|
العودة الي متوشالح
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3411 - 2011 / 6 / 29 - 22:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مع نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين كان العالم قد أصبح مستعدا لقطف ثمار عصر نهضة اوروبا و ظهور وتطور عدد من النظريات ذات الفلسفات الكلية التي شكلت (لدى المثقفين ) وعيا موسوعيا أنهي حقبة من تاريخ الانسان كان يتردد فيها بين ثقافة بازغة كاشفة و اخرى قديمة مبنية علي معطيات التوراة و الفلسفة اليونانية . عالم المعرفة الجديد ابحر فيه بجسارة دارون، ماركس، انجلز، فرويد، اينشتين، و توينبي لينتجوا للبشرية اغلي ما فيه من درر..مجموعة من كتب تضوى كلآلىء .. مثل أصل الانواع ، راس المال ، تفسير الاحلام ، و جدل الطبيعة .. كتب و موسوعات كان من الصعب ان تقرأها في فترة الراحة او اثناء انتظار وسيلة مواصلات .. فمتابعة التطور( الطبيعي او القصدى ) لاعضاء جسد اليمامة البرية بحيث تصبح ما نعرف من حمام بانواعه الحديثة المتعددة أو الاستماع الي حوار حفريات عمرها ملايين السنين و هي تبوح بقصة تطور البرمائيات و خروجها الي اليابسة كان يحتاج الي جهد و تركيز و دراسة شاقة ناقدة لافكار كانت لا تزال في طور التكوين و النضج .. احلام الانسان التي كان تفسيرها حكرا علي رجال الدين و الشيوخ عندما تناولها فرويد أذهل الجميع، فحلم السقوط او الطيران الذى يحلم به الانسان المعاصر هو تعبير عن خوف داخلي كامن في العقل البشرى منذ زمن سكنه في اعشاش اعلي قمم الاشجار، اما الحزن الشديد علي موت صديق في الحلم فهو تلاعب من العقل الباطن ليمرر رغبة صاحب الحلم في التخلص من الضحية صديقة، دارون ، فرويد ، انجلز كانوا نوعا من البشر (حاد الملاحظة ، شديد الذكاء ، لماحا للتطورات التي تحدث حوله )..كان متوفرا في كل المجالات العلمية ، الفنية ، الاجتماعية، و الادارية في ذلك الزمن الناهض الذى خرج فيه الانسان من اللعب علي ضفاف بحيرات العلم ( علي حد قول نيوتن ) الي اعماق البحر العالي للمعرفة و الفهم و الادراك . مع ذلك فالغالبية العظمي من البشر المتمتعين بحضارة الغرب لم تقرأ نسبية اينشتين او فلسفات هيجل او سارتر او نظرية الكوانتم .. فهي مغاليق تحتاج الي اعمار عديدة لدراستها او كما قال برنارد شو (( العودة الي متوشالح )) ( ابن النبي نوح الذى قارب عمره الألف سنة ) وذلك لاستيعاب علوم عصره .. وهكذا استفاد الانسان العادى من نتائج ابحاث و دراسات و ابتكارات و فلسفات الصفوة وظل هو علي جاهليته اسيرا لابراج الحظ و توقعات المنجمين و القصص البدائية التي روتها له امة مستسلما دون فكاك لفخ التفاسير والطقوس والاحتفالات الدينية . القرنين التاسع عشر و العشرين مرا علي هذه الارض ايضا .. فترك لنا الصفوة العديد من الكتب والموسوعات اشهرها موسوعة العالم النابه سليم حسن عن تاريخ مصر القديمة ، والباحث العملاق العاشق لبلده جمال حمدان عن عبقرية المكان ، وترجمة زهير الشايب المتزنة لكتاب وصف مصر الموسوعي الذى كتبه علماء الحملة الفرنسية مع مدخل القرن التاسع عشر، بالاضافة الي اسهامات رموز التنوير شبل شميل، لويس عوض، طه حسين، يوسف ادريس .. جيل من المبدعين الجادين الذين كشفوا من خلال ما ترجموا او ابدعوا اعماقا مظلمة لتاريخ منسي لامة ظلت مقهوره و انسان عاش في بلده غريبا يعاني لآلاف السنين من ظلم التجاهل و الارهاب و نهب ما ينتج . استيعاب هذا الكم الهائل من الاوراق المطبوعة و الافكار المتحركة و الدراسات الايجابية و استخراجها من بين ركام اكوام الكتب عديمة الفائدة و الجدوى التي غمرتنا بها وزارة الثقافة و مطابع مكتبة الاسرة يحتاج الي عمر متوشالح .. لذلك جاءت تجربة نهرو في تثقيف ابنته انديرا غاندى بتلخيص تاريخ العالم لها في كتاب واحد ..او برنارد شو في كتابة دليل المراة الذكية للاشتراكية كنماذج ملهمة سار علي هداها سلامة موسي في انجاز مشروعه التنويرى لتبسيط اصعب القضايا العلمية و شرحها فاصدر كتب في علم النفس و التطور و الفلسفة لاقت قبولا ورواجا بين الشباب، علي الجانب الاخر قام حلمي مراد باتباع نفس الدرب ولكن في الادب و الفن من خلال سلسلة (كتابي )التي كانت السبب في تعرف جيلي علي أعمدة الادب العالمي ديستيوفسكي ، تولستوى ، فيكتور هوجو، البير كامي ، كافكا ، بالاضافة الي الكلاسكيين شكسبير و هـ جـ ويلز حتي يوربيدس و سوفوكليس .. الشروح و العروض التي قدمها سلامة موسي ( وجيل من بعده ابرزهم احمد بهاء الدين ) قادت من يريد الي استكمال البحث و الدراسة .. وتعاريف حلمي مراد أدت للبحث عن الاصول لينعم جيلي برائدين شكلا ملامح شخصيته الثقافية . في منتصف القرن العشرين و حتي بدايات السبعينيات كان لمجلات مثل الطليعة، الفكر المعاصر، علم النفس دورا هاما في تعريف الاجيال المتتالية بمفردات ثقافة القرنين السابقين حتي اوقفها السادات وفتح الباب للوهابية لتمسخ الحياة الثقافية في بلدنا و ليتغلغل عملائــُها يقودون المصريين عبر ممر وحيد سرابي النهاية يحيطة شيوخ اجلاء من كل جانب وعلي راسهم شيخ وزير احتل جميع وسائل الاعلام يعظ و يفسر و يصلي لله شكرا علي هزيمة الجيش المصرى في 67 ، ثقافة زمن السادات و من بعده المبارك ( رغم الدعاية المبهرة للسيدة حرم الرئيس عن مكتبة الاسرة و القراءة للجميع ) لم ينتج عنها اى اثر تقدمي ( سوى تقدم ارصدة بنوك المحاسيب من المرضي عنهم ) وسيادة الثقافة السمعية علي البصرية فاضمحلال الطبقة الوسطي التقليدية و صعود طبقة الارزقية من رجال اعمال يعانون في الغالب من الامية جعل الفكهانية، الجزارين، الميكانيكيه و السباكين هم الذين يوجهون المسرح و الاغنية و الموسيقي و السينما و يتوقف المصريون عن القراءة ( للجيد و الغث) و يكتفون بمتابعة التلفزيون /الاذاعة / الكاسيت / الجامع / الكنيسة / و دروس الدعاة وتوقفت نهضة ستينيات القرن الماضي لينحصر دور الجريدة و المجلة في عرض الاعلانات و الاستفاضة في سرد قصص فضائح او جرائم النجوم و لم يعد للمثقف مصدرا للمعرفة او مصبا لانتاجه .. حتي جوائز وزارة الثقافة تحكمت فيها اجهزة الامن و اصبحت حكرا علي عملاء المباحث وامن الدولة الا فيما ندر . وزارتي الثقافة و الاعلام اصبحتا وكرا لرجال الجندرمة و الباحثين عن الثروة و الموظفين المطيعين الذين تختارهم بعناية الرقابة الادارية ( شرط ان يكونوا فاسدين) ليمثلا منظومة متكاملة مع وزارات التعليم والتعليم العالي و البحث العلمي و الازهر الشريف شعاره لا نرضي بالتخلف بديلا ليعزل بذلك دارون ، ماركس ،فرويد ، ورواد الثقافة العرب و المصريين الاوائل و تسقط مصر في براثن افكار و ثقافة العصور الوسطي تتوقي ان يباع مليون من بناتها وابنائها في سوق النخاسة بغرض السخرة و الجنس و التسول كما اعلن تقرير الخارجية الامريكية السنوى.
هل الصورة حالكة السواد هكذا .. لقد ظهر منذ بداية القرن الجديد شعاع ضوء قادم من بلاد الكومبيوتر والانترنيت .. اسمة الفيسبوك .. ظل يتسع و يجذب الشباب و الكبار و حتي طاعني السن مثلي حتي اصبح الطاقة الوحيدة المطلة علي المعاصرة في بلادى .. ومع اتقان بعض المستخدمين للغات الاجنبية استطاعوا كسر التابو وتهميش ما ينتجة موظفي الامن من فن و اخبار ملفقة و أصبح اللجوء الي جوجول هو اقرب الطرق للحصول علي المعلومة المدققة و الخبر الغير مفبرك .. الشباب اعتادوا استخدام الانترنيت عندما يعن لهم ان يسألوا سواء في قضايا هامة او حتي دعابة و ترفية ليظهر جيل جديد يتداول معلومات تخالف ما تشدو به فرق كورال الحكومة النشاز . الاطلال الثقافي و العلمي علي منجزات البشرية في القرن الحادى و العشرين خلخل الارض تحت اقدام الطغاة و ملاك الحقيقة المطلقة من مشايخ و اذنابهم .. وخفض الزمن اللازم ليصبح الانسان معاصرا .. فالموسيقي العالمية متوفرة رغم ارادة السباكين والطرشجية ، و الابداع الفني من نحت و تصوير موجود بمجرد لمس مفاتيح الكيبورد رغم وعيد و تهديد اصحاب الذقون صعبة التطهير، وأخبار الانتفاضات تخرق عين حراس الديكتاتورية..حتي الموضة المخالفة للحجاب و النقاب متوفرة و الطعام الخالي من الكبسة والثريد جاهز للاعداد ..ان العالم هناك مختلف يقدم كل ما لديه في بوفيه مفتوح جعل من عمر الانسان المتوسط مديدا و ثريا كما لو كان قد اكتسب عمر متوشالح . المتعلم الذى اصبح لديه القدرة علي دق مفاتيح الكيبورد تغيرت طلباته لقد اصبح في احتياج الي سلامة موسي ، حلمي مراد ، نهرو ، برناردشو جدد يستطيعون الابحار في علوم العصر وعلي شبكات الانترنيت مضيئين مشاعل معاصرة للشباب.. في حاجة الي رواد يعدون وجبات ثقافية مضغوطة تسمح لمن يريد الاستزادة بالاطلاع و التوسع ثم المساهمة الايجابية في ترسية ثقافة عالمية تم تطويرها خلال القرن الحادى و العشرين مبهرة تقود الانسان الي مسار جديد بعيدا عن خرافات الاساطير و تفاصيل حياة بداوة العصور الوسطي .. العلم ، المنطق ،التحليل ، التجربة و الخطأ ، احترام ادمية البشر .. هي خطوات علي مسار واضح لثقافة شاملة جديدة لا يحتاج من يبحر داخلها لعمر متوشالح ليستوعبها .. المصرى عليه ـ فقط ـ أن يستفيد من وقته وجهده الضائع في الحوار حول الحجاب و النقاب و حق الطالبات في ارتداءه اثناء الامتحان .. عليه ان يوقف حوار الطرشان حول تطبيق الشريعة و قطع الاعضاء البشرية و اهمها الالسن، استعباد البشر و اعادة اسواق النخاسة لمعاشرة الجوارى دون زواج .. علي المصرى ان يوقف التدهور الناتج عن تحكم اغبي عناصر مجتمعه في اذان و افئدة افراد الامة الضحايا المستسلمين تحت وقع الارهاب الديني لتوجهات انتهي زمنها . الانسان المصرى يمكنة تخطي عقبة التعليم الناقص و الاعلام الموجة و الامام المغرض فقط بالتحرك نحو الضوء البازغ من اجهزة الكومبيوتر و الانترنيت يبحث و يدرس و يفهم ( ما لم تقدمه له اجهزة الحكومة واصحاب الجلاليب ) عن حقائق الكون و الوجود و الانسان ، الشاب المصرى عليه ان يمج تلك البضاعة الفاسدة من طول تخزين و ركن غير صحي و يوقف شراهة اصحابها المغامرون يبغون غزوالبنك المركزى و بيت المال .. اطلالة واحدة علي تاريخ هؤلاء المشايخ و المدعين للصلاح علي مصادر رزقهم و ثروتهم ستجعل من يحاول ان يفهم يفهم ان ما يقدمونه لم يعد العصر يحتمله بثقافته البازغة الجديدة التي لا تحتمل اضوائها حياة القرون الوسطي . لغة المستقبل بين يديك لا يحجبها حاجب و لقد اصبحت قادرة علي اجابة اسئلة حيرت الاجداد و الاباء دون ان يضطر الباحث ان يوهَب عمر متوشالح ليعرف اجابتها فقط اضغط علي مفاتيح الكيبورد لتصبح في القرن الحادى و العشرين .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخوف من الحرية
-
-تكليف الله - و النكوص الجيني
-
حامد حمودى و احواض السمك
-
صعوبة أن تكون مسلما
-
الجالية المصرية ..في مصر
-
أندى العالمين كفوف راح ( اقتصاد التسول )
-
طفولة البشرية ام شعوب أطفال
-
خير أجناد الأرض والخامس من يونيو
-
هل هو دجل.. ام جهل !!
-
حكمة امريكية .. دع جروحهم تتقيح
-
فلينظر الانسان كيف تطور
-
هل يقيم الفاشست ديموقراطية !!
-
(الخلافة) غضب الله في ارضه
-
الي الاجيال المقبلة
-
إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب
-
الفاشيستية الدينية أخطر من القومية والحرامية
-
ليس دفاعا.. عن المتهم محمد حسني مبارك (2 )
-
ليس دفاعا عن المتهم محمد حسنى مبارك
-
ثانيا ..مصر مستعمرة وهابية
-
هذا النظام غير قابل للاصلاح
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|