|
المثال البولندي للمعارضة السورية
الياس المدني
الحوار المتمدن-العدد: 3411 - 2011 / 6 / 29 - 02:40
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
في الاول من تموز يوليو تتسلم بولندا للمرة الاولى في تاريخها رئاسة الاتحاد الاوروبي. واذا كان من البديهي للجيل الشاب ان تتسلم دولة عضو في الاتحاد الاوروبي الرئاسة، فلا بد من التذكير ان بولندا تعتبر من الاعضاء الجدد في هذا الاتحاد، اذ ليس لها سوى خمس سنوات ونصف فقط. غير ان طريق بولندا الى الاتحاد الاوروبي لم يكن سهلا البتة. اذ كان عليها ان تتحول من دولة ضعيفة اقتصاديا، مهددة بالانهيار نتيجة الديون الخارجية التي استخدمها النظام الشيوعي في محاولة لارضاء جماهير العمال والفلاحين المنتفضة ضده، الى دولة متحضرة ومتطورة من كل النواحي. وكان عليها ان تقوم بقفزة حضارية كبيرة للوصول الى رقي الدول الغربية. استطاعت بولندا القيام بذلك في فترة قياسية. فخلال 15 سنة اعادت هيكلة الدولة والنظام والمجتمع بكل المقاييس لتصبح واحدة من اكثر الدول الاوروبية ديناميكية. ولكن ما شأن بولندا بالمعارضة العربية وتحديدا المعارضة السورية في هذه اللحظة؟ مع الفوارق العديدة التي تتصف فيها حالة سوريا اليوم عن بولندا ايام التسعينات، الا ان التجربة البولندية لاسقاط الحكم الشمولي والديكتاتوري كانت مشابهة واصبحت درسا تاريخيا يجب على الجميع تعلمه. قد يأخذ البعض به او لا، غير ان المعرفة لا تضر. حينما تكونت في بولندا حركة نقابية تحت اسم التضامن في ثمانينيات القرن الماضي وتحت الضغط الشعبي، اضطر حزب العمال الاشتراكي الموحد الذي كان يحكم بولندا بالرضوخ مؤقتا لمطالبها واعترف بشرعيتها وبحق المواطنين بالانتساب اليها. غير ان حجم هذه الحركة وطبيعة نشاطاتها تغير كثيرا عما كان يعتقده الحزب الحاكم، اضافة الى ارتباطاتها الخارجية التي كانت جزءا اساسيا من سياسة ريغان لانهاء الحرب الباردة. وقام الحزب آنذاك بمحاولة لالغاء هذه الحركة من خلال فرض حالة الطوارئ واعتقال قادتها. كما قام بارسال الجيش لتطويق المدن وعزل المناطق عن بعضها البعض. وردا على المظاهرات والاحتجاجات التي نظمها عمال المناجم قامت الدبابات باقتحام مراكز التجمعات مما اسفر عن عدد من القتلى والجرحى. وعلى الرغم من ان عدد من قتلوا على يد النظام الشيوعي خلال 45 عاما من الحكم لا يرتقي الى عدد شهداء اسبوع واحد من انتفاضة سوريا، الا ان الدم ايضا سال وجعل التقارب مع النظام شبه مستحيل. غير ان الوضع الداخلي والخارجي تغير كثيرا خلال سنوات حكم غورباتشوف وكان على السلطات الشيوعية ان تجد المخرج من الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة دون مساعدة الاخ الاكبر آنذاك. من هنا جاءت محادثات وزير الداخلية الشيوعي مع المعارضة برعاية الكنيسة الكاثوليكية. وخلال عدة ايام تم الاتفاق بين جميع الاطراف على عقد اجتماعات الطاولة المستديرة التي انبثق عنها اتفاق بين الحزب الحاكم والمعارضة لتقاسم السلطة في فترة مرحلية تتم بعدها انتخابات حرة. مما لا شك فيه ان هذا الحل كان افضل بكثير لمستقبل البلد من الوضع الذي وصلت اليه رومانيا تشاوسيسكو والذي انتهى بثورة مسلحة سال فيها الكثير من الدماء بما فيها دماء الديكتاتور نفسه مع زوجته الينا. عند متابعتي للوضع في سوريا ارى الكثير من المتشابهات مع الوضع في بولندا قبل محادثات الطاولة المستديرة. المعارضة مع قاعدة شعبية كبيرة مقابل النظام الديكتاتوري بكل قوته العسكرية والاعلامية. تمزق المعارضة بين الداخل والخارج وبين المدن الكبيرة من ناحية والمدن الصغيرة والضواحي من ناحية اخرى. اضافة الى عدم امكانية الاعتماد على العوامل الخارجية التي قد تساعد المعارضة على اسقاط النظام في الحالة السورية. ولكن من جهة اخرى هناك في سوريا نظام ديكتاتوري قمعي دموي لا يكاد يصدق ان الجماهير ابتعدت عنه فاخذ يلوح بالقوة ويشير الى بعض الاصلاحات التي قد تغري المعارضة والجماهير وتوقف هذه الثورة. اما في بولندا فكان هناك حكام رغم ديكتاتوريتهم الا انهم كانوا اكثر ذكاءا، اذ انهم – كما قال لي احدهم في حديث خاص- ارادوا ان يكسروا العرف التاريخي في بولندا بان "يقف كل ثاني جيل على المتاريس ليقاتل ويفنى" ومن ناحية ثانية ارادوا ان يحافظوا على مصالحهم ومصالح الفئة التي ارتبطت بهم. ولعل هذا السبب الثاني كان اكثر اهمية لكل منهم شخصيا من الشعارات الوطنية التي حاولوا ان يرددوها في كل وقت ومكان. النظام الاسدي في سوريا لم يصل بعد الى حدود الهاوية وحسب الكثير من المحللين الغربيين لازال لديه القدرة على المناورة والتكتيك ولديه امكانية الصمود من ثلاثة الى ستة اشهر، اذا لم تصله مساعدات خارجية لقمع الانتفاضة. ويجب الا يفوت عن البال ان هذا النظام يتصف اولا بالطائفية والعائلية وهي صفات يجب ان تؤخذ بالحسبان اذا ما وصل فعلا الى حافة الهاوية. عندئذ سيتصرف حسب مقولة "علي وعلى اعدائي"، فالمعركة بالنسبة له معركة حياة او موت، وطالما لديه القوة للقتال سيقاتل حتى اخر نفس. ولا اتكلم هنا عن الاخوة العلويين، بل عن الجماعات التي ارتبطت وترتبط مصالحها مع العائلة الحاكمة، هذه الجماعات التي تتحكم بالقوات المسلحة وبالاقتصاد الوطني وهي الجماعات التي ستقف الى جانب النظام حتى اخر لحظة في محاولة للحفاظ على مصالحها. كما سيحاولرالنظام استغلال الطائفية الى اقصى الحدود، ويصور نفسه على انه حامي الاقليات العرقية والدينية وهو ما نراه اليوم في وسائل الاعلام التابعة له. من موقعي كمراقب للاحداث ومناصر قوي للانتفاضة السلمية الرائعة التي يقودها الشباب السوري اعتقد ان مؤتمر الشخصيات المستقلة الذي عقد في دمشق يوم 27 حزيران وورقة العمل التي تقدم بها قد تشكل مدخلا لحوار وطني عميق بمشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية السورية بما فيها ممثلي السلطة الاسدية. اعتقد ان اسقاط النظام ممكن خلال فترة وجيزة، سواءا من خلال المظاهرات السلمية التي حولها النظام الى حمامات دم، او من خلال تمرد واسع في الجيش يقوده الضباط الصغار مدعوم بانتفاضة شعبية مسلحة ردا على المجازر والذي سيدفع الشعب السوري ثمنا باهظا له، او من خلال الحوار والاتفاق الذي يعقبه انتقال سلمي للسلطة، يضمن للعائلة الحاكمة والفئة المتحالفة معها بعض الامتيازات ويعطيها بعض الضمانات لمرحلة ما بعد الثورة. لقد قدم الشعب السوري ويقدم يوميا الكثير من التضحيات على قربان الحرية. قدم الكثير من الدماء الزكية التي ما كان يجب ان تسيل لاسقاط نظام بل من اجل تحرير الجولان. اعتقد كمراقب ان الشعب السوري يستطيع ان يقدم تضحية اخرى ويترفع عن الثأر لشهداء الثورة من اجل حقن المزيد من الدماء والحفاظ على الاجيال الشابة. اعتقد انه في ظل الضعف الذي لحق بالنظام حان وقت الحوار، حان وقت الجلوس الى طاولة مستديرة تسقط النظام البالي بجرة قلم. ولا تأخذكم التصريحات النارية لاقطاب النظام، فالحوار من منطلق القوة الذي تتمتع به المعارضة سيسقط كل مكابرات النظام. فقط لا تضعوهم في زاوية لا مخرج منها الا القتال حتى اخر نفس. لقد اثببت التجرية البولندية ان هذا ممكن ويمكن تفكيك النظام خطوة خطوة من خلال سياسة متوازنة، تعيد للشعب حريته وكرامته وتفتح الباب امامه لمستقبل رائع يضمن للجماهير وللدولة قفزة حضارية لم تعرف مثلها منذ العهد الاموي.
#الياس_المدني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموضة السياسية عند العرب، غروب حقبة التدين - الجزء الثاني
-
الموضة السياسية عند العرب، غروب حقبة التدين - الجزء الاول
-
اغنية الى ابطال الثورة السورية
-
حينما يصبح الكلام من لؤلؤا ....
-
نساء عدة والقاتل واحد
-
المرأة السورية والاديان محاضرات السيدة مهاة فرح الخوري
-
حماس تدوس الاحلام ايضا
-
تغطية الشمس بغربال
-
عرس الديمقراطية الفلسطينية
-
الخليفة العباسي المعتذر لخلق الله
-
الخليفة محمود العباسي والالتزامات الاسرامريكية
-
الرئيس محمود عباس؟؟
-
السيدة الاولى ام سهى عرفات
-
آن للفارس ان يترجل
-
البعث الديمقراطي: متى يحمل الشيوعيون السوريون الشماسي؟
-
نـــــداء من الفالوجة
-
تمنع القوافي - الى سعدي يوسف
-
العراق منكم براء والاديان منكم براء وحضارتكم منكم براء
-
نص مداخلةبعنوان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني
-
البيروسترويكا السورية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|