جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3410 - 2011 / 6 / 28 - 16:24
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
الانحدار أو الانحدارات لها عدة أنواع أو أقسام,منها البسيط ومنها المعقد ومنها المتعدد, والانحدار تتم معادلته وفق قياس ظواهر المتغيرات التي تطرأ على جسم المُنحَدِرْ, ودعونا نبحث في البيئة الجغرافية على خط طول 35 حول الكرة الأرضية لنلاحظ بأن طول النهار على طول الخط متساوي ولا يختلف عن بعضه البعض وكأننا نعيش في غرفة واحدة, وكذلك طول ألليل وظهور القمر وغيابه, وبالتعمق أكثر نلاحظ بأن أنواع الأشجار المزروعة هي نفس الأنواع ولا تختلف عن بعضها على عرض الخط, وكذلك الحيوانات والقوارض والحشرات كلها نسخ متكررة مع تكرار نسخة أنواع الأعشاب والبذور التي تنبت على طول الخط, والسكان على طول الخط مع اختلاف مكوناتهم الثقافية نجدهم ينتمون إلى نوع مرض متكرر مثلاً من الأنفلونزا وإلى نفس لون البشرة تقريبا مع اختلافات بسيطة نتيجة مؤثرات أخرى طارئة على شكل طفرات, ولكن لو غادر سكان خط طول 35 أو خط عرض35 باتجاه معاكس شرقا أو غربا عرضا وطولا لاختلفت عليهم النباتات ولاختلفت عليهم ألوان السكان وثقافاتهم نظرا لاختلاف البيئة التي تخلق أنواعا مختلفة من النباتات والأشجار تمشيا مع الحرارة والرطوبة ولهذا كان المناخ يغير أيضا في الطبائع البشرية نتيجة للحرارة وللبرودة ولنوعية الطعام , وسنلاحظ بعد قليل بأن هذا التغير نسميه بالتأقلم مع الأوضاع والتأقلم مع الأوضاع يتطور إلى (انحدار اجتماعي) وسنلاحظُ أيضا بأن المناخ لم يعد وحده المؤثر في السلوك بل نتيجة التطور ظهر الكِتاب, فأصبح الكِتاب يُغيّر في العقائد الدينية ويؤدي إلى الانحدار, وبعد ذلك سنلاحظ بأن نمو المجتمع البرجوازي وتعاظم هيبته قد أدى إلى تراكم الثروة بحيث عملت الثروة على تغير في العادات والتقاليد فالذي كان دخله 100دينار كان لا يخرج من بيته ولا يتكلم مع الناس, ولكن حين تراكمت الثروة لديه أصبح يبحث عن الحرية ويطالب بها لكي يبدد ما بيده من ثروة على الملذات والهوايات والحقوق الشخصية فأصبح يرتاد الأندية والأحزاب والنوادي الليلية والثقافية والسياسية وبالتالي اختلفت عاداته وتقاليده.
وبعد فترة طويلة من المكوث للمهاجرين الجدد المطاردين للنباتات وللحيوانات يكتسب سكان المناطق الجديدة من سكان المناطق التي نزحوا إليها عادات وتقاليد بسيطة في مكوناتها وذات فروقات ضعيفة إذا كانت أنماط الإنتاج متشابهة بينهم وكذلك تحصل أجسامهم على جراثيم وفيروسات جديدة يتحصن الجسم ضدها بمرور الزمن, وكذلك طباعهم تختلف وأشكال وجوههم تختلف مع أنوفهم نتيجة اختلاف الحرارة والنزول إلى مستوى سطح البحر ونلاحظ ذلك اختلاف طبيعة وجوه وأنوف سكان الخليج العربي عن أهل الشام إلا الذين قاموا بتحسين النسل وأحضروا (نساء) دماء جديدة من الشام, وأيضا نتيجة الأبنية الحديثة المُكيفة الهواء..إلخ ..وقد تختلف الديانة والصحة وإذا كانت الهجرة المعاكسة لخط الطول أو العرض بالألوفات فإن هنالك احتمال كبير بأن يتزايد عدد الوفيات بالألوفات أيضا نظرا لتعرضهم لبيئة مختلفة أجسادهم وأجسامهم كما قلنا غير معتادة على التصدي لها مثل اختلافات الحرارة والبرودة والفيروسات التي تقطن تلك المواقع الجديدة والمختلفة عن التي اعتاد عليها الجسم, فمن المحتمل أيضا أن لا يتعرف جهاز المناعة داتماً على الجراثيم الجديدة والفيروسات الجديدة, وقد تؤثر أجسام السكان الجدد بالسكان الأصليين وتنتقل إليهم أمراض جديدة أجسامهم غير متعرفة عليها وتصبح الهجرة كارثة بيئية محتملة أي أن عملية التأقلم بحاجة إلى تقديم ضحايا وأرواح فقبل أن يعتاد الجسم على الفيروسات الجديدة سيقوم رغم أنفه بتقديم أضاحي من جنسه ونوعه لتأكله الفيروسات وكأنها آلهة تتقبل الأضحية والقربان المقدس بالصدر الرحب, أما بخصوص من يعتادون ويتأقلمون مع الأوضاع الجديدة من كلا الطرفين فإنهم هم يتقدمون خطوات أبعد من عملية التأقلم مع المكونات البيئية ومع الجراثيم والفيروسات إلى ما نسميه علميا الانحدار(المنحدرون اجتماعيا).
لقد كانت تلك انحدارات اجتماعية بدائية بيئية ولكن الانحدارات الاجتماعية الأخرى لم تعد تحدث نتيجة الانتقال من العيش في المواقع المنخفضة عن سطح البحر إلى المواقع الجبلية تبعا لمطاردة النباتات التي تهرب من الحرارة لتعيش في المرتفعات الباردة وبما أن الحيوانات كانت تلحق بالنباتات كمصدر للغذاء والطاقة فإنه من الطبيعي أن ينجرف الإنسان خلف النباتات والحيوانات نظرا لأن الإنسان حيوان لاحم ومعشب بحيث كانت طريدة الإنسان حيوانات ونباتات باحثا ومفترسا (للدرنات) و(للجذور) وللحوم,وكانت الانحدارات الاجتماعية بسيطة في مكوناتها وشروطها, أما اليوم فإن (الانحدار الاجتماعي) خطير جدا ويحدث بسببه تغيرا في الأخلاق العامة وأحيانا في الدين رغم أن الهجرة الحديثة لا تتعدى كيلو مترات بسيطة وليست بآلاف الأميال والدونمات المترامية الأطراف , والهجرة تحدث بحثا عن العمل وعن سوق العمل وعن المصانع الكبرى للعمل فيها ونتيجة لذلك أحدثت هذه المتغيرات مجتمعاً برجوازياً جديداً له عاداته وتقاليده يقطن المدن ولا يقطن بالأرياف, ومع مرور الزمن أثرت حياة المدينة في سلوكيات المجتمعات الجديدة التي لم تعد قادرة على التحكم بمشاعرها وعواطفها وثقافتها فأصبحت المصانع والشركات والحياة الصناعية تفرض سلوكيات جديدة على المجتمع الجديد (مجتمع المدينة ) وهذا أول نوع من أنواع الانحدار بحيث انحدر المواطن بسلوكياته إلى سلوكيات المصانع والشركات والحياة العصرية الجديدة, وأصبح للعائلات أنماط مختلفة من التفكير, والآن بعد طول هذا الشرح الطويل سنعرف بأن أنماط السلوك في الريف تختلفُ عنها في المدينة وتغيير المواقع السكنية يؤدي إلى تغيير كبير بمرور الوقت في العادات والتقاليد, وهذا ما ينشأ عن المزج بين أبناء العائلات المدنية وأبناء الأرياف أو أبناء التربية السوقية, ويحدث هذا المزج ليس في المدرسة بل في المدرسة وفي الجامعة والمصنع والشركة والوظيفة بشكل عام .
والانحدار الاجتماعي لا يعني أن تنحدر مثلا من الأعلى إلى الأسفل, ولا من الأسفل إلى الأعلى فقط لا غير لنقول بأن هذا هو بالتحديد الانحدار الاجتماعي,كلا, بل هو الانتقال من صفات إلى صفات جديدة من خلال تأثير البيئة والمؤثرات الثقافية, فمثلا من الممكن أن تنتقل عائلة فقيرة عاداتهم وتقاليدهم جهوية قبلية عشائرية للعيش في ضاحية سكانية عادات أهل تلك الضاحية مختلفة 180ْدرجة عن عادات وتقاليد العائلة الفقيرة, وهنا الانحدار الاجتماعي قد يصاب به الفقير وعائلته إذا استمر مكوثه في الضاحية شهرا مثلا أو سنة أو سنتين, وقد يحدث عكس ذلك إذ تنتقل عائلة غنية من ضاحية سكانية للعيش ضمن مجموعة سكانية ريفية عاداتهم وتقاليدهم مختلفة عنهم وبمرور الوقت والزمن تؤثر البيئة الجديدة في سلوك وطباع العائلة بأكملها ونلاحظ ذلك من خلال المتغيرات التي تطرأ على المُنحدر اجتماعيا.
وهذا ما قصدته في المقال السابق بحيث أنني لم أقل أن الذكاء يؤثر وبأن أبناء الأغنياء يحصلون على علامات مدرسية مرتفعة في المدارس الحكومية والخاصة, كل ما قصدته هو الاختلاط السكاني والمتغيرات التي تؤثر في شخصية الطالب الذي يكتسب صفات اجتماعية جديدة ليست من صلبه وفصله واصله ولا تتلاءم مع طبيعة الحياة التي يحياها أو اعتاد أن يحياها وهنالك مثل فلاحي يقوله أهلي (من خالط القوم40 يوما صار واحداً منهم) فكيف مثلا بطلاب مدارس من طبقات اجتماعية عاداتها وتقاليدها مختلفة عن عادات وتقاليد أولئك الفقراء الذين يدرسون في مدارس حكومية حيث يتعايشون معهم ليس يوما ولا سنة بل 11سنة متواصلة, من المؤكد أن تنتقل صفات في التربية من أبناء الطبقات الفقيرة إلى أبناء الطبقات الغنية, وهذا ما يعرف بالانحدار الاجتماعي, ونفس العملية تتكرر في الجامعة ونفس العملية تتكرر في الضواحي السكنية ذات العرق الثقافي (الإثني الواحد) مع اختلاف بسيط في بعض العادات والتقاليد اليومية, فأغلبية سكان الضواحي السكنية عندنا ينتمون إلى ديانة واحدة ولكن تختلف عاداتهم وتقاليدهم باختلاف مهنهم وأعمالهم, والمجتمع الكتلي في الضاحية السكنية كله تقريبا من نفس المستوى, فإذا انتقلت للعيش به جماعات ريفية من قرى وأرياف فمن المؤكد أنهم سيجلبون معهم ثقافتهم, وهنا المسألة واضحة جدا بحيث أن ظروف التطور التي رفعت معدلات دخل تلك العائلات الريفية قد أدت بهم لغزو المواقع السكنية المتحضرة من أجل إثبات الوجود, وبالتالي عملت أو تعمل تلك الهجرات على خلق انحدارات عكسية وانحدارات متعددة ومختلفة بين بسيطة ومعقدة.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟