سعيد رمضان على
الحوار المتمدن-العدد: 3434 - 2011 / 7 / 22 - 13:04
المحور:
الادب والفن
الجسور الفلسطينية
الاحتلال الصهيوني، الذي أدى إلى أعمال مقاومة، أدى أيضا إلى عمليات تهجير وهجرة خارج الوطن الفلسطيني، لكن عمليات التهجير والهجرة دفعت أبناء الوطن في الخارج لإنشاء صلة بوطنهم، وهذا ما نحاول رصده في قصة " الجسر " لعايدة النوبانى، الكاتبة الفلسطينية المقيمة بالأمارات ، وقصة "سرداب التاجورى "لمريم خليل الضانى .. وهى كاتبة فلسطينية تعيش في السعودية ..
---------
أولا : الجـسر ( عايدة النوبانى )
-------------------------------
إذا أردت البحث عن امرأة تجسد الحرية، بصورة فعليه وفعاله في المجتمع العربي والعالمي، أيضا فسوف أجدها متجسدة في المرأة الفلسطينية !! ولم لا وهى التي قالت :
( إنني أحب زوجي وسأذهب إليه في الخندق ) وحملت سلاحها وذهبت لتجلس مع زوجها طيلة الليل للحراسة ولم يمنعها أحدا .. أو بالأصح لم يفكر أحد في منعها ويقول جان جينيه ( في كل ثورة المرأة هي دائما العنصر الأكثر جذرية وفى الثورة الفلسطينية يبدو ذلك بشكل جلي )
ويقول سعدي يوسف عنها ( المرأة التي أنهت عبودية المطبخ )
وأمام القنابل والرصاص والدم والموت تطلق الزغاريد في وجه العدو فيرتعد ,ويصاب العالم بالدهشة والفزع ..!!!!
وتأتى عايدة النوبانى وتؤكد حريتها لتستكمل المسيرة التي بدأت عام 1903 تاريخ تأسيس أول جمعية نسائية في فلسطين ..
والعنوان ( الجسر ) دال .. فالجسور تقام للربط بين ضفتين يفصلهما ماء ، لربط منطقتين مرتفعتين أو متساويتين مع الأرض لكن بينهما هاوية ، أو شق متسع وغائر في الأعماق ، وعموما فأن الحركة فوق الجسر تكون في اتجاهين .. ويلزم للمرور بأمان أن يكون الجسر مثبتا بدعائم قوية فإذا تأرجح أدي إلى السقوط في الهاوية .
لذا فان العنوان ( الجسر) يحمل دال حاضرة وهو الجسر وثلاث دوال غائبة ، فأحد الدوال تكون أسفل الجسر ( هاوية ) وتحمل معنى الضياع أيضا ، ودالين الضفتين .. وعندما ندخل للمتن نجد السرد حريصا على الربط بين الضفتين ، بجسر قوى منعا للضياع أو السقوط في الهاوية ..
وإذا كان بالقصة جسرا حقيقيا كبناء موجود فعلا ، فان الجسر الحقيقي بين ثنايا النص هو الذاكرة .. ويوجد أيضا بالنص بطل يظهر يتحرك ويفكر، لكن البطل الحقيقي هو الوطن عبر تأكيد الذاكرة بحثا عن الهوية:
(الآن وأنا احتاج لأن أعرف أي جزء من الشجرة أنا، )
لتكشف إثناء محاولة الإجابة على سؤال الهوية أنك تقرأ تمزقا لإنسان ينزف بعيدا عن الوطن :( الشارع تحت قدمي لا يحمل نبضا ولا روحا ولا حركة، لكنه يحمل طعنة أخرى.. ) وبين الماضي والحاضر يقف البطل حائرا ويسأل : أين المصير ؟
والصراع الذي يمزقه ويسجل النص :
(حتى عندما نمت سرا ملتصقا بالحائط على جانبي الأيمن مفكرا بك يا جدة، وكأنك لا تنتمين إلى الموت )
والسؤال هو ما العمل ؟ فيجيب على نفسه بهزيمة :
( عندما بدأت الصراخ كنت قد أدركت أن الرفض لا يجدي وهكذا بدأت حياتي بالانتهاء. )
لكنه يستمد قوته الروحية من تراثه و تاريخه:
(:- أنا أيضا لا يناسبني الخوف يا بني، الخوف يبقينا بعيدين عن كل شيء جميل وطبيعي في الحياة )
وهو قول مشابه لقولا حقيقيا متجسدا في الواقع الفلسطيني , وقد قالت امرأة لزوجها أمام جان جينيه :
( أنظر .. هذا هو رجل أجنبي يأتي مجتازا آلاف الكيلو مترات ليساند الثورة ففي حين ما تزال أنت / الفلسطيني تتردد في حمل السلاح والانضمام إلى الفدائيين )
لكنه يصل في النهاية إلى اكتشاف الهوية بالاستناد إلى التراث والتاريخ فيقول :
( جدتي تبتسم بود فأنسى كل شيء حتى هذا الطريق الجبلي والمنحدر العميق. )
وبين المقاومة والصعود والنسيان والسقوط يجد نفسه .. انه فلسطيني.. يتجسد فيه الحاضر والتراث والتاريخ وعندما يسأل :
(:- لماذا يا جدة أمرتني أن لا اكتب إلا عنكم ؟ لماذا )
وعن طريق فعل الذاكرة يكون قد وجد الإجابة .. وجد جسره الذي عبر عليه لكي يعرف من يكون .
----------------------------
ثانيا : سرداب التاجورى ( مريم خليل الضاني )
--------------------------------------
كاتبة أخرى فلسطينية ، مقيمة في السعودية وهى( مريم خليل الضاني ) تأخذنا على جسر مشابه في قصتها ( سرداب التاجورى ) عن طريق تقنية الاسترجاع، عندما تبدأ بقولها (عندما كنت صغيرة ... ) في رحلة للماضي لنستكشف طبيعة الشخصية من خلال وصف المكان فتضعنا مباشرة في نطاق منظور تلك الشخصية بحيث نتحسس همومها وأحاسيسها الداخلية :
(وأذكر أنني كنت أجد أنفاسي وكلامي وضحكي مختبئين بين طوب البيت القديم )
أن هذا الامتزاج بالمكان يوحي بالفعل الذي سيأتي في النهاية :
( اختبأت في ذلك المكان الممتلئ بالأخشاب والمتاع القديم والتراب والرطوبة .)
وهى لا تختبىء في سرداب بل في طريق يصل إلي القلب والحب كما تقول أمها :
(.... إنه نفق طويل يمتد كالعروق في جسد المدينة المنورة ، فأسألها : وإلى أين يذهب فتقول : إلى قلب المدينة الذي يحبنا ونحبه .)
وعندما تسأل :
(: ـ لو أن اليهود خرجوا من بلدتنا فهل نرجع إليها ؟ )
فالخوف المترسخ في نفسها من الكراهية حيث يرتبط ذكر اليهود بالقتل والتعذيب والطرد والتشريد , هذا الخوف يدفعها للرغبة في البقاء بالمكان , الذي وجدت فيه الملاذ والأمن والقيم الروحية , وكطفلة لا تتنكر لبراءة طفولتها أو أحاسيسها .
وينعكس الوصف على الشخصية ويعبر عن نفسيتها كالمقطع التالي :
(وكنت أحب بعد ذلك أن أسترخ على ( بسطة) الدرج .... وأضع خدي على الأرض الرطبة الندية وأشم رائحتها فتدغدغ مشاعري ... وقد يسرقني النوم هناك .... فتحملني أمي وتضعني في فراشي )
وفى مقطع أخر يتخذ الوصف صورة مناقضة للوطن الأم :
(وبعد العصر تجتمع بنات الجيران في بيتنا ونجلس على ( الدكة ) القريبة من باب البيت مع عرائسنا القماشية المحشوة بالقطن والمزينة بالشرائط الملونة والأزرار والكشاكش ..... ثم نخرج من هذا العالم إلى عالم العرائس ... وقصصهن المشوقة .. )
هو وصف لبراءة الطفولة وجمالياتها , والحياة في دعه وبطريقة مطمئنة، ولاتصف الكاتبة بالمقابل صورة الأطفال الفلسطينيون في الوطن تاركة للمتلقي تخيل الوضع وأجراء عملية مقارنه , فالسلام الهادئ للطفولة , يقابله العنف والشر الموجهان ضد الطفولة , ومع ذلك فأن التضاد موجود , فالطفلة تعيش مع أهلها خارج الوطن الأم, لقد اغتصب عدو وطنهم وأصبحوا من ضمن فلسطيني الشتات , , وهذا التضاد – بنوعية ,المتخيل وغير المتخيل - يضفي على القصة القوه والعمق , وهو ما يجعل النهاية منسجمة مع السياق .
وقد كشفت الكاتبة بإشارات دالة , عن تأكيد الذات واثبات الوجود في مواجهه واقع المنفى والغربة وتعبر عن ذلك بمقطع أدبي جميل :
( كانت حكايات أمي تتفتح فوق السطح كالأزهار .... أحدق في النجوم البعيدة في السماء ... وأصغي إلى حكاياتها عن بلدتنا الصغيرة في فلسطين .... وعن بيوت تلك البلدة التي يحتضن كل بيت فيها ساحة صغيرة مزروعة بأشجار البرتقال والزيتون )
ويعبر المقطع التالي ببساطه نادرة عن السمات الإيجابية للمواطن الفلسطيني الذي يتمسك بجذوره رافضا طمس هويته :
(وعن رائحة تلك الأرض التي تتشبث بجذور الأشجار بقوة وعن لون ترابها الطيب الخصيب )
أنها أحدى القصص التي تملك قيمتها وحيوتها في بساطتها وتلقائيتها ، ومن خلالها قدمت الكاتبة لنا شخصية حية غير مسطحة ودون ضجيج , وتتعامل مع الواقع من خلال منظورها بنضج وصدق .
--------------
هوامش وإحالات :
قصة : الجسر – عايدة النوبانى - موقع القصة العربية
قصة : سرداب التاجورى - مريم خليل الضانى -موقع القصة العربية
#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟