|
مجزرة النرويج وفكرة المواطنة لجيلنا الثاني
هاشم مطر
الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 23:51
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بقدر ما ارعبت المجزرة سكان النرويج الأصليين، فأنها ارعبت واغاظت مغتربي هذا البلد الأمين. وصفة الأمان هي صفة للعدل والمساواة التي اتسمت بها بلدان اسكندنافيا وشعوبها. وبالقدر الذي احزنت سكان بلدان اسكندنافيا الأخرى ودول الشمال المجاورة، فانها احزنت واغاظت ايضا المغتربين الذين يعيشون على ارضها.
لقد كانت تلك البلدان أمينة على ما عاهدت نفسها عليه وجعلته أمرا ثابتا في نهجها ودساتيرها، فهي مشبعة ببنود حقوق الأنسان والمواثيق والأعراف الدولية. ولا يخفى على احد ان بلدان اسكندنافيا فتحت ابوابها للاجئين والمتضررين من كل بلاد، وكان للعراقيين من اللاجئين والمغتربين حصة اغترفوها من ميراث اسكندنافيا وأوربا الحديثة. فقد منحتهم تلك البلدان الأمان الذي افتقدوه في بلدانهم، وشملتهم بنظام رعايتها الأجتماعية وفق أعلى بنوده من حيث سد الحاجة والوفرة وحتى الرفاهية.
هنا في اسكندنافيا كان للعراقيين البيت والعمل الشربف، والوقت الذي يمكنّهم من التأمل والاختيار، فالبعض درس وتعلم او اكمل دراسته، والبعض انخرط بالعمل والابداع، والبعض من اختار تأهيل نفسه للكثير الذي كان له حلما في يوم من الأيام.
عوائل هاجرت ومعها اطفالا رضع، صبيانا وصبايا لم ترى اعينهم البلاد التي تغنى بها اباءهم بنهريها، نخيلها هضابها، وجبالها. تلك البلاد التي كانت حلم لأمِ تحتضن ابنائها وترفدهم بثرائها، والطيّب من موروثها، اصبحت الرحا التي تطحن عظامهم، تقض مضاجعم فيها احلام غارقة بعتمتها وكوابيسها التي لا تنتهي. وهنا ايضا من فارق جزع وحشته فتأهل، تزوج وانجب، وكان له نصيبا كما الآخرين بسكن وبيت مؤثث ومرتب حتى وهو عاطل عن العمل، وله من الخيارات ما لا تكفيه اصابعه لعدها. والبعض الآخر من اقترن بشبيه له من بيئة المجتمع الجديد، فكان علامة واضحة بأن النفس الطيبة واحدة، وان صراحتها وآفاقها دون حدود.
وكأول مغتربين كنا نلتقي ونيسّر حياة الغربة بالقليل او الكثير من العلاقات، تشدنا الذكريات على وقع الرفاهية الاسكندنافية الأثيرة، فهي الوعاء الذي مكننا من حياة اخرى غير تلك التي تزخر (بمعجراتها) في ايران والسيدة زينب او في الجزائر وليبيا وربما يضيف البعض عددا خر في الهند والفلبين وباكستان او اي بلد آخر. ومع قليل من الشقاء وكثير من الأرادة استطعنا ان نعلن نجاحنا بأننا مواطنون ليس كما في العراق بتبعية ايرانية او سياسيون خارجون على القانون، وانما مواطنون من الدرجة الأولى لنا الحق وعلينا الإستحقاق، وحملنا جوازات سفر اضافت لشخصيتنا معالم جديدة.
ذلك الميراث الإسكندنافي الذي جعل جيلنا الثاني، وهو مقصد حديثنا هذا، ينظر الى الدنمارك كمواطن اصيل، فهو نشأ وتربى في حدقات المربيين الدنماركيين، في الحضانات ورياض الاطفال والمدارس والجامعات. حتى اصبح هذا النسيج مختلف عنا بالكثير والقليل. فلغته الأم هي الدنماركية، اما لغة آباءه فهي عزف منفرد بايقاع خلفي خفيف، يستشف منه روعتهم، ويلتقط من خلاله ما يتيسر له من لولازم الاغتراب، فيلهج ببعض الشجن، بأن بلاد اباءه اغتصبت، وانها سيلا من دماء لا يشملها التغيير. جيل انبرى لمشكلاته على نحو مختلف، تعلّم واصبحت له ثقافته الخاصة، يتعامل مع الحداثة وفق ارقى النظريات التي درسها وتعلمها. بعضهم تزوج وانجب، والبعض منهم له تجاربه في الكثير من مرافق الحياة التي تفتح له ارحب الآفاق واشدها إضاءة على خلاف اباءه، فمنهم من ترك دراسته ومنهم من داسته الحياة ومزقته باظلاف الشرق الممعن بالسادية والإنحراف للأسف. وهو نفس الشرق الذي أرفد الآخرين باشراقه وفصول مساهمته بكل شيئ. فهو الذي «رأى كل شيئ» كما في كلكامش.
وعودة للإسقاط الذي قصدته وهو «مجزرة النرويج»، وما جعلني بهذا الشقاء الذي اكتب فيه، فأنا لست ممارس كتابة او نص ابداعي، واستميحكم العذر لذلك، وجدت بقلق ابنتي نخيل، وهو اسم مهجري كما يبدو، فهي ولدت هنا في هذا البلد الأمين، تعلمت واكملت جامعتها كما ابناء المغتربين الآخرين ولا يفوتني ذكر اسم «.أماني» العراقية الأولى على ثانويات الدنمارك عام 2010، وجدت بقلقها وهي تقلب التلفاز وتستخدم تلفونها المحمول باضطراب واضح، ثم تنتقل الى صفحات الأنترنت والفيس بوك، سببا ان أتأمل فحوى القلق الذي اكتنفها والدمعة التي احتبست بجفنيها والحسرة التي حاصرت رئتيها.
سألتها على نحو مستفز: مالذي يشغلك بالأمر.؟ فأجابت - انه بلدنا يا بابا!. ثم أضافت، اتعرف ان النرويجيون مسالمون حتى لا يكاد المرأ ان يسمع لهم صوتاً، سكتت وتابعت قليلاً على شاشة التلفيزيون والانترنت وقالت: كيف يمكن لهذا العدد القليل من السكان في النروج ان يقتل منهم في يوم واحد هذا العدد الكبير!. لاحظت حينها مقارنة بجيلنا وساستنا في العراق ان سؤالا مثل سؤالها لايشغلهم فأبناء بلدهم يموتون كأسراب الجراد دون سؤال.
رجوتها ان تطلعني على ما تكتبه على صفحتها في الفيس بوك فكانت الصدمة. لست مبالغاً، الآف من الشباب المغتربين يتساءلون ويزجون انفسهم بحال البلاد ويتواصلون مع اقران لهم من مختلف البلدان، يقيمون الدنبا ولا يقعدوها، لسبب واحد ان بلدهم مشمول بالدمار ويتعرض للأرهاب، فينبرون للأحقاد بطرق لا يمكن ان تتجاهلها الحكومات مهما بلغت وطنيتها، ولا ساستها، فهنا فعلا الشباب يحمي البلاد.
اوقد في ذهني ذلك، التساؤل الذي شغلني قبل نحو شهرين. كنا قد قررنا وقتها في تيار الديمقراطيين العراقيين اقامة حفل تعريفي ذا طلبع اجتماعي، وجرى الأتفاق في الهيئة على مساهمة للشباب يختاروها بأنفسهم. ما ان فسرت الأمر الى بعض من شبابنا من الحيل الثاني، حتى ازدحم الفيس بوك بالآراء والاعلانات والتفاعل فيما بينهم على صفحة انشأوها بدقيقة واحدة من دون ضجيج. كان حضورهم مبهر حقا مما ادهشنا جميعا، وكانت مساهمتهم رائعة بتحشيدهم وكلمتهم التي القتها شابتين بالتناوب، اي (دويتو) كما يقال في الفن، وكانت مساهمتهم الفنية بارعة بأغاني لشابتين ادهشت الحضور. عاينت وقتها الفرق بما نقول ونلهج ايام وليال وتأتي مساهمتنا متواضعة، ونختلف على موقع الفاصلة والنقطة، وبين ما يقولون على نحو برقيات سريعة فتكون مساهمتهم بارعة طافحة بالكرم والنجاح. يعودون فيختبئون كما النحل لكنهم يعملون. فهل تعلمنا من جيلنا الثاني!؟،
عدت فسألت ابنتي عن الأرهاب، وهنا قصدت ان يكون سؤالي مثيرا للجدل، كون الإرهاب من جبة مسلمة، ضحكت وقالت «انه خيار دولي بابا، يحمل هويته بأسمه»، وكأنها تقول «انت دقة قديمة يا بابا فمتى تنتهي من كلام لا فائدة منه». وانهت حديثها معي كأي استاذ محترف يضع نقطة اخيرة في محاضرة. وعادت الى نسق خياراتها حول الموضوع مع اقرانها، وكأنها مسؤولة عن حماية العالم!
لا اود ان أسأل السؤال عن حالنا نحن المغتربين الذي سيسأله الجميع عن زمن الحب وزمن القرب والزمن الذي افل ضياءه منذ زمن. لكني اسأل هل سيكون لنا نحن المغتربين، متاعا ندنو به من المقولة الأثيرة التي لم نعرفها الا من خلال ابنائنا وهي «المواطنة»؟!. وهل سيرقى خطابنا الى اكثر من (الخزي والعار للقتلة والارهابين والمفسدين)، ونحوها. مجرد سؤال اضعه.
#هاشم_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|