|
كاميليا الرواية الأردنية
علي هصيص
الحوار المتمدن-العدد: 3422 - 2011 / 7 / 10 - 01:50
المحور:
الادب والفن
كاميليا الرواية الأردنية
علي هصيص - يستدعي العنوان (كاميليا الرواية الأردنية) رواية "غادة الكاميليا" لألكسندر دوماس الابن، تلك الرواية التي صدرت طبعتها الأولى العام 1848، وتدور أحداثها حول فتاة بغي اسمها مارجريت جوتيير، وهي شخصية روائية تعادل شخصية حقيقية، هي ماري دوبليس عشيقة الروائي دوما الابن نفسه. ترى ما علاقة هذه الرواية بالرواية الأردنية "زائرة منتصف الليل"؟ ما قصده مؤلف كتاب "كاميليا الرواية الأردنية"، د.نبيل حداد حين استعار الكاميليا اسما ومضمونا، أن يطلعنا على رواية أردنية صدرت أوائل الستينيات من القرن الماضي، وعلى الأرجح العام 1963. ونحن عندما نضع رواية أردنية في محاذاة هذا التاريخ فإننا نكاد نضع أيدينا على واحدة من أوائل الروايات الأردنية، في حين كان المسرح قد قطع شوطا لا بأس به، وخاصة المسرح المدرسي من خلال الجهود التي قدمها روكس بن زائد العزيزي والجهود المشتركة بين الضفتين. روايتنا هي "زائرة منتصف الليل" لكاتب أردني مغمور اسمه عبدالكريم فرحان، يحكي لنا حداد قصته معها التي بدأت العام 1964 وانقطعت لسنوات طويلة إلى أن عاد إليها أو عادت هي إليه بعد أكثر من أربعين عاما. يصنف حداد هذه الرواية بأنها رواية رومانسية، حيث يقول: "الرواية أحداثا وشخصيات وربما معمارا، لا تقل مستوى عن أي رواية رومانسية من تلك التي كتبها أعلام الروائيين الرومانسيين العرب في النصف الأول من القرن العشرين، أي مرحلة ما قبل محمد عبد الحليم عبد الله" (ص 23). وهو هنا يضع التجربة المصرية لتكون أحد المعايير في تكوين هذه الرواية، وربما كان هذا نابعا من سيطرة الرواية المصرية على الساحة العربية وفرضها نفوذها وتأثيرها بشكل واضح في ذلك الوقت، وأعتقد أن هذا كان بتأثير السياسة المصرية وثورة الضباط الأحرار، التي زادت في رومانسية الشعوب العربية واغريراقها في أحلام النصر والتحرير، فانجذب العالم العربي نحو الخطاب المصري السياسي والثقافي والفني. وعندما ضعف التأثير المصري، بدأت تظهر هويات أدبية وفنية عربية قطرية أو إقليمية، كالأدب الخليجي وأدب بلاد الشام في السبعينيات وبعدها. لا يعني هذا الكلام معارضة المنهج الذي سلكه حداد في إخضاع دراسة الرواية إلى مسلكيات الثقافة والرواية المصرية، بل على العكس تماما، فقد أحسن حداد صنعا حين فعل ذلك، لأنه درس الرواية من منظور زمنها لا من منظور زمن جاء بعد أربعين عاما من انقطاعه عنها. لكن، لماذا انقطع عن الرواية كل هذه المدة؟ بل لماذا تركها عندما قرأ صفحات قليلة منها العام 1964، ثم عاد إليها بنهم شديد -كما يبدو- بعد أن عادت إليه عن طريق أحد الأصدقاء بعد أربعة عقود؟ سبب انقطاعه عنها أو عن قراءتها، أنه لم يعجبه ما كتبه عبد الكريم فرحان نفسه في مقدمة روايته عن الكتاب المصريين حين هاجمهم واتهمهم بمحاولة تضليل القراء وحملهم إلى قصور شامخة وإن كانوا في أكواخ... تعجّل الراوي في كلامه، وتعجل حداد في هجره الرواية التي تهاجم الكتاب المصريين الذين هم منبع ثر من منابع ثقافته. لقد استطاع الكاتب أن يؤثر سلبا في حداد، فصرفه عن قراءة روايته -وقد كان في بداية شبابه آنذاك- وحمله على ترك الرواية انتصارا لمصر وكتابها. حسنا... كيف كانت النظرة إذن بعد أربعين عاما؟ لعل أبرز ما في هذه الدراسة القصيرة نسبيا التي قدمها حداد عن الرواية بعد أربعين عاما، أنه اعترف بتسرعه بهجر الرواية، وحين عاد إليها لم يحاكمها من منظور الدراسات الحديثة ومناهجها، بل عاد ودرس الرواية من منظور زمنها على النحو الآتي: • التفت حداد إلى الزمان والمكان في الرواية، بل وتحدث عنهما من منظوره هو بوصفه معايشا لتلك الأيام، مع مقارنة بسيطة بينها وبين أيامنا هذه، ولنا أن ننظر في هذه الفقرة التي يقول فيها: "لا تخلو الرواية من بعض الإشارات التي تؤطر بخطاب غير مباشر- للمرحلة التي تجري فيها الأحداث أوائل الستينيات، وهذا العقد ومعه الخمسينيات مرحلة حميمة بالنسبة إلى الكثير من أبناء جيلي.. هذا الحضور القوي للسينما في روايتنا يستحضر رائحة تلك الحقبة، ثم هناك الطالب أو المدرس الذي يأتي من القرية إلى المدينة ليتعلم أو يعلم فيها (وهي ظاهرة لم تعد قائمة في أيامنا هذه)" (ص 6). • ظل حداد يقارن الرواية ويحاسبها فنيا من منظور الأعمال الفنية الرائجة في تلك الأيام، ولم يخضعها لمعايير فنية حديثة ومن قبيل هذا قوله: "فإنه -أي الراوي- لا يلبث أن يَغرق ويُغرق القارئ معه في مناقشات أحادية الجانب لا تغني ولا تسمن، إنها طريقة العقاد في سارة مع فارق المستوى بطبيعة الحال، التي سبقت روايتنا بثلاثين عاما" (ص 11). ويقول في (ص 18): "إنه موقف البطلة مع أرمان في رواية ألكسندر ديماس الابن: غادة الكاميليا، يتكرر هنا في عمان الخمسينيات، حين تضحي الحبيبة، ويتحطم قلب الحبيب". • عزا حداد بعض المآخذ التي يمكن أخذها على موضوعية هذه الرواية إلى الرومانسية بشكل عام، فلم يحمل الرواية حملا ليس من صميم رؤيتها، بل هو من صميم رؤية المذهب الرومانسي الذي تنتسب إليه هذه الرواية، فنراه يقول: "ولا نقصد هنا التجارب الخاصة به، بل التصورات التي تشغله وتنتمي من ثم إلى عالمه لا إلى عالم العمل نفسه، وهكذا يرد في (زائرة منتصف الليل)، ما نأخذه على كثير من الأعمال الرومانسية من إغفال لوجوه الحياة المتعددة لحساب وجه واحد، أو قضية واحدة، الحب والشقاء العاطفي تحديدا" (ص 23). أما عن السؤال الذي طرحناه في البداية عن علاقة "زائرة منتصف الليل" بـ"غادة الكاميليا"، فإن "غادة الكاميليا" أثرت في كثير من الأعمال الأدبية والفنية، وهي تتخذ مسار الفتاة البغي التي تحاول الرجوع عن عملها لتسير مسار الخلق القويم، فتشترك روايتنا مع "غادة الكاميليا" في مسارات متشابهة، مثل: - رغبة البطل في كلتا الروايتين بالزواج من بائعة الهوى. - معارضة الأهل في كلتا الروايتين، زواج الابن من معشوقته. - عدم رضا كل من الفتاتين عن عملها. - موت مارجريت في "غادة الكاميليا"، وانتحار نعيمة في "زائرة منتصف الليل". هذه التشابهات التي لم يشر إليها ناقدنا في دراسته ربما تجعلنا نحكم بأن الراوي قد قرأ "غادة الكاميليا"، أو ما شابهها من الروايات الرومانسية المصرية، أو شاهد الأعمال السينمائية التي تحكي القصة نفسها، مثل: "الغندورة" (1935)، "ليلى" (1942)، "عهد الهوى" (1955). هذه الالتفاتة إلى هذه الرواية جديرة بالاهتمام كونها عالجت عملا روائيا أردنيا رائدا، نوقش بفنياته ومواطن ضعفه أيضا، مع أن حداد ربما يكون في دراسته هذه قد أفقدنا متعة قراءة هذا العمل حين كشف عن تفاصيل وأحداث بارزة فيه. النسخة الموجودة بين يدي حداد هي نسخة مصورة، أي أن الرواية لم تطبع منذ الستينيات طبعة ثانية، ولعل في مقالة أستاذنا دعوة ضمنية نرجو أن تصل إلى مؤسساتنا الثقافية لإعادة طباعة هذه الرواية على الأقل لأنها رائدة. هذه الدراسة منشورة في كتاب "كاميليا الرواية الأردنية" الصادر عن دار عالم الكتب الحديث (2010)، وقد تضمن الكتاب ثمانية مقالات عن الرواية الأردنية كانت أولاها "الكاميليا". وهذا الكتاب جزء من مشروع دراسة الرواية الأردنية الذي يعكف حداد على متابعته تاريخيا وفنيا، سائلين الله أن ينسأ في أجله، وأن يزيد عطاءه.
#علي_هصيص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا حروفا في ضمائرنا
-
ليل قديم
-
المناهج: بين الواقع المفروض وآمال النهوض
-
حسبي محبا
-
لولا قافلة عطشى
-
ابن خلدون علقمي دمشق
-
قبل مطلع فجرنا
-
شعر
-
أوان الندى
-
الترجمة العربية الأولى ليوميات كافكا
-
البحث عن البيت السابع
-
التهافت الغريب
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|