عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 3413 - 2011 / 7 / 1 - 14:29
المحور:
الادب والفن
كانت الرؤيا غير واضحة المعالم إلا ذلك الكلب الذي يُهرول في براح فسيح و... أضغاث أحلام أو سمها ما تشاء . قناعتي بالأحلام متأتية من نظرتي عن انها إنعكاس للواقع اليومي للشخص مع ترسبات من ازمنة قديمة . وعليه عندما حاولت أن أستشف ما مر بي خلال الأيام القريبات حتى أقع على فحوى الحُلم , فقد إكتشفت إنني في الوقت الذي كنت منشغلا ومهموما بالوضع السوري حيث جميع الأخبار تغشي العيون وتمخر الآذان , كنت أشاهد احد أفلام الممثل الرائع : Clint Eastwood عن سلسلة أفلام Dirty Harry .. والمحور هو الكلب في الفيلم . لا أدري لماذا أثار كلب " ستيوارت " تلك الفضولية , فهو في الحقيقة كلب صغير وقذر , وتعرَف عليه " ستيوارت , كلهان " بمحض المصادفة , إلى درجة إن " كلاهان " كان عندما يحرجه هذا الكلب الصغير بقذاراته مثل التبرز وغيرها فيُسأل عنه : هل هذا كلبك ؟ كان يقول للسائل : why , do u want him ? , وعلى أي حال فربما كان مخرج الفيلم له وجهة نظر مختلفة حول حشر هذا الكلب في معمعات " كلاهان " التي لا تنضب , فقد خلصه - ذلك الكلب - من موقف كان من الممكن ان يؤدي به إلى القتل .. أما بالنسبة لي فقد دخل كلب " كلاهان " ضمن حسابات الفضول نحو هذا الكلب , ومن ثم أخذ أحد الكلاب الشبيهة جدا بهذا الكلب في أحد الإعلانات " commercil يذكرني بكلب كلاهان المُحقق الأميركي البارع والشرس في قضايا الجريمة .
غير ان ذلك الفضول قد قاد إلى تلك الرؤيا - صُلب الموضوع - فما آل إليه الوضع السوري يضع الكثير من علامات الإستفهام عن السلوك المريب والمفضوح لهذا النظام . ليس جديدا ذلك اللوك الذي زكم عيون وآذان التاريخ عن المؤامرة والمؤامرات والمخابرات والموسادات , أية حشرة تعمل في قاع الأرض لو تهمس لها بتلك الترنيمة فسوف تقول لك : لهذا السبب , بالذات هذا السبب جعلني أنزوي في قاع الأرض , حتى لا أستمع إلى ترنيمة القوميين والبعثيين وحاليا الدينيين عن تآمرات جميع الدنيا عليهم ! حيث لا ندري لماذا تتآمر الكائنات على حُثالات التاريخ , هل تود أن ترتقي إلى سُلم المجد الحُثالاتي ؟! فالوضع الإحتجاجي في سوريا إبتدأ بمدينة سورية تُسمى " درعا " ومن ثم إمتدت الإحتجاجات لتشمل مُعظم المدن السورية , وكانت سلمية , ناس عُزل , أطفال وشباب وشيوخ , لا يمتلكون إبرة لوخز أي شرطي وناطور .. وبعد أسابيع ترانا نجد دروعا ومجنزرات تخترق المدن والثغور والقرى الآمنة .. وأنت تحاول أن تستكشف شيئا ذات قيمة عن الذي يحدث , فتُصاب بدوار وآخر ورابع وعاشر , يقول لك الخبر : مجنزرات الأسديين مشطت جسر الشغور , لا تدري هل سوريا في حرب ونحن لا نعلم , والعالم لا يعلم , الدبابات والجنود والضباط مشطوا ماذا ؟ لا تعلم .. على الحدود اللبنانية , على الحدود التركية , على حدود الله والشيطان , لا تعلم ماذا يُمشطون وفي أي أفق سائرون .. فقط نريد أن نفهم ماذا يُمشطون , هل هناك حرب في إحدى جزر المريخ؟ !! وفجأة يظهر خبر يقول لك : ان المجنزرات والجنرالات والضباط واشباه الضباط والعُرفاء والجنود , كانوا يُطهرون ويُمشطون ويُجملون البلاد من مجموعة من الإرهابيين الذين يقتلون الناس المحتجين وعناصر الأمن والجيش السوري البطل , ولماذا يقتلون الناس والجنود , الناس عندما تتظاهر لماذا يقتلها الإرهابي .. مئات الآلاف قُتلت في العراق على يد الإرهابيين : في الأسواق , في الطرقات و في المطاعم , في كل نقطة من العراق , لكنهم عندما إنتفضت هذه الناس في ساحة التحرير لم نر فقاعة متفجرة , وهذا لا يعني تبرئة القتلة من أفعالهم الإرهابية , إنما هو نوع من الفبركات التي تستخدمها الحكومات والإرهابيين على حد سواء , فالإرهابي وصاحب السلطة كلاهما إرهابيان , يستغل أي حدث يصب في مصلحته , وتنسلخ وقائع التاريخ لتقول لك : الذايدي والعنزي والبعيري إرهابيين , وأيضا يقول لك صدام حسين إرهابي , وحافظ الأسد وأحمدي نجاد والمالكي وجميع اللفيف إرهابيين بإمتياز , كل منهم يريد أن يُريح رأسه من الفايروس الذي يفترس مخه عن مرض مستفحل إسمه : الذات الدونية : لا يوجد فِعلا دنيئا غير مرتبط بتاريخ دوني للشخص الذي يمارسه !
ومن هنا, كيف تُعلق على ما يدعيه نظام دمشق , هل هناك فسحة شُبه هُلامية تستطيع أن تُعبر عن هكذا فجاجة ؟! يعني يا نظام بشار على الأقل نوع من الفبركة التي تنطلي ولو نسبيا على حشرات الأرض , هل ضاقت بكم السُبل , لم يكن عهدنا بكم هكذا , فالذي نعلمه إنكم أنتم البعثيون والقوميون أصحاب خبرة طويلة في هكذا مضمار , مضمار التزييف والفبركات , أما فبركاتكم الأخيرة قد خيبت أملنا فيكم , ماذا دهاكم , هل أصابكم العجز ولم تجدوا غير هذه القرقوزيات السيركية المثيرة للشفقة , هل شختم , هل هرمتم , مع الأسف , مع الأسف الشديد , أصحاب الفذلكات الإسطورية والفبركات التي عانقت التاريخ , مع الأسف قد مُلصت نخاعاتهم من ظهورهم فإنخسفت مقدماتهم حتى أضحوا ممخورين كهياكل المعلمين الأوائل في قبور اللعنات !
ومن فوهات القبور وناشقيها تستشف النبأ الحُلم , الرؤيا , رؤيا فيلم The Dog والنظام الديكتاتوري في سوريا الغمام الأزلي , ورغم أن الرؤيا إقترنت ببساطيل قوات الشرف العربي وشرايين جرذان الأمن السوري , فإنها بلا شك تفرش بساطاتها الشرفية التي أذلت الخلق والضرع لتتساوق مع كل شرطي حقير يخنق الصوت المتحرر في كل شبر على تلك الأرض !
الحُلم أو الرؤيا :
في البدء , لا بد القول ان فيلم : The dog لم يكن مترجما على نحو صحيح , وربما كذلك , فقد عُرض الفيلم في سينما " سميره أميس " في بغداد نهاية سنة 1979 تقريبا حسب ذاكرتي , تحت هذا الإسم , وبعد سنة تقريبا شاهدته في سينما مدينة الشطرة , وتحت نفس الإسم , وبعد تلك السنين الطويلة حاولت أن أجده على شبكة الإنترنت , لكن عبثا , فربما يكون له إسما آخر , بمعنى أن عنوان الفيلم قد يكون مختلفا مثل العديد من الأفلام التي شاهدناها في العراق تحت أسماء معينة وبعدها يتضح ان عناوين ترجمات تلك الأفلام تختلف , وتلك الملاحظة حسب رأيي مهمة , لأنني حين حاولت إستعادته من خلال الإنترنت , كان القصد إعادة بعض التفاصيل التي ربما أكون قد نسيتها والتي ترتبط بهذا الموضوع , لكن على أي حال , فأعتقد اني لا زلت عالقا بذلك الفيلم إلى حد التفاصيل , لكن ما يهم في كل ذلك هو جوهر الفيلم الذي يقترن بالرؤيا :
الرؤيا :
ومثلما قلت ان تلك الرؤيا لم تكن بذلك الوضوح : كلب يُهرول في سهوب شاسعة , طائرة مروحية جاثمة في نقطة من تلك السهوب وهي على عجلة للإقلاع .. وفي خضم الحلم تظهر صورة كبيرة لـ " بشار الأسد " وهو يحد النظر بحقد متفجر من عينيه على زوجين متواريين تحت الغطاء في غرفة نوم زوجية , وعندما يكتشفان تحديق بشار الأسد ينتفضان من فراش الزوجية مرعوبين .. " وتنتهي الرؤيا دون أن تفهم شيئا منها !
ومن هنا القول : إن كلب " Clint Eastwood " كان نقطة التحول في إنشراح تلك الرؤيا , فهو الذي قاد لفيلم The dog الفيلم الذي يلتقط بمنقار حِرَفي مذهل النظام البوليسي الديكتاتوري في تعامله مع معارضين تتعدى خطورتهم جميع صنوف الجريمة وُفق نظرة المساس ولو شفاهيا بأهداب رأس الحربة المتنفذ :
ففي ذلك الفيلم تقتحمك المقدمة بسجن أشبه بقلعة , قلعة تستجير كل أساطير الأزمنة لسلخ رقبتك منها فتجيبك الخرافة no chance , لا أمل في الخلاص ! الفيلم يتحدث عن زعيم تنظيم شيوعي في إحدى دول أميركا الجنوبية , الدول حسب الذاكرة بين : البرازيل , وبوليفيا , وغواتيمالا .. كان هذا الزعيم مسجونا في تلك القلعة .. ومن ثم وبطريقة فقدتها الذاكرة تتمكن مجموعة شيوعية تخليص هذا الزعيم من تلك القلعة .. وعلى أثرها تستمر مطاردة القيادي الهارب بسايس كلب وكلبه .. تتواصل المطاردة من قِبل الكلب بالذات لهذا الهارب في كل شارع ونقطة رغم الحراسات المشددة من قبل عناصر التنظيم المسلحين , حتى تصل المطاردة إلى إكتشاف أنه في إحدى اللقطات يظهر هذا المُطارد الهارب وهو ينام بزوجته , وإذا فجأة يظهر له الكلب قرب فراش النوم مع زوجته .. يتم تخليصه من جانب جماعاته المسلحة .. ومن ثم تتواصل المطاردة من قبل الكلب .. حتى نهاية الفيلم حيث تظهر طائرة مروحية في أحد السهوب في إنتظار هذا الهارب لنقله إلى بلد آخر , وفي الأثناء يظهر الكلب وهو يركض بسرعة فائقة لإقتناص الهارب قبل أن يمتطي المروحية , في ذات الوقت تظهر لقطة تُظهر زعيم الحكومة العسكرية وهو يجلس في المقعد الخلفي للسيارة , ومُرافقه الخاص بالحماية يجلس في صدر السيارة , وفي اللحظة الذي يسحب هذا الشخص الخاص بحماية رئيس الحكومة , في اللحظة التي يسحب فيها أقسام مسدسه لإغتيال زعيم الحكومة العسكرية , حيث ان هذا الحارس يتضح إنه ينتمي للمعارضة الشيوعية , في تلك اللحظة التي يسحب أقسام المسدس ويطلق النار على رئيس الحكومة العسكرية في رأسه فيطلق عواء الكلب , في تلك اللحظة كان أحد المعارضين وهو ينظر إلى الكلب وهو يحاول إقتناص الهارب , يُشير لأحد زملائه القناصة بالقول : عليك بالكلب , فيُوجه القناص بندقيته نحو الكلب قبل أن ينال الزعيم المعارض الهارب , فيُصيبه بإطلاقة فيسقط مقتولا وهو يعوي رافعا جسده بأنتفاضات متكررة عن الأرض وكأنه يعلن الندم المبرح في عدم إقتناص المعارض الهارب .. كانت الإطلاقتان لرئيس الحكومة من رئيس حمايته , والإطلاقة التي أودت بالكلب في ذات اللحظة , ولذلك ظهرت نفس الإعواءة لرئيس الحكومة العسكرية والكلب .
أعتقد أن رمزية الفيلم واضحة , غير انها تحتاج بعض الإيضاح , فمطارة الكلب هنا رمزية , فبما ان الكلب أشد الحيوانات مطارة لفريسته , وعلى الأخص الكلاب الوحشية التي تفوق الذئاب في المطاردة , فإن النظام الديكتاتوري أشد إيغالا في تلك المطاردة , إلى درجة إنه يطاردك حتى في فراشك الزوجي " اللقطة التي تظهر الكلب في فراش الزوجية للهارب السياسي ".. وعليه كان إطلاق النار على الكلب ورئيس الحكومة العسكرية في ذات اللحظة, -هي نفس الإطلاقة - , بمعنى ليس ثمة إختيار أمامك سوى قتل هذا الذي يطاردك حتى في فراش الزوجية .. وعلى أي حال , رغم اني عندي بعض الملاحظات على هذا الفيلم , لكنه يظل أحد ألأفلام الرائعة في تبنيه لتلك النوعيات من النُظم التي إنسلخت عن أي مفهوم لواقع الإنسان عندما تمسخ حياته على هذا النحو الذي يفوق كل تصور !
وعليه , إذا كان ذلك الفضاء الأميركي الجنوبي الذي طارد المعارض حتى في فراش الزوجية , وربما تطابق مع ذلك الحلم عن المروحية وفراش الزوجية وتحديق بشار الأسد , فإننا نقول للحلم , لقد كنت مٌخطئاً جدا , فنحن لا حدود لدكتاتورياتنا , فصدام حسين وصفوه بالإله ولم يقتنع , وبشار الأسد وقف له أحد الكائنات التي أخطأت فيها حسابات التكوين البشري , وقف قبالته وقال له : المفروض ان لا تحكم سوريا فقط , إنما العالمين أجمعين , فأي إنحطاط يا جبين الله نحن نعيشه ؟!
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟