|
شمعتين لياسر
سوسن العطار
الحوار المتمدن-العدد: 1016 - 2004 / 11 / 13 - 10:03
المحور:
الادب والفن
إلى اعتدال اعتدال كانت تضيء شمعة لياسر في مقر المقاطعة تحميها من الريح و تهمس إليها ولا يسمع سوى الشمعة ، لكم ياسر كان نور الشمعة وأي ياسر كانت تتذكر ولمن كانت ترسل الهمس اعتدال ،لياسر الذي طار كالسنونو من البيت واتسعت السماء فقط لجناحاته، أم ياسر العابر توا إلى السماء ليوصل همس الأرض ويؤكد العهد للشهداء. ياسرها الذي في القلب ، هو الذي في مخيلتي ،ياسر الشقيق الصغير ، الضاحك المختال في شوارع بيرزيت التي ضاقت على وسعها لخطواته ،في حين اتسعت شوارع رام الله لدمائه عندما سالت في انتفاضة النفق ، الخارج للتو من حضن أمه، المبهور بعالم جديد لا يخجل أن يبدي دهشته ولهفته عليه ،واندفاعه ليعيشه بكل ما أوتي من شبق الحياة. لا احزن على القلب الصغير والشباب الضائع فقط، قد ضاع بلا عودة ، احزن على القلب الكسير الذي لن تجبر شروخه أية فرحة مهما كانت فيما بعد.
اعتدال قد لا تتذكرني ، ولكن أنا لا أنساها ،كنا نحتفل معا بيوم الأرض ويوم النكبة ويوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وباقي أيام السنة التي تآمر علينا فيها العالم، كنا نختلف على ياسر ولكنه اختلاف لا يفسد لودنا قضية، سهرنا معا وشربنا قهوتنا معا وكنا جيران طيبين في سكن الطالبات . حتى الآن اعتدال تحتفل بيوم واحد للشهيد هو التاسع من آذار ،ياسرها لم يمت وليس له تاريخ استشهاد يعنيها ، في المقاطعة وفي كل بيت شمعة ودمعة وفاجعة ،ولكل فاجعته الخاصة والظرف مواتي ليبكيها مع الملا.
كم من مرة أنقذنا كانتين اعتدال في ليالي بيرزيت العاصفة والماطرة بعنف، العمل التطوعي في الكانتين الذي لا ينتهي وساعاته الكثيرة التي تستطيع توزيعها على الكثير من أمثالي ليستوفوا متطلبات التخرج، هل لازال القلب ينبض عطاء وشموعا كما أراه ينبض حزنا وانكسارا. اذكر اليوم الذي أفاقت اعتدال مفزوعة من حلم أو صحو لا اعرف و اظنها لا تعرف هي أيضا ، تمسك دليل الجامعة ونحسب معا هل استوفت متطلبات التخرج أم مازال هناك ساعة لم تستوفى بعد ، ،هاجس وكابوس يرافق طلاب الجامعة ولا يزال يزورهم في منامهم إلى اليوم كما يحدث معي ، ما زلت احلم أنني لم انهي متطلبات التخرج بالضبط كما احلم أنني أؤدي امتحان التوجيهي و ينتهي الوقت دون أن انهي الإجابة ، أو أنني لم أتخطاه لم انجح . كانت تستعد لكل شيء وتحسب حسابه ، فقط الموت و خسارة ياسر لم تكن تستعد لها والى الآن لا تصدقها ، بالنسبة لها ياسر لم يستوفي متطلبات الغياب بعد، مازال في العمر بقية وفتاة تنظر وفرح قادم ولكن هناك أيضا قناص يتربص. استشهاد ياسر كابوس ستفيق منه وتضيء له شموع بعدد سنين عمره الماضية وتحسب معه سنين عمره القادمة كما حسبت ساعات متطلبات التخرج وتبكي مع الباكين الذين تراهم لا يبكون مثل أخاها ولكن تعزي النفس عنه بالتأسي.
اعتدال تضيء شمعتها لياسر الكبير إذن ، ياسر لا زال صغيرا على الموت أو أن الموت اصغر منه ، أو لا يجرؤ على الاقتراب حتى بعد خروجه من بيت أمه طالما هو في حماية أخته . اعتدال تضيء شمعة لياسر الكبير المار توا إلى ياسر الصغير ورفاقه ، عله يأخذ إليه بعضا من نورها ودفئها في برد الشتاء الطارق أبواب البيت وأبواب القلب. لم يكن ينوي وداعها، لو كان يعرف أن الموت حين يأتي لا ينظر في جدول أعماله لربما توقف قليلا يحادثها ،هو المستعجل دائما للذهاب برفقة صديق إلى البنات التي تنتظره عند كل شارع ومنحنى شلة منهن، كل ما يعرفه أن قلبه ما زال فيه المزيد من الحب والمزيد من الابتسامات لفتيات ينتظرنها بعد انتهاء المحاضرات الطويلة ، لذلك يظن انه ليس أوان الموت بعد حتى لو كانت الرصاصة في القلب ، وحتى لو أجريت العملية في احد ممرات مستشفى رام الله الملاى غرفه بالشهداء والجرحى و في جو غير معقم ، التلوث لا يصيب القلب المفعم بالحياة .
في حفل التخرج الخاص أو الوداع الذي أقمناه تكريما لها كانت اعتدال تبكي ، ايهما كانت تبكي أكثر: وداع الصديقات ومرحلة حلوة بمعاناتها وكوابيسها وتعبها ، أم كانت تبكي علي فائض من العطاء والمحبة قد لا يجد مكانا لإنفاقه . وهكذا ياسر عطاء وشباب لم تتسع أروقة الجامعة لضحكاته ولا شوارع رام الله لخطواته ، كان اكبر كان أجمل كعادة الشهداء وطبيعتهم. اعتدال أضيئي شمعتين ، شمعة منك وشمعة مني لياسرنا الذي في القلب.
#سوسن_العطار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة: سائق تاكسي نزق
-
حياتي التي اعيشها
-
أحلام مستغانمي وأحلام الرجال.... عابرون في خيال عابر
-
قصة قصيرة : شرفة في القمر
-
الكوتا النسائية تمييز ضد المجتمع
-
طفلة في العائلة
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|