أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سوسن بشير - يحدث في بلادنا : يوم عالمي للفلسفة بلا فلسفة



يحدث في بلادنا : يوم عالمي للفلسفة بلا فلسفة


سوسن بشير

الحوار المتمدن-العدد: 1022 - 2004 / 11 / 19 - 12:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"في القرن السادس قبل الميلاد دبت الحياة في شيء ما على الساحل المتعدد الجنسيات الكوزموبوليتاني لآسيا الصغرى، كانت له أهمية عظمى جداً في الحضارة البشرية لاحقاً. فقد ابتدأ الناس هنا يطرحون تساؤلات لم تكن قد خطرت ببال أحد من قبل قط.... ابتدأوا يتساءلون: مم صنع هذا العالم، وكيف جاء إلى الوجود؟"
بهذه الكلمات يبدأ كتاب له عنوان رائع، وهو كتاب "متعة الفلسفة" لمؤلفه هكتور هوتون، ترجمة يعقوب يوسف.وهذا المقال لا يتعرض للكتاب،بل يكفينا منه هذه السطور، التي عليها أن تلقي آلاف الأسئلة دفعة واحدة في أدمغتنا، وخاصة أن اليوم الموافق الثامن عشر من شهر نوفمبر، يوم عالمي للفلسفة،قررته اليونسكو،تلك الهيئة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة،وهى الهيئة الوحيدة التي لا تتلقى دعماً مادياً من الولايات المتحدة الأمريكية،كباقي هيئات المنظمة التي تبيع أمريكا وتشتري فيها،كما ينظر الأمريكيون لهذه الهيئة بوصفها مافيا فرنسية.

وجاءت المصادفة أن أقابل بالأمس أحد العاملين في المكتب العلمي لليونسكو بالقاهرة، وهو مسئول له أهمية، فقلت له كل سنة وأنت طيب، فأجابني لمَ، قلت إن غداً اليوم العالمي للفلسفة، فقال لم أسمع به. ومن الجدير بالذكر هنا، أن نصف في عجالة، كيف يبدو وجه القاهرة يوم عيد الحب العالمي، حيث تمتلئ محال الهدايا بأنواع وأشكال من دمي الدببة تحديدا،ً بجميع الأشكال والأحجام،تمسك بقلوب أو زهور حمراء (واللون الأحمر هنا لا علاقة له بالماركسيين)،وتتفنن محال الزهور في تقديم باقات المحبين. هذه المقارنة لا تهدف سوى لدلالة مباشرة حول ما نأخذه من الغرب ويصبح في العاصمة المصرية عيداً شعبياً، وما نتركه لدرجة أن لا يتعرف عليه مسئول كبير في الهيئة التي أطلقته.

نعود لآلاف الأسئلة التي يمكن أن تطرحها عبارات المقدمة السالفة، وننتقي منها واحداً يطرح نفسه في البداية، كيف يرتبط سؤال العالم ووجوده بذاك الفكر الذي نشأ عند اليونانيين القدامى، وأطلق عليه"الفلسفة"، ولا يرتبط بالحضارة المصرية القديمة أو البابلية مثلاً، مع ما قدماه من طفرات فكرية للبشرية. وإذ نخص بالذكر الحضارة المصرية القديمة، فقد قدمت تصوراً لوجود العالم، بل قدمت ما هو أكثر من ذلك، في الميلاد والموت والبعث.
الإجابة على هذا السؤال، قد توضح لنا أيضاً سبب غياب الفلسفة لدينا الآن، وهي تبدأ من منشأ الفلسفة لدى اليونانيين. و"فلسفة" كما تقدمها المعاجم، كلمة مشتقة من فيلاسوفيا اليونانية، وتفسيرها محبة الحكمة. ومعنى الفلسفة كما يقول الخوارزمي في مفاتيح العلوم:"علم حقائق الأشياء والعمل بما هو أصلح". ومن يُطلق عليه" أبو التفلسف" هو اليوناني "سقراط"(470 ق.م – 399 ق.م)، والذي يحكى عنه،إنه كان رجلاً من العامة، عمل أبوه في نحت شواهد القبور، وعملت أمه قابلة، أي داية، كانت تُولد نساء الفقراء. وربما لهذا أخذ عنها ابنها النجيب المهنة، وطاف يُولد في الشوارع، لكنه تخصص في توليد الأفكار. فسقراط القبيح شكلاً، كان يهيم في الطرقات بملابسه المهلهلة، يسأل ويجادل الشباب، يحفزهم على تحريك العقول، وينطلق معهم من مبدأ "اعرف نفسك"، وذلك عبر منهجه الخاص المعروف بما أسلفناه"التوليد". فسقراط الذي عُرف بأنه من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، فمن جاء قبله لم يربط الفلسفة بالحياة اليومية مثله، كان يتوصل عبر حوار فلسفي يبدأ بأشياء الحياة المعتادة مع أحد الحرفيين، كالنجار مثلاً، مروراً بألوان النشاط الدنيوي، إلى ماهية الفعل الإنساني، فيصل إلى معاني، كالفضيلة والعدل والسعادة، ومن هذا يصل أيضاً إلى معنى الطغيان والطاغية، وكيف يكون واجباً على الناس مواجهة الاثنين، وذلك عبر فكر منهجي متسلسل وسليم، لا على تعصب أعمى لاتجاه دون آخر. لم يكن مثل كهنة آمون في الحضارة المصرية القديمة، يفرضون الفكر على المصري البسيط بمكوناته ومناهجه، بدءً من تصور عام للوجود حتى أبسط الأشياء. بل كان سقراط يردد دائماً "لا أعرف شيئاً". وكان من أعظم ما أنجز، هو زرع الفضيلة في النفوس، حيث علم الناس أن الفضيلة ليست موروثة، وليست حكراً على أحد، وإنما نصل إليها بعقولنا، فنتعلمها ونطبقها لما فيه صلاح للإنسانية.

لكن الاهتمام الفلسفي بالحياة اليومية، لم يظهر عن حق فيما بعد سقراط، إلا في القرن العشرين، بعد إجتهادات للفكر الفلسفي على مدى هذه القرون، هذا الفكر الذي ساهم فيه العرب بنقله من اليونان إلى الغرب أجمع عبر الترجمة، كما ساهموا فيه عبر فلاسفة عظام. لكن لم يكن للأمة العربية من الاهتمام الفلسفي بالحياة اليومية من نصيب، في القرن العشرين أو غيره، فالهدف الأساسي للفلسفة من تناولها لتفاصيل الحياة اليومية، هو فهم الوجود بشكل عام، والوجود الإنساني بشكل خاص، عبر العلاقة مع الأشياء والآخرين. وهذا هو الفهم الفلسفي.
وكما قال لنا أحد الأساتذة ذات يوم، بأن عبر هذا الفهم الفلسفي، يختلف صاحبه عن الإنسان العادي الذي ينغمس في الحياة اليومية. ويؤدي هذا الانغماس إلى أن يصبح فهمه لعلاقات الأشياء ببعضها فهماً غامضاً. ومن خلال تعميق هذا الغموض، ودفع الإنسان العادي إلى الانغماس أكثر وأكثر في تفاصيل حياته اليومية،بدلاً من انتشاله، يصبح أكثر عرضة ليتلقى كل شيء من علِ، بدءً بتصوراته عن الوجود، ووصولاً إلى كل تفاصيل الحياة، قد يدفعه إلى هذه التصورات التي تطال كل حياته، رجال دين أو سياسيون أو حتى مثقفون، وإن كان المثقف صاحب التأثير اليوم، هو من يعمل مع الأول أو الثاني، أو الاثنين معاً، ورأى الأستاذ أن هذا تحديداً ما يحدث في بلادنا، فكيف يمكن اذاً أن نتحدث عن فكر فلسفي.
و الأستاذ المشار إليه صاحب هذا التفسير، الذي يشاركه فيه كثيرون، رحل عن الدنيا تاركاً أروع دراسة، وربما الدراسة الوحيدة، التي طُبق فيها الفكر الفلسفي، على أداة نستخدمها جميعاً في حياتنا اليومية. سيتعرض لها المقال القادم. وكل عام وأنتم بخير، بمناسبة اليوم العالمي..............للفلسفة.



#سوسن_بشير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماريت تقول : مصر تقتل نفسها
- جيفارا ....مقهى ومطعم
- فرقت السلطات السعودية بين علي الدميني وأبيه....فهل لا تفرق ب ...
- بَدَد الشيوعية العربية بين أثر مفتوح و تأويل ُمفرط
- قدرألذوات العربية المتفردة وشعوبها بين التجميد و الإذابة:فرج ...


المزيد.....




- ويتكوف: وفد أمريكي سيتوجه إلى السعودية لإجراء محادثات مع وفد ...
- إيطاليا.. الجليد والنار يلتقيان في مشهد نادر لثوران بركان إت ...
- كيف يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
- روبيو ونتنياهو يحملان إيران عدم الاستقرار في المنطقة، ويؤكدا ...
- فيديو: مناوشات مع مؤيدين لإسرائيل أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين ...
- رئيس دولة الإمارات يستقبل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ال ...
- سوريا.. هجوم على دورية تابعة لوزارة الداخلية في اللاذقية يسف ...
- سيناتور أمريكي يوجه اتهاما خطيرا لـ USAID بتمويل -داعش- والق ...
- السعودية.. القبض على 3 وافدات لممارستهن الدعارة بأحد فنادق ا ...
- الخارجية الروسية تعلق على كلمات كالاس حول ضحايا النزاع الأوك ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سوسن بشير - يحدث في بلادنا : يوم عالمي للفلسفة بلا فلسفة