|
تحليل دور ( الجارة في مسرحية : الزفاف الدامي ) للوركا
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 3421 - 2011 / 7 / 9 - 23:12
المحور:
الادب والفن
تحليل دور مسرحي دور الجارة في مسرحية ( الزفاف الدامي ) لفردريكو جارثيا لوركا د. أبو الحسن سلام لا تحظي الأدوار الثانوية عادة باهتمام المخرج المسرحي أو السينمائي إلا فيما قل أو ندر ، مع العلم بأن تمكن ممثلة/ممثلة الدور من تحليله تحليلا أدائيا يجلعه مالكا لزمام مسيرة النقلات الشعورية ، المقيدة بالعاطفة الحاكمة للدور ، وهذا ما يفرق بين ممثل موهوب دارس ، وممثل/ممثلة مكتف بموهبته الفطرية . ولأن الأدوار الثانوية لا تحظى باهتما المخرجين لذا أطرح نموذجا اقترح على ممثلى/ممثلات الأدوار الثانوية أن يحتذونه ، وهو دور ( الجارة الثرثارة في مسرحية لوركا ( الزفاف الدامي ) أسلوب النص: أسلوب الطبيعية الذي تأسس على عنصري الوراثة والبيئة .
أسلوب الأداء التمثيلي : ويقابله من حيث أسلوب الأداء التمثيلي أسلوب الأداء وفق نظام ستانيسلافسكي ، الذي يقوم على مزاوجة الممثل في أدائه بين الصفات الداخلية للشخصية والصفات الخارجية المحيطة بها والمتفاعلة معها . وهو أسلوب يتخذ المنهج النفسي في تحليل الأداء ، وفق نظرية الباعث ، إذ إن لكل فعل باعث أو دافع . وهنا يكون على الممثل أن يمسك بالعاطفة الحاكمة للدور الذي يقوم بتمثيله ، أيا كان ذلك الدور ؛ بحيث يمثله بمشاعر دافئة أو بقلب دافئ وعقل بارد – كما يقول ستانيسلافسكي- تحليل دور ( الجارة ) مواصفات الدور: هو دور أقرب إلى أن يكون دورا ثانويا من حبث مساحته الزمنية في خط الجدث الدرامي ، لكنه في إطار تطور الحدث على طول خط الصراع يعد دورا محركا للأحداث ، إذ إنه بزرع بذرة الشك منذ البداية في داخل أم العريس بما تلقيه في روعها من مخاوف خول العروس المرشخة زوجا لابنها الوحيد . فضلا على تشكيكها في حدوث الزواج من أساسه ، وكأنها تلمح إلى الفكرة التي تطن دوما في رأس الأم حول حتمية أن بأخذ ابنها ( العريس) بثأر أبيه من قاتله في عائلة فيليكس، إذ كيف يمكن الجكع بين فكرة تزويج الأم لابنها مع فكرة أكثر إلحاحا لديها بحضه على الأخذ بالثأر وهو وحيدها الوارث الأوحد لمزرعة أبيه !! فالجارة إذن لها دور فاعل منذ البداية ، إذ تكشف للمتلقي عن بذرة التناقض الرئيسية في الحدث الدرامي ، وتشكل نواة الصدمة الدرامية الأولي على خط الصراع الدرامي بالمفارقة الدرامية التي تفجرها في وجه الأم . الصفات الخارجية لدور دورالجارة : هي جارة كأي جارة من جيران الريف أو أخد الأحياء الشعبية ، لديها فراغ في الوقت ، لا حساب للوقت لديها ، حشرية تدس أنفها في شؤون جيرانها ، تنقل الأخبار دون تمحيص كعادة أو هواية ، تمضية للوقت ونوعا من الثرثرة التي تدعى العلم ببواطن الأمور وبأسرار جيرانها ، ولا ننسى أن الحدث الدرامي يدور في جنوب أسبانيا أي في صعيدها ، ومعلوم أن أهل الجنوب ( في صعيد كل دولة من الدول ) يتصف بحدة الطبع وعادة تناقل الأخبار وانتشار الشائعات ، تبعا لطبيعة التلاحم و الحميمية بين الجيران في تلك المجتمعات الصغيرة النائية المحرومة من تدفق التحديثات والمخترعات ومستحدثات الأمور تبعا لبعدها عن العاصمة والمدن الكبرى . هكذا رسم لوركا شخصية الجارة صورة تكاد تكون طبيعية من واقع مجتمعات الريف بمحدودية تفاعلاته الثقافية مع العالم الخارجي ، مجتمعا مغلقا أو يكاد الجارة إذن سيدة عجوز في سن متقاربة من سن الأم ، وكلتاهما فقدت زوجها ، من هنا فلديها فراغ من الوقت ، بخاصة إن لكل منهما ابن شاب في مقتبل عمره يسعي في الرزق في حقله أو ورشته . غير أن الجارة ثرثارة ، حشرية ، بينما الأم متحفظة ، أي أن كل منهما على نقيض الأخرى ، وتلك سمة صراعية ، تتميز بها الشخصية الدرامية ؛ لذا ترى الأم متحفظة معها في الحديث ، تحدثها بكلمات هي مجرد ردود على اقتحام الجارة لعالم الأم ، وإن كانت تتلذذ بالانصات إلى ثرثرتها الناقلة لأخبار غيرها من الجيران . هكذا تتعامل أم العريس مع الجارة ، لكن الجارة لا تبالي بهذه البرودة من قبل الأم ، وإنما تواصل ثرثرتها والخوض في أعراض الناس ولا يختلف دور الجارة ودور الأم هنا في هذا النص المعد إعدادا دراماتورجيا عن لوركا عن دور كل منهما في نص لوركا الأصلي الذي يتعرض لفكرة الميراث والثأر أيهما الأخق بالأخذ به ؟ هل يأخذ الابن بثأر أبيه فتضيع الأرض إذا ما ضاع هو وهو الوارث الوحيد بصفته الابن الأوحد لأبيه القتيل ، أم ينسى فكرة الثأر ويسعى للحياة وإعمار أرضه وحفظ ميراثه ؟ يقع كل من الابن العريس والأم في حيرة بين الفكرتين ، على الرغم من تنقر في رأس ابنها ليل نهار ليأخذ بثأر أبيه ، وعلى الرغم من كراهيتها للسلاح وعلى الأخص السكين ، فبمثلها قتل زوجها إلا أنها تنقر في رأسه من ناحية أخرى برعاية حقل العنب وتسعي لتزويجه ، وبين الأمرين تتشكل خيرتها في كل لحظة . وهنا تستغل الجارة تلك الحيرة وتنقر في رأس الأم ، لتشككها في العروش ، فبينما تقول عنه أمها إنها كانت قديسة إذا بها تطعن عليها وتتهمها وهي الميتة ، دون الاكتفاء بذكر حسنات الموتي – بأنها لم تكن تحب زوجها والد العروس المرشخة زوجة لابنها . الجارة إذن فوق كونها ثرثارة وحشرية ، غير منصفة ولا تحفظ خق الجار ، ولا حرمة الأموات. وكعادة الجارات في المجتمعات المنعزلة أو الريفية المهمشة تتسلل الجارة ، في الصباح فور خروج الزوج أو الابن إلى عمله ، قاصدة منازل جاراتها بيتا ، بيتا ، بدءا من البيت الذي يكون محتملا عند صاحبته الاستجابة لما تنقله تلك الجارة ، وهنا تبدأ الجارة ببيت الأم لأنها أضعف الحلقات ، فهي متأرجحة فيما بين قرار تزويج ابنها وما يترتب علي ذلك من استقرار وسلام ، يباعد بينه والأخذ بثأر أبيه ، وفكرة الثأر من قاتل أبيه – زوجها - فتلك الحيرة بين القرارين بشكل نقطة ضعف الأم التي تثب منها الجارة وتتسلل إلى ضمير الأم لتزرع بذرة الشك ، دون أن تجنى تلك الجارة من وراء ذلك شيئا غير ممارسة هوايتها في تحريك ضمائر الآخرين ، ومعلوم أن الدراما فعل تعبيري شديد الأهمية في تغيير الضمائر والمصائر . في بداية العرض ، فور خروج الابن بعد مناقشة حادة مع أمه ، حول الموضوع نفسه ، موضوع الثأر ، وموضوع الاهتمام بالمزرعة تتسلل الجارة ، مجاملة بمدخل ناعم في بداية الحديث سريعا ما ينقلب إلى ثرثرة اغتياب في جارة أخرى : الصفات الداخلية لدور الجارة : تتمثل الصفات الداخلية للدور المسرح ي في قدرة الممثلة على الإمساك باللحظة الشعورية في كل نقلة شعورية تتبدل فيها دوافع الشخصية ، وهذا يتطلب تحليل الدور تحليلا أدائيا : " الجارة: كيف حالك ؟ غير أن الأم تبدو متبرمة ، حذرة لأنها تعرف عادة تلك الجارة الحشرية التي تدس أنفها في غير شؤونها؛ لذا يأتي ردها مقتضبا: " الأم: كما ترين ؟ " لم تجب بشيء ، ولأن الجارة حشرية لذا تتمتع بقدر كبير من برودة الأعصاب والتناحة ، فهي لا تضيع وقتا بل تدخل في الموضوع مباشرة ، نقل الخبر الذي قصدت إشاعته ، دون أن يطلب منها أخد ذلك، ولكن بعد جملة مجاملة مختصرة بمثابة تخلص درامي من خالة الخزي التي أصابتها بها الأم بردها غير الودي " الجارة: أنت في حالة جيدة " الباعث الأدائي : كأنها تحسدها على كونها بصحة جيدة ويأتي رد الأم مختزلا ، تعبيرا عن عدم رغبتها في الاستماع إلى تلك الجارة أو عدم الترحيب بوجودها الباعث الأدائي: تبدي الجارة عدم لا مبالاة ببرودة عاطفة الأم نحوها وكأن ( أذن من طين وأخرى من عجين ) ،تدخل في موضوع نقل الخبر مباشرة : " الجارة: منذ يومين جاءوا برفائيل وقد قطعت الآلة ذراعيه " الباعث على الأداء : التصور بأن هذا العبر يستحق أن ينصت إليه ، هي معجبة بأنها تنقل خبرا كما لو أن أحدا غيرها لا يعرفه ؛ على أمل أن يؤدي هذا إلى ثرثرة طويلة بينها وأم العريس ، وأن القعدة ستطول ، وتطال أمورا وشؤونا أخرى تتعلق بسيرة الجيران وتمس أسرار البيوت . تمضية للفراغ وتسلية للوقت الطويل في أثناء غياب الأبناء في أشغالهم.. فماذا وراء الأرامل والعجائز غير الثرثرة وتمضية النهار دورانا على بيوت جاراتهن للتسلي أو الارتزاق أو الشكوى والسلوان ونفض متاعب ليلة طويلة مضت. تفهم الأم الخبيرة ذلك ؛ لذا يأتي سؤالها مبتسرا ، مواسيا : " الأم: ابن جارنا ؟ " وهنا ينتقل أداء الجارة من حالة التمهيد للقعدة النسوية ، إلى موضوع جديد للحديث ، تنفيسا عن مرارة الوحدة ، وزرعا لبذرة الشك ؛ فينتقل الأداء نقلة شعورية مختلفة ، بعد أن اطمأنت إلى استجابة الأم /المضيفة لها وإن كانت على مضض – كارهة - فتقلب على الأم مواجعها، وتثير مخاوفها ، وهي تعلم أن لابنها ثأر واجب من قتلة أبيه " الجارة : أجل . فكرت كثيرا بأن ابنك وابني في وضع أفضل .. إنهما ينامان مطمئنين .. ليسا معوقين " الباعث على الأداء : تبدي الجارة شعورا يبدو وكأنها تستكثر على العريس أن يكون معا سليما ، وكأنها تقول للأم ( اشكري الله ) وفي ذلك ما يشبه اتهامها للأم بعدم الرضا عما هي فيه من نعمة ميراث وأبن قادر على العمل ومسعى حثيث لتزويجه ، وهي من طرف خفي تشير عليها بعدم تحريض ابنها العريس على فكرة الأخذ بثأره من ( ليوناردو) ابن عائلة فيليكس ، وهو ما يتعارض مع رغبة الأم التي تعرف الجارة أنها متحيرة بين الأمرين وكليهما مر ! يجيء رد الأم قاطعا وحازما ، بإغلاق الحديث في ذلك الموضوع: " الأم: اسكتي . " الباعث على الأداء : تنتقل الجارة نقلة شعورية مغايرة فيها استدراج للأم بدافع تشكيكها في مصداقية ابنها ، ووجهة خروجه. " الجارة : أبن ابنك ؟ الأم: خرج " تتسلل الجارة من جديد في نقلة شعورية مستدرجة بسؤال استنكاري ، خبيث : " الجارة : سيتزوج ؟ " الباعث على الأداء: الضرب على الوتر الحساس ، حيث تناقض القرار بين الرغبتين تزويج الأم لابنها والنقر في رأسه ليأخذ بثأر أبيه . هنا تضرب الجارة على الوتر الحساس في ضمير الأم .. فهو وحيدها الذي تتمنى له حياة سعيدة مديدة ، وبفقده تضيع الأرض ، وتثكل بفقد الابن بعد ترملها في الزوج !! فلئن أخذ بثأره ، سيطالب بثأر في عنقه ، ويضيع كل شيء ، ولئن تزوج واستقر وعاش مسالما ، متناسيا ثأره فهب مهانة في عرف التقاليد والعادات . هكذا نجحت الجارة الخبيثة في إثارة مشاعر الأم والنقر على ضميرها ، ختى تتدبر في مصير ابنها الوحيد ، لقد نجحت في استمالة الأم ، لذا تقترب منها الأم وتأنس لها : "الأم: ( تتنبه ، تقرب كرسيها من كرسي الجارة) اسمعي .." الباعث الأدائي: تنشرح الجارة وتشعر بسعادة داخلية ، وهنا تنتقل الممثلة نقلة شعورية أخرى ، حيث يبدو عليها الارتياح ، والشعور بالابتهاج الداخلي ؛ لأنها وجدت استجابة من الأم في نهاية الأمر . ، فلقد تغير وجه الأم من خالة العبوس والتزمت لحضور الجارة إلى حالة التهيؤ لسماعها في حديث الأسرار لذا تبدي الجارة اهتماما ملحوظا ومبالغا فيه وتسأل بتلهف وشوق ، إذ تشعر إنها أصبحت محل ثقة الأم المتزمتة ، ويظهر ذلك في تصدير أذنها ناحية فم الأم ؛ باعتبار ما ستقوله الأم محله خزينة الأسرار : " الجارة : ماذا ؟ الأم: هل تعرفين خطيبة ابني ؟ " الباعث الأدائي : وكأنها تنتظر مثل ذلك السؤال ؛ فتجيب إجابة فورية وحذرة ، حتى لا تغضب الأم : " الجارة : فتاة طيبة ............ " لكنها تردف بما لا يؤكد قولها السابق ؛ فلتحق رأيها الأول بما ينقضه : " ..... لكن من يعرف ما في نفسها ؟ لا أحد ، تعيش وحيدة مع والدها هناك بعيدا جدا.. ولكن الجارة سريعا ما تعود مرة أخرى إلى إغلاق القوس بالجملة التي بدأت بها وصف الفتاة : " ... لكنها طيبة " هكذا تبدأ الجارة حديثها المتناقض عن سيرة العروس بداية فيها تعميم " فتاة طيبة " وتنهي حديثها غير الموثوق ممن يتأمله بالجملة نفسها : " لكنها طيبة " وفيما بين البداية والنهاية المتوحدة لفظا ومضمونا يأتي كلامها تخصيصا قصد به بلبلة فكر الأم وتشكيكها في سمعة العروس ؛ وهنا يتخذ أداؤها البنية الدرامية المعروفة بدائرية الأسلوب ؛ حيث بداية الصياغة هي نفسها نهايتها. فالتعميم ب ( فتاة طيبة) هدفه طمأنة الأم والدة العريس ، أما التخصيص ( ذم صفات العروس بعد ذلك في العبارة نفسها ) فهدفه زعزعة ثقة الأم في عروس ابنها المرشحة له زوجة . ولأن الأم تؤمن ككل أم من أصول ريفية أو مجتمع ثقافته ثقافة قبلية بأن عنصر الوراثة ينتقل من الآباء والأمهات إلى الأبناء والأحفاد ، لذا تسأل عن أم خطيبة ابنها: " الأم: وأمها ؟ ولكن الجارة لا تذكر حسنات الأم الميتة ، كيف يمكنها ذلك وهي الشخصية المحركة للأحداث ، فكلامها يترك انطباعا قوثا في نفس الأم ، ويحدد علاقتها بعروس ابنها القادمة ؛ لذلك تبدأ الجارة بالطريقة الملتوية نفسها ، تعميم في البداية سريعا ما ينقلب إلى الدخول في الخصوصية ، التعميم تلطيفي ، أشبه بغلاف جميل يخفي بداخله معنا نقيضا وبغيضا : " الجارة : ماتت . كانت جميلة .. كان وجهها يضيء مثل قديسة ........ " هذا الوصف أشبه بالعسل الذي يخفي تحته السم ، فبقية كلامها في وصف أم العروس هو السم في العسل : " .......... لكنها لم تعجبني ...... " إلى هنا ؛ وهذا مقبول منها ، فهذا رأيها وهي حرة في بالتعبير عن شعورها تجاه المرأة ، لكن جوهر ما تريد التعبير عنه وجوهر ما تشعر به وتريد إبلاغه لأم العريس هو جملتها الأخيرة ، التي بدونها لا يتحقق جوهر الحوار الدرامي : " ........ لم تكن تحب زوجها " الباعث على الأداء : إلقاء حجر في البحيرة الساكنة ، أو التي تبدو مياهها ساكنة !! الجارة هنا تضع النقط فوق الحروف وتتوج عاطفتها الحاكمة بأداء ممثلة الدور بصدمة الأم صدمة درامية ؛ حيث تتفجر المفارقة الدرامية . ، حانت لحظة تفجير الموقف برمته ، إفشال الزيجة المقترحة أو مشروع الخطوبة ؟ وهنا يجب على ممثلة الدور أن تتساءل : ما هو دافعها إلى ما فعلت ؟! المؤلف لم يبين ذلك في حوار النص وعلاقات الأحداث والأشخاص ، وهنا يكون على الممثلة ، بمساعدة المخرج توظيف ( لو / إذا .. السحرية) – بتعبير المعلم ستانيسلافسكي – بحثا عن باعث افتراضي متخيل ؛ يمكّن الممثلة من تجسيد حالة متفردة في تعبيرها الناقل لشعورها الدفين الممسك باللحظة الدرامية ، المجسدة للعاطفة الحاكمة لدورها كله . وهي اللحظة التي توقف بها الأم المتغطرسة ، المتزمتة ، غير العشرية ، وقفة تشكك وزعزعة ؛ بعبارتها الملتبسة التي يضرب فيها التناقض بمعول نقضها : كيف تكون أم العروس : جميلة وقديسة وتكون غير محبة لزوجها ؟ ! ذلك وارد في سلوك البشر ، لكنه يولد حيرة جديدة وشكوكا لدى أم العريس : " الأم : ما أكثر ما يعرفه الناس ! " الأم لم تكذب أو تتشكك فيما ذكرته الجارة النمامة لكنها تعاتب عتابا لينا حول ما يجب أن يقال وما لا يجب قوله عن الآخرين في غيبتهم بخاصة في مثل ذلك الظرف الحساس . الباعث على الأداء : يبدو أنها كانت حاقدة على أم العروس أيضا ، كما هي حاسدة لأم العريس ، فهي لا تستطيع السيطرة على مشاعرها بالكراهية لمن هم أفضل منها حالا ومعاشا ، إنها لم تستطع كبح جماح شعورها بالكراهية لمن هن أفضل حالا ، لذا تواصل دون لياقة ؛ ذم أم العروس المتوفاة : " الجارة : كانت متعجرفة " ولأن شخصية الأم قوية ومتماسكة وخبيرة بما يدور في النفوس من غيرة أو حسد محتمل ؛ لذا تنقل الحديث بمهارة عبر تقنية التخلص الدرامي إلى ما هو أهم ، دلالة على إدراكها لما في كلام الجارة من تناقض يسقط مصداقية شهادتها عن أم العروس: " الأم: قيل لي إنه كان للفتاة خطيب " الباعث الأدائي: الشماتة .. هنا تقتنص الجارة فرصة ذهبية فتنبري في الثرثرة تصريحا شامتا بوضوح وحماسة زائدة : " الجارة : نعم .. تزوّج منذ عامين .. من ابنة عمه .. اسمه ليوناردو الأم: من ليوناردو ؟ " نصل هما إلى الصدمة الدرامي القاتلة ( المفارقة الدرامية ) التي تشكل العاطفة الحاكمة في أداء الجارة ( باعثها ) على الفعل : " الجارة : ليوناردو .. من .. عائلة فيليكس الأم: (تنتفض ) فيليكس ؟! ونلاحظ تردد الجارة في نطق اسم فيليكس وهي تقول : " ليوناردو من ... ثم تصمت برهة لتكمل " من عائلة فيليكس " فهي تلقي بالقنبلة عن إدراك خبيث بما سيحدثه ذكر اسم عائلة فيليكس ، عائلة الخطيب الأول لعروس الابن ، هذه القنبلة التي ستنهي مشروع خطوبة الابن ؛ لذلك يبدو ارتباط سؤال الجارة الأول في بداية حواريتها مع الأم ( سيتزوج ؟) بداية استنكارية تشكيكية ، ومفتاحا يستهدف الإمساك بنهاية طرف الخيط في البنية الصراعية للمسرحية . وهكذا تشكل الصدمة الدرامية الثانية المفارقة الدرامية الأقوى أثرا ، والأكثر إعمالا لتقنية التشويق والتوتر الدرامي التي تشكل جمالية الصورة الدرامية في هذه الحوارية
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل دور مسرحي (أنتيجوني)
-
مفاهيمية بيكاسو ودراما التشكيل المسرحي بالكلمات
-
حيرة الكاتب المسرحي
-
عروض مسرحية عربية - قراءة نقدية -
-
إشكالية الأداء في المسرح الشعري بين التمثيل والغناء
-
حسن عبد السلام مخرجا مسرحيا
-
الرفيق الخيالي ومسرح الطفل في عصر العولمة
-
على هامش ثورة التحرير
-
هوامش التحرير - دردشة سياسية -
-
سينوجرافيا المسرح (1) بين التمحل والتأصيل المنهجي
-
وماذا بعد
-
دردشة سياسية على الطريقة المصرية
-
ما قبل الإسكندر
-
دردشة را/قدت ..مدينة الإسكندر
-
نقاب فرويد
-
المثقف والموقف
-
الممثل وجماليات التعبير بالجسد
-
تمثيل دور مسرحي وفق منهجين
-
فنون المسرح بين الهواية والاحتراف
-
زمن شويكار وبهجت قمر
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|