|
ذهب الولد إلى المدرسة
ريبر يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3416 - 2011 / 7 / 4 - 02:51
المحور:
الادب والفن
ذهب الولد إلى المدرسة، إنه الذهن إذاً ما يرتج في كتلة الرأس كجرس المرياع؛ يستدرجنا بخيط الطمأنينة اللامرئي، كأننا قطعان ذاكرتنا. لم أك أنظر إلى قبعة شرطي المرور أكثر من لحظة خائفة، لذا لم أك أملك التفسير الكافي لإيجاد ما هو شبيه بما انكفأت عن النظر إليه مطولاً، ولم أستطع أن أعثر في سيرة العالم العسكرية على جملة مفادها: هل قبعات شرطة المرور كلُّها متشابهة؟. المرور، لأن الحياة تسير دون أن نشعر بالطرق المتفتقة حولنا، على الأقل في الشرق، حيث الحياة دروب متشابكة مع بعضها البعض. إذا أمعنا النظر فيها بعين الفراشة كبرنا بدون أجسادنا الواهنة التي لم تملك الطاقة الفائضة فتعيد ترتيب الدروب كما يرتب ولدٌ برنامجه الدراسي البكر. لم أك أسترعي انتباه الفضول في داخلي، لذا خيل إلي أن شرطة المرور يتوقفون في مفارق الطرق لأسباب غير متعلقة بتنظيم السير الذي كان منظماً أصلاً ككل شيء في سوريا؛ منظماً كان لأننا لم نكن ندرك الوجوه المتعددة للنظام، إذاً هي الجملة الأولى التي يتقنها التلميذ الولد في المدرسة البكر، تتكون من (فاعل) هو الولد و(فعل) هو ذهب وحرف جر واسم مجرور، المعرفة تجرنا إلى نواتها وكأنها ثقب أسود وكأن الولد كوكب. ذهب الولد إلى المدرسة، خرجت الأم إلى الشارع رافعة يديها اللتين كادتا تلامسان ما هو غير مرئي في السماء؛ لا أتقصد هنا بإلحاق اللاعقلانية إلى الله، يتعلم الولد في المدرسة إن هنالك عوالم واسعة متعددة في السماء، إذا ما ارتفعت أيادي أمهاتنا لامَستها. ارتفعت يدا أم في شوارع مدينة درعا السورية، القريبة من الجارة الأردن، تقول المرأة، قالت المرأة، بل تقول المرأة: أريد ابني، أين ابني. كان ابنها من التلاميذ الذين اعتقلهم رجال الأمن السوري إثر كتابة على جدار إحدى المدارس (الشعب يريد إسقاط النظام).. من كتبها أصلاً؟ ولأننا في سوريا كنا نرتق أجسادنا بمفارق طرق لامتناهية، استحال علينا أن نجد ماهية المكان ـ المدرسة، لكن ربما كان على الأم ألا تخرج إلى الشارع تتحادث مع الشارع في بنيان جملة مفادها: أريد ابني أين ابني؟؟؟؟. ذهب الولد إلى المدرسة، كان يجب على أمهاتنا جميعاً ألا ينجبننا فلا يبكيننا في شوارع سوريا التي هي أوسع من قبعة شرطي مرور وأعمق منها، كان على الأم التزام الدعاء المكتوم في بيتها المكتوم، كان على الناس اللامكتومين ألا يخرجوا إلى الشوارع المكتومة فلا يذهب أولادهم اللامكتومون، أولادهم أولادنا إلى المدرسة. دخلت المدرسة في أحلامنا، دخلت في جرس باب البيت المكتوم، الجرس المكتوم. ذهب الولد إلى المدرسة، إذاً.. كان مسجد العمري مكاناً صواباً لحدث لم يفتعله الناس في مدينة درعا إذا ما أجهدنا فكرنا في معادلة مفادها اعتقال أطفال وتعذيبهم، خروج الأمهات الذي لم يطل الجدوى، خروج الحي، الأحياء، المدينة برمتها، ثم تجمع الرجال في مسجد كان مكاناً للتجمع والاعتصام وحسب، لم يكن بيتاً للسلفيين الذين جاؤوا من الجارة الأردن ـ كما صرح النظام السوري ـ إذاً. كان تجمع الرجال في مسجد العمري هو ردة فعل، وما كان منظماً كما صرح النظام السوري، تُرى لماذا كان ضمن تسلسل ردود أفعال عاطفية؟ هي خروج الأمهات.. الحي.. المدينة.. القتل في الشوارع. إذاً، كان حدث اعتقال الأطفال بنيّة تغيير الحياة في درعا.. إذاً، فالنظام الحاكم متآمر على الناس هناك. فنتصور لو لم يجتمع الناس في مسجد تجمعوا فيه لأمور متعلقة بتقنية التجمع وحسب، ولو لم تخرج المدينة ولم يطلق رجال الأمن الرصاص عليهم، ولم تخرج بعض الأحياء ولم تخرج الأمهات.. إذاً، كان هذا يستدعي إلى معادلة مفادها هو لو لم يعتقل النظام السوري الأطفال, ذهب الولد إلى المدرسة. وليتفادى النظام السوري سؤال المقدسات وُضعتِ الأسلحةُ وحفناتٌ من العملة في مسجد العمري، إذ داهمته وانتهكت حرمته. ترى، إن كان هنالك من سلفيين، فلماذا تجمعوا كلهم في مكان واحد يسهل على الأمن السوري والفرقة الرابعة اعتقالهم وقتلهم؟ لماذا لم يكونوا في الشوارع تدفع رجال الأمن عن المدينة وتقاتلها؟ لماذا لم يهربوا من الجامع قبل وصول الأمن السوري؟ ماذا كانت تفعل الأسلحة مخزنةً فيما مئات الرجال في المسجد كانوا عزّلاً؟ من قتل الطبيب؟ أوليس كان طبيب جرحى السلفيين داخل المسجد ـ كما قال النظام السوري؟ هل قتل السلفيون طبيبهم؟ ذهب الولد إلى المدرسة.. ماذا كانت تفعل تلك الأموال في المسجد؟ ألتتكاثر حيث تمسها يد بركة المكان؟ ذهب الولد إلى المدرسة.. هي حاجة الإنسان في تجديد نفسه بما يدلقه عن مسميات تسمى قيوداً، هي القيود التي صُنِعَت من مواد متعددة في سوريا ـ قيد من حديد للجسد، قيد من فساد للنفس، قيد من اللغة للروح. كم من حرية نحتاجها فنفتضَّ بكارة أجنحة تحتوينا ـ نحن السوريين، نموت قبيل الاهتداء إلى أسمائنا قبيل لفظها ـ لعنة المسميات، تلفظنا لعنة تسمينا، يحدث الموت في عجالة كأنه لا يملك قصصاً جميلة ترتب سبيلنا بمنطق عاطفي يحتاجه الميت، نموت في عجالة كأن الموت خرج من مفهومه الماورائي ليتحول إلى وظيفة في دائرة حكومية فاسدة. ذهب الولد إلى المدرسة. رجال مستلقون دون رجعة إلى دمائهم الأولى، منسوفو الرؤوس والأشلاء حولهم، رجال واقفون دون رجعة إلى دمائنا الأولى، منسوفو القلوب يضعون أسلحة إلى جانب الرجال الشهداء ـ شهداء المدرسة البكر، في حركة تأسيسية لمؤامرة ستُطرَح علينا على العالم كمؤامرة على الوطن، يقولون وهم يصورون الجثث:" ضع الأسلحة إلى جانب الجثث كي تأتي اللجنة". إذاً هو التطور الدرامي ذاته لسيناريو واحد غير مفصول عن الأسلحة والأموال في مسجد العمري والتي صورها التلفزيون السوري المكتوم، نستدرك طاعة غير موثوقة فينا.. اقتلْ متظاهراً وضع سلاحاً بجانبه، ذهب الولد إلى المدرسة. وفي طريقي النفسي، إذ ذوبتُ بصري في مشهد لمدينة درعا، كانت الدبابات تباشر دخول المدينة، فيما شباب يتراشقونها بالحجارة السلمية. هي نعمة، إذاً، أن تتحول أسلحة السلفيين من قذائف آر بي جي إلى حجارة.. أن تتحول شعاراتهم من طائفية إلى لا للطائفية نعم لسوريا مدنية ذات تعددية حزبية.. هي نعمة أن نكتشف ذواتنا عبر شيفرات النظام السوري,( كنا سلفيين ومش عارفين).. ذهب الولد إلى المدرسة. قناصة منتشرون على أسطح البنايات، ورجال يبتكرون أفقاً أوسع بأدوات تمتُّ إلى الجمالية بصِلة شديدة البريق للوي ذراع الحصار المستوحى فكرته وأدواته من أنظمة دموية بائدة أجهضها الزمن، رجال يضعون الخس وبعض المواد التموينية والبسكويت للأطفال في أواني بلاستيكية موثقة إلى حبال طويلة يسحبها أناس محاصرون إلى جوعهم في طرف الشارع الآخر. إذاً، هو الدم يبتكر أفقاً للجمال هي جثة الشهيد التي لا تقوى فراشة عيوننا على الاستقرار عليها لكثافة الدم فيها تضخ الدماء في قلوبنا. في سوريا يذهب الشعب إلى غد الشهيد ويذهب الشهيد إلى حاضر الشعب، الشهداء يصنعون حريتنا. إذاً، هناك حياة تتقدم إلينا من صلب الموت.. إذاً، فشل النظام السوري في كسر الشعب المؤسس نفسه.. ذهب الولد إلى المدرسة. ذهب الولد إلى المدرسة، وذهبت كي أرافق الولد النائم في عضو تناسلي كان لقضاء حاجة البول وحسب، أقسم إنه لم يسع إلى إيجاد الهوة المستوحاة من جدلية تؤرق الخيط بين العاطفة المندلقة من حصار مدينة أنثى وبين عاطفة مندلقة من حصار شامة ذكورية، هي في تكرار إذاً كتلة السيناريو تتشابك كما أنسجة (الوطن كتلة) منذ خمسة وأربعين عاماً وكأننا أبطال النص المكتوب سلفاً قبل أن تستيقظ الزهرة في أرواحنا حتى. مَن جسدني في عتمة هذا الجسد، أسأل نفسي فيما يرشقني ـ يرشقنا ـ أحدهم بحجارة مكتومة على طول جانبي الطريق هذا المكتوم؟ من يحكمنا؟ هو إذاً، العدول عن فكرة تمس العادة الألفة فينا إذ لمس السدرة في صراع الخير مع الشر وصراع الشر مع المكان, نحن أسرى المكان إن لم نستدرك مسعى المتيقظ فينا صوب المطلق. ذهب الولد إلى المدرسة وعاد من دون عضوه التناسلي وعدنا إلى أعضائنا التناسلية نبصق فيها على الدم الجمال. ــــــــــــــــــــــــ برلين
#ريبر_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رصاصة غير طائشة
-
الكُتُبُ الخَدم
-
في انقسام الدول وحدة الإنسان
-
فيزيولوجيا الشرق (لماذا لم تصدقوا ناجي العلي)
-
أمكنة في قيد الزمن
-
سوريا تمازح نفسها
-
سوزان عليوان توبخ الزمن عبر زمننا
-
III التجريد
-
أنا حيوان أُساق من قلبي
-
التجريد II
-
التجريد
-
النشرة الجوية في سوريا وخارطة الشرق الأوسط الكبير
-
مهرجان برلين للأدب
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|