كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3408 - 2011 / 6 / 26 - 12:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(1)
ساهمت الإدارة الأمريكية في عهد بوش الابن في تكريس نظام سياسي يستند إلى المحاصصة الطائفية في حكم العراق. أكدت بذلك ما اتفقت عليه مع بنية وسياسات ومواقف أغلب فصائل المعارضة العراقية التي التقت في اجتماعات فيينا وصلاح الدين وواشنطن ولندن حين اتفقت حينذاك على التوزيع الفعلي للحكم في العراق على وفق ما ظهر في تشكيل عضوية اللجان القيادية في حينها وبعد سقوط الدكتاتورية. وحقق المستبد بأمره بول بريمر هذه المهمة على أكمل وجه, بعد أن فُرض الاحتلال الرسمي على العراق بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي. وعمد بكل الوسائل إضعاف التيار الديمقراطي العلماني في البلاد, إذ كان يرى في التيار الديمقراطي دوراً مناهضاً للسياسة الأمريكية في المنطقة.
(2)
لقد مارست النظم السابقة في العراق الطائفية السياسية في الحكم فعلاً وميزت بين الأديان والطوائف, ولكنها أنكرت ممارستها لها رسمياً وعلناً, إذ كان الواقع العراقي حينذاك يفضح تلك الممارسات على مستويات كثيرة. ولكن المجتمع العراقي بكل قومياته وطوائفه رفض التمييز الديني والطائفي وشجبه ووقف بالضد من فعل جمهرة من النخب الحاكمة السنية. أما عراق ما بعد سقوط النظام البعثي, فأن النظام السياسي الجديد يمارس الطائفية السياسية علناً بدءاً من تركيبة قمة النظام (رئاسة الجمهورية) ومروراً بمجلس النواب والسلطة التنفيذية وانتهاءً بآخر حلقة تابعة للدولة العراقية, رغم ادعاءات الأحزاب المشاركة في الحكم بأنها غير طائفية وإنها تأخذ وتلتزم بمبدأ المواطنة, وبقد ما كانت النظم السابقة كاذبة في إدعائها ذلك, فأن النظام الحالي غير صادق وغير شفاف بما يدَّعيه أيضاً. إذ إن تشكيلة الحكومة الحالية ذاتها وبنية الوزارات وكافة المستشارين وغالبية الموظفين فيها تفضح كلها واقع سيادة الطائفية السياسية والتمييز الديني والطائفي في الحكم.
(3)
وينطلق البعض من موضوعة مفادها أن الواقع العراقي الراهن يفرض هذا الشكل من توزيع حصص الحكم على أتباع المذاهب الدينية والأديان, إذ إن الوعي الاجتماعي لم يصل عند الشعب العراقي إلى المستوى المطلوب بحيث يتخلى عن انتخاب القوائم الدينية والطائفية في الانتخابات العامة. من الممكن القبول بواقع مجتمع يعاني من تشوه في الوعي الاجتماعي والسياسي بحكم دور المؤسسات والمرجعيات الدينية والأحزاب الإسلامية السياسية التي تربي على ذلك, ولكن لا يمكن القبول ولا السكوت عن ذلك والدفاع عنه بذريعة أننا لا يمكن أن نقف ضد المجتمع أو ضد التيار الجارف وأن من الضروري أن نصبر حتى تحين فرصة مناسبة بتغيير وعي المجتمع. إذ إن القوى التي تثقف بمثل هذه الاتجاهات المدمرة لوحدة الشعب وتماسكه لن تتوقف عن عملها, في حين يراد للقوى السياسية الديمقراطية أن تدافع عن حكومة مثقلة بالطائفية السياسية لا من الأحزاب الملتزمة بالمذهب الشيعي, بل وتلك الملتزمة بالمذهب السني, وكلاهما يشكل عبئاً ثقيلاً على وعي المجتمع وعلى وحدته وتقدمه. وها نحن نعيش الثمار المرةّ لاستمرار المحاصصة الطائفية في الدولة والسلطة السياسية والسلطتين التشريعية والقضائية وفي المجتمع. وبدأت منذ فترة قصيرة تنتقل إلى المثقفين الديمقراطيين لتصيب البعض منهم بداء الطائفية, سواء أكانوا م أتباع المذهبين السني أم الشيعي. إن الموقف المناسب, كما أرى, هي مقاومة هذا التيار ورفضه وفضح خلفياته التي تبتعد كلية عن مصالح الشعب العراقي, أي السعي للتثقيف الواسع بروح المواطنة والمصالح المشتركة للغالبية العظمى من بنات وأبناء الشعب العراقي من كل القوميات ومن أتباع كل الأديان والمذاهب الدينية والاتجاهات الفكرية غير الفاشية والشوفينية والطائفية السياسية.
(4)
ورغم إدعاءات رئيس الإدارة الأمريكية السابق جورج دبليو بوش بأن الولايات المتحدة ذهبت إلى العراق لإرساء مبادئ الديمقراطية في البلاد وتكريس الحرية, باعتبار الولايات المتحدة حاملة راية الحرية على الصعيد العالمي من جهة, وأنه كشخص يحمل رسالة إلهية بهذا الخصوص من جهة أخرى, فإن النظام السياسي الذي ساهمت في إقامته منذ تشكيل مجلس الحكم المؤقت استند إلى قاعدة مخالفة بالأساس لمبادئ الديمقراطية والمجتمع المدني, إلى قاعدة المحاصصة الطائفية التي لا تسمح بأي حال ببناء الديمقراطية في العراق بسبب طبيعة السلطة والمصالح التي تدافع الأحزاب الإسلامية السياسية القائمة على أسس مذهبية وبسبب أيديولوجيتها الشمولية التي تخلق كل المعوقات في طريق بناء دولة مدنية ديمقراطية ومجتمع مدني ديمقراطي حر في العراق. وقد عبر عن ذلك صراحة وبعيداً عن الدجل حين علي الأديب, نائب رئيس حزب الدعوة, ووزير التعليم العالي حالياً, قال بأن الديمقراطية أداة بالنسبة لنا وليست فلسفة للحكم. وهذا يعني بصريح العبارة أن حزب الدعوة حين يصل إلى الحكم عبر هذه الأداة لن يمارس الديمقراطية كفلسفة, بل الحاكمية لله وللولي الفقيه على أرض الله! وينفذ رئيس حزب الدعوة ورئيس الوزراء السيد نوري المالكي هذه القاعدة بدقة متناهية, فلا يتخلى عن الحكم ولا يقوم بإصلاحه ولا يسمح لغيره ولا يجري انتخابات جديدة إلا على المزيد من الضحايا وربما الكوارث!
(5)
والأيام المنصرمة تؤكد ذلك. فها هو العراق يلج السنة التاسعة منذ سقوط الدكتاتورية البعثية والصدَّامية والمجتمع العراقي والمجتمعات الأخرى تتابع كيف يتسرب الاستبداد الفردي إلى الحكم وكيف تنشأ وتتكامل بنيته وكيف تتحرك القوات المسلحة والإعلام الرسمي الحكومي بأمر من القائد العام للقوات المسلحة لتكريس ذلك, وكيف يجمع ويعبئ الحاكم كل ما هو متوفر تحت تصرفه للبقاء في السلطة. فالقلق والشك ثم الخوف من فقدان السلطة يدفع بالحاكم إلى إساءة التقدير وإلى مواجهة المعترضين على سياساته والمتعارضين مع مواقفه بالإساءة والاتهام والقوة الزجرية ولا يترك فسحة كافية للمجتمع أو أجزاء منه للتعبير على وفق ما يسمح الدستور عن مواقفها الفكرية والسياسية. ويتحول الجميع إلى أعداء.
(6)
في مثل هذا الأجواء يشتد الصراع الطائفي ويحتدم بين الأحزاب المعبرة عن القوى الطائفية السياسية المشاركة في الحكم ويصعب عندها فك اشتباكها. كما يشتد الصراع بين المعارضة والحكم, يضاف إلى الصراع القائم أساساً بين القوى المعادية للعملية السياسية وكل القوى السياسية التي تؤيدها. ويصعب عندها على رئيس الوزراء التمييز بين هذه الأطراف المختلفة فيصب لعنته ونقمته وغضبه على الجميع وسواء بسواء. وعلينا أن نتابع هنا الأسلوب التقليدي المعروف في خلق المستبد بأمره ودفعه لكي يرى نفسه بأنه المنقذ الأوحد للبلاد من أعداء البلاد. هذه الحالة هي التي يعيشها المجتمع العراقي في الوقت الحاضر, وهي الأخطر على المجتمع ومستقبل البلاد.
(7)
وتستثمر القوى المعادية التي لا تريد الخير للعراق هذا الوضع من أجل الدفع بالأمور إلى نهاياتها الحزينة وإلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي يمكن على من يريد رؤيتها ملاحظتها بسهول ووضع اليد عليها:
1 . تفاقم العمليات الإرهابية بسبب أجواء الصراع بين القوى المشاركة في السلطة, وهي صراعات مناسبة لحركتها وفعلها الدموي وحصولها على تغطية وحماية من أطراف الصراع, إذ إن المُنفّذ للعمليات الإرهابية ليس طرفاً واحداً بل عدة أطراف.
2 . تفاقم الفساد المالي والإداري والعجز الفعلي عن مواجهته, إذ إن جزءاً غير قليل من المشاركين في الحكم يمارسونه ويرتبطون بألف خيط وخيط به, كما إن قوى الإرهاب تغذيه وتساهم به وتنشط فعله.
3 . ومعها تنشأ حالة تعجز فيها الحكومة عن تنفيذ المهمات في مجالات الاقتصاد والمجتمع والخدمات العامة مما يزيد من نقمة الناس وغضبهم وتحركهم ضد سياسات الحكومة ومواقفها وضعفها في مكافحة المشكلات القائمة, وخاصة الفساد والإرهاب, إضافة إلى البطالة والفقر والحرمان.
4 . وبدلاً من أن تتجه السلطة التنفيذية إلى الانفتاح على الشعب ودعم مطالبه وتوفير الأجواء المناسبة لخلق الثقة المتبادلة, تعمد إلى التضييق على الحريات العامة وعلى المظاهرات والمتظاهرين فتشدد من الصراعات وتفسح في المجال لمزيد من المصاعب أمام المجتمع وأمام الحكومة ذاتها.
5 . وهي بهذا الأسلوب تسير بخطى سريعة على هدى السلف غير الصالح, على طريق الفردية والاستبداد ومزيد من الانفصال عن الشعب ومطالبه. وهنا يحقق الحكم ما كان يسعى إليه أعداء الشعب وليس القوى المتظاهرة.
إن قوى الإرهاب وبقية القوى المعادية لمسيرة العراق نحو الدولة والمجتمع المدني الديمقراطي تسعى إلى خلق الأجواء التي تفرض على الولايات المتحدة تمديد بقاء قواتها في العراق, وهي بهذا تعمل على توفير الأجواء المناسبة لها لممارسة الإرهاب بدعوى طرد المحتل الأجنبي. إنها دائرة مترابطة بحلقاتها ومغلقة, فهي من جانب تمارس الإرهاب بدعوى طرد المحتل, ولكنها بممارستها الإرهاب تفرض استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق, وهو الوضع المناسب لها, لكي تدعي حقها في المقاومة بسبب وجود قوات أجنبية في البلاد!
(8)
لا يتم كسر هذه الدائرة المغلقة إلا بمعالجة الأزمة البنيوية الماسكة بخناق الحكم والمجتمع, أزمة الحكم الطائفي غير الديمقراطي والمتحول تدريجاً صوب الشمولية, أي بالتخلي عنه والاعتراف بالمواطنة العراقية والسير على طريق الحرية الفردية والحريات العامة والديمقراطية. إنه الطريق الوحيد الموصل لشاطئ الأمن والسلام في البلاد. فهل يعي السيد رئيس الوزراء هذه الحقيقة, وهل سيتصرف على ضوئها أم سيواصل المسيرة التي بدأ بها باتهام المتظاهرين يوم 25 شباط بكل التهم التي تسئ للمواطن المتظاهر دون وجه حق.
الاستماع إلى المتظاهرين ومطالبهم ومناقشة المشكلات وطرح الحلول العملية هو الطريق الوحيد لمعالجة أزمة البلاد. وكل الدلائل حتى الآن لا تؤكد قدرة رئيس الوزراء على الإصغاء بحسن نية إلى المتظاهرين, بل يقتله الشك بنواياهم, وهي إشكالية غالبية الحكام الفرديين. والعراق الراهن, كما هو العراق على امتداد التاريخ المنصرم, يعاني من الحكام الفرديين والمستبدين والغارقين في عدم الثقة بشعوبهم والتي تنعكس في غياب ثقة الشعب بهم بسبب سلوكياتهم في الحكم والتي تختلف في الظاهر عن سلوكياتهم قبل وصولهم إلى السلطة.
(9)
إن وحدة الشعب ووحدة برنامج وعمل الحكومة وتماسكها وإنجازها لمهماتها والالتزام بالمؤسسات الدستورية وإطلاقها الفعلي للحريات الديمقراطية العامة والحق في التعبير عبر التظاهرات أو الاعتصامات أو أي شكل سلمي وديمقراطي آخر تعتبر بحق القاعدة المتينة التي تندحر أمامها قوى الإرهاب وتتحطم مشاريعها العدوانية وتفقد قدرتها على العمل والبقاء وتغيب عن الساحة السياسية العراقية. ووحدة الشعب تتطلب التخلص الفعلي من المحاصصة والفردية في العمل وتغييب المواطنة الحرة والمتساوية أو استمرار البطالة والفساد في البلاد. إنها المحنة التي تواجه المجتمع, إنه الانغلاق الديني والمذهبي الذي يطيح بوحدة الشعب, إنها اللعنة التي لا بد من دفنها مع الماضي الحزين.
26/6/2011 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟