أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - حسن محسن رمضان - المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي















المزيد.....

المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3407 - 2011 / 6 / 25 - 19:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


المجتمعات الحديثة، كلها وبلا استثناء، هي بالضرورة تجمعات إنسانية غير متجانسة دينياً ومذهبياً وعرقياً. هي محيط جغرافي يحوي عقائد وأعراق متعددة لا تتوافق وربما لن تتقاطع إلا في حقيقة حلولها على نفس البقعة الجغرافية في لحظة زمنية واحدة. هذه هي ببساطة طبيعة المجتمعات المفتوحة غير المغلقة أو غير المنكفأة على نفسها، وهي صفة المجتمعات الحديثة المعاصرة المفتوحة على أدوات العولمة المتعددة. فالمجتمع، ككيان يحوي أفراداً تتنوع عقائدهم وأفكارهم وأصولهم وأعراقهم، تتباين قناعات نسيجه المُكوِّن له لا محالة، ولكن ما يجمع هذا النسيج ويُبقيه كمجتمع حضاري هي عوامل وحاجات مصلحية مشتركة ولكنها متعددة ومتشعبة يقننها يحدد أطرها القانون. فبسبب تلك الحاجات "المتعددة والمتشعبة” لأفراده فإن المجتمع الحديث مضطر اضطراراً إلى التنوع والاختلاف حتى يُلبي تلك الحاجات المتعددة المتجددة باستمرار من جهة، ومن جهة أخرى حتى يستطيع أن يزيدة فرصة استمراره في الحياة. ذلك هو سر تفوق المجتمعات الحديثة التي تنبَّهت إلى تلك الحقيقة فكرّست هذا التنوع الاجتماعي لصالح بقائها وتفوقها. فلا يوجد على هذه الأرض شعب “خالص نقي” من حيث الأعراق أو الأصول أو العقائد أو الأديان أو الأفكار من دون وجود أي عنصر مباين لهذا “النقاء” من أي نوع كان، اللهم إلا تلك القرى صغيرة السكان المعزولة تماماً في الغابات أو الواحات النائية. وكل محاولة في أي مجتمع، قديم أو معاصر، جاءت نتيجة لفكرة “أصل نقي خالص” أو “دين أو مذهب واحد وحيد يجب أن يهيمن” أو “فكرة يجب أن تسود دون غيرها” أو “فلسفة تملك وحدها الحقيقة النهائية والمطلقة” هي محاولة إما بائت بالفشل وجرّت على ذلك المجتمع الديكتاتوريات والتسلط والكوارث والحروب والمآسي أو هي في طريقها إلى ذلك بدون أدنى شك. لا يوجد إستثناء لهذا أبداً. بل الحقيقة هي أن فكرة الأصول النقية أو الانسجام العقائدي أو الفكري لأي مجتمع، في أي وقت من أوقات التاريخ وبلا إستثناء، هي كلها مجرد أوهام وخرافات وأساطير لا تصمد أمام النقد المتجرد المحايد الذي يطلب الحق والحقيقة.

المجتمعات هي كيانات شديدة الديناميكية، يتغير نسيجها العقائدي والعرقي والفكري بشكل دائم ولكن ليس بالضرورة بشكل سريع. هذا التغير تفرضه عوامل متعددة منها تعدد مصادر الهجرات أو تغير القناعات والمُسلّمات أو التعرض لثقافات أخرى مهيمنة أو متفوقة مباينة لهذا المجتمع وثقافته. والكويت، بالطبع، ليست حالة شاذة عن هذا السياق. فالهجرات إلى الكويت كانت مستمرة من أول إنشائها وحتى وقتنا الحاضر. تعددت أسبابها ولكنها لم تتوقف للحظة. وأيضاً، فإن النسيج الاجتماعي الكويتي، كان ولا يزال، نسيج طبقي عِرقي في جوهره، يرفض التمازج والانصهار ويؤكد تلك الفروقات من خلال جوانب متعددة في ثقافته وممارساته. بل الحقيقة هي أن الفروقات الطبقية والعِرقية في المجتمع الكويتي كانت أشد وضوحاً في الماضي، وخصوصاً قبل تدفق النفط، عن وقتنا الحاضر. فالفقر كان أكثر شدة ووطئاً، والجهل كان أكثر سواداً، والمرض كان أشد فتكاً، والظلم كان أكثر بروزاً وتجلياً، و “عيال بطنها” [مصطلح كويتي عامي للكناية عن السكان الأصليين في مقابل المهاجرين] كانوا أكثر قسوة في تبيان الفروقات الطبقية والعِرقية بينهم وبين ما يتم نبزهم على أنهم (بدو، عجم، لفو، بياسر، صنّاع، هيلق، فداوية، عبيد…الخ) [مصطلحات عامية كويتية: لفو أي الدخلاء، بياسر أي غير الأصلاء، صُنّاع أي العمال المهنيين وهي صفة ذم في الأعراف القبلية، هيلق أي عديمي القيمة والمركز الاجتماعي، فداوي هم حرس الشيوخ من البدو]. ولا يغير هذه الحقيقة كل محاولات التجميل الصناعية، والتي يحاولها البعض جاهداً عندنا ولا يزال خلال الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية، لتصوير مجتمع ما قبل النفط على أنه “يوتوبيا” أضعناها من بين أيدينا مع أول قطرة نفط فاضت خيراتها على فقراء الكويت وعلى (بدوهم وعجمهم وبياسرهم وصنّاعهم وهيلقهم وعبيدهم…الخ). فما أضاعه أهل الكويت على الحقيقة هو فقط مكان هؤلاء في ديوان أو بيوت “عيال بطنها” أو “المعازيب” [مصطلح عامي للكناية عن أرباب العمل والتجار] من التجار والأغنياء والموسرين الذي كان بالضبط على الأرض، عند الباب مباشرة، أو على أنهم يعملون بالضرورة كـ (صبيان [خدم] وصبابين قهوة). وإلا، هل هي من المصادفة ألا يتم التزاوج بين عوائل الكويت، لمدة قرنين من الزمان في تلك اليوتوبيا الوهمية الضائعة، إلا بين الطبقات المتماثلة في الغنى والمركز وأوهام الأصول؟ وهل يستطيع أي أحد أن ينكر بإن بعض النتاج الشعري والأدبي في ذلك الوقت، والذي يجاهد البعض اليوم لإخفائه أو تحوير معناه الحقيقي، كان يحمل طابعاً عرقياً عنصرياً جلفاً؟ وهل يستطيع أي أحد أن ينكر أن ما يسمى بـ “القانون” كان يتحيز دائماً للغني وصاحب العمل على حساب الفقير و “الكادود”؟ [الكادود مصطلح عامي وهو الذي يعمل بعرق جبينه في المهن اليدوية]. وهل يستطيع أي أحد أن ينكر أن الذين كانوا يصيحون بأعلى أصواتهم: “هليِّل”، بالتصغير، يتحول ندائه فجأة إلى “هلال” لا لشيء إلا بسبب الفرق في رأس المال باتجاه الغنى والثروة؟ وهل يستطيع أي أحد أن ينكر بأن الأوصاف التي وضعتها بين قوسين أعلاه (بدو، عجم، بياسر ... الخ) كانت، وما زالت، من أوصاف الانتقاص وربما الشتيمة والإهانة في النسيج الاجتماعي الكويتي؟ فلا رحم الله تلك الأيام ولا أعادها.

هذا المجتمع الكويتي القديم، بقناعاته وممارساته الطبقية العرقية الواضحة، بعد أن قفزت كل فئات المجتمع في سلم الثروة عند اكتشاف النفط، وبعد أن تغير “المعازيب” [عامي، أي أرباب العمل من التجار] وأصبحت الحكومة هي “المعزّب العود” [مصطلح عامي معناه رب العمل الكبير] لتتبني مفهوم (توزيع الثروة) على كل فئات المجتمع بشكلها الريعي البحت، أفرز ثلاثة أنواع من ردود الأفعال. فقد تفاوتت ردود الفعل بين فئات ثلاثة مكونة للنسيج الاجتماعي والتي سوف تؤثر سلباً في الصراع الاجتماعي والسياسي في الكويت: المهاجرون من الحواضر، المهاجرون من البدو، والطبقة الثرية وأصحاب النفوذ ومعهم مَنْ يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين للكويت.

أما طبقة المهاجرين من حواضر البلاد المختلفة في الشرق والشمال على الخصوص من الفقراء والمغلوبين فإنها انكفأت على نفسها ضمن تقسيمات عِرقية واضحة أو مذهبية. هذا الانكفاء ضمن التقسيمات العِرقية تبدى في قطاعات عريضة في المجتمع في الاسم العائلي الذي اختارته في هوياتها الرسمية والذي أصبح يعكس اسم البلد أو المدينة الذي أتت منه هذه الهجرة الأولى للكويت، أو في بعض الأحيان اسم المهنة التي كان يحتكرها دون غيرهم مهاجرون من مناطق محددة في إيران أو العراق. هذا الاسم العائلي الأخير أصبح لاحقاً يدل أيضاً على التقسيم الطائفي المذهبي أيضاً. إلا أنه مع تطور الصراع العرقي والطائفي في الكويت، وخصوصاً في الحملة الإعلامية الشرسة خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي وما رافقها من سياسات حكومية غير معلنة، برزت نزعة واضحة عند قطاعات متعددة ضمن هذه الطبقة أبرزت ما كانت تعانيه من انتقاص لإصولها مقارنة بالأصول العِرقية ذات المنشأ العربي الخالص على الخصوص. هذه النزعة تبدّت على شكل استقتال شرس لإثبات أن أصولها الأولى كانت من الجزيرة العربية بالتحديد حتى وإن كانت هجرتها الأصلية إلى الكويت من الشرق أو الشمال أو أقصى الغرب [من الدارج الآن أن ترى سلسلة النسب على شكل لوحة شجرة العائلة تتصدر الحائط في بعض الدواوين وكأن الأمر إعلان لعموم الشعب]. ومن جهة أخرى فإن هذه الطبقة المسحوقة التي مُورس ضدها التمييز بسبب الثروة والأصول قبل النفط انخرطت بحماس بعد تدفق الثروة ومارست أغلب ما كانت تتعرض له ولكن ضد الطبقات الأخرى للمجتمع الكويتي ذاته (وخصوصاً ضد البدو أو ضمن تقسيمات ثانوية داخل نفس التقسيم العرقي) أو ضد المهاجرين من الجنسيات الأخرى العاملين في الكويت من أبناء أمم وشعوب لا ذنب لهم إلا ذنب “الفقر والبؤس” الذي كان يعاني منه آباء وأجداد هؤلاء. فكأن قطاع مهم من هذه الطبقة أراد أن يأخذ فرصته في تمثيل دور “المعازيب” القدماء بكل سيئات ما قبل عهد النفط. وأيضاً من جهة ثالثة، إنكفأت هذه الطبقة على نفسها مذهبياً وبصورة واضحة لا لبس فيها. هذا الانكفاء الخطير كان نتيجة رئيسية لسياسات حكومية ساذجة قصيرة النظر ونتيجة لعمل قوى متصارعة مذهبياً (سنية – شيعية) لا ترى في الآخر إلا خصماً يجب تصفية نفوذه نهائياً من المجال الاجتماعي والسياسي للكويت. كان من الواضح أن هذا الانكفاء المذهبي أتى نتيجة الرغبة لتعوض حاجة الانتماء الذي لم ينفك ذلك الآخر يشكك فيه على المستوى الوطني والديني وباستخدام مصطلحات تنبز التاريخ والحاضر والولاء. ومن الملاحظ أن هذا الانكفاء المذهبي ازداد وضوحاً، وربما شراسة، مع الزمن وذلك بسبب تغلغل ثقافة هذا الصراع المذهبي في الوعي الثقافي الاجتماعي الكويتي وخروج جيل جديد لا يعرف في محيطه إلا هذا الصراع المذهبي – العرقي وعلى أنه أمر واقع لا مفر منه.

أما المهاجرين ذوي الأصول البدوية فإنهم أيضاً إنكفأوا على أنفسهم على مستوى النسيج الاجتماعي على الخصوص وإنْ حافضوا لفترة طويلة على العلاقة الأصلية التي ربطتهم مصلحياً مع مؤسسة الإمارة. فالحقيقة هي أن المهاجرين ذوي الأصول البدوية كانوا من وجهة نظر مؤسسة الإمارة هم من يمثل ورقة “الولاء المطلق” لها، ولهذا السبب فإن هؤلاء المهاجرين بالذات كانوا هم مادة التجنيس العشوائي غير القانوني الذي مارسته مؤسسة الإمارة بشكل واسع للتأثير على مخرجات إنتخابات مجلس الأمة والحصول على الأغلبية داخل قاعة البرلمان. وللتأكد من فاعلية هذا التجنيس العشوائي في الانتخابات تم تركيز هذه القبائل سكانياً داخل مناطق محددة سُميت في ذلك الوقت بـ "المناطق الخارجية" مع المحافظة على الانتماء القبلي من خلال إبقاء اسم القبيلة في الاسم العائلي الأخير لكل أفراد هذه القطاعات. إلا أن هذه "العزلة" النسبية لأبناء هذه القبائل في تلك المناطق الخارجية أدت فيما أدت إليه إلى المحافظة على الأعراف والثقافة القبلية التي سوف ينقلها لاحقاً أبناؤهم إلى مؤسسات الدولة وإداراتها لينتج عنها انهيار معياري على أصعدة متعددة داخل تلك المؤسسات، هذا بالإضافة إلى أن تلك العزلة النسبية أدت إلى ترسيخ الانتماء القبلي وتقويته ضمن المجال الحضري بدلاً من تفتيته وإذابته لصالح قيم المواطنة. كما أن هذا الانكفاء على الذات أدى إلى تضخيم الفروقات العرقية والقبلية بينهم وبين أنفسهم بالدرجة الأولى كما يتبدى واضحاً في كل انتخابات برلمانية، وبينهم وبين باقي أطياف النسيج الاجتماعي الحضري الذي ينظر لهم نظرة فوقية متعالية أصلاً قديماً وحديثاً. إدى هذا إلى ردود أفعال ضمن أبناء وأحفاد هذا القطاع تمثل في صراع (بدوي – حضري)، وإنْ كان يتم أحياناً تحت عناوين طائفية، خرج إلى حدود العلن لصالح الاستحواذ على المراكز القيادية في مؤسسات الدولة مع فرص التوظيف وكراسي النقابات وجمعيات النفع العام وكل ما هو مُتاح انتخابياً، إلا أن التجييش والتحفيز في كل هذا الصراع "الانتخابي" يتم تحت عناوين قبلية عِرقية واضحة لا لبس فيها. وأدى أيضاً إلى الانقلاب السياسي (لكنه جزئي غير شامل) على السلطة التنفيذية التي تشكلها مؤسسة الإمارة، نفس المؤسسة التي كان يدين لها بالولاء المطلق آبائهم وأدت إلى تجنيسهم غير القانوني في الفترة الممتدة من نهاية الستينيات إلى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. هذا التحول أدى إلى شعور بـ "القوة" الانتخابية لهذه التجمعات مما رسخ أكثر قناعتها بأهمية الانتماء القبلي في مواجهة الدولة، كما أنه عزز العزلة القيمية لصالح الأعراف القبلية في مقابل أعراف الدولة وقوانينها. هذه الممارسات جعل الفئات الأخرى ضمن المجتمع تستشعر خطراً يهدد مصالحها وتواجدها السياسي والاجتماعي مما استدعى ردود أفعال مشابهة منها أيضاً.

أما الطبقات الثرية وأصحاب النفوذ في الماضي، وبسبب المصالح الاقتصادية والسياسية المتشعبة في الكويت، فقد اقتصرت على ممارسة التمييز في جوانب خفية في المعاملة وعلى ما يدور في الغرف المغلقة. فهذه الطبقات، على تشعباتها الفكرية ذات النزعة الليبرالية الواضحة، كونت ثرواتها، أو زادتها بطريقة سريعة، من خلال تحالفات واضحة مع الحكومة أو علاقات شخصية مع أفراد السلطة أدت إلى إرساء المشاريع الحكومية عليها واستغلال أملاك الدولة. حتى القطاع الذي يطرح نفسه كـ "معارضة" ضمن هذه الطبقة هو لا يطرحها من خلال انفصال تام عن العلاقة المصلحية مع السلطة. فبينما نجد سياسي من هذه الطبقة يمثل تطابقاً تاماً مع التوجهات الحكومية داخل مجلس الأمة، نرى ابن أخته يُمثل "معارضة" من نوع ما داخل نفس القاعة. كما أن هناك تذمر خفي، يخرج إلى العلن أحياناً، من مزاحمة الطبقتين السالفتين الذكر لهم في التجارة وممارسة السياسة واحتكار النفوذ الاجتماعي. هذا التذمر (فلتات اللسان) أدى مرات عديدة عندما خرج للعلن إلى ردود أفعال عكسية من هاتين الطبقتين ضدهم، وليتجلى مصطلح "التجار" على أنه مصطلح يدل على التمييز والجشع والطبقية الشديدة في الذهنية الشعبية. إلا أن الجزء الأبرز في الحراك السياسي لهذه الطبقة هو احتكارها للصحف اليومية المقروءة على نطاق واسع داخلياً مع ما تلاها من قنوات تلفزيونية. فالإعلام المقروء في الكويت (صحف يوميةواسعة الانتشار داخلياً) هو غير محايد ومُجير تماماً لصالح مصلحة محددة أو قضية صراع تعكس بالضرورة مصالح مالكيها من العوائل الكويتية التي تمثل هذه الطبقة بالذات. بل في الحقيقة أن بعض هذه الصحف اليومية هي طرف أساسي في صراعات مالكيها إما مع القانون أو مع أطراف أخرى إما إعتبارية أو حقيقية. ولكن هذا لا يعني أن “كل” ما تكتبه هذه الصحف هو يخضع لذلك المحور، ولكنه يعني أن الطرح العام لهذه الصحف هو مطابق تماماً لهذه الحقيقة، ويجب أن يُنظر للقضايا العامة المطروحة في هذا الإعلام المقروء مع الأخذ بعين الاعتبار هذا القصور. ولذلك فإن ما يقرأه الناس في تلك الصحف لا يعكس بالضرورة الصورة الحقيقية المحايدة لقضية ما، وخصوصاً، وكما يفعل الأغلبية الساحقة في الكويت، إذا اقتصر الفرد في قرائته على مصدر واحد يتيم من هذه الصحف. فالحقيقة هي أن ما يقرأه الناس هو “رأي” أو "مصلحة" أو "تحالفات" مُلّاك هذه الصحف من العوائل الثرية. فصياغة الخبر مع ما يصحابها من إبراز أو تهميش المواضيع المطروحة على الساحة المحلية أو الإقليمية يخضع بدرجة أولى في هذه الصحف لمصالح تلك العوائل ولإدارة صراعاتها الداخلية ولا شأن له إطلاقاً بـ "المبدأ" الذي تتقمصه هذه الصحف إعلامياً. فالقضية المحورية هنا هي أن القطاعات الشعبية الكويتية معرضة تماماً لتكوين قناعات عامة على أساس معلومات وأخبار وآراء يتم صياغتها من خلال إعلام مقروء ومرئي مملوك بالكامل لهذه الطبقة بالذات مع ما تمثله من مصالح وتحالفات، وكل محاولات لتحدي هذا الانتشار الواسع لتلك الصحف بالذات قد باءت بالفشل حتى هذه اللحظة.

إذن، وبعد استعراضنا لهذه الفئات الثلاث داخل المجتمع الكويتي، أصبحت الذهنية الكويتية، كممارسات اجتماعية قديمة وكردود أفعال لاحقة لها، مهيأة تماماً لممارسة التمييز والتشرذم الاجتماعي وعلى أي محور من الممكن أن يصلح لذلك. الطامة الكبرى هي أن تلك الذهنية أصبحت تُربي أبنائها وبناتها، حوالي جيلين الآن، على تلك المفاهيم الطبقية، وليتطور الأمر إلى حالة استعداد نفسي لقبول أي فكرة تحمل بذور التمييز أو الاحتقار أو الطعن ضد أبناء المجتمع الآخرين، لا لشيء إلا لأنهم أتوا من مكان مختلف أو يحملون مذهباً مختلفاً أو يتبنون فكرة مختلفة. وفي كل هذا نسي السواد الأعظم من المجتمع الكويتي أن أجدادهم كانوا هُم من يتم التمييز ضدهم والافتئات عليهم ولكن على أساس طبقي بحت ولا يعرفون موقعاً لهم إلا عند الأبواب.

إلا أن الملاحظ هو تطور الأمر بعد ذلك، وخصوصاً مع نشوب الحرب العراقية الإيرانية وما صاحبها من إعلام وسياسات، ليتبنى البعض فكرة شاذة غريبة لا تعكس أي حس ذكي لمتبنيها، وهي أن الولاء والوطنية والشرف ضمن القطاع الاجتماعي في الكويت هو إنعكاس مباشر إما للمذهب السني فقط دون غيره، أو للأصول الحضرية فقط الممتدة جذورها في نجد تحديداً أو أحياناً في الزبير شمالاً دون غيرهما. وأصبح هؤلاء، آباء وأبناء، يتوهمون لنفسهم حقـاً ليحكموا به على كل الأعراق والأصول والمذاهب الأخرى مسائلين ومحاكمين به وطنيتهم وولائهم وشرفهم. فكأنَّ، ضمن هذا المفهوم الشاذ، يكفي الإنسان الكويتي أن يكون جده الأعلى أتى من نجد في الجنوب أو من الزبير في الشمال ليكون شريفاً ووطنياً لا ينازعه أحد في هذا وليتم تنصيبه قاضياً على نوايا العباد وضمائرهم. إلا أن تاريخ الثلاثين سنة الماضية أثبتت بما لا يدع مجال للشك بأن اللصوص والسُراق والخونة والمتآمرين وعبيد الدينار والدرهم في الكويت يتشارك فيها الكل وبلا استثناء ولكن يأتي في مقدمتهم من أتى من نجد والزبير وعلى المذهب السني بالتحديد. لكن المشكلة الحقيقية في هذه القناعة هو تفاقمها إلى حدود الوباء الفكري التي تظهر أعراضه واضحة جلية عند كل قضية داخلية أو إقليمية تتعرض لها الكويت، ولا يبدو أن أحداً بالفعل لديه تصور واضح لأساس الإشكالية أو حتى اهتمام جدي بخطورة هذه المفاهيم التي نشأت عليها أجيال حتى هذه اللحظة وهي تتصرف من خلالها ضمن النسيج الاجتماعي.

المشكلة العرقية في الكويت هي واقع ملموس، وإن كانت أقل حدة من المشكلة الطائفية، نبع أساسها من مفاهيم وأعراف تزدري الآخر المختلف وتحتقره، لا لشيء إلا لأن جده الأعلى أتى من شمال أو جنوب أو شرق أو غرب. هذه المفاهيم، بانقساماتها وتصنيفاتها المختلفة في الذهنية الكويتية، هي أحد العوائق المهمة لأية محاولة جادة لتفادي احتمال انقسام الشعب على نفسه عند بوادر الأزمات التي ينخرط فيها أفراد قلائل أو ربما فرد واحد فقط، فإذا بنا نرى، ويال الغرابة، يكتوي بنارها يكتو كل من أتت أصوله من ذلك الاتجاه الجغرافي برمته، صغيرهم وكبيرهم وشيوخهم ونسائهم وأطفالهم. إنها ثقافة وأعراف وأخلاق شعب يجب أن تتغير وتتحطم وتتلاشى. لا لشيء، إلا لمستقبل أبناء الكويت.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشكلة السياسية في الكويت
- الخطاب التمجيدي الإسلامي
- ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
- والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
- الحرية التي نريد


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ ...
- نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار ...
- مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط ...
- وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز ...
- دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع ...
- المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف ...
- في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس ...
- بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط ...
- ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - حسن محسن رمضان - المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي