|
الذكري ال 22 لانقلاب 30 يونيو 1989م.
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3412 - 2011 / 6 / 30 - 00:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
*حصاد الهشيم وانفصال الجنوب: مضت 22 سنة علي نظام انقلاب 30 يونيو 1989م الذي طغي في البلاد واكثر فيها الفساد، وتم فرض ايديولوجية الاسلام السياسي، وكان الحصاد هشيما وانفصالا لجنوب السودان. دبرت الجبهة الاسلامية الانقلاب، وتحت اشراف قيادتها، وفرضت ديكتاتورية فاشية بدأت بحل الجمعية التأسيسية ومجلس رأس الدولة وحل الأحزاب السياسية والنقابات وكل المؤسسات الدستورية التي كانت قائمة قبل الانقلاب. وتم تكوين مجلس انقلاب( سلطة تشريعية)، ومجلس وزراء(سلطة تنفيذية)، واعتقال قادة المعارضة مع مسرحية اعتقال د. حسن الترابي، و تشريد الالاف من المعارضين السياسيين والنقابيين. كما تمت مصادرة الحقوق والحريات الأساسية : حرية الصحافة والتعبير والنشر ومنع المواكب والمظاهرات والاضرابات، وفرضت مراسيم جمهورية حددت عقوبات معارضة أو مقاومة النظام( الاضراب...) بالسجن الطويل أو الاعدام، كما تم عقد مؤتمرات كانت قراراتها معروفة سلفا والدعوة فيها تتم علي أسس فردية ومن الاذاعة مثل: مؤتمرات الصحافة والاعلام والحوار الوطني..الخ، كما تم تكريس النظام الشمولي(نظام المؤتمرات الشعبية) مع روافد له (الشباب، النساء، اتحادات الطلاب والعمال والمهنيين السلطوية، والسلام والمجلس الوطني الانتقالي..) وكلها تنظيمات تابعة للدولة، كما تمت مصادرة جميع الانشطة الثقافية والابداعية والرياضية المستقلة عن السلطة، كما مارس النظام ابشع أساليب التعذيب للمعتقلين السياسين والنقابيين. وعندما تعود بنا الذاكرة الي صبيحة الانقلاب المشئوم الذي اذاع فيه رئيس مجلس الانقلاب البشير بيانه والذي جاء فيه: رفع المعاناة عن الجماهير، وفك عزلة السودان الخارجية، وتحقيق السلام ودعم القوات المسلحة، نلحظ انه بعد 22 عاما زادت المعاناة علي الجماهير والتي فقدت ابسط مقومات الحياة مثل: مجانية التعليم والعلاج وتزايد نسبة الفقر التي وصلت الي 95%، هذا ومن المتوقع أن تكون الأوضاع الاقتصادية والمعيشية اكثر سوءا بعد انفصال الجنوب في 9 يوليو 2011م القادم. وتم تدمير المشاريع الزراعية والصناعية بعد سياسة الخصخصة التي اتبعها النظام وتشريد العاملين. كما فقدت البلاد سيادتها الوطنية حتي اصبح كل من هب ودب يتدخل في شئونها الداخلية، كما ازداد لهيب الحرب في الجنوب والتي اتسعت لتشمل: دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وشرق السودان. اضافة الي تدمير الخدمة المدنية والقوات النظامية التي فقدت الالاف من خيرة كوادرها المؤهلة والمدربة نتيجة للفصل السياسي والتعسفي. ومن جانب آخر اتسعت المعارضة الجماهيرية والعسكرية للنظام، وتم توقيع ميثاق التجمع الوطني في اكتوبر 1989م، وكانت اضرابات الاطباء والمهندسين( في نوفمبر 1989م)، وعمال السكة الحديد(90/1991) ، وتواتر مقاومة الطلاب التي بلغت ذروتها في انتفاضة سبتمبر 1995م، وسبتمبر 1996م، وانتفاضات المدن من اجل خدمات المياه والكهرباء ومقاومة ارسال الطلاب الي محرقة الحرب....الخ. وكان من نتائج المقاومة الداخلية وضغط المجتمع الدولي أن تم توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير 2005م، وتوفرت فرصة تاريخية للخروج بالبلاد من نفق الدكتاتورية والشمولية المظلم، بتنفيذ استحقاقات الاتفاقية التي تتلخص في: التحول الديمقراطي، والتنمية وتحسين الاحوال المعيشية وترسيخ السلام ووحدة البلاد القائمة علي اسس طوعية وديمقراطية. ولكن نظام الانقاذ استمر في طبيعته الديكتاتورية والشمولية والتي تقوم علي القمع ونقض العهود والمواثيق مثل: عدم تنفيذ اتفاقية السلام 1997م، و جيبوتي، و القاهرة وابوجا والشرق ...الخ، والتي افرغها من مضامينها وحولها لوظائف ومناصب. كما ضرب بعرض الحائط الدستور الانتقالي لسنة 2005م بعدم انجاز التحول الديمقراطي وقمع المسيرات السلمية والرقابة علي الصحف، ولم تذهب عائدات البترول للتنمية في الشمال والجنوب، وتم تتويج ذلك بتزوير الانتخابات واعادة انتاج الحكم الشمولي والسير في طريق القمع ومصادرة الحريات وزيادة اعباء المعيشة علي الجماهير، وتضخم جهاز الدولة الذي يمتص اكثر من 75% من ميزانية الدولة( 77 وزير مركزي) غير وزراء الولايات والمناصب الأخري في المجالس المركزية والولائية، فاي خير يرجوه المواطن من هذا الغول الذي جاء ليمتصه حتي نخاع العظم؟. وكان من نتائج تلك السياسات انفصال الجنوب واندلاع الحرب في جنوب كردفان بعد تزوير المؤتمر الوطني للانتخابات هناك، وبعد احتلال الجيش لابيي، مما ادي الي خسائر كبيرة في الارواح والممتلكات ونزوح الالاف وقصف المواطنين بالطائرات وحملات التطهير العرقي التي وجدت استنكارا واسعا من الرأي العام المحلي والعالمي، حتي تم توقيع الاتفاق الأخير في اديس ابابا، والذي نأمل أن يجد طريقه الي التنفيذ، والا يكون حبرا علي ورق، كمثل الاتفاقات السابقة، يعيد انتاج الحرب من جديد. * طبيعة النظام وسياساته: مايميز هذا الانقلاب عن الانقلابات العسكرية السابقة، أنه تم بتخطيط كامل من قيادة الجبهة الاسلامية ومشاركة مليشياتها في العملية الانقلابية، ولكن سياساته الاقتصادية لم تخرج عن طريق التنمية الرأسمالية التقليدي الذي سارت عليه حكومات مابعد الاستقلال المدنية والعسكرية، رغم شعارات الاسلام التي رفعها، فهي تنمية مستندة علي الفكر التنموي الغربي: " تحرير الاقتصاد والاسعار، اقتصاد السوق، الخصخصة أو تصفية مؤسسات القطاع العام وبيعها بأثمان بخسة لمحاسيب النظام، التخفيضات المتوالية للعملة، الاعتماد علي سلعة واحدة " البترول" في الصادر الذي اصبح يشكل 90% منه ( ومن المتوقع بعد انفصال الجنوب خروج حوالي 70% من ايراداته من الخزينة) ، ديون خارجية بلغت 38 مليار دولار...الخ"، ولايغير من ذلك ادخال نظم مثل: السلم في الزراعة والزكاة وتجربة البنوك الاسلامية وشركات الاستثمار الاسلامية، فالبنوك الاسلامية، كما هو معروف، استغلت الشعار الاسلامي للحصول علي سيولة كبيرة استخدمت في صفقات تجارية قصيرة المدي بأسلوب المرابحة، ولم تساعد الاستثمار ولم تقدم بديلا وظيفيا لسعر الفائدة. ولكي يبقي هذا النظام في السلطة قام بتشريد الالاف من النقابيين والمعارضين السياسيين ومارس ابشع اساليب القمع والتعذيب ضدهم، كما دمر كل الفئات الرأسمالية المنتجة المعارضة لتوجهاته، ودمر الانتاج الزراعي والصناعي ومؤسسات السكة الحديد ومشروع الجزيرة والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية والنقل النهري...الخ، كما دمر التعليم ومؤسساته العريقة، وتم فرض مناهج ذات صبغة ايديولوجية ضيقة الافق كان من نتائجها الانخفاض الهائل الحالي في مستوي التعليم في البلاد. اضافة للاستيلاء علي السلطة تم التمكين في الارض للرأسمالية الطفيلية الاسلاموية والتي تضاعفت ثرواتها بشكل هائل بعد الانقلاب وكان من اهم مصادر تراكمها الرأسمالي: نهب اصول القطاع العام، اصدار قانون النظام المصرفي لعام 1991م والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني، والتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية، والمضاربة في العقارات، والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية، والاستيلاء علي مؤسسات تسويق الماشية، اضافة لنهب عائدات البترول والذهب والجبايات واقفار المزارعين، ودعم رأس المال الاسلامي العالمي، اضافة للاستثمار في التعليم والصحة والذي اصبح مصدرا للتراكم الرأسمالي. وبالتالي، فان طبيعة هذا النظام الشمولي والذي يتجه بعد انفصال الجنوب للمزيد من القمع ومصادرة الحريات واستغلال الدين في السياسة وفرض الدولة الدينية الظلامية التي تلغي التعدد الثقافي واللغوي والديني..الخ مما يؤدي للمزيد من تمزيق ماتبقي من الوطن، اضافة لنهب موارد البلاد لمصلحة شريحة طبقية ضّيقة. هذا النظام اصبح يشكل خطرا ماثلا علي وحدة ماتبقي من البلاد و سيادتها الوطنية، بحيث يصبح من الضروري تشديد المقاومة من اجل اسقاطه وقيام حكومة انتقالية يكون من مهامها: انجاز التحول الديمقراطي ودستور ديمقراطي يكفل التعددية السياسية والفكرية والثقافية، والدينية ، ويستند علي المواثيق الدولية في احترام حقوق الانسان، وتحسين الاوضاع المعيشية للكادحين، وحل قضايا مابعد الانفصال، وتحسين العلاقات مع دولة الجنوب وقيام شراكة استراتيجية تفتح الطريق لاعاة توحيد الوطن، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، وعقد المؤتمر الدستوري القومي الجامع لكل القوي السياسية والحركات ومنظمات المجتمع المدني والتي تتواثق علي صيغة تضمن وحدة ماتبقي من البلاد والحكم الذاتي لأقاليمها الستة(الشمالي، الشرقي، الغربي، كردفان، الاوسط، الخرطوم) والتنمية المتوازنة والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية. ولقد اكدت تجربة شعب السودان في مقاومة النظم الديكتاتورية ومن خلال تراكم النضال اليومي الذي نشهده حاليا في مقاومة المزارعين والطلاب والاطباء وبقية العاملين ومتضرري السدود...الخ، أن هذا التراكم النضالي اليومي سوف يصل في لحظة معينة الي النقطة الحرجة التي بعدها يتم التحول النوعي، بقيام الانتفاضة الشعبية الشاملة والتي تفضي الي تغيير النظام كما حدث في ثورة اكتوبر 1964، وانتفاضة مارس- ابريل1985م، وثورتي تونس ومصر.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظام الانقاذ: من تفكيك الدولة السودانية الي تمزيق وحدتها.
-
حتي لاتتكرر مأساة دارفور الانسانية في جنوب كردفان.
-
أوقفوا الحرب في جنوب كردفان.
-
اقترب موعد اعلان انفصال الجنوب.
-
احتلال ابيي وخطر العودة لمربع الحرب.
-
لا عاصم للنظام الفاسد من طوفان التغيير
-
فترة جديدة من المد الثوري في المنطقة العربية.
-
حول مقتل أسامة بن لادن
-
في ذكري أول مايو: المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة السوداني
...
-
انتفاضة شعب السودان: مهما تأخرت فانها آتية.
-
ماهي ابعاد ضربة بورتسودان؟
-
في ذكري انتفاضة ابريل 1985م: التجربة والدروس.
-
الاتفاقات مع النظام: هل هي المخرج؟
-
وتستمر المقاومة رغم التهديد والوعيد
-
تصاعد المقاومة للنظام وسؤال البديل.
-
سياسة القمع والارهاب مصيرها الي زوال.
-
في ذكري 8 مارس: بأي حال عدت ياعيد؟
-
ثم ماذا بعد انفصال الجنوب؟
-
التحولات في تونس ومصر: دروس وعبر.
-
الثورة المصرية وتجليات الصراع الطبقي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|