محمود علي عريقات
الحوار المتمدن-العدد: 3416 - 2011 / 7 / 4 - 23:19
المحور:
القضية الفلسطينية
رسالة الى المواطن المغترب و افراد السفارة الفلسطينية في الصين
في احدى المناطق في ناحية من نواحي العالم التقى العديد من البشر على هدف سام اوحد , و هو تاسيس كيان مستقل على ارضه لاسترداد حقوقه و لصون كرامته ولتحسين وضعه المعيشي و غير ذلك , و لكي يتم ذلك كان عليهم الاتصال بالامم الاخرى للحصول على الدعم ولاكتساب الخبرات و ايضا لمراعاة و للدفاع عن حقوق مواطنيهم الذين لسبب او لاخر يقطنون في بلاد الغربة و كذلك لشرح قضاياهم العادلة و غير ذلك الكثير , و بداء العمل بشكل متوازي بين تاسيس هذا الكيان و ارسال البعثات الى الامم الاخرى , و لانشغالهم بالشؤون الداخلية و الاساسية لتقوية هذا الكيان حديث العهد, حصل اهمال قد لا يكون متعمدا لشؤون البعثات الخارجية , فلا حسيب و لا رقيب , خاصة و ان البعض من افراد هذه البعثات ليسوا الا اصدقاء او اقارب لبعض المسؤولين , فكانت ثقتهم بهم لا حدود لها , و لكن في الجهة الاخرى لم تؤدي بعض هذه البعثات الحد الادنى من الواجبات المنوطة بهم , فعوضا عن ترسيخ العلاقات مع الامم الاخرى لمصلحة وطنهم وقضيتهم اهتموا برغد العيش و محاولة محاكاة الكيانات الاخرى الاقوى و الاغنى , و لم يدركوا ان تلك الكيانات بداءت بداية تشبه الى حد ما بداية هذا الكيان حديث العهد , و غاب عن ادراكهم ايضا ان الله سبحانه و تعالى قسم الثروات بين البشر حسب مشيئته لحكمة هو اعلم بها , و لم يدركوا ايضا ان التاقلم مع الاخرين و مع الظروف لا يكون بمحاكات و تقليد الاخرين لاختلاف الثقافة و القدرات و غير ذلك , فالحكمة تقتضي ان نفهم المحيط و المحيطين بنا و ان نعرف قدراتنا فنتمكن حينها من الافادة الى اقصى حد من الاخرين , اما ان نعيش احلام يقظة و نحاول تطبيقها على ارض الواقع فهذا ضرب من الجنون, فعند التحلي بالحكمة نكون قد ساعدنا انفسنا و ساعدنا الكيان الجديد , بيزدهر هذا الكيان و نزدهر معه, فالعاقل يعترف ان دمار كيان هو تابع له يعتبر دمار له , اما من لا يعقل ذلك فالاوجب الاطاحة به و الاستغناء عنه, فهو كمن يهدم بناء يبذل اخرون الكثير من الجهد لبنائه, بالله عليكم كيف سيتم اكمال البناء اذا استمر الحال على ما هو عليه!! فحتى الرضيع اذا اردت فطامه فسيقبل به و سيتم لك ذلك ! و حتى الاطفال يتقبلون العيش بمستوى المعيشة التي يستطيع والدهم توفيره لهم و لا يتذمرون, و حتى الحيوانات و الطيور التي يربيها الانسان تتقبل الطعام و ظروف العيش التي تتوفر لها, و لكن ان يكون الانسان عاقلا بالغا و لا يدرك ذلك و لا يملك من الارادة والمشيئة ان يؤقلم نفسه على الامكانيات المتاحة و يكون دائم التذمر و يقارن نفسه بالاخرين الذين امكانياتهم المادية و غيرها تتفوق بكثير على امكانياته و لا يرضى بما قسمه الله له , فهو كما قال احد الحكماء : الفقير ليس من ملك القليل و لكن الفقير من طلب الكثير , و الحسد صفة تذل صاحبها في كل زمان و مكان , فلا يوجد انسان كامل و دليل على ذلك تعدد الاختصاصات, فوجود الاختصاصات الكثيرة و المختلفة هي لحكمة من الله سبحانه و تعالى مفادها انه للحصول على اكبر قدر من الفائدة يجب ان يعمل كل في اختصاصه بصدق و امانه و البعد عن الامور الشخصية , فيكثر الخير و تعم الفائدة , و للوصول الى نتيجة مرصية وجبت استمرارية التعلم و التثقيف الذاتي و سعة الاضطلاع على ما يدور في هذا الكون من حولنا , فالافراد و المسؤولين في البعثات الخارجية الا من رحم ربي , يحسبون ان الزمن قد توقف عندهم! و لا يعون ان تصرفهم هذا قد اخرهم عن باقي البشر , و انهم بذلك يتسببون بالاحراج الكبير لمن ابتعثهم و وضع ثقته فيهم , فحتى لو قمت بتذكيرهم فهم لا يسمعون و ان سمعوا لا يفهمون و ان فهموا فلا يعملون ! و في النهاية يؤذون انفسهم بايديهم و قد لا يدركون ذلك ايضا , فالخبرة التي يدعيها البعض منهم ان لم تبنى على العلم فهي تدنو الى درجة الجهل , و الجهل هو اكبر مدمر لاي حضارة على وجه هذه البسيطة , فمن يقراء التاريخ دولا عظيمة انتهت و اختفت من الوجود و السبب هو انتشار الجهل فيها , فماذا سيكون مصير دولة في طور البناء بوجود جهلة؟! سؤال طرحه الكثير الكثير من الناس و الاجابة عليه تكاد تكون واضحة وضوح الشمس, و الية الانقاذ من هذا المصير يعرفها القاصي و الداني , فالعاقل من ينظر الى المستقبل و يتهيؤ له, و الجاهل من يفكر بيومه و لا يدرك ماذا سيكون المستقبل ,فالصحابي الجليل و الخليفة الراشد الرابع علي بن ابي طالب كرم الله وجه قال: اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا و اعمل لاخرتك كانك تموت غدا , فلماذا لا ياخذون بقوله! و الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا يقضى في المدينة و علي في المدينة , و هو اعتراف صريح من الفاروق بحكمة و علم علي بن ابي طالب رضي الله عنهما , و الامثلة من الكتاب و السنة من الكثرة بحيث يصعب احصاؤها. و الامانة عرضت على الجبال فابت ان تحملها و البعض اتمن على القليل فخان الامانة , و هم بذلك لم يصلوا الى مقام الجبال و هي من الجماد! الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام قال: ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه , و لم يقل ان يستهزء به و يقصر به ! و ليعلموا ان نقدي هنا هو لصالحهم , فالنقد كما قال احد الحكماء هو صابون القلب , والانسان العاقل هو من يقبل النقد و يتعلم من اخطاء الاخرين و لا ينتظر الى ان يقع هو في الخطاء, فقد يكون قد فات الاوان , فنعمة العقل هي التي تميز و ميزة الانسان عن غيره من المخلوقات , و حسن استخدامها يجلب له السعادة و سوء استخدامها يجلب التعاسة له , اما عدم استخدامها فيكون بذلك قد خرج من صفة الانسان الى صفة اخرى, و الانسان ان اخطاء فهو انسان , اما ان عرف خطاءه و اصر عليه لسبب او لاخر فهو بذلك لا ينتمي الى الانسانية بشيء, فالناس على اختلاف اصولهم و مذاهبهم و ثقافتهم و اماكن تواجدهم يتفقون على ان اخلاق الانسان هي من اهم مميزاته و هي الركيزة الاساسية التي تقوم عليها العلاقات على مختلف انواعها , فامير الشعراء احمد شوقي قال : انما الامم الاخلاق ما بقيت*** فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا , فالتكبر على الاخرين يعتبر من اسوء الاخلاق , فقد قال احدهم : ما وجد انسان في ذاته كبرا الا لمذلة في نفسه , و علم النفس الحديث اكد ذلك بالدليل و البرهان , و الانسان المتكبر كائن ضعيف و جبان و هذا مؤكد و مثبوت . و السكوت عن ظلم احدهم عار كبير , فالساكت عن الحق شيطان اخرس , الم تعلموا ان اعلى درجات الشهادة كلمة حق عند سلطان جائر ظالم , فكيف لنا السكوت اذا اردنا ان تتغير الامور و الاحوال الى الافضل , فالشاعر قال :و ما نيل المطالب بالتمني*** و لكن تؤخذ الدنيا غلابا , و لماذا الخوف و جميعنا يعلم ان ما قسمه الله لك لن ياخذه غيرك ,فالساكت عن الظالم هو مشترك معه في ظلمه , اما اصرار احدهم على خطائه فكما ذكرت سابقا يخرجه ذلك من الصفة البشرية الانسانية و عليه فالواجب استئصاله , فالعشب الضار لا يقطع بل يخلع من جذوره حفى لا يعود الى الظهور مرة اخرى , و اود هنا ان اذكر البعض الذي يصر على خطائه و يظن انه باق , بانه و كما قالت العامة : لو دامت لغيرك ما الت اليك , وكما يقولون ايضا بان الكفن ليس له جيوب ,و ان الحقيقة الثابتة في هذه الدنيا هي التغيير , فالعاقل يفهم برمشة و الجاهل يحتاج الى ركلة , فكونوا عقلاء خيرلكم , و ان لم تخافوا عقاب الله في الدنيا لسبب او لاخر فعليكم الحذر من عقاب البشر , فالله غفور رحيم و قد يغفر لكم بعض خطاياكم , و لكن الانسان جبار عنيد و لا يمكن ان يغفر لكم , فالان لديكم الوقت للرجوع عن الخطاء و محاولة اصلاحه و غدا قد يكون الوقت قد فات , فاغتنموا الفرصة خيرلكم في دنياكم و اخرتكم , فمن واجبات الانسان ان يقدم النصيحة الى اخيه الانسان , فانا اقدمها لكم وهي مجانية و لا اسالكم اجرا على ذلك , و لكم ان تتقبلوها او ترفضوها , فقط حكموا عقولكم و لا اقول ضمائركم , لان ضمير الانسان لا يمنعه من ارتكاب الخطاء و انما يمنعه من التمتع به . و لعدم تكرار الخطاء ينصح بالاستشارة , و ما خاب من استشار , فالدول تستشير بعضها في امور كثيرة , ذلك لان راي الجماعة يضيف الى رايك و يزيد من ادراكك , فالاستفادة تكون كبيرة و بالاستشارة تقل الاخطاء , اما عناد الشخص على رايه فقد يؤدي به الى التهلكة , فكما قيل العناد كفر , و طلب المشورة من الاخرين يزيد من ثقافة و علم الانسان , و له بعد ذلك ان يحكم عقله فيصل الى الراي الصواب , و تقل بذلك اخطاؤه و تقل ملامته , ولكن هل يسمع مثل هؤلاء النصيحة ؟! و ان سمعوها هل يدركوا معناها و يعملوا بها ؟! هذه اسئلة ستجيبنا عليها الايام , فان فقهوها فاصلاح الموجود خير من طلب المفقود , و ان لم يدركوها يكونون بذلك قد ظلموا انفسهم و اساؤا الى ذاتهم و الى ذويهم و طبعا الى من ابتعثهم و استامنهم تلك الامانة , و سترينا الايام ما ستؤل اليه حالهم , فجزاء الانسان من جنس عمله , و الله لا يظلم عباده , و الانسان محدود الصبر فان نفاذ صبره..... , فالانسان يعلم ان انعدام العدالة على الارض لا يجعل لوجوده قيمه , و كل واحد منا يحب ان يجد لنفسه قيمة في هذه الدنيا , اما استشهاد البعض بقول الشاعر : لا تلم كفي اذا السيف نبا *** صح مني العزم و الدهر ابى , فهذا كلام الضعفاء , لانه بالاصرار يتحقق المراد , و من عجائب الدنيا انه اذا لم يرضى الانسان الا بالكثير حصل على مراده بالاصرار و المثابرة , فالاصرار و التصميم من الصفات الحميدة عند بني البشر , فمن يصر على شيء يدركه و هذه سنة الحياة , و نحن الان في زمان ليس للضعيف فيه مكان , فبالعزيمة نصل الى المراد , و جاهل من يظن غير ذلك , فليفكر البعض , فقد اثبت العلماء ان الانسان لا يستخدم من قدرات مخه الا 9% و العبقري استخدامه لقدرات مخه تصل الى 12% , و لكن البعض لا يستخدم من هذه القدرات الا1% في احس الاحوال , الم يعلم هؤلاء بان العضو الذي لا يستخدم يضمر و مع مرور الوقت يموت ! ام انهم يعولون على ان الله سبحانه و تعالى لا يعاقب فاقد عقله و ان الناس لا تلومه ؟!! قد يكون هذا تفكيرهم ؟! لا اعرف ! ربما ! وفي النهاية اقول ان يوم القصاص من الظالم اشد من يوم الجور على المظلوم . و امل ان يفهم الجميع ما تقدم ذكره للمصلحة العامة . و اختم مقالي هذا بقول الشاعر :
دع عنك ما قد كان في زمن الصبا
و اذكر ذنوبك و ابكها يا مذنب
***
وصل الكرام و ان رموك بجفوة
فالصفح عنهم بالتجاوز اصوب
***
و دع الكذوب فلا يكن لك صاحبا
ان الكذوب يشين حرا يصحب
***
و ارع الامانة و الخيانة فاجتنب
و اعدل و لا تظلم يطيب لك مكسب
***
و احذر مصاحبة اللئيم فانه
يعدي كما يعدي الصحيح الاجرب
***
و احذر من المظلوم سهما صائبا
و اعلم بان دعاءه لا يحجب
***
فلقد نصحتك ان قبلت نصيحتي
فالنصح اغلى ما يتاع و يوهب
***
الدكتور محمود علي عريفات.
#محمود_علي_عريقات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟