مهند صلاحات
الحوار المتمدن-العدد: 1019 - 2004 / 11 / 16 - 09:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا المقال هو عبارة عن عدة أسئلة مطروحة حول الشرق الأوسط, المشروع الأمريكي لصياغة المنطقة, فأمريكا التي بدأت بعد الحرب الباردة بصياغة ثلاثة مشاريع لسيطرتها على العالم شرعت بتطبيق المشروع الأول وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحاول أمريكا عبره ضرب كل المنظومات الفكرية في المنطقة سواء الإسلامية أو الاشتراكية أو الفكرة القومية بالإضافة إلى تغير المنطقة بأنظمتها لجعلها نموذجا رأسمالياً ديمقراطياً أمام بقية دول العالم حتى تسهل مهمتها القادمة في الدول الباقية.
إلا أن هذا لا يعني أن أمريكا لا تؤسس لمشاريعها الباقية في الدول الأخرى, فما يحدث اليوم في ساحل العاج يدل على أن أمريكا بدأت تحاول إخراج الوجود الأوروبي من إفريقيا عبر التعبئة الشعبية ضد الوجود الفرنسي وغيره في دول إفريقيا لإفساح المجال لقدومها, وكذلك عبر المبشرين الجدد بقدومها من منظري الرأسمالية الجدد وتحديدا الرأسمالية الأمريكية.
ويمكن أن نلاحظ هذا عبر الكم الهائل من المنظرين الجدد للديمقراطية الأمريكية ونشاطهم بعد تجديد فترة ولاية بوش الجديدة مبشرين ببدء عصر جديد من الديمقراطية على يد الجمهوريين واعتبار صعود بوش انتصارا للديمقراطية في العالم.
ومن الأمثلة على المنظرين الجدد, يمكننا أن نذكر شاكر النابلسي الذي بدأ مؤخرا بالتنظير لهذا للاستعمار الجديد محاولا تجميل صورة الاحتلال وتصويره على أنه (الفاتح الجديد).
هذا نص مقتبس من مقالة السيد شاكر النابلسي نذكرها هنا على سبيل المثال للتنظير والتبشير للدين الأمريكي الجديد حيث يقول في مقالته التي نشرت بعنوان (ما هي مصلحة العرب من هزيمة الإرهاب في العراق؟) :
وقبل أن أشرح ما هي مصلحة العرب في القضاء على الإرهاب في العراق، فإنه من باب الأمانة الفكرية السياسية أن أشرح مصلحة أمريكا والغرب بالدرجة الأولى أيضاً من القضاء على الإرهاب في العراق، بل وغزو العراق الذي لا اعتبره أيضاً احتلالاً ولا استغلالاً، ولكني اعتبره "إحلالاً Supplantism” كما عبّرتُ عنه في مقال سابق قبل شهور. وهو يعني في القاموس: "أن تقوم دولة بغزو دولة أخرى لإحلال نظام عادل وديمقراطي محل نظام طاغٍ وبالقوة". وهي من الحالات النادرة جداً في التاريخ السياسي الإنساني كله، ولا تتم بدوافع إنسانية محضة، بقدر ما تتم تلبية لمصالح سياسية أو اقتصادية.. الخ.(1)
يرى شاكر النابلسي من منظوره الرأسمالي التبشيري بالرأسمالية الأمريكية أن الغزو الأمريكي ليس احتلالاً وإنما إحلالاً للسلام والديمقراطية والعدالة, وهو أشبه ما يكون بالنداءات التي أطلقتها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا في العالم العربي بعد أن دب الوهن في أرجاء الدولة العثمانية و انهيارها فيما بعد و بعد سايكس بيكو, فمثلا حين بدأت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م كان طموح نابليون بونابرت بمشروع شبيه بالمشروع الأمريكي الشرق الأوسط وذلك عبر احتلال مصر وفلسطين وسوريا وفي هذه الحملة أيضا أطلق بونابرت ندائه الشهير لليهود بالعالم من أجل العودة إلى (أرض الميعاد) وإقامة مملكة إسرائيل لدعم نفوذه في المنطقة ومساعدته على بسط هذا النفوذ وتثبيته عبر مساعدة اليهود.
وفي محاولة نابليون في تبيض صورته أمام العرب لتصوير احتلاله بأنه الفتح المبين وأنه ليس احتلالاً وإنما محاولة لنشر العلم والتحرر والديمقراطية والعدالة, قام بإدخال أول مطبعة لمصر وقام بطباعة أول قرأن مطبوع في العالم.
إن الاحتلال يبقى احتلالاً مهما تغيرت صوره وحاول البعض تبيض صورته الشنعاء من أمثال المنظرين القابضين مقابل تنظيرهم.
الأسئلة التي من الممكن أن تُطرح حول الموضوع كثيرة جدا نحاول مناقشة عدد منها وهي :
ماذا يعني مصطلح الشرق الأوسط ؟؟
متى ظهر مصطلح الشرق الأوسط ؟؟
وهل كانت فكرته موجودة قبل الحرب الباردة أم بعد ؟؟
ما هي الحدود الجغرافية لمشروع الشرق الأوسط ؟؟
ما هي ملامح الدولة الفلسطينية ضمن مشروع الشرق الأوسط ؟؟
ما هي استراتيجية أمريكا في مشروع الشرق الأوسط ؟؟
سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة ضمن معطيات الواقع وضمن بعض القراءات في كتابات السياسيين الذي بحثوا في ذات الموضوع سواء من مبشر فيه أو مناهض له.
ماذا يعني مصطلح الشرق الأوسط ؟؟
مشروع الشرق الأوسط كما هو في القاموس السياسي أنه عبارة عن مشروع أمريكي حديث يهدف إلى بسط سيطرة أمريكا على هذه المنطقة وصياغتها بالطريقة الأمريكية الشاملة لكل مناحي المنطقة من اقتصادية وسياسية وجغرافية أيضا وفكرية, وذلك عبر وسائل الاستعمار الحديث والقديم وهو بعبارة أخرى لإعادة صياغة المنطقة ولجعل الرأسمالية عقيدتها, ويمكننا أن نلاحظ المطالب الأمريكية الأخيرة للدول العربية بتغيير مناهجها المدرسية ولا بد أن الصياغة الجديدة ستكون رأسمالية بحتة.
متى ظهر مصطلح الشرق الأوسط ؟؟
مصطلح الشرق الأوسط بدأ التنظير له في نهاية الثمانينات من هذا القرن, ولكن تمت صياغة المشروع في بداية التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث كانت أمريكا قد تفردت بالعالم أجمع مع شركائها الرأسماليين وحلفائها في حلف شمال الأطلسي.
ظاهريا استند المشروع الأميركي في جزء من مبرراته إلى تقريري التنمية البشرية العربية في العامين 2002م و 2003م, لكن واقعيا كان العمل على ارض الواقع في هذا المشروع قبل هذا التاريخ حيث أن مشاريع تحديث المنطقة ودمقرطتها على حسب الأهواء الأمريكية أصبحت في رأس أولويات الإدارة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
فالمشروع كان بحاجة لشرارة أهداها أسامة بن لادن لأمريكا للشروع بالمشروع.
وهل كانت فكرته موجودة قبل الحرب الباردة أم بعد ؟؟
إن فكرة السيطرة على الشرق الأوسط موجودة منذ القرن الثامن عشر, منذ حملة نابليون بونابرت على مصر وتلاها حصار عكا والهزيمة التي مني بها على أسوار المدينة, وما من إمبراطورية استعمارية إلا وحاولت السيطرة عليه لما له من أهميه متمثلة في موارده الغنية من ذهب ونفط وغيرها بالإضافة إلى الموقع الإستراتيجي للمنطقة وموقعه من فرنسا إلى إنجلترا حتى أمريكا ومن سايكس بيكو إلى الشرق الأوسط الكبير .
ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي وجدت الولايات المتحدة الفرصة أمامها سانحة لتشرع بتطبيق هذا المشروع خصوصا بعد اضمحلال المشروع القومي بغياب مصر عن الساحة العربية واضمحلال المشروع الاشتراكي وفشله من الدخول بالصيغة المطلوبة للمنطقة العربية.
فكانت الفرصة لتدخل أمريكا بجيوشها مدعيه الهدف النبيل وهو تدعيم أسس الديمقراطية والحرية.
ما هي الحدود الجغرافية لمشروع الشرق الأوسط ؟؟
كما هو معروف سياسيا أن الشرق الأوسط هي المنطقة التي تشمل (مصر, سوريا, العراق, فلسطين, لبنان, الأردن, وإن صح القول أيضا إسرائيل, إذا اعتبرنا إسرائيل دولة من ضمن المنطقة بغض النظر عن شرعيتها ).
إلا أن أمريكا بدأت بتجديد المشروع وإدخال دول أخرى إلى خارطة الموضوع ليشمل دولاً أسيوية مثل السعودية ودول الخليج العربي بالإضافة لأفغانستان وتركيا وإيران ودولا إفريقية.
ما هي ملامح الدولة الفلسطينية ضمن مشروع الشرق الأوسط ؟؟
في ظل الهيمنة الأمريكي اعتقد أن الدولة الفلسطينية والتي هي ضمن المشروع, حيث ينص المشروع الأمريكي على ضرورة قيامها لتحقيق التوازن والهدوء في المنطقة لتسهيل مهمة المشروع وذلك بإسكات الفلسطينيين بدولة مجزوءة لن تتعدى دويلة على غرار أوسلو ليس لها سيادة حقيقة, إلا أن هذه الدولة التي ستكون على غرار دولة أوسلو لكن بشكل متغير نوعا ما, فأوسلو أعطى مدنا على شكل كانتونات مفصولة عن بعضها أما الدولة القادمة فستكون بدون سيطرة إسرائيلية على مداخل المدن واعتقد أن السور الذي بناه الكيان الصهيوني سيكون الحدود الحقيقية لهذه الدولة, وكذلك تدويل القدس واعتبارها منطقة دولية.
وهذا الأمر سيجعل سوريه في مأزق حقيقي . قد تجد و للمرة الأولى نفسها أمام خيارين، فأما تقبل الدخول في لعبة «الشرق الأوسط الكبير» بشروط ضعيفة، أو أن يقوم هذا الشرق الأوسط على أنقاضها طالما أن العرب يبدون واكثر من أي وقت مضى, أكثر رغبة في عدم الوقوف إلى جانب القيادة السورية, لكن الأكيد هو أن لبنان سيجد نفسه مضطرا لدفع الثمن مرة جديدة وربما أكثر من السابق، ذلك أن أهله يفسرون القرار 1559 باتجاهات مختلفة، وكل وفق أهوائه.
ويبقى الفائز الأول والأخير كالعادة هو أمريكا وحليفها إسرائيل, ولكن يرجح أن سوريا ستكون كباقي الدول الأخرى معرضة للتغير الشامل واجتثاث البعث الديكتاتوري منها لان أمريكا تريد نماذج ديمقراطية أمريكية لا مصلحين للأنظمة التي يستحيل أن تتخلى عن ديكتاتوريتها.
ما هي استراتيجية أمريكا في مشروع الشرق الأوسط ؟؟
الاستراتيجية هي استراتيجية التغيير الشامل, فأمريكا ماضية في تغير الأنظمة العربية الديكتاتورية واستبدالها برأسماليين اكثر ديمقراطية, و فرض القيم الديمقراطية الأمريكية وسياسات السوق.
حتى إسرائيل نفسها ستتقزم أمام هذا الزحف الكبير ويتغير الحلم الإسرائيلي بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وبالذات بعد إقامة الدولة الفلسطينية كما ينص المشروع.
أما بالنسبة لتبديل الأنظمة وليس الضغط للتغيير الداخلي فإن النموذجين العراقي و الأفغاني اكبر دليل على أن أمريكا تدخل لتبدل لا تضغط, فقرضاي بديل طالبان وعلاوي بديل صدام
وكما قال أحد الصحفيين الساخرين ( أمريكا تستبدل الأنظمة الديكتاتورية بأخرى جديدة (بفتح الألف).
لذلك فإن محاولات المنظرين بأن أمريكا تبدل الديكتاتور بالديمقراطي ستبوء بالفشل بعد ما رأيناه من حكومة علاوي واقتحامها الوحشي للفلوجة والمدن العراقية والقتل المنظم الذي تمارسه ضد علماء ومفكرين العراق, إلى جانب الفساد الذي دب في حكومة قرضاي حتى قبل أن تفرض كامل سيطرتها على بقية أفغانستان.
بقلم : مهند صلاحات
كاتب صحفي فلسطيني
[email protected]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شاكر النابلسي / (ما هي مصلحة العرب من هزيمة الإرهاب في العراق؟) صحيفة دنيا الوطن الإلكترونية العدد الصادر بتاريخ 14/11/2004
#مهند_صلاحات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟