندما تركت الأكرة تعود الى مكانها الطبيعي ، عادت المزاليج الى مكانها . كان الباب مزوداً بنوع من الاقفال النابضية . في الداخل لم يكن للباب مقبض ، ولااشي آخر بارز يمكن أن يستخدم لهذا الغرض .. لأن الباب كان عبارة عن سطح أملس من الحديد. " وبينما كنت منشغلاً بملاحظة هذه الأشياء بإهتمام متزايد لازلت أتذكره الآن بدهشة كبيرة، شعرت بيد تدفعني جانباً لتسمح لصاحبها بدخول الغرفة، ولم تكن تلك اليد سوى يد القاضي في ، الذي كنت قد نسيت وجوده تماماً نتيجة لإرتباك مشاعري والإضطراب النفسي الذي كنت أعاني منه في تلك اللحظة . " بحق الإله ؛ " صحت خائفاً " لاتدخل الى الغرفة ودعنا نغادر هذا المكان المرعب !" لكنه لم يعر بالاً لندائي وتوسلاتي ( وكان في ذلك لايقل شجاعة عن أي جنوبي حقيقي ) وسار بسرعة الى منتصف الغرفة ، وجثا بالقرب من أحدى الجثث ليتفحصها عن كثب ، رافعاً رأسها الأسود المنكمش برقة بين يديه . عندما قام بذلك هبت عبر الباب رأئحة عفن قوية وغلفت حواسي بالكامل . شعرت بالدوار والغثيان ؛ وأحسست بأني غير قادر على الوقوف على قدمي ، فمددت يدي الى مقبض الباب لكي أستند عليه وأمنع نفسي من السقوط على الارض ، لكني بعملي هذا جعلت الباب ينغلق بقوة مصدراً رنيناً معدنياً ! " لااتذكر المزيد مما حدث : لكني ثبت الى رشدي بعد ستة أسابيع في أحد فنادق مانشستر ، حيث تم نقلي الى هناك في اليوم التالي من قبل بعض الغرباء. طوال تلك المدة كنت أعاني من حمى عصبية ، ومن هذيانات متواصلة . لقد عثروا علي مرمياً على قارعة الطريق على مسافة بضعة أميال بعيداً عن المنزل ؛ لكن كيف تسنى لي الهروب منه والوصول الى ذلك المكان ، لاأدري . عندما تماثلت للشفاء ، أو قل عندما سمح لي طبيبي المعالج بالكلام ، كان أول سؤال لي بالطبع هو الإستفسار عن مصير القاضي في ، والذي ( كما قالوا لي ليهدؤا من روعي ) بأنه كان بخير وفي منزله . " لم يصدق أحد حرفاً واحداً مماقلت ، ومن كان يصدق ؟ من كان يتخيل حجم أحزاني عندما عدت الى بيتي في فرانكفورت بعد شهرين ليقولوا لي بأن القاضي في قد إنقطعت أخباره منذ تلك الليلة ؟ لقد جعلتني هذه الاخبار أندم بمرارة على كبريائي الذي منعني بعد يومين من تماثلي للشفاء من إعادة سرد قصتي العجيبة التي لم يصدقها أحد ، كان ينبغي لي أن اصر على ان ماحدث كان حقيقة لاتقبل الشك . " والآن ليس ثمة من جديد أستطيع إضافته الى معلومات قراء صحيفة "الأدفوكات" بخصوص ماحدث لاحقاً .. فالجميع على علم بمسالة تفتيش المنزل؛ وفشل المفتشين في العثور على غرفة تتطابق مواصفاتها مع مواصفات الغرفة التي ذكرتها ؛ هم على علم ايضاً بمحاولة إلصاق تهمة الجنون بي ودحضي لأولئك الذين حاولوا إلصاق هذه التهمة بي . لكن بعد مرور كل هذه السنين لازلت مقتنعاً بأن الحفريات التي لاأملك الحق القانوني في إجراءها ولا المال الكافي لتغطية نفقاتها ستكون كفيلة بكشف سر إختفاء صديقي التعس ، وربما ألقت الضوء على ملابسات إختفاء سكان المنزل الاصليين الذي هجروا منزلهم الذي اصبح الآن أرض خربة. لم ايأس تماماً من إمكانية تحقيق ذلك ، ويحزنني أن يكون مشروع الحفر والتنقيب هذا عرضة للتعطيل والإهمال من عائلة صديقي القاضي في نفسه والتي عاملتني بكل مظاهر العدوانية وعدم التصديق ". توفي الكولونيل مكاردل في فرانكفورت في الثالث عشر من كانون الأول عام 1879 . ترجمة علي سالم
#علي_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واقعة جسر أوول كريك - قصة أمبروس بيرس
-
صور من ذاكرة متصدعة
-
ليتك تعلمين
-
سوق الكلام
-
تساؤل
-
سفرة في الحلم
-
ملائكة ميدان التحرير
-
الى مخلص التونسي ، صاحب كتاب الصبر
-
أبناء الفقراء
-
- حديث الفصول -
-
زهرة الصيف الأخيرة
-
أحبك
-
لاتتركيني !
-
فاتن
-
قليل من النور
-
المتوحد
-
فاتونائيل
-
الشبح
-
لا توقظ القمر
-
قصيدتان الى - ف -
المزيد.....
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|