|
دروس 28 يونية 2011
علاء عوض
الحوار المتمدن-العدد: 3413 - 2011 / 7 / 1 - 19:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لم تكن الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات والاعتصام الذى شهده ميدان التحرير يوم الثلاثاء 28 يونية 2011 والمستمرة حتى كتابة هذه السطور، احداثا معتادة ضمن جملة الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية التى تشهدها البلاد منذ انطلاق العملية الثورية فى 25 يناير، بقدر ما كانت تحمل العديد من الدلالات والاشارات العميقة لدرجة تجذر عملية الثورة ومواقف مختلف القوى الاجتماعية والسياسية منها مما يطرح تساؤلات عديدة حول مستقبلها. والواقع أننى أستطيع قراءة هذه الاحتجاجات من خلال أربعة محاور رئيسية: أولا: فى تقديرى أن الانتصار الأهم الذى حققته جماهير الشعب المصرى فى مسيرتها الثورية كان هو الذى تحقق فى الثامن والعشرين من يناير حين استطاعت هذه الجماهير ببسالة وشجاعة نادرة أن تلحق الهزيمة النكراء بجهاز أمن السلطة البرجوازية القمعية، هذا الجهاز الذى مارس بطشا وحشيا تجاه هذا الشعب والذى أمعن فى اذلال فقرائه واستغلالهم. لقد خرجت الجماهير تتصدى لهذا الجهاز وترغمه على الفرار أمام زحفها كالجرذان، وكان لدى هذه الجماهير ثأرا عميقا ضد هذا الجهاز وضد الطبقة التى يحميها، هؤلاء الذين نهبوا حقوقهم وأهدروا كرامتهم وانسانيتهم، ويمكننا التأكيد أنه بدون هذا الانتصار التاريخى لما تمكنت الجماهير من الاطاحة بالدكتاتور مبارك وفرض ارادتها ودخولها كطرف فاعل فى المعادلة السياسية على الساحة المصرية. والآن، وبعد مرور خمسة أشهر على هذا الانتصار العظيم، يحاول جهاز الشرطة أن يستعيد سطوته ويمارس نفس سياسات القمع والبطش والارهاب فتفاجأه كتل شعبية هادرة لتتصدى لتلك المحاولات ولتجهضها فى مهدها. ان انتصار الجماهير فى 28 يونية أمام وابل قنابل الغاز والخرطوش والرصاص المطاطى، واستمرار الاحتجاجات وتصاعدها بالرغم من اصابة أكثر من ألف متظاهر هو استمرار لانتصارها فى 28 يناير وتأكيد له، وهو أيضا يؤكد الفشل الذريع الذى منيت به – وستمنى به فى المستقبل – الحلول الأمنية القمعية فى مواجهة غضب واحتجاجات الجماهير، انه الاعلان الثانى لهزيمة الذراع الأمنى للبرجوازية. ثانيا: كانت الكتلة الاجتماعية العريضة التى واجهت قوات الأمن الغاشمة فى الثامن والعشرين من يناير تتكون فى غالبيتها من الفقراء والمهمشين فى الأحياء الشعبية، وهؤلاء هم من قدموا العدد الأكبر من شهداء الثورة ومصابيها. ان هؤلاء الفقراء هم الذين تعرضوا لأبشع صنوف القهر والاذلال على أيدى رجال شرطة مبارك والعادلى، وهم أيضا الذين تعرضوا للتهميش السياسى والاعلامى بعد انطلاق الثورة، ولم يشعروا بأى تحسن فى أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية بل ربما شعروا بمزيد من التدهور بعد الثورة، هؤلاء الذين يشكلون الأغلبية الكاسحة من سكان هذا الوطن، وهؤلاء الذين يدفعون الثمن الأفدح أمام الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، والذين يحصلون على قدر هامشى من الخدمات، تعامل معهم الجميع بقدر شديد من التجاهل والتعالى الطبقى، لم ينشر الاعلام صور شهدائهم ولم يمثلوا فيما يسمى بائتلافات الثورة، ويصفهم المجلس العسكرى بالبلطجية ويقدمهم للمحاكم العسكرية وتتفق معه الحكومة وحلفاؤه من تيارات الاسلام السياسى فى هذا الوصف، كما يرفضهم أيضا العديد من الليبراليين وبعض اليساريين انطلاقا من نفس رؤية الاستعلاء الطبقى. هؤلاء هم أصحاب المصلحة الحقيقية فى الثورة، وهؤلاء هم وقودها وطاقتها الكامنة، ان محاولات تصوير الثورة على أنها صنيعة شباب الفيس بوك من أبناء الطبقة الوسطى وحصرها فى بعض المطالب السياسية ومحاولة التمييز بين شباب الطبقة الوسطى وبين جماهير الفقراء هى أهم أدوات الثورة المضادة فى تفريغ الثورة من جوهرها الطبقى والاجتماعى لصالح بعض المطالبات النخبوية بالاصلاح الدستورى والتشريعى. واليوم تخرج هذه الكتل الشعبية الفقيرة المنهوبة ومهدورة الحقوق عن صمتها لتؤكد أنها من أصحاب هذه العملية الثورية، وأنها قدمت دماء أبنائها ولن تقبل أن يستهان بهذه الدماء الغالية. وقد جاء وقوف العديد من جماهير الشعب الى جانب هؤلاء الفقراء والمطحونين والتأكيد على مشروعية حقوقهم لتواجه بذلك ادعاءات المجلس العسكرى الباطلة التى تتهمهم بالبلطجة وكذلك القوى السياسية الاسلامية وغيرها من النخب التى عليها أن تدرك أنها تواجه تهديدا حقيقيا بالعزلة عن الجماهير. لقد أصبح المهمشون والفقراء طرفا هاما فى معادلة العملية الثورية، ولن تجدى اتهامات البلطجة والهمجية وتحذيرات الانفلات الأمنى فى التعامل معهم، ولابد من تطوير الخطاب السياسى للقوى الثورية بما يسمح باستيعاب مطالبات هذه القطاعات الجماهيرية الهامة وتأطيرها داخل عملية الثورة. ثالثا: كان انتقال السلطة الى المجلس العسكرى بعد الاطاحة بمبارك بموافقة ومباركة الامبريالية الأمريكية يستهدف السيطرة على زخم الاحتجاجات الجماهيرية وايقاف امتدادها والبدء فى عملية انتقال سياسى يعاد فى نهايتها انتاج السلطة التى تسمح بالسيطرة الاقتصادية والسياسية للبرجوازية، وهذا هو ما عبر عنه باراك أوباما حين تحدث عن ضرورة الانتقال المنظم للسلطة فى مصر. وبالرغم من تحالف تيارات الاسلام السياسى مع هذا الطرح، والتأييد المتحفظ الذى قدمه العديد من الليبراليين له أيضا بشرط خلق الصيغ التشريعية والدستورية التى تسمح لهم بالحصول على نصيب كبير من كعكة السلطة، بالرغم من هذا لم يستطع هذا السيناريو أن يوقف الاحتجاجات أو أن يصنع الاستقرار السياسى المنشود. كانت قراءة أوباما والعسكر فى مصر والاسلاميين قاصرة وعاجزة عن فهم الواقع لأنها ببساطة لم تضع فى حساباتها المتغير الجديد فى المعادلة، وهو دخول الجماهير الى ساحة الصراع بثقل شديد، فالاحتجاجات والاضرابات العمالية تتزايد واحتجاجات الفلاحين أيضا، والاحتجاجات الشعبية لمواجهة الفساد ومحاكمة القتلة والسفاحين تتصاعد، ويأتى هذا الاتساع الاحتجاجى على خلفية هزيمة لأجهزة القمع وعجز شديد للحلول الأمنية. ان القوانين القمعية المعادية للثورة والديمقراطية يصدرها المجلس العسكرى ولكنه لا يستطيع تفعيلها أمام ضغوط الجماهير، فقد صدر قانون تجريم الاضرابات وفى أول تفعيل له - فى محاكمة عمال بتروجيت - أصدر القضاء العسكرى أحكاما مع وقف التنفيذ، محاولا اثبات تجريم هذا الاضراب ومتجنبا فى الوقت نفسه تداعيات الغضب الجماهيرى اذا جاءت الأحكام بالحبس المشمول بالنفاذ. هذا هو الواقع الراهن فى مصر الذى لم يدركه أوباما وأصدقاؤه، واقع اتساع دور الحركة الجماهيرية وتصاعدها واكتسابها خبرات نضالية وقدرات على تحقيق منجزات على الأرض، وأمام هذا الواقع تصبح الحلول الاجتماعيية والسياسية التى تتبنى برنامجا اصلاحيا لتحقيق القدر الأكبر من المطالب الجماهيرية هى السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار، ولكن البرجوازية الحاكمة ومجلسها العسكرى وجكومتها وأحزابها لن يستطيعوا تقديم هذا البرنامج الذى يتناقض مع مصالحهم الطبقية ومع تبعيتهم للامبريالية وطبيعتهم الريعية، وبالتالى فان حالة عدم الاستقرار ستستمر وحالة المواجهة هذه لن تنتهى. رابعا: كان الأمل فى تحقيق الاستقرار السياسى الذى يفتح الطريق أمام خلق البنى السياسية التى تتيح تحقيق سيطرة البرجوازية على الحكم يراهن على أثر الضعف التنظيمى للحركة الجماهيرية وقدرته على اخمادها، لقد اتسمت العملية الثورية فى مصر بالطابع العفوى ومازالت هذه العفوية بارزة فى صدارة المشهد السياسى. لقد راهن أوباما والمجلس العسكرى على ذلك الضعف التنظيمى الذى من شأنه أن يفرغ طاقة الحركة لدى الجماهير مما يدفعها الى الانصراف عن الشوارع والميادين. ولقد تصور المجلس العسكرى والامبريالية الأمريكية أن استقطاب جماعة الاخوان المسلمين الى صفوفهم فى حلف سياسى سيضمن تراجع الجماعة السياسية الأكثر تنظيما عن تأييد الاحتجاجات ويترك الجماهير فريسة للعفوية. ولكن الرياح لا تأتى دوما بما تشتهى السفن، فقد أثبتت الجماهير المصرية بعد خمسة أشهر أنها مازالت قادرة على التحرك وتجميع صفوفهم فى حركة احتجاجية واسعة رغم ضعف الجانب التنظيمى، بل أن هذه الجماهير قد سبقت فى هذا التحرك حتى المجموعات الصغيرة المنظمة (مثل المنظمات اليسارية والجماعات الشبابية ذات التوجه الديمقراطى) أو التى تحاول تنظيم نفسها داخل الحركة الجماهيرية، هذه المجموعات قد انضمت فيما بعد الى الحركة وأصدرت بيانات التأييد والدعم ولكن المبادرة جاءت من قبل الجماهير العفوية. وأيضا لم تستطع القوى السياسية ذات التاريخ التنظيمى العميق مثل الاخوان المسلمين أن تقف فى وجه اتساع الاحتجاجات رغم المجهودات السياسية الواسعة التى مارسوها، كما لم تستطع النخب السياسية الليبرالية أن تستدرج الجماهير الى معاركها السياسية حول حجم الدور السياسى المرتقب مثل الدستور أولا أو الوثيقة فوق الدستورية وغيرها من الشعارات. ان ماحدث يؤكد أن التنظيم بوصفه عاملا هاما فى تطوير الحركة الجماهيرية لايكفى لقيادتها دون توافر العامل الأهم وهو الارادة الجماهيرية فى النضال من أجل الدفاع عن حقوقها ومصالحها والتى تخلقها الشروط الموضوعية لتطور الصراع، كما أن هذه الجماهير لن تلتف الا حول التنظيمات الثورية التى تتوجه اليها بالخطاب السياسى الذى يدرك مدى القهر الطبقى الذى يعانونه والذى يطرح البرنامج المتفق مع مصالحهم وطموحاتهم، وهذا هو التحدى الأكبر أمام العملية الثورية فى مصر.
#علاء_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاء عوض في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: اصلاح اجتماع
...
-
المسارات السياسية للثورة المضادة
-
الاحتجاجات الفئوية ما بين الثورة والثورة المضادة
-
الثورة المصرية...نتائج وتوقعات
-
الإخوان والدستور وعنق الزجاجة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|